الحِساباتُ الجاريةُ – حقيقتُها وتكييفُها
الشيخ الدكتور حسين بن معلوي الشهراني
2 ذي الحجة 1431هـ
الحَمدُ للهِ وَحدَه، والصَّلاةُ والسَّلامُ على من لا نبيَّ بَعْدَه؛ نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِه وصَحْبِه، وبعدُ:
فهذا بحثٌ مختَصَرٌ في موضوعٍ مُهِمٍّ من موضوعاتِ القضايا الماليَّةِ المعاصِرةِ، وبالتحديدِ المعاملاتُ المصرِفيَّةُ المعاصِرةُ، وعنوانُه:
(الحِساباتُ الجاريةُ: حقيقتُها وتكييفُها)، وقد وضَعْتُ لهذا البحثِ خُطَّةً تتكوَّنُ من مقدِّمةٍ، وخمسةِ مباحِثَ، وكانت المباحِثُ كالتالي:
المبحَثُ الأوَّلُ: حقيقةُ الِحساباتِ الجاريةِ.
المبحَثُ الثاني: أهميَّةُ الحِساباتِ الجاريةِ.
المبحَثُ الثالثُ: تكييفُها الفِقهيُّ.
المبحَثُ الرابعُ: الإشكالاتُ الواردةُ على التكييفِ المختارِ.
المبحَثُ الخامسُ: الأحكامُ والآثارُ المترتِّبةُ على التكييفِ المختارِ.
المبحَثُ الأوَّلُ: حقيقةُ الحِسابِ الجاري(1):
الحِساب الجاري هو أحدُ العمليَّاتِ المَصرِفية المعاصِرة، وتندرجُ في عُرفِ المصارفِ تحت مسمَّى الوديعة النَّقديَّة الصَّرفيَّة، وسيأتي بيانُ أهميَّتِه -إن شاء الله تعالى-، والمرادُ هنا تعريفُه وبيانُ حقيقتِه.
والنَّاظِرُ في كُتُبِ الباحثين المعاصِرين الذين كتَبوا في هذه المسائِلِ، سواءٌ أكانت من الناحيةِ الشَّرعيَّةِ أم القانونيَّةِ أم الاقتصاديَّةِ البَحْتةِ، يَلحَظُ اختلافَ المسَمَّياتِ التي أطلَقوها على الحِساب الجاري، مع اتحادِ المسمَّى، ومن تلك التَّسمياتِ:
(1) الحِسابُ الجاري.
(2) الحِسابُ تحت الطَّلَبِ.
(3) الوديعةُ الجاريةُ.
(4) الوديعةُ المتحَرِّكةُ.
(5) الودائعُ تحت الطَّلَبِ.
(6) ودائعُ الحِسابِ الجاري.
(7) الودائعُ الواجِبةُ للدَّفعِ عند الطَّلَبِ.
(8) ودائعُ بدونِ تفويضٍ بالاستثمارِ، وهذه تسميةُ بنكِ دُبَيٍّ الإسلاميٍّ
(تأسس عام 1395هـ).
ومن المسَمَّياتِ السَّابقةِ يظهَرُ أنَّ بعضَها استخدمَ عبارةَ الحِسابِ، وبعضَها الآخَرَ استخدم عبارةَ الوديعةِ، مع تعَدُّدِ الوَصفِ على كلٍّ، فبعضُها يَصِفُها بالجاريةِ أو تحت الطَّلَبِ أو المتحَرِّكةِ.
والاختِلافُ في هذه الإطلاقاتِ هو من بابِ التنَوُّعِ لا التضادِّ، إلَّا أنَّ بعضَها نظَرَ إلى ذاتِ المبلَغِ الذي تمَّ التعاقُدُ عليه بين المَصرِفِ والعَميلِ، فأطلق لفظَ الوديعةِ، والقِسمُ الآخَرُ نظَرَ إلى المعامَلةِ والقائمةِ التي تُقيَّدُ بها المعاملاتُ المتبادلةُ بين الطرفينِ، فاختار لفظَ الحِسابِ.
والحقيقةُ أنَّ الوديعةَ المَصرِفيَّةَ أو المبالِغَ أو النقودَ التي يَعهَدُ بها الشَّخصُ إلى المَصرِفِ هي التي تنشِئُ الحِسابَ الجاريَ، وليست هي الحِسابَ الجاريَ ذاتَه.
وقد يقالُ: إنَّ من التجوُّزِ تعريفَ الحِسابِ الجاري بأنَّه النقودُ أو المبالغُ، كمن أطلق لفظَ السَّفْتجةِ على النقودِ المُقرَضةِ، وهي في الأصلِ وَرَقةٌ يُكتَبُ فيها الدَّينُ.
والذي يظهَرُ أنَّ البحثَ منصَبٌّ على حُكمِ المالِ أو النقودِ التي يَعهَدُ بها صاحِبُها إلى المَصرِفِ، ويتعاقَدُ عليها، وليس البحثُ في الحِسابِ أو القائمةِ التي تُقيَّدُ فيها المعاملاتُ بين الطَّرَفينِ.
ولأنَّ عُنوانَ البحثِ المطروحِ هو: الحِساباتُ الجاريةُ، وحتى أتجَنَّب الحُكمَ المبكِّرَ على المسألةِ؛ فإنِّي سوف أستعمِلُ هذا الإطلاقَ في هذا البحثِ فيما يأتي من المباحِثِ. واللهُ الموفِّقُ.
تعريفُ الحِسابِ الجاري:
عُرِّف الحِسابُ الجاري: بأنَّه القائمةُ التي تُقيَّد بها المعاملاتُ المتبادلةُ بين العميلِ والبنكِ(2).
وعُرِّفَت ودائِعُ الحِسابِ الجاري: بأنَّها "المبالِغُ التي يودِعُها أصحابُها في البنوكِ بشَرطِ أن يَرُدَّها عليهم البنكُ كُلَّما أرادوا"(3).
أو "هي النقودُ التي يَعهَدُ بها الأفرادُ أو الهيئاتُ إلى البنك على أن يتعهَّدَ الأخيرُ برَدِّها أو برَدِّ مبلغ مساوٍ لها لدى الطَّلَبِ، أو بالشُّروطِ المتَّفَقِ عليها"(4).
أو "هي المبالِغُ التي يودِعُها أصحابُها في البنوكِ بقَصدِ أن تكونَ حاضِرةَ التداوُلِ والسَّحبِ عليها لحظةَ الحاجةِ بحيث تُرَدُّ بمجَرَّدِ الطَّلَبِ، ودون توقُّفٍ على أيِّ إخطارٍ سابقٍ من أيِّ نوعٍ"(5).
والتعاريفُ السَّابقةُ في مجمَلِها متقارِبةٌ، وبعضُها اهتَمَّ بتعريفِ المعامَلةِ أو المعاقَدةِ التي تكونُ بين الطرفينِ (المَصرِف والعميل)، وبعضُها الآخَرُ عَرَّف انطلاقًا من المالِ الذي يتمُّ عليه العقدُ بين الطَّرَفينِ.
ويمكِنُ القولُ – كما سبق – بأنَّ الوديعةَ المَصرِفيَّةَ أو المالَ الموضوعَ لدى المَصرِف هو الذي ينشِئُ الحِسابَ الجاريَ؛ فالحِسابُ الجاري عبارةٌ عن قائمةٍ تُقَيَّد بها المعامَلاتُ المَصرِفيةُ المتبادَلةُ بين العميل والمَصرِف، ويقومُ صاحِبُ المالِ بفتحِ هذا الحِسابِ في المَصرِف لوَضعِ مالِه فيه، بغَرَضِ حِفْظِها وصونِها ثَّم طَلَبِها عند الحاجة إليها، أو لأغراضِ التعامُلِ اليوميِّ والتجاريِّ، دون الاضطرارِ إلى حمل النقودِ(6).
وقد يُسَلِّمُ المَصرِفُ للعميلِ دَفْتَرَ شيكاتٍ، يسمَحُ له بموجِبِه -وبحسَبِ إجراءاتٍ معروفةٍ- بالسَّحبِ متى شاء من حِسابه، بحيث لا تزيدُ المبالِغُ عن مقدارِ المالِ الذي تمَّ تسليمُه للمَصرِف عاليًا، وقد يدفَعُ صاحِبُ المالِ للمَصرِفِ مصاريفَ يسيرةً مُقابِلَ الاحتفاظِ بالحِسابِ الجاري على هذا النَّحوِ.
وبهذا يتبيَّنُ أنَّ الحِساباتِ الجاريةَ أو تحت الطَّلَبِ هي حِساباتٌ ليس هدفُها الاستثمارَ، وإنما هي حِساباتٌ لغَرَضِ حِفظِ هذه الأموالِ وصيانتِها من السَّرِقةِ أو الهلاكِ، أو لغَرَضِ تسهيلِ التعامُلِ التجاريِّ والمعاملاتِ المَصرِفيَّةِ الأخرى التي تقَدِّمُها هذه المصارفُ لعُمَلائِها؛ لذا فإنَّ هذه الحِساباتِ ليس لها أيُّ علاقةٍ بالمضارَبةِ أو المشاركةِ، ولا تستَحِقُّ أيَّ عائدٍ أو ربحٍ في المصارِفِ الإسلاميَّةِ، بل إنَّه قد يتقاضى المَصرِفُ عليها أجرًا أو عمالةً في مقابِلِ ما يمنحُه لأصحابِها من امتيازاتٍ(7).
وإنَّما سُمِّيَ الحِسابُ الجاري بهذا الاسمِ؛ لأنَّ طبيعتَه تجعَلُه في حركةٍ مُستَمِرَّةٍ من زيادةٍ بالإيداعِ أو نقصانٍ بسبَبِ ما يطرأُ عليه من قيودٍ بالسَّحبِ والإيداعِ، فتغَيَّر من حالِه بحيث لا يبقى على صفةٍ واحدةٍ(8).
وتختَلِفُ طُرُقُ المصارِفِ في التعامُلِ مع الحِساباتِ الجاريةِ، ويمكِنُ حَصرُها في أربعةِ طُرُقٍ(9):
الأوَّلُ: ألَّا يتقاضى المَصرِفُ أيَّةَ أجورٍ مقابِلَ خِدمةِ فَتحِ الحِسابِ وما يتْبَعُه من خِدماتٍ؛ كإصدارِ الشِّيكاتِ، وبطاقةِ السَّحبِ الآليِّ، وغَيرِها.
الثاني: أن يتقاضى المَصرِفُ أجورًا مقابِلَ خِدمةِ فَتحِ الحِسابِ الجاري، وما يتبَعُه من خِدماتٍ.
الثالثُ: أن يتقاضى المَصرِفُ أجورًا مقابِلَ ما سبق إذا نقص رصيدُ العَميلِ في الحِسابِ عن مَبلَغٍ محَدَّدٍ.
الرابعُ: أن يمنَحَ المَصرِفُ فوائِدَ للعميلِ مقابِلَ وُجودِ المبلَغِ في الحِسابِ، وبعضُها يشترطُ مبلغًا معيَّنًا لأجلِ منحِ الفوائِدِ، وهذا هو المعمولُ به في البُنوكِ الرِّبَويَّةِ.
المبحَثُ الثاني: أهميَّةُ الحِساباتِ الجاريةِ:
تتَّضِحُ أهميَّةُ الحِساباتِ الجاريةِ في المنافِعِ التي يحصُلُ عليها طرفا العَقدِ، وهما المَصرِفُ والعميلُ؛ مِن فَتحِ هذه الحِساباتِ والتعامُلِ بها، وفيما يلي ذِكرٌ لأهَمِّ المنافِعِ والفوائِدِ التي يحصُلُ عليها كُلٌّ منهما:
أولًا: المنافِعُ التي تعودُ على المَصرِف(10).
1- استثمارُ الأموالِ الموجودةِ في الحِساباتِ الجاريةِ دون أن يشتَرِكَ عملاؤه -أصحابُ هذه الأموالِ- في الأرباحِ التي تَدُرُّها هذه الاستثماراتُ.
ويتبيَّنُ هذا إذا عَلِمْنا أنَّ أموالَ الحِساباتِ الجارية تُعَدُّ أهَمَّ مواردِ المَصرِف، وتمثِّلُ ما قد يزيدُ في غالبِ الأحوالِ على 90% من مجمَلِ الموارد، ونادرًا ما تقِلُّ عن 20%(11)، وبهذا يستفيدُ منها المَصرِفُ في توفيرِ السُّيولةِ والوفاءِ باحتياجاتِه واحتياجاتِ عُمَلائِه (12).
2- فَتحُ حِسابٍ جارٍ لأحَدِ العُمَلاءِ يؤدِّي غالبًا إلى أنَّ هذا العميلَ يحتاجُ إلى خِدماتٍ مَصرِفيَّةٍ أخرى يستفيدُ منها المَصرِفُ، وطَبَعيٌّ أن يلجأ العميلُ إلى المَصرِف الذي به حِسابُه الجاري.
3- فتحُ الحِساباتِ الجاريةِ يزيدُ من قُدرةِ المَصرِفِ على توسيعِ الائتمانِ، أو ما يسَمَّى (بخَلقِ الودائِعِ) واستثمارِها؛ حيث يزيدُ الرَّصيدُ النَّقديُّ لهذا المَصرِف، وبالتالي يزيدُ ربحُه من جرَّاءِ استثمارِ هذه المبالِغِ.
4- الأجورُ التي تتقاضاها بعضُ المصارِفِ مقابِلَ الِخدماتِ التي تقَدِّمُها للعُمَلاءِ؛ كفَتحِ الحِسابِ، وإصدارِ الشِّيكاتِ، وبطاقاتِ السَّحبِ الآليِّ وغَيرِها.
5- يستفيدُ المَصرِفُ من الحِساباتِ الجارية التي تفتَحُها لديه المصارفُ الأخرى التي تعامَلَ معها -وهي تمثِّلُ قُرابةَ 10% من مجموعِ الخصومِ- في عمليات المقاصَّةِ في الشيكاتِ المحَرَّرةِ من قِبَلِ عُمَلاءِ المصارف الأخرى، وفي عمليةِ الحِوالاتِ التي يقومون بها من المصارفِ الأخرى، ولا سيَّما التحويلاتِ من بلدٍ إلى آخَرَ، وغيرِ ذلك من الأعمالِ المَصرِفيَّةِ التي تستدعي وجودَ رصيدٍ كافٍ لدى المَصرِفِ.
ثانيًا: المنافِعُ التي تعودُ على العميلِ (صاحب الحِساب الجاري)(13)
1- حِفظُ أموالِه من المخاطِرِ المختلفةِ؛ كالسَّرِقةِ أو الضَّياعِ، وهذا يتبيَّنُ أكثَرَ كُلَّما كانت الأموالُ كثيرةً؛ بحيث يشُقُّ حِفظُها في المنزلِ أو في المحَلِّ التجاريِّ؛ ولذا يلاحَظُ في الشركاتِ التجاريةِ الكبرى والمصانِعِ الكبيرةِ التي تكثُرُ فيها عمليَّاتُ البيعِ والتحصيلِ أنَّ موظَّفَ الخزينةِ لا يَستبْقي لديه أيَّةَ مبالِغَ نقديَّةٍ في الخزينةِ، بل عليه أن يودِعَها في المَصرِفِ يوميًّا.
2- إضافةً إلى ميزةِ حِفظِ المالِ فإنَّه يكونُ مضمونًا على المَصرِف، ولصاحِبِه حريَّةُ التصَرُّفِ فيه متى شاء.
3- الانتفاعُ من الخِدماتِ التي يقَدِّمُها المَصرِفُ لصاحبِ الحِسابِ الجاري غالبًا بدونِ مقابلٍ، ومن ذلك:
أ- الحصولُ على دفترِ الشيكاتِ؛ ممَّا يُسَهِّلُ على صاحِبِ الحِسابِ الوفاءَ بالتزاماتِه واحتياجاتِه المختَلِفةِ دونَ الحاجةِ إلى حَملِ النُّقودِ وعَدِّها ومراجعتِها، مع الأمنِ من ضياعِها وسَرِقَتِها، وبخاصَّةٍ في المبالِغِ الكبيرةِ.
ب- الحصولُ على بطاقةِ السَّحبِ الآليِّ، والتي يمكِنُه بواسطتِها:
- سَحبُ ما يحتاجُه من أموالٍ في أيِّ زمانٍ ومكانٍ.
ت- تسديدُ قيمةِ مُشتَرَياته عن طريقِ أجهزةِ نقاطِ البيعِ بواسطةِ الشَّبكةِ الإلكترونيَّةِ.
ث- تسديدُ فواتيرِ الخِدماتِ العامَّةِ؛ كفواتيرِ الكَهرباءِ، والهاتِفِ، والماءِ، ونحوِها.
ج- الاستعلامُ عن رصيدِه في حِسابِه الجاري، وطَلَبُ كَشفٍ لحِسابِه.
ح- التحويلاتُ والإيداعاتُ المَصرِفيَّةُ.
4- يُعَدُّ فَتحُ الحِساب الجاري المَصرِفيِّ أسهَلَ وأيسَرَ طريقةٍ لعَمَلِ حِساباتٍ نظاميَّةٍ دقيقةٍ عن أيِّ نوعٍ من أنواعِ النشاطِ الذي يقومُ به العميل، كأن يعرِفَ رِبحَه بالفَرقِ بين رصيدِ أوَّلِ السَّنةِ ورصيدِ آخِرِ السَّنةِ.
5- توثيقُ الحِسابات وضَبْطُها، بحيثُ يحصلُ العميلُ في نهايةِ كُلِّ شَهرٍ أو أقَلَّ أو أكثَرَ، على كشفٍ مفصَّلٍ يتضَمَّنُ جميعَ المدفوعاتِ وتواريخَها ومبالِغَها والمدفوعةَ إليهم، وكذلك الحالُ في الأموالِ التي يتلقَّاها من الآخرينَ؛ مِثلُ أثمانِ السِّلَعِ التي يبيعُ، أو موارِدَه من الإيجاراتِ والأرباحِ... إلخ، وهذا يُغنيه عن موظَّفٍ متخَصِّصٍ في المحاسبةِ.
6- تمكينُ العميلِ مِن إثباتِه وتوثيقِه لمدفوعاتِه للآخرينَ، سواءٌ عن طريقِ الشَّبَكاتِ تكفي عن الإيصالاتِ؛ لأنَّ المستفيدَ من الشيكِ يوقِّعُ على ظهرِ الشِّيكِ عند تحصيلِه من المَصرِف، أم عن طريقِ بطاقةِ السَّحبِ الآليِّ في تسديدِ فواتيرِ الخِدماتِ.
7- الحصولُ على الخِدمةِ المَصرِفيَّةِ عن طريقِ الهاتفِ -بواسِطةِ البطاقةِ -بحيث يستطيعُ صاحِبُ الحِسابِ الجاري تحريكَ معاملاتِه المَصرِفيَّةِ والتجاريَّةِ عن طريقِ الهاتِفِ؛ ممَّا يوفِّرُ عليه وقتًا طويلًا في التنَقُّلِ وإجراءِ هذه المعامَلاتِ.
8- سهولةُ وسُرعةُ تحصيلِ النُّقودِ المحوَّلةِ إلى المَصرِفِ مِن جهاتٍ حُكوميَّةٍ أو غيرِ حُكوميَّةٍ، كتحويلِ الرَّواتِبِ الشَّهريَّةِ مَثَلًا.
9- الأسعارُ المميَّزةُ للخِدماتِ الأُخرى التي يقَدِّمُها المَصرِفُ، والتي تتعلَّقُ غالبًا بالحوالاتِ والصَّرفِ الأجنبيِّ، ورُسومِ فَتحِ الاعتماداتِ وبطاقاتِ الائتمانِ وخِطاباتِ الضَّمانِ.
10- شهادةُ المَصرِفِ بملاءة العَميلِ (صاحب الحِساب) وأكثَرُ ما يحتاجُ لهذا التجَّارُ ورجالُ الأعمالِ الذين يحتاجون إلى شهادةٍ تُثبِتُ ملاءتهم، يقدِّمونها إلى الجهاتِ الحكوميَّةِ أو الخاصَّةِ، بحيث يتمكَّنون بموجِبِها من الدُّخولِ في المناقَصاتِ والمُزايداتِ، أو عُقودِ المقاوَلةِ أو التوريدِ وغَيرِها.
11- استخدامُ الأموالِ في الحِسابِ الجاري كرَهنٍ، وذلك بأن يتَّفِقَ العميلُ مع مَصرِفِه على حَجزِ مبلَغٍ من المالِ في حِسابِه الجاري لا يُسمَحُ له أن يسحَبَه أو يحَرِّرَ الشِّيكاتِ مُقابِلَه؛ ليكونَ رهنًا لضَمانِ وَفائِه بالتزاماتِه الواجِبةِ أو التي مآلُها إلى الوجوبِ للمَصرِفِ أو لمؤسَّسةٍ أُخرى، مثلُ حالاتِ فَتحِ الاعتمادِ المستَنَدي للاستيرادِ، أو إصدارِ البطاقةِ الائتمانيَّةِ، أو كفالةِ جِهةٍ أُخرى من قِبَلِ ذلك العميلِ.
12- يُعَدُّ كَشفُ الحِسابِ للعَميلِ مُستنَدًا قويًّا لما جاء فيه من أرقامٍ، ويستفيدُ من هذا الموظَّفون الملزَمون بتقديمِ تقاريرَ سَنَويَّةٍ عن التغييراتِ الطارئةِ في ثَرَواتِهم طبقًا لأنظِمَةِ الكَسبِ غيرِ المشروعِ في بعضِ الدُّوَلِ.
إضافةً إلى ما سبق فإنَّ الحِسابَ الجاريَ يستفيدُ منه الطَّرَفانِ في تيسيرِ واختصارِ كثيرٍ من العمليَّاتِ التي تحصُلُ بينهما؛ إذَّ إنَّ تسويةَ كُلِّ عمليَّةٍ مِن العمليَّاتِ المتتابعةِ يسَبِّبُ كثيرًا من التعقيدِ، بينما يمكِنُ بواسطةِ الحِسابِ الجاري تجميعُ العمليَّاتِ كُلِّها وإخضاعُها لنظامٍ واحدٍ، وكذلك فإنَّ من فوائِدِ الحِساباتِ الجاريةِ عَدَمَ تعطيلِ رُؤوسِ الأموالِ؛ لأنَّه إذا استحَقَّ على أحَدِ طَرَفَيه دَينٌ فإنَّه لا يدفَعُه نقدًا ومباشَرةً، بل يستغِلُّه ويقيِّدُ في حِسابِ الدَّائِنِ ما يقابِلُه.
ومِن فوائِدِها كذلك أنَّها تقومُ بوظيفةٍ نَقديَّةٍ مُهِمَّةٍ؛ إذ إنَّها تمثِّلُ وسائِلَ دَفعٍ في المجالِ الاقتصاديِّ والتجاريِّ، وأداةَ وَفاءٍ لتسويةِ الدُّيونِ عن طريقِ نَقلِ مِلكيَّتِها من شخصٍ لآخَرَ، باستعمالِ الشِّيكاتِ والتحويلِ المَصرِفيِّ والمقاصَّةِ.
وبهذا يتبيَّنُ أنَّ أموالَ الحِساباتِ الجاريةِ هي مما يمثِّلُ قُطبَ الرَّحى بالنسبةِ لمواردِ البنوكِ، ومحورَ نَشاطاتِها في المجالِ الاقتصاديِّ والتجاريِّ، وفي ميادينِ أنشِطَتِها الأُخرى.
المبحَثُ الثالث: التكييفُ (التخريجُ) الفِقهيُّ للحِساباتِ الجاريةِ:
اختلَفَت آراءُ الفُقَهاءِ والباحثين المعاصِرين في التكييفِ الفِقهيِّ للحِساباتِ؛ ومما يلي عَرضٌ للخِلافِ:
أولًا: الأقوالُ في المسألةِ:
القولُ الأوَّلُ: أنَّها قَرضٌ؛ فالمودِعُ هو المقرِضُ، والمَصرِفُ هو المقتَرِضُ.
وهذا قَولُ أكثَرِ الفُقَهاءِ والباحثين المعاصِرين(14)، وهو رأيُ مجمَعِ الفِقهِ الإسلاميِّ المنبَثِقِ من مُنظَّمةِ المؤتمَرِ الإسلاميِّ بجُدَّةَ، ونَصَّ عليه بالقرارِ رقم 86 (3/9) في دورته التاسعة المنعقدة في أبي ظبي 1-5 ذي القعدة 1415هـ، وفيما يلي نصُّ القرارِ:
"إنَّ مجلِسَ مجمَعِ الفِقهِ الإسلاميِّ المنعَقِدَ في دورة مؤتمَرِه التاسِعِ بأبي ظبي بدولة الإمارات العربية المتَّحدة من 1-6 ذي القعدة 1415هـ، الموافق 1-6 نيسان (أبريل) 1995م، بعد اطِّلاعِه على البُحوثِ الواردةِ إلى المجمَعِ بخصوصِ موضوعِ الودائعِ المَصرِفيَّةِ (حِسابات المصارف)، وبعد استماعِه إلى المناقَشاتِ التي دارت حولَه، قَرَّر ما يلي:
أولًا: الودائِعُ تحت الطَّلَبِ (الحِسابات الجارية)، سواءٌ أكانت لدى البنوكِ الإسلاميَّةِ أو البنوكِ الرِّبَويَّةِ: هي قروضٌ بالمنظورِ الفِقهيِّ؛ حيث إنَّ المَصرِفَ المستَلِمَ لهذه الودائِعِ يَدُه يدُ ضَمانٍ لها، وهو مُلزَمٌ شَرعًا بالرَّدِّ عند الطَّلَبِ، ولا يؤثِّرُ على حُكمِ القَرضِ كونُ البنكِ (المقترض) مليئًا(15).
القول الثاني: أنَّها وديعةٌ بالمعنى الفقهيِّ، وقال به بعضُ الباحثين المعاصرين(16)، وبه أخذ بَنكُ دُبَيٍّ الإسلاميُّ(17).
ومال إليه الدكتور حسين كامل فهمي، ورأى ضرورةَ إعادةِ النَّظَرِ في التكييفِ الفِقهيِّ المعمولِ به حاليًّا بالنسبةِ للحِسابات الجاريةِ في البنوكِ الإسلاميَّةِ؛ ليُصبِحَ: وديعةً (بمفهومها الشرعي) لدى كُلٍّ من البنكِ الإسلاميِّ، والبنكِ المركزيِّ في نفسِ الوقتِ، مع الإذنِ للبنكِ المركزيِّ فقط باستخدامِها(18).
القولُ الثالثُ: أنَّها تدخُلُ تحت عَقدِ الإجارةِ.
أي: أنَّ الإجارةَ واقعةٌ على النقودِ، وأنَّ ما يدفَعُه المَصرِفُ لصاحِبِ النقودِ هو أجرٌ لاستعمالِ هذه النقودِ، وهذا القولُ نقله بعضُ الباحثين ولم ينسُبْه لأحدٍ، وانتقد بأنَّه قولُ من أراد أن يستحِلَّ فوائِدَ الرِّبا من البُنوكِ(19).
وهناك قولانِ آخران، يغلِبُ عليهما أنَّهما من أقوالِ القانونيِّين؛ فأكتفي بإيرادِهما فقط:
الأوَّلُ: أنَّها وديعةٌ شاذَّةٌ أو ناقصةٌ، أي: وديعةٌ مع الإذنِ بالاستعمالِ.
الثاني: أنَّه عقدٌ ذو طبيعةٍ خاصَّةٍ، أو أنَّه ليس من العقودِ المسَمَّاةِ.
أدلَّةُ الأقوالِ:
أدلَّةُ القولِ الأوَّلِ:
1- أنَّ المالَ في الحِسابِ الجاري عبارةٌ عن نقودٍ يضَعُها صاحِبُ الحِسابِ، وهو يعلَمُ أنَّ المَصرِفَ يتصَرَّفُ فيها، ويخلِطُها بالأموالِ التي لديه بمجَرَّدِ استلامِها وإدخالِ بياناتِها بالحاسِبِ، ثم يستثمِرُها، وقد دفعها إليه راضيًا بذلك، فكان إذنًا بالتصَرُّفِ؛ فهذه الأموالُ في حقيقتِها قَرضٌ وليست وديعةً(20).
2- أنَّ المَصرِفَ يملِكُ المالَ في الحِسابِ الجاري، ويتصَرَّفُ فيه، فيكون قرضًا، وليس إيداعًا؛ إذ في عقد الإيداعِ لا يملِكُ الوديعُ الوديعةَ، وليس له أن يتصَرَّفَ فيها، والعبرةُ في العُقودِ للمَعاني لا للألفاظِ والمباني، وتسميتُها وديعةً إنَّما هو على سبيلِ المجازِ لا الحقيقةِ؛ لعَدَمِ توفُّرِ حقيقةِ الوديعةِ فيها(21).
3- أنَّ المَصرِفَ يُعَدُّ ضامنًا لأموالِ الحِسابِ الجاري برَدِّ مِثْلِها، ولو كانت هذه الأموالُ وديعةً بالمعنى الحقيقيِّ لَما ضَمِنَها المَصرِفُ، والمديونيَّةُ والضَّمانُ ينافيانِ الأمانةَ، بل لو شَرَط رَبُّ الوديعةِ على الوديعِ ضمانَ الوديعةِ، لم يَصِحَّ الشَّرطُ؛ لأنَّه شَرطٌ ينافي مقتضى العَقدِ، وكذلك لو قال الوديعُ: أنا ضامِنٌ للوديعةِ، لم يضمَنْ ما تَلِفَ بغيرِ تَعَدٍّ أو تفريطٍ؛ لأنَّ ضمانَ الأماناتِ غيرُ صحيحٍ، وهذا على خلافِ المعمولِ به في المصارِفِ قَولٌ على أنَّ مالَ الحِسابِ الجاري قَرضٌ وليس وديعةً(22).
4- من المعلومِ أنَّ المَصرِفَ لا يأخُذُ أموالَ الحِساباتِ الجاريةِ كأمانةٍ يحتَفِظُ بعينِها لتُرَدَّ إلى أصحابِها، وإنما يستهلِكُها ويستثمِرُها في أعمالِه، ومن عَرَف أعمالَ البُنوكِ عَلِمَ أنَّها تستهلِكُ نسبةً كبيرةً من هذه الحِساباتِ، وتلتَزِمُ برَدِّ مِثْلِها، وهذا واضِحٌ في أموالِ الحِساباتِ الجاريةِ التي تدفَعُ بعضَ المصارِفِ عليها فوائِدَ رِبَويَّةً، فما كان المَصرِفُ ليدفَعَ هذه الفوائِدَ مقابِلَ الاحتفاظِ بالأماناتِ ورَدِّها إلى أصحابِها فقط(23).
أدلَّةُ القَولِ الثَّاني:
(1) أنَّ أموالَ الحِسابِ الجاري عبارةٌ عن مبالِغَ توضَعُ لدى المَصرِفِ ويَسحَبُ منها في الوقتِ الذي يختارُه المودِعُ، وذلك كلُّ ما يُطلَبُ في الوديعةِ الحقيقيَّةِ، ولا توجَدُ أيُّ شائبةٍ في ذلك(24).
ونوقِشَ هذا الاستدلالُ بعَدَمِ التسليمِ؛ وذلك لأنَّ الوديعةَ وإن كان المقصودُ رَدَّها عند الطَّلَبِ، إلَّا أنَّه يُقصَدُ بها أيضًا عدَمُ التصَرُّفِ فيها، وأموالُ الحِساباتِ الجاريةِ يتصَرَّفُ فيها المَصرِفُ بمجَرَّدِ استلامِها، ثم يَرُدُّ بَدَلَها، وهذا ينطَبِقُ على القَرضِ بمعناه الشَّرعيِّ لا على الوديعةِ(25).
(2) أنَّ المَصرِفَ لا يتسَلَّمُ هذه الوديعةَ على أنَّها قَرضٌ، بدليلِ أنَّه يتقاضى أجرةً (عمولة) على حِفظِ الوديعةِ تحت الطَّلَبِ، بعَكسِ الوديعةِ لأجْلِ التي يدفَعُ هو عليها فائدةٌ(26).
ونوقِشَ بأنَّ الأُجورَ التي يأخُذُها المَصرِفُ من صاحِبِ الحِسابِ الجاري لا يُسلَّمُ على أنَّها في مقابِلِ الحفظِ، بل هي في مقابِلِ الخِدْماتِ التي يقَدِّمُها المَصرِفُ لصاحِبِ الحِسابِ؛ كإصدارِ دفتر الشِّيكاتِ، وبطاقةِ السَّحبِ الآليِّ، وكُشوفِ الحِسابِ، وغيرِها من الخِدْماتِ، مع أنَّ الواقِعَ أنَّ أغلَبَ المصارفِ لا تأخُذُ أجورًا في مقابِلِ فَتحِ الحِسابِ.
(3) أنَّ المَصرِفَ يتعامَلُ بحَذَرٍ شديدٍ عند استعمالِ أموالِ الحِساباتِ الجاريةِ والتصَرُّفِ فيها، ثم يبادِرُ برَدِّها فورًا عند طَلَبِها ممَّا يدُلُّ على أنَّها وديعةٌ(27).
نوقِشَ بأنَّ هذا التصَرُّفَ من المَصرِفِ لا يغَيِّرُ من حقيقةِ العَقدِ، والواقِعُ أنَّ المَصرِفَ يتصَرَّفُ في مالِ الحِسابِ الجاري بخِلافِ ما ذُكِرَ؛ حيثُ يقومُ بخَلْطِها بمالِه ومالِ العُمَلاءِ الآخِرينَ بمجَرَّدِ استلامِها، ثم يتصَرَّفُ فيها كما لو كانت مِلْكَه.
وأمَّا كونُه يبادِرُ برَدِّها عند طَلَبِها، فهذا لا ينفي كونَها قَرْضًا؛ لأنَّ المقرِضَ له طَلَب بَدَلَ القَرضِ في الحالِ مطلقًا(28)؛ لأنَّ القَرضَ يَثبُتُ في الذِّمَّةِ حالًا، فكان له طَلَبُه كسائرِ الدُّيونِ الحالةِ، ولأنَّه سَبَبٌ يوجِبُ رَدَّ المِثْلِ أو القيمةِ، فكان حالًّا(29).
وكذلك فإنَّ المبادرةَ برَدِّها عند طَلَبِها فيه حفاظٌ على سمعةِ المَصرِفِ، وتحفيزٌ للتعامُلِ معه، وفي هذا التعامُلِ فوائِدُ ترجِعُ إلى المَصرِفِ، كما هو معلومٌ.
(4) أنَّ المودِعَ عندما يدفَعُ المالَ في الحِسابِ الجاري للمَصرِفِ لا يقصِدُ أبدًا أن يُقرِضَ المَصرِفَ، ولا أن يشارِكَه في الأرباحِ العائِدةِ للمَصرِفِ مِن استغلالٍ لمالِ المودِعِ ومالِ غَيرِه، وإنَّما مقصودُه -أي المودِعِ-حِفظُ مالِه، ثمَّ طَلَبُه عند الحاجةِ إليه، وهذا مقتضى عَقدِ الوديعةِ؛ فلا يُسَمَّى فِعلُه إقراضًا(30).
نوقِشَ بأنَّ كونَ المودِعِ لا يقصِدُ إقراضَ المَصرِفِ لا يؤثِّرُ في حقيقةِ العَقدِ؛ لأنَّ عامَّةَ المتعاملين مع المصارفِ لا يدرِكونَ الفَرقَ بين معنى القَرضِ ومعنى الوديعةِ، ولا يستحضِرون الفروقَ بينهما، فهم لا تهمُّهم المصطلحاتُ بقدرِ ما تهمُّهم النتائجُ والغاياتُ، والحاصِلُ أن المتعاملين مع المصارفِ بوضعِ أموالِهم في الحِساباتِ الجاريةِ يريدون حِفظَ أموالِهم مع ضَمانِها من المَصرِفِ، وهذا في حقيقتِه قَرضٌ لا وديعةٌ، ومن المعلومِ كذلك أنَّ المَصرِفَ لا يقبَلُ حِفظَ هذه الأموالِ إلا لأجْلِ التصَرُّفِ فيها، وهذا هو معنى القَرضِ، والقاعِدةُ: أنَّ العبرةَ في العقودِ بالمقاصِدِ والمعاني لا بالألفاظِ والمباني(31).
الترجيحُ:
الذي يترجَّحُ -والعِلمُ عند الله تعالى- أنَّ الأموالَ التي يضَعُها أصحابُها في حِسابٍ جارٍ لدى المَصرِفِ، الأقرَبُ أنَّها قَرضٌ وليست وديعةً، وذلك للأسبابِ الآتية:
1- أنَّ تعريفَ القَرضِ وأحكامَه متمشِّيةٌ مع هذه المسألةِ؛ فقد عُرِّفَ القَرضُ بأنَّه "عبارةٌ عن دفعِ مالٍ إلى الغيرِ؛ لينتَفِعَ به ويَرُدَّ بَدَلَه"(32)، ومالُ الحِسابِ الجاري يدفَعُه صاحِبُه إلى المَصرِفِ، لينتَفِعَ به ويرُدَّ بَدَلَه.
2- أنَّ صاحِبَ الحِسابِ الجاري يعلَمُ أنَّ المَصرِفَ الذي يتلقَّى مالَه لن يحتَفِظَ له بهذا المالِ ساكنًا مُستقِرًّا في صناديقِه ليُعيدَه بعينِه عند الطَّلَبِ، بل إنَّه سوف يختَلِطُ بغيره من الأموالِ وبأموالِ المَصرِفِ، كما أنَّ المَصرِفَ سوف يستعمِلُ هذه الأموالَ في أعمالِه واستثماراتِه، وهذا يعني أن المَصرِفَ لن يعيدَ عينَ المالِ، بل يعيدُ مِثْلَه عند الطَّلَبِ، وهذه الأموالُ في حقيقتِها قروضٌ لا ودائِعُ(33).
3- أنَّ صاحِبَ المالِ إذا وضعه في حِسابٍ جارٍ لا يقصِدُ مجَرَّدَ الحِفظِ فقط، بل يريدُ الحِفظَ والضَّمانَ معًا، بدليلِ أنَّه لا يقومُ على الإيداعِ ما لم يكُنِ المالُ مضمونًا، وكذلك المَصرِفُ لا يقبَلُ هذه الأموالَ لحِفْظِها فقط، بل للانتفاعِ بها مع ضمانِها، وهذه حقيقةُ القَرضِ.
4- في القَرضِ يضمَنُ المقتَرِضُ، وفي الوديعةِ يضمَنُ المودعُ -ما لم يكُنِ المودعُ مُفَرِّطًا- وكلٌّ منهما ضامِنٌ؛ لأنَّه مالكٌ، وعلى هذا فالوديعةُ في العُرفِ المَصرِفيِّ القائِمِ قَرضٌ في الشَّرع ِالإسلاميِّ(34)
5- أنَّ القاعدةَ الفِقهيَّةَ المشهورةَ نَصَّت على أنَّ العبرةَ في العقودِ بالمقاصِدِ والمعاني لا بالألفاظِ والمباني، وتسميةُ هذا العَقدِ بين صاحِبِ المالِ والمَصرِف وديعةً لا يُغَيِّرُ من حقيقةِ العَقدِ وأنَّه قرضٌ، وإنَّما سُمِّي وديعةً أو إيداعًا لأسبابٍ؛ منها(35):
أ- أنَّ هذه الكَلِمةَ استُعمِلت بمعناها اللُّغويِّ؛ فإنها فعيلةٌ من "وَدَع يَدَع": بمعنى أنها متروكةٌ عند المودِعِ، وهو المَصرِفُ هنا بغَضِّ النَّظَرِ عن كونِها أمانةً أو مضمونةً.
ب- لأنَّ تأريخَها بدأت بشكلِ ودائِعَ، وتطَوَّرت خلالَ تجارِبِ المصارفِ واتِّساعِ أعمالِها إلى قُروضٍ؛ فظَلَّت محتَفِظةً من الناحيةِ اللَّفظيةِ باسمِ الودائِعِ، وإن فَقَدت المضمونَ الفِقهيَّ لهذا المصطَلَحِ، وعليه فاستخدامُ لفظ "ودائع" بدلًا من "قروض" إنما كان صحيحًا في مرحلةٍ تأريخيَّةٍ من مراحِلِ التطَوُّرِ المَصرِفيِّ؛ حيث كان النَّاسُ يودِعون نقودَهم عند الصَّائغِ أو الصَّيرفيِّ مقابِلَ أجرٍ يتقاضاه، لكِنْ عندما بدأ هؤلاء الصَّيارفةُ باستغلالِ هذه الأموالِ وبإقراضِها إلى غيرِهم أو استغلالِها، لم تَعُدْ هذه العمليَّاتُ ودائِعَ، وكان ينبغي منذ ذلك الوقتِ هَجرُ هذه التسميةِ وتَرْكُها لعملياتٍ أُخرى، (كإيداع الأشياء الثمينة)، والانتقالُ إلى التسميةِ الحقيقيَّةِ: قروض.
وإذا أغفَلَت البنوكُ الرِّبَويَّةُ هذا فحَرِيٌّ بالمصارِفِ الإسلاميَّةِ أن تتنَبَّهَ لهذا، وألا تقَلِّدَ البنوكَ الرِّبَويَّةَ في هذه التسميةِ وغَيرِها، سواءٌ كان ذلك في المقاصِدِ والمعاني، أم في الألفاظِ والمباني.
المبحَثُ الرابع: الإشكالاتُ الواردةُ على تخريجِها قَرْضًا:
على القَولِ الراجحِ بأنَّ الأقرَبَ في أموالِ الحِسابِ الجاري تخريجُها أنَّها قَرضٌ لا وديعةٌ: قد يَرِدُ من الإشكالاتِ ما يلي:
الإشكالُ الأوَّلُ: أنَّ الأصلَ في مشروعيَّةِ القَرضِ هو الإرفاقُ، وأدِلَّةُ مشروعيَّتِه تؤكِّدُ هذا؛ ولذا عَرَّفه بعضُ الفُقَهاءِ بأنَّه:
دفعُ مالٍ إرفاقًا لمن ينتَفِعُ به ويَرُدُّ بدَلَه(36).
ومن المعلومِ أنَّ الذين يدفعون أموالَهم إلى المصارفِ -على شكلِ حِساباتٍ جاريةٍ -لا يقصِدون الرِّفقَ بالمصارِفِ والإحسانَ إليها، والمصارِفُ ليست فقيرةً أو محتاجةً حتى تُقرَضَ، وإنَّما يريدون نَفْعَ أنفُسِهم بحفظِ أموالِهم ثمَّ طَلَبِها عند الحاجةِ.
الجوابُ: يمكِنُ أن يجابَ عن هذا الإشكالِ بأنَّ القَرْضَ -وإن كان الأصلُ في مشروعيَّتِه هو الإرفاقَ- قد يخرجُ عن هذا الأصلِ؛ فليس في جميعِ حالاتِه من بابِ الإرفاقِ، وليس الإرفاقُ شرطًا في صِحَّتِه، بمعنى أنَّ الإرفاقَ صِفةٌ غالبةٌ على القَرضِ لا مقيِّدةٌ له، ويدُلُّ على هذا ما يلي:
1 -ما ثبت في الصَّحيحِ من حديثِ هِشامِ بنِ عُروةَ عن أبيه عن عبدِ اللهِ بنِ الزُّبيرِ رضي الله تعالى عنه، قال: "... وإنَّما كان دَينُه -أي: الزُّبَيرِ رضي الله تعالى عنه- الذي عليه: أنَّ الرَّجُلَ كان يأتيه بالمالِ فيستودِعُه إيَّاه، فيقولُ الزُّبَيرُ: لا، ولكِنَّه سَلَفٌ، فإنِّي أخشى عليه الضيعة..
قال عبدُ اللهِ بنُ الزُّبَيرِ: فحَسَبْتُ ما عليه من الدَّينِ فوجَدْتُه ألفَيْ ألفٍ ومائتي ألفٍ!
قال: وكان للزُّبَيرِ أربَعُ نسوةٍ، ورُفِعَ الثُّلثُ، فأصاب كُلَّ امرأةٍ ألفُ ألفٍ ومائتا ألفٍ".
وفي بعض النُّسَخِ: "فجميعُ مالِه خمسون ألفَ ألفٍ، ومائتا ألفٍ".
(37) وَجهُ الدَّلالةِ من الحديث: أنُّ الزُّبَيرَ -رضي الله تعالى عنه -كان قد قَبِلَ تلك الأموالَ على أنَّها قرضٌ مضمونٌ لا وديعةٌ، مع عَدَمِ حاجتِه إليها، بل كان -رضي الله تعالى عنه- من أكثَرِ الصَّحابةِ رضي الله تعالى عنهم مالًا؛ فدَلَّ على أنَّه لا يُشتَرَطُ في القَرضِ قَصدُ الإرفاقِ بالمقتَرِضِ، ولا أنَّ كونَه فقيرًا أو محتاجًا.
قال ابنُ حَجَرٍ -رحمه الله تعالى-: "قولُه: "لا، ولكِنَّه سَلَفٌ"، أي: ما كان يقبِضُ من أحدٍ وديعةً إلَّا إن رضي صاحِبُها أن يجعَلَها في ذِمَّتِه، وكان غَرَضُه بذلك أنه كان يخشى على المالِ أن يضيعَ؛ فيُظَنُّ به التقصيرُ في حِفْظِه؛ فرأى أن يجعله مضمونًا، فيكونَ أوثَقَ لصاحِبِ المالِ، وأبقى لمروءتِه.
زاد ابنُ بَطَّالٍ: وليَطيبَ له رِبحُ ذلك المالِ"(38).
وقال ابنُ حَجَرٍ: "وفيه مبالغةُ الزُّبَير في الإحسانِ لأصدقائِه؛ لأنَّه رضي أن يحفَظَ لهم ودائِعَهم في غيبتِهم، ويقومَ بوصاياهم على أولادِهم بعد مَوتِهم، ولم يكْتَفِ بذلك حتى احتاط لأموالِهم وديعةً أو وصيَّةً بأن كان يتوصَّلُ إلى تصييرِها في ذِمَّتِه، مع عَدَمِ احتياجِه إليها غالبًا، وإنما ينقُلُها من اليَدِ للذِّمَّةِ مبالغةً في حِفْظِها لهم"(39).
2 -مسألةُ السَّفْتَجةِ(40)، وهي قَرضٌ لم يُقصَدْ به الإرفاقُ، ومع ذلك فهي جائزةٌ على الصَّحيحِ؛ قال شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميَّةَ -رحمه الله تعالى-: "والصَّحيحُ الجوازُ؛ لأنَّ المقتَرِضَ رأى النَّفعَ بأمنِ خَطَرِ الطَّريقِ إلى نَقلِ دراهمِه إلى بلَدِ دراهِمِ المقتَرِضِ؛ فكلاهما منتَفِعٌ بهذا الاقتراضِ، والشَّارعُ لا ينهى عمَّا ينفَعُ النَّاسَ ويُصلِحُهم ويحتاجون إليه، وإنَّما نهى عما يضُرُّهم ويُفسِدُهم، وقد أغناهم اللهُ عنه، واللهُ أعلