الموسوعة الفقهية

المطلب السادس: ما يُشرَعُ له الأذانُ


الفَرْعُ الأَوَّلُ: الأذانُ للصَّلواتِ الخَمْسِ
يُشرَعُ الأذانُ للصَّلواتِ الخَمْسِ، ولا يُشرَعُ لغيرِها من النَّوافِلِ.
الأدلَّة:
أوَّلًا: مِنَ الإِجْماعِ
نقَل الإجماعَ على ذلِك: ابنُ حزمٍ قال ابنُ حَزم: (ولا يُؤذَّن ولا يُقام لشيءٍ من النوافل،... وهذا ممَّا لا يُعلم فيه خلاف، إلَّا شيئًا كان بنو أُميَّة قد أحْدَثوه من الأذان والإقامة لصلاةِ العِيدين، وهو بدعةٌ). ((المحلى)) (2/178). ، وابنُ عبد البرِّ قال ابْنُ عَبْدِ البَرِّ: (هو أمرٌ لا خِلافَ فيه بين العلماء ولا تنازُعَ بين الفقهاء؛ أنَّه لا أذانَ ولا إقامةَ في العيدين، ولا في شيءٍ من الصَّلوات المسنونات والنوافل، وإنما الأذان للمكتوباتِ لا غيرُ، وعلى هذا مضى عمَلُ الخلفاء: أبي بكرٍ، وعمرَ، وعثمانَ، وعليٍّ، وجماعةِ الصِّحابةِ، وعلماءِ التَّابعين، وفقهاء الأمصار). ((التمهيد)) (24/139). ، والنَّوويُّ قال النوويُّ: (أمَّا حُكم المسألة، فالأذان والإقامة مشروعانِ للصلوات الخمسِ بالنُّصوص الصَّحيحة، والإجماع، ولا يُشرَع الأذانُ ولا الإقامةُ لغيرِ الخَمْس، بلا خلافٍ، سواء كانتْ منذورةً، أو جنازةً، أو سُنَّة، وسواء سُنَّ لها الجماعةُ؛كالعيدين والكسوفين والاستسقاء، أم لا؛ كالضُّحى). ((المجموع)) (3/77).
ثانيًا: عدمُ ورودِ الأذانِ لغير الصلواتِ الخَمسِ في السُّنَّة ((العناية شرح الهداية)) للبابرتي (1/240).
ثالثًا: أنَّ المقصودَ من الأذان الإعلامُ بوقتِ المفروضةِ على الأعيانِ، وهذا لا يُوجَدُ في غيرها ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (1/388).
الفَرْعُ الثاني: الأذانُ والإقامةُ في السَّفَرِ
يُستحَبُّ في السفر الأذانُ والإقامةُ للصَّلاة سواء للمنفرد أو للجماعة، وهو باتِّفاقِ المذاهبِ الفقهيَّة الأربعة: الحنفيَّة ((تبيين الحقائق للزيلعي وحاشية الشلبي)) (1/94)، ((حاشية ابن عابدين)) (1/384). ، والمالكيَّة ((مواهب الجليل)) للحطاب (2/109)، وينظر: ((شرح الزرقاني على الموطأ)) (1/286). ، والشافعيَّة ((المجموع)) للنووي (3/82)، وينظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (2/50). ، والحنابلة ((الإقناع)) للحجاوي (1/75)، ((مطالب أولي النهى)) للرحيباني (1/287). ، وهو قولُ أكثرِ أهل العِلم قال الترمذيُّ: (العملُ عليه عند أكثرِ أهل العلم؛ اختاروا الأذانَ في السَّفَر، وقال بعضُهم: تجزئ الإقامةُ، إنَّما الأذانُ على مَن يُريد أن يَجمع النَّاس، والقَوْلُ الأوَّل أصحُّ، وبه يقول أحمد، وإسحاق). ((سنن الترمذي)) (1/399). وقال القاضي عِياض: (ومذهب مالكٍ وأئمَّةِ الفتوى وأكثرِ العلماء على استحبابِه وجوازِه، وترْك وجوبه). ((إكمال المعلم بفوائد مسلم)) (2/655). وقال النوويُّ: (مذهبنا المشهور أنَّهما سُنَّة لكلِّ الصلوات في الحَضَرِ والسَّفَر، للجماعةِ والمُنْفَرِد، لا يَجِبان بحالٍ، فإنْ ترَكَهما صحَّتْ صلاةُ المنفَرِد والجماعة، وبه قال أبو حنيفةَ وأصحابُه، وإسحاقُ بنُ راهوَيْه، ونَقَلَه السرخسيُّ عن جمهورِ العلماءِ). ((المجموع)) (3/82). ، وحُكِيَ الإجماعُ على ذلك قال ابنُ عبد البرِّ: (الأذانُ من شأنِ الصلاةِ لا يدَعُه مسافرٌ ولا حاضِرٌ، وهذا موضعٌ اختلَفَ فيه العلماءُ، مع إجماعِهم أنَّ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يُؤذَّن له في حياتِه كلِّها لكلِّ صلاةٍ في سفرٍ وحضَرٍ، وأنَّه نَدَب المسلمين لذلك، وسَنَّه لهم). ((التمهيد)) (13/276). وقال أيضًا: (قد أجْمَعوا على أنَّه جائزٌ للمسافِرِ الأذانُ، وأنَّه محمودٌ عليه، مأجورٌ فيه). ((الاستذكار)) (1/402).
الأَدِلَّة:
أوَّلًا: من السُّنَّة
1- عن مالكِ بنِ الحُويرِثِ رَضِيَ اللهُ عَنْه قال: ((أتيتُ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنا وصاحبٌ لي، فلمَّا أردْنا الإقفالَ من عندِه قال لنا: إذا حَضرتِ الصلاةُ فأَذِّنَا، ثم أَقيمَا، ولْيؤمَّكُما أكبرُكما قال القاضي عِياض: (ومحمولُ الحديثِ عندنا وعند الجمهور على النَّدْبِ والفَضْل). ((إكمال المعلم بفوائد مسلم)) (2/655). وقال ابن بطَّال: (وأحاديثُ هذا البابِ محمولةٌ عند العلماءِ على استحبابِ الأذانِ والإقامَةِ في السَّفر). ((شرح صحيح البخاري)) (2/257). )) رواه البخاري (630) ومسلم (674) واللفظ له.
2- عن أبي ذرٍّ الغِفاريِّ، رَضِيَ اللهُ عَنْه قال: كنَّا مع النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في سَفَرٍ، فأراد المؤذنُ أن يؤذِّنَ للظُّهرِ، فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((أبرِدْ، ثم أراد أن يُؤذِّن، فقال له: أبرِدْ، حتى رَأيْنا فَيءَ التُّلولِ، فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: إنَّ شدَّةَ الحرِّ مِنْ فَيحِ جهنمَ؛ فإذا اشتدَّ الحرُّ فأَبرِدوا بالصَّلاةِ )) رواه البخاري (539)، ومسلم (616).
ثانيًا: أنَّ السَّفرَ لا يُسقِطُ الجماعةَ؛ فلا يُسقِط ما هو مِن لوازمِها ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (1/94).
ثالثًا: أنَّ الأحاديثَ دلَّت على أنَّ الأذانَ من شأن الصَّلاة، لا يَدَعُه حاضرٌ ولا مسافرٌ، ورسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يُؤذَّنَ له في حياتِه كلِّها لكلِّ صلاةً في حضرٍ وسفرٍ، وأنَّه ندَب المسلمين لذلك وسَنَّه لهم ((التمهيد)) لابن عبد البر (13/276).
رابعًا: أنَّ المقصودَ من الأذانِ لا يَنحَصِرُ في الإعلامِ، بل إنَّ الإعلانَ بهذا الذِّكرِ من فوائدِه نَشرُ ذِكرِ اللهِ ودِينِه في أرضِه، وتذكيرُ عبادِه من الجِنِّ والإنسِ ((حاشية ابن عابدين)) (1/394).
الفَرْعُ الثَّالثُ: الأذانُ والإقامةُ للصَّلاتينِ المجموعتَينِ
مَن جمَعَ بين صلاتَينِ، فإنَّه يؤذِّن للأُولى، ويُقيمُ لكلِّ صلاةٍ منهما وافق الحنفيَّةُ هذا القول في الجمْع بعرفةَ، ورجَّح بعضُ الحنفيةِ ذلك في مزدلِفَةَ أيضًا، وإلَّا فالأصل عند الحنفيَّة عدمُ مشروعيَّة الجَمْع إلَّا في هذينِ الموطنينِ. ينظر: ((العناية شرح الهداية)) للبابرتي (2/478) و ((حاشية ابن عابدين)) (1/391). ، وهو مذهبُ الشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (3/86)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (1/406). ، والحنابلة ((الفروع)) لابن مفلح (2/22)، ((الإنصاف)) للمرداوي (1/299). ، وقولٌ للمالكيَّة ((مواهب الجليل)) للحطاب (2/135). ، وبه قال ابنُ حزم قال ابن حزم: (الجَمعُ بينهما بأذانٍ واحد وإقامتين صحَّ عن ابنِ عُمر، وسالم ابنه، وعطاء، وهو أحدُ قولي الشافعيِّ، وبه نأخُذ، وصحَّ بذلك خبرٌ عن رسول اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم). ((المحلى)) (5/124).
الأدلَّة:
أوَّلًا: من السُّنَّة
ما جاءَ في حديثِ جابرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْه في صِفةِ حَجَّةِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((ثمَّ أذَّن، ثمَّ أقام فَصلَّى الظُّهرَ، ثم أقامَ فَصلَّى العصرَ... حتى أتَى المزدلفةَ فصلَّى بها المغربَ والعِشاءَ بأذانٍ واحدٍ، وإقامتينِ )) [145] رواه مسلم (1218).
ثانيًا: أنَّ وقتَ المجموعتينِ صار وقتًا واحدًا، فاكتُفِيَ بأذانٍ واحدٍ، ولم يُكتَفَ بإقامةٍ واحدةٍ؛ لأنَّ لكلِّ صلاةٍ إقامةً، فصار الجامعُ بين الصلاتينِ يُؤذِّن مرةً واحدةً، ويُقيم لكلِّ صلاةٍ ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (2/79).
ثالثًا: أنَّه جدَّدَ الإقامةَ للفَرضِ الثاني؛ لأنَّه يُؤدِّيه قبلَ وقتِه المعهودِ، فيُفرَد بالإقامةِ؛ إعلامًا للناس بأنَّه شارعٌ فيه ((حاشية الشلبي)) (2/24).
رابعًا: الأذانُ كان أذانًا واحدًا؛ لأنَّه للإعلامِ بدخولِ الوقتِ، وهو واحدٌ ((حاشية ابن عابدين)) (2/504).
الفَرْعُ الرَّابِع: أذانُ المنفَردِ وإقامتُه
يُستحَبُّ للمنفردِ الأذانُ والإقامةُ، وهو مذهبُ الجمهور: الحنفيَّة ((المبسوط)) للسرخسي (1/243)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (1/276). ، والشافعيَّة ((روضة الطالبين)) للنووي (1/195)، وينظر: ((الأم)) للشافعي (1/102). ، والحنابلة ((الإقناع)) للحجاوي (1/75)، ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/131). ، وقولٌ للمالكيَّة ((القوانين الفقهية)) لابن جزي (1/36)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (2/109).
الأدلَّة:
أوَّلًا: من السُّنَّة
عن عبدِ الرَّحمنِ بنِ عبدِ اللهِ بنِ عبدِ الرحمنِ بنِ أبي صَعْصَعَةَ، عن أبيه، أنَّه أخبَرَه أنَّ أبا سعيدٍ الخدريَّ رَضِيَ اللهُ عَنْه، قال له: إنِّي أراك تحبُّ الغنمَ والباديةَ، فإذا كنتَ في غنمِكَ أو باديتِكَ، فأذَّنتَ للصَّلاةِ، فارفعْ صوتَك بالنِّداء؛ فإنَّه: ((لا يَسمَعُ مدَى صوتِ المؤذِّنِ جِنٌّ ولا إنسٌ، ولا شيءٌ، إلَّا شهِدَ له يومَ القِيامَةِ ))، قال أبو سعيد: سمعتُه من رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رواه البخاري (3296).
ثانيًا: أنَّ المنفرِدَ مندوبٌ إلى أن يُؤدِّيَ الصلاةَ على هيئة الصَّلاةِ بالجماعةِ ((المبسوط)) للسرخسي (1/243).
الفَرْعُ الخامِس: الأذانُ والإقامةُ عِندَ قضاءِ الفوائتِ
المسألَةُ الأُولى: الأذانُ والإقامةُ عِندَ قضاءِ الفائتةِ
يُشرَعُ الأذانُ والإقامةُ عندَ قضاءِ الفائتةِ، وهو مذهبُ الجمهور: الحنفيَّة ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (1/92)، ((العناية شرح الهداية)) للبابرتي (1/248). واستثنَوُا الظهرَ يومَ الجُمُعة في المصر؛ فإنَّ أداءَه بأذانٍ وإقامةٍ مكروهٌ. ، والأظهرُ عند الشافعيَّة ((المجموع)) للنووي (3/84)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/135). ، والحنابلة ((الإنصاف)) للمرداوي (1/288)، ((الإقناع)) للحجاوي (1/75). ، وقولٌ عند المالكيَّة ((مواهب الجليل)) للحطاب (2/71). ، وهو قولُ أبي ثورٍ، وداودَ الظاهريِّ قالَ ابنُ عَبْدِ البَرِّ: (وقال أحمدُ بن حنبل، وأبو ثور، وداود: يؤذِّن ويُقيم لكلِّ صلاة فائتةٍ، على ما رُوي عن النبيِّ عليه السلام حين نام في سفرِه عن صلاةِ الفجر). ((الاستذكار)) (1/86).
الأدلَّة:
أوَّلًا: من السُّنَّة
1- عن أبي قتادَةَ الأنصاريِّ رَضِيَ اللهُ عَنْه، أنَّه قال: ((سِرْنا مع النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ليلةً، فقال بعضُ القوم: لو عرَّسْتَ [160] التعريسُ: نزولُ المسافرِ آخرَ الليل نزلةً للنوم والاستراحة. يُنظر: ((النهاية)) لابن الأثير (3/436). بنا يا رسولَ الله، قال: أخافُ أن تناموا عن الصَّلاةِ! قال بلالٌ: أنا أُوقِظُكم، فاضْطَجَعوا، وأَسندَ بلالٌ ظهْرَه إلى راحلتِه، فغلبتْه عيناه فنام، فاستيقظَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وقد طلَعَ حاجِبُ الشَّمسِ، فقال: يا بلالُ، أين ما قُلتَ؟! قال: ما أُلْقِيَتْ عليَّ نَومةٌ مِثلُها قطُّ! قال: إنَّ اللهَ قبَض أرواحَكم حين شاء، وردَّها عليكم حين شاءَ، يا بلالُ، قُمْ فأذِّنْ بالنَّاسِ بالصَّلاةِ، فتوضَّأ، فلمَّا ارتفعتِ الشَّمْسُ وابياضَّتْ، قام فصلَّى )) [161] رواه البخاري (595)، ومسلم (681).
2- عن عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْه، قال: ((إنَّ المشركينَ شَغَلوا رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن أربعِ صلواتٍ يومَ الخندقِ، حتى ذهَب من اللَّيلِ ما شاء اللهُ، فأمَرَ بلالًا فأذَّن، ثم أقام فَصلَّى الظهرَ، ثم أقام فصلَّى العصرَ، ثم أقام فصلَّى المغْرِبَ، ثم أقامَ فصلَّى العِشاءَ )) رواه الترمذي (179)، والنسائي (662)، وأحمد (3555) قال الترمذيُّ: ليس بإسنادِه بأسٌ، إلَّا أنَّ أبا عُبيدة لم يسمعْ من أبيه (ابن مسعود)، وقال البيهقي: (فيه) أبو عبيدة لم يدرك أباه، وهو مرسلٌ جيِّد. لكن قال ابن رجب: (وأبو عبيدة، وإنْ لم يَسمع من أبيه، إلَّا أنَّ أحاديثَه عنه صحيحةٌ، تلقَّاها عن أهلِ بيته الثِّقات العارفين بحديثِ أبيه، قاله ابنُ المَدِينيِّ وغيرُه) ((فتح الباري)) (5/187). وقال ابنُ العربي في ((عارضة الأحوذي)) (1/246): إسنادُه لا بأسَ به. وقال الذهبي في ((تنقيح التحقيق)) (1/120): إسناده صالح. وحسَّنه الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (179).
ثانيًا: أنَّ الأذانَ للوقتِ الذي تُفعَلُ فيه؛ لا الوقتِ الذي تجِبُ فيه ((الفتاوى الكبرى)) لابن تيمية (2/44).
ثالثًا: أنَّ الأذانَ حقٌّ للفريضةِ، وليس حقًّا للوقتِ ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/135).
المسألةُ الثَّانِيَةُ: الأذانُ والإقامةُ إذا تَعدَّدتِ الفوائتُ
إذا تعدَّدتِ الفوائتُ، فإنَّه يُؤَذَّنُ للفائتةِ الأُولى، ويُقامُ لبقيَّةِ الفوائتِ، وهذا هو المذهبُ المعتمَدُ عند الشافعيَّة ((المجموع)) للنووي (3/84)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/135). ، ومذهبُ الحنابلة ((الإنصاف)) للمرداوي (1/299)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (1/304). ، وهو قولُ محمَّدٍ من الحنفيَّة ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (1/251)، ((تبيين الحقائق)) للزيعلي (1/93). ، وقولٌ عند المالكيَّة ((مواهب الجليل)) للحطاب (2/71).
الدليل من السُّنَّة:
عن عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْه، قال: ((إنَّ المشركين شَغَلُوا رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن أربعِ صَلَواتٍ يومَ الخَندقِ، حتى ذهَبَ من الليلِ ما شاءَ اللهُ، فأمر بلالًا فأذَّن، ثمَّ أقامَ فصلَّى الظهرَ، ثم أقام فَصلَّى العصرَ، ثم أقام فَصلَّى المغربَ، ثم أقام فَصلَّى العِشاءَ )) رواه الترمذي (179)، والنسائي (662)، وأحمد (3555) قال الترمذيُّ: ليس بإسنادِه بأسٌ، إلَّا أنَّ أبا عُبيدة لم يسمعْ من أبيه (ابن مسعود)، وقال البيهقي: (فيه) أبو عبيدة لم يدرك أباه، وهو مرسلٌ جيِّد. لكن قال ابن رجب: (وأبو عبيدة، وإنْ لم يَسمع من أبيه، إلَّا أنَّ أحاديثَه عنه صحيحةٌ، تلقَّاها عن أهلِ بيته الثِّقات العارفين بحديثِ أبيه، قاله ابنُ المَدِينيِّ وغيرُه) ((فتح الباري)) (5/187). وقال ابنُ العربي في ((عارضة الأحوذي)) (1/246): إسنادُه لا بأسَ به. وقال الذهبي في ((تنقيح التحقيق)) (1/120): إسناده صالح. وحسَّنه الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (179).
ثانيًا: لأنَّ الإقامةَ افتتاحُ الصلاةِ، وهو موجودٌ في قضاء الفوائتِ ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/135).
ثالثًا: لأنَّ الثانيةَ من الفوائتِ صلاةٌ، وقد أُذِّن لِمَا قَبْلَها، فأَشبهتِ الثانيةَ من المجموعتينِ ((المغني)) لابن قدامة (1/304).
المسألةُ الثَّالثَةُ: الأذانُ والإقامةُ لِمَن دخَلَ مسجدًا قدْ صُلِّيَ فيه
اختَلَفَ العلماءُ في من دخَلَ المسجدَ وقد صُلِّي فيه؛ هل يُؤذِّن ويُقيم؟ على أقوال، أقواها قولان:
القول الأوّل: أنَّ من دخَلَ المسجدَ وقد صُلِّيَ فيه، يُسَنُّ له الأذانُ والإقامةُ، لكن دون أن يَرفَعَ صوتَه بالأذانِ، وهذا مذهبُ الشافعيَّة ((تحفة المحتاج)) للهيتمي (1/463)، وينظر: ((البيان)) للعمراني (2/78). ، واستَحْسَنه ابنُ حزم قال ابن حزم: (ويُجْزِئُه الأذانُ الذي أُذِّن فيه (أي: في المسجِد) قبلُ، وكذلك الإقامةُ، ولو أعادوا أذانًا وإقامة فحَسَنٌ، لأنَّه مأمورٌ بصلاةِ الجماعة). ((المحلى)) (3/154 - 155). ، وهو قولُ بعضِ السَّلف رُوي هذا القولُ عن أنسِ بن مالكٍ، وسَلمةَ بن الأكوعِ، والزُّهريِّ، وسعيدِ بن المسيَّب. يُنظر: ((الأوسط)) لابن المنذر (3/198-199).
الأَدِلَّةُ:
أوَّلًا: مِن الآثارِ
عن أنسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْه، أنَّه دخَلَ مسجدًا قد صَلَّوا فيه، فأمَرَ رجلًا فأذَّن وأقام، فصَلَّى بهم في جماعةٍ رواه البخاري معلَّقًا بصيغة الجزم قبل حديث (645)، ورواه موصولًا البيهقيُّ (1/407) (1994)، وصحَّح إسنادَه الألبانيُّ في ((تمام المنة)) (155).
ثانيًا: يُخفِي ذلك؛ حتى لا يُوهِمَ غيرَه بدخولِ وقتِ صلاةٍ أخرى، أو يُشكِّكَهم في وقتِ الأُولى لا سيَّما في الغَيم، فيَحضروا مرةً ثانيةً، وفيه مشقَّةٌ شديدةٌ ((المجموع)) للنووي (3/85)، ((تحفة المحتاج)) للهيتمي (1/464).
القول الثاني: أنَّ من دخَلَ المسجدَ وقد صُلِّيَ فيه يُصلِّي بغير أذانٍ، ويُقيمُ فقط، وهذا مذهبُ المالكيَّة ((مواهب الجليل)) للحطاب (2/110، 134). قال الحطَّاب: (فُهِم من كلام المصنِّف أنَّ الأذانَ لا يُستحبُّ للفذِّ في غير السَّفَر، ولا للجماعة التي لم تطلبْ غيرها، وإذا قلنا: لا يُستحَبُّ، فهل هو مكروهٌ أو مباحٌ؟ ظاهِرُ كلامِهم أنَّ الأَوْلى ترْكُه؛ قال في الطراز في شرح (ليس الأذانُ إلَّا في مسجِدِ الجماعةِ ومساجِدِ القبائل): وقال ابنُ حبيبٍ فيمَن صلَّى في منزِلِه أو أمَّ جماعةً في غيرِ مسجدٍ: لا أذانَ لهم إلَّا المسافِر، وقاله ابنُ المسيَّب، ومالكٌ، فإن أقام فحَسَنٌ). ((مواهب الجليل)) (2/110-111). وقال أيضًا: (قال في المدوَّنة: ومن دخل مسجدًا قد صلَّى أهلُه، فليبتدئ الإقامةَ لنَفْسِه. انتهى. ونقلها سند بلفظ: قال مالك: لا تُجزئه إقامتُهم. قال: وقوله: لا تُجزئه إقامتُهم؛ يقتضي أنَّها متأكِّدةٌ في حقِّه، وقال في المبسوط: يقيم لنَفْسِه أحبُّ إليَّ من أن يصلِّيَ بغير إقامةٍ، فجَعَلَه مستحَبًّا، وهو موافقٌ لِمَا قاله في الواضحة في الفذِّ: فإن أقام فحَسَنٌ؛ وجهُ الأولِ: أنَّ الإقامة شُرِعتْ أُهْبةً للصَّلاة المكتوبةِ، حتى شُرِعت في الفوائِتِ؛ فوجب ملازمتُها لها. ووجه الثاني: أنَّ الإقامةَ في حُكم الدُّعاء للصَّلاةِ، وهو إنَّما يكون دعاءً للغيرِ، واعتبارًا بالأذانِ. انتهى. ونحوه لابن ناجي؛ قال المازري في شرح التلقين: اختلف الناس في إقامة المنفرِد، ومذهبُ مالكٍ: أنَّه يُخاطَب بها. وفي المبسوط: أنَّ الإقامة للمنفرد إنَّما هي لجوازِ مَن يُؤتمُّ به، وهذه إشارة لمذهبِ المخالف: أنَّ المنفرد لا يَفتقِرُ إليها لمعنًى يختصُّ به. انتهى. وقال ابنُ عرفة: وفيها مَن دخَلَ مسجدًا صلَّى أهلُه لم تُجْزِه إقامتُهم، ولمالكٍ في المبسوط: يُقيم أحبُّ إليَّ، اللخميُّ استحبَّه ولم يَرَه سُنَّة. ولابن مَسلمةَ: إنَّما الإقامةُ لِمَن يؤمُّ يُقيم لنفسِه، ولمن يأتي بعدَه، فمَن دخل بعدَه كان أقامَ له). ((مواهب الجليل)) (2/133-134). ، وهو قولُ بعضِ السَّلف رُوي هذا القولُ عن طاوس، وعطاء، ومجاهد، وبه قال مالكٌ، والأوزاعيُّ. يُنظر: ((الأوسط)) لابن المنذر (3/199). ، واختارَه ابنُ عُثَيمين قال ابنُ عُثيمين: (إذا كان الإنسانُ في بلدٍ قدْ أُذِّنَ فيه للصَّلاة، كما لو نام جماعةٌ في غرفة في البلد؛ ولم يستيقظُوا إلَّا بعدَ طلوع الشَّمس؛ فلا يجبُ عليهم الأذان؛ اكتفاءً بالأذان العامِّ في البلد؛ لأنَّ الأذانَ العامَّ في البلد حصَل به الكفاية، وسقطتْ به الفريضةُ، لكنْ عليهم الإقامة). ((الشرح الممتع)) (2/46). وقال أيضًا: (والحاصلُ أن نقول: إذا جاء الإنسانُ وقد فاتتْه الصلاةُ، فإنْ كان في البَلَدِ فأذانُ المسلمينَ يكفيه؛ لأنَّ الأذانَ إعلامٌ بدخولِ وقتِ الصلاةِ، وقد حصَلَ، وإنْ كان خارجَ البلَدِ كمسافرٍ قدِم البلدَ ووَجَد النَّاسَ قد صَلَّوا، فهنا نقول: يُشرَع أن يُؤَذِّنَ، لكنَّ الأذانَ يكون بقَدْرِ ما يَسمَعُه مَن معه؛ لئلَّا يُشوِّشَ على النَّاسِ. وأمَّا الإقامةُ فهي سُنَّة حتى لِمَن فاتتْه الصَّلاةُ وهو في البلد؛ لأنَّ الإقامةَ إعلامٌ بقيامِ الصَّلاةِ، فكلُّ مَن أراد الصلاةَ المفروضةَ، فإنَّه يُقيم). ((لقاء الباب المفتوح)) (رقم اللقاء: 29). وسُئِل عن الجَماعةِ الثانيةِ التي تُقامُ بعدَ الجماعةِ الأصليَّة، هل عليها أذانٌ أم إقامةٌ فقط؟ فقال: (عليها إقامةٌ فقط، وليس عليها أذانٌ). ((لقاء الباب المفتوح)) (رقم اللقاء: 185). ؛ وذلك لأنَّ الأذانَ إعلامٌ بدخولِ وقتِ الصَّلاة؛ فيُدعَى به الغائبُ، وقد حصَل، وأمَّا الإقامة فإنَّما شُرِعَت أُهبةً للصَّلاة المكتوبةِ عند القيامِ إليها ((مواهب الجليل)) للحطاب (2/110، 134)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (2/46)، ((لقاء الباب المفتوح)) لابن عثيمين (رقم اللقاء: 29).
الفَرْعُ السَّادِسُ: النِّداءُ للصَّلواتِ التي لا أذانَ لها
المسألَةُ الأولى: صَلاةُ العِيدِ
أوَّلًا: الأذانُ والإقامةُ لصَلاةِ العِيدِ
صَلاةُ العيدِ لا أذانَ لها ولا إقامةَ، وهذا باتِّفاقِ المذاهِبِ الفقهيَّةِ الأربعةِ قال ابنُ قُدامة: (على أنَّه لا يُسنُّ لها أذانٌ ولا إقامةٌ، وبه يقولُ مالكٌ، والأوزاعيُّ، والشافعيُّ، وأصحابُ الرأي). ((المغني)) (2/280). : الحنفيَّة ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/84)، ((مجمع الأنهر)) لشيخي زاده (1/113). ، والمالكيَّة ((الكافي)) لابن عبد البر (1/196)، وينظر: ((كفاية الطالب الرباني)) لأبي الحسن المالكي (1/491) ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (2/644). ، والشافعيَّة ((المجموع)) للنووي (5/14). ، والحنابلة ((الإنصاف)) للمرداوي (1/288)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/280). ، وحُكِيَ الإجماعُ على ذلك قال ابنُ قُدامة: (لا نَعلم في هذا خلافًا ممَّن يُعتدُّ بخلافِه، إلَّا أنه رُوي عن ابن الزُّبير أنَّه أذَّن وأقام. وقيل: أوَّل مَن أذَّن في العيد ابنُ زياد، وهذا دليلٌ على انعقاد الإجماعِ قَبْلَه). ((المغني)) (2/280). وقال النفراويُّ: (فقد قال جابرٌ: صليتُ مع النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم العيدَ بلا أذانٍ ولا إقامةٍ؛ قال ابنُ عبد البر: وهذا ممَّا لا خلافَ فيه بين المسلمين). ((الفواكه الدواني)) (2/644)، ويُنظر: ((المحلى)) لابن حزم (2/178)، ((الاستذكار)) لابن عبد البر (2/379).
الأدلَّة مِنَ السُّنَّةِ:
1- عن ابنِ جُرَيجٍ، قال: أخبرني عطاءٌ عن ابنِ عبَّاسٍ وعن جابرِ بنِ عبدِ اللهِ الأنصاريِّ، قالَا: (لم يكُن يُؤذَّنُ يومَ الفِطرِ ولا يومَ الأضحى، ثم سألتُه بعدَ حينٍ عن ذلِك فأخبَرَني، قال: أخبرني جابرُ بنُ عبدِ اللهِ الأنصاريُّ أنْ لا أذانَ للصَّلاةِ يومَ الفِطرِ حين يخرُجُ الإمامُ، ولا بعدَما يخرُج، ولا إقامةَ، ولا نداءَ، ولا شيءَ؛ لا نِداءَ يومئذٍ ولا إقامةَ) رواه البخاري (960)، ومسلم (886).
2- عن جابرِ بنِ سَمُرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْه، قال: ((صليتُ مع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم العِيدينِ غيرَ مرَّةٍ، ولا مرَّتينِ بغير أذانٍ ولا إقامةٍ )) رواه مسلم (887).
ثانيًا: النِّداء للعيدِ بـ(الصَّلاةَ جامِعةً )
صلاةُ العيدِ لا يُنادى لها بـ(الصَّلاةَ جامِعةً )، وهو مذهبُ المالكيَّة ((مواهب الجليل)) للحطاب (2/570)، ((منح الجليل)) لابن عليش (1/460). ، وقولٌ عند الحنابلة ((الفروع)) لابن مفلح (2/31)، ((الإنصاف)) للمرداوي (1/303). ، وهو اختيارُ ابنِ قُدامةَ قال ابنُ قُدامةَ: (قال بعضُ أصحابنا: يُنادَى لها: الصَّلاة جامعة. وهو قولُ الشافعيِّ، وسُنَّةُ رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أحقُّ أن تُتَّبَع). ((المغني)) (2/281). ، وابنِ تَيميَّة قال ابنُ تَيميَّة: (وقال بعضُهم: لا يُسنُّ النِّداء للعيد ولا للاستسقاء، وقد قال الإمام أحمد: صلاة العيد ليس فيها أذانٌ ولا إقامة، هكذا السُّنة: إذا جاء الإمامُ قام النَّاس، وكبَّر الإمام، وظاهرُه موافقٌ لهذا القول؛ لأنَّه قد تكرَّر تعييدُه، وقد استسقى ولم يُنقَل عنه فيه نداءٌ كما نُقِل عنه في الكسوفِ، مع أنَّ صلاة الكسوف كانتْ أقلَّ، ولو كان ذلك معلومًا مِن فِعله لنُقِلَ كما قد نُقِل غيرُه بالرِّوايات المشهورة). ((شرح عمدة الفقه - كتاب الصلاة)) (ص: 99). ، وابنِ القَيِّم قال ابن القيِّم: (وكان صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا انتهى إلى المصلَّى أخَذَ في الصلاةِ من غيرِ أذانٍ ولا إقامةٍ، ولا قول: الصلاة جامعة، والسُّنة: أنه لا يُفعَل شيءٌ من ذلك). ((زاد المعاد)) (1/427). ، والصنعانيِّ قال الصَّنعانيُّ: (أمَّا القول بأنه يُقال في العيد عوضًا عن الأذان: الصلاة جامعة؛ فلم ترِدْ به سُنَّةٌ في صلاة العيدين. قال في الهَدْي النبويِّ: وكان صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا انتهى إلى المصلَّى أخَذ في الصلاة، أي: صلاة العيد، من غيرِ أذان ولا إقامةٍ، ولا قول: الصلاة جامعة، والسُّنة أنْ لا يُفعَل شيءٌ من ذلك). ((سبل السلام)) (1/123). ، وابنِ باز قال ابن باز - معقِّبًا على قولِ الحافظ في فتح الباري: (روى الشافعيُّ عن الثقة، عن الزهريِّ، قال: كان رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يأمر المؤذِّن في العيدين أن يقول: "الصلاة جامعة". وهذا مرسلٌ يُعضِّده القياس) - فقال رحمه الله: ((مراسيلُ الزهري ضعيفةٌ عند أهل العِلم, والقياس لا يصحُّ اعتباره مع وجود النصِّ الثابت الدالِّ على أنه لم يكُن في عهد النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لصلاة العيد أذانٌ ولا إقامةٌ ولا شيءٌ, ومن هنا يُعلم أنَّ النِّداء للعيد بدعةٌ بأيِّ لفظ كان, والله أعلم)). (فتح الباري بتعليق ابن باز)) ((2/525). ، وابنِ عُثَيمين قال ابنُ عثيمين: (صلاة العيد ليس لها أذانٌ ولا إقامة، كما ثبتَتْ بذلك السُّنة، ولكن بعض أهل العِلم رحمهم الله قالوا: إنه يُنادَى لها «الصلاة جامعة»، لكنَّه قولٌ لا دليل له؛ فهو ضعيف، ولا يصحُّ قياسها على الكسوف؛ لأنَّ الكسوف يأتي من غير أن يَشعُرَ النَّاسُ به، بخلافِ العيد فالسُّنَّة أنْ لا يُؤذَّن لها، ولا يُقام لها، ولا يُنادى لها «الصلاة جامعة»، وإنَّما يخرج الناس، فإذا حضَر الإمامُ صلَّوا بلا أذانٍ ولا إقامةٍ، ثم مِن بعد ذلك الخُطبة). ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (16/237).
الأدلَّة:
أوَّلًا: من السُّنَّة
عن ابنِ جُرَيجٍ، قال: أخبرني عطاءٌ عنِ ابنِ عبَّاسٍ وعن جابرِ بنِ عبدِ اللهِ الأنصاريِّ، قالَا: (لم يكُن يُؤذَّنُ يومَ الفِطرِ ولا يومَ الأضحى، ثم سألتُه بعدَ حينٍ عن ذلِك فأخبرني، قال: أخبَرَني جابرُ بنُ عبدِ اللهِ الأنصاريُّ أنْ لا أذانَ للصَّلاةِ يومَ الفِطرِ حين يخرُجُ الإمامُ، ولا بعدَما يخرُج، ولا إقامةَ، ولا نداءَ، ولا شيءَ؛ لا نِداءَ يومئذٍ ولا إقامةَ) [197] رواه البخاري (960)، ومسلم (886)
ثانيًا: أنَّه قد تكرَّر تعييدُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ولم يُنقَلْ عنه فيه نداءٌ كما نُقِل عنه في الكسوفِ، مع أنَّ صلاةَ الكسوفِ كانت أقلَّ، ولو كان ذلك معلومًا مِن فِعلِه لنُقِلَ، كما قدْ نُقِلَ غيرُه بالرِّواياتِ المشهورةِ ((شرح عمدة الفقه - كتاب الصلاة)) لابن تيمية (ص: 100).
ثالثًا: أنَّ النِّداءَ في قوله: "الصَّلاةَ جامعةً" إنَّما كان ليَجمَعَ النَّاسَ ويُعلِمَهم بأنَّه قد عرَض أمرُ الكسوف، فلا يُلحَق بهذا؛ إذ لم يستعدُّوا للاجتماعِ له، فأمَّا العيدُ فهو يومٌ معلومٌ مجتمَعٌ له ((شرح عمدة الفقه - كتاب الصلاة)) لابن تيمية (ص: 100).
المسألة الثَّانية: صلاةُ الاستسقاءِ
صَلاةُ الاستسقاءِ ليس لها أذانٌ ولا إقامةٌ قال ابنُ حَزم: (ولا يُؤذَّن ولا يُقام لشيءٍ من النوافل، كالعيدين والاستسقاء والكسوف، وغير ذلك، وإنْ صلَّى كلَّ ذلك في جماعةٍ وفي المسجد... وهذا ممَّا لا يُعلم فيه خلافٌ، إلَّا شيئًا كان بنو أُميَّة قد أحْدَثوه من الأذان والإقامة لصلاة العيدين، وهو بدعةٌ). ((المحلى)) (2/178). وقال ابنُ بطَّال: (وكذلك لا خِلافَ بين العلماء أنَّه لا أذانَ ولا إقامةَ لصلاة الاستسقاءِ). ((شرح صحيح البخاري)) (3/16). وقال ابنُ قُدامةَ: (لا يُسَنُّ لها أذانٌ ولا إقامةٌ «أي: صلاة الاستسقاء»، ولا نعلم فيه خلافًا). ((المغني)) (2/320). وقال النوويُّ: (أجمَعوا أنَّه لا يُؤذَّن لها ولا يُقام)، أي: صلاة الاستسقاء. ((شرح النووي على مسلم)) (6/189). ، ولا يُنادَى لها بـ(الصلاةَ جامعةً)، وهو مذهبُ المالكيَّة ((الكافي)) لابن عبد البر (1/268)، وينظر: ((حاشية الصاوي على الشرح الصغير)) (1/524). وقولٌ للحنابلة قال المرداويُّ: (... وقيل: لا يُنادَى لهنَّ، وقيل: لا يُنادَى للعيد فقط، وقال الشيخ تقيُّ الدِّين: لا يُنادى للعيدِ والاستسقاءِ، وقاله طائفةٌ من أصحابنا). ((الإنصاف)) (1/303). ، وهذا اختيارُ ابنِ تيميَّة قال ابنُ تيمية: (والسُّنة أن يُنادَى للكسوف: «الصلاة جامعة»، ولا يُنادى للعيد والاستسقاء، وقاله طائفةٌ من أصحابنا؛ ولهذا لا يُشرَع للجنازة ولا للتراويح على نصِّ أحمد، خلافًا للقاضي؛ لأنَّه لم يُنقَلْ عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، والقياسُ على الكسوف فاسدُ الاعتبار). ((المستدرك على مجموع الفتاوى)) (3/60). وقال المرداويُّ: (وقال الشيخ تقيُّ الدِّين: لا يُنادى للعيد، والاستسقاء). ((الإنصاف)) (1/303). ، وابن القيِّم قال ابن القيِّم - في حديثه عن صلاةِ الاستسقاء -: (ثم نزَل فصلَّى بهم ركعتينِ كصلاةِ العيدِ، من غيرِ أذانٍ ولا إقامةٍ، ولا نِداءٍ البتةَ). ((زاد المعاد)) (1/440). ، وابنِ باز قال ابن باز - وقد سُئِل عن الذين يُنادُونَ في صلاة العيد، وفي صلاة الاستسقاء بقولهم: الصلاة جامعة؛ هل عليهم في ذلك من شيءٍ؟ - فأجاب: (لا نعلَمُ لهذا أصلًا، بل الذي ينبغي تركُه؛ لأنَّه في الحُكم الشرعي من البِدع؛ فلا ينبغي أن يُقال: الصلاةَ جامعةً، ولا: صلاة العيد، ولا: صلاة التراويح. كل هذا لا يَنبغي، إنما يُقال هذا في صلاة الكسوف: الصلاة جامعة؛ جاء في الحديث الصَّحيحِ عن رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه أمَرَ أن يُنادَى: «الصلاة جامعة»، هذا خاصٌّ بالكسوفِ، وكان إذا أراد اجتماعَ الناس لأمْرٍ مهِمٍّ قال: الصَّلاةَ جامعةً). ((فتاوى نور على الدرب)) (13/376). ، وابن عُثَيمين قال ابنُ عثيمين: (قال بعضُ العلماء؛ وهو المذهب: إنَّه يُنادى للاستسقاء، والعيدين «الصلاة جامعة». لكن هذا القول ليس بصحيحٍ، ولا يصحُّ قياسُهما على الكُسوفِ؛ لوجهينِ: الوجه الأوَّل: أنَّ الكُسوفَ يقع بغتةً، خصوصًا في الزمن الأول لَمَّا كان الناس لا يدرونَ عنه إلَّا إذا وقع. الوجه الثاني: أنَّ الاستسقاءَ والعيدين لم يكُن النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُنادي لهما؛ وكل شيء وُجِد سببُه في عهد النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ولم يفعلْه ففِعْلُه بدعةٌ؛ لأنَّه ليس هناك مانعٌ يمنَعُ الرَّسولَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم من النِّداء، ولو كان هذا السبَبُ يُشرَع له النداءُ لأمَرَ المنادِيَ أن يُنادِيَ لها؛ فالصَّوابُ: أنَّ العيدينِ والاستسقاء لا يُنادَى لهما)). ((الشرح الممتع)) (5/199).
وذلك للآتي:
أوَّلًا: أنَّه لم يُنقَلْ عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ((المستدرك على مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (3/60).
ثانيًا: أنَّ صلاةَ الاستسقاء معلومةٌ من قبلُ، والناس يتأهَّبون لها، فإنَّ الإمامَ إذا عزَمَ على الخروجِ لصلاةِ الاستسقاءِ، استحبَّ أن يعِدَ الناسَ يومًا يَخرجُون فيه لِمَا رُوي عن عائشة رضي الله عنها، قالت: ((شكَا الناسُ إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قحوطَ المطر، فأمر بمنبر فوُضِع له في المصلَّى، ووعد الناسَ يومًا يخرجُون فيه، فخرج عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ حين بدَا حاجبُ الشَّمْسِ، فقَعَدَ على المنبر فكبَّر وحمِدَ الله...)). رواه أبو داود (1173)، والحاكم (1/476). قال أبو داود: غريبٌ إسنادُه جيِّد. وصحَّحه النووي في ((المجموع)) (5/63)، وابن الملقن في ((البدر المنير)) (5/151)، وجوَّد إسنادَه ابنُ حجر في ((بلوغ المرام)) (143)، وحسَّنه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (1173)، والوادعي في ((صحيح دلائل النبوة)) (250). ؛ فلا تُقاسُ على صلاة الكسوفِ؛ لأنَّ صلاةَ الكسوف تأتي بغتةً على غيرِ تأهُّب ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (5/223).
ثالثًا: أنَّ كلَّ شيءٍ وُجِد سببُه في عهدِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ولم يُشرَعْ له شيءٌ من العباداتِ من أجْلِه، فشَرْعُ عبادةٍ له يكون بِدعةً ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (5/223).
المسألة الثَّالِثة: صلاةُ الكُسوفِ
يُسَنُّ أن يُنادَى لصلاةِ الكسوفِ بـ(الصَّلاة جامِعة) قال ابنُ باز: (ثبَت عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنه «أمر أن يُنادَى لصلاة الكسوف بقول: الصلاة جامعة». والسُّنَّة للمنادِي أن يُكرِّر ذلك، حتى يَظنَّ أنه أَسْمعَ الناسَ، وليس لذلك حدٌّ محدود فيما نعلم). ((مجموع فتاوى ابن باز)) (13/38)، ((تحفة الإخوان بأجوبة مهمة تتعلق بأركان الإسلام)) (ص: 80) لابن باز. ، وهذا باتِّفاقِ المذاهبِ الفقهيَّة الأربعة: الحنفيَّة ((الدر المختار للحصكفي وحاشية ابن عابدين)) (2/182)، وينظر: ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/84). ، والمالكيَّة ((الكافي)) لابن عبد البر (1/226)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (2/570)، وينظر: ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (2/654). والشافعيَّة ((المجموع)) للنووي (5/44)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (2/422). ، والحنابلة ((الإقناع)) للحجاوي (1/204)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/233).
الدَّليلُ من السُّنَّة:
عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها، قالت: ((خَسَفتِ الشَّمسُ على عهدِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فبَعَث مناديًا يُنادِي: "الصَّلاةَ جامِعةً ")) رواه البخاري (1066)، ومسلم (901).
الفَرْعُ السَّابِعُ: الأذانُ إذا تَغوَّلتِ الغِيلانُ
يُستحبُّ الأذانُ عند تغوُّلِ الغيلان الغِيلان: هي جِنس من الجنِّ والشياطين، كانتِ العرب تَزعُم أنَّ الغول في الفلاة تتراءَى للناس، فتتغوَّل تغولًا: أي تتلوَّن تلونًا في صور شتَّى، وتغولهم، أي: تُضِلُّهم عن الطريق وتُهلِكهم. يُنظر: ((النهاية)) لابن الأثير (3/396)، ((شرح النووي على مسلم)) (14/216). وقال ابن عثيمين: (الغيلان هي الأوهام والخيالات التي تَعرِض للإنسانِ في سفرِه، ولا سيَّما في الأسفارِ الأولى على الإبِلِ، أو الإنسان الذي يسافِرُ وحده، فتتهوَّل له الشياطينُ تتلوَّن بألوان مزعِجة، مثل أسد، ذئب، ضبع، شياطين جن ((إذا تغوَّلت الغيلان فبادِروا بالأذانِ))، يعني: قولوا: (الله أكبر)، فتتلاشَى؛ لأنَّ الشيطان يَخنَس عند ذِكر اللهِ عزَّ وجلَّ). ((شرح رياض الصالحين)) (5/548). ؛ نصَّ عليه الشافعيَّة ((نهاية المحتاج)) للرملي (1/401)، ((تحفة المحتاج)) للهيتمي (1/461). ، وابنُ عابدين من الحنفيَّة قال ابنُ عابدين: (وعند تغوُّل الغيلان، أي: عند تمرُّد الجنِّ؛ لخبرٍ صحيحٍ فيه. أقول: ولا بُعْدَ فيه عندنا. اهـ. أي: لأنَّ ما صحَّ فيه الخبر ُبلا معارِضٍ، فهو مذهبٌ للمجتهِدِ وإنْ لم ينصَّ عليه). ((حاشية ابن عابدين)) (1/385). ، واختارَه ابنُ باز قال ابنُ باز: (إذا رأى شيئًا من الجنِّ، فإنه يؤذِّن؛ فإن الأذان يطردها، وذِكْر الله يطردها). ((فتاوى نور على الدرب)) (6/350).
الأدلَّة:
أوَّلًا: من السُّنَّة
عن سُهَيلِ بنِ أَبي صالحٍ، قال: أرسلني أَبي إلى بنِي حارثةَ، قال: ومعي غلامٌ لنا (أو صاحبٌ لنا)، فناداه منادٍ من حائطٍ باسمِه، قال: وأشرَفَ الذي معي على الحائطِ فلمْ يَرَ شيئًا، فذكرتُ ذلك لأبي، فقال: لو شَعرتُ أنَّك تَلْقَى هذا لم أُرْسِلْكَ، ولكن إذا سمعْتَ صوتًا فنادِ بالصَّلاةِ؛ فإنِّي سمعتُ أبا هُرَيرَة يُحدِّثُ عن رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه قال: ((إنَّ الشَّيطانَ إذا نُودِيَ بالصَّلاةِ ولَّى وله حُصَاصٌ قال ابن الأثير: (الحُصاص: شِدَّة العَدْوِ وحِدَّتُه. وقيل: هو أن يَمْصَع بذَنَبه ويَصُرَّ بأُذُنَيْه ويَعْدُوَ. وقيل: هو الضُّراط). ((النهاية)) (1/980). )) رواه مسلم (389).
ثانيًا: مِن الآثارِ
ذُكِرَ عندَ عُمرَ الغيلانُ، فقال: (فإذا رأيتُم ذلك فأَذِّنوا) رواه عبد الرزاق في ((المصنف)) (5/162)، وابن أبي شيبة في ((المصنف)) (10/397). صحَّح إسنادَه ابنُ حجر في ((فتح الباري)) (6/396)

انظر أيضا: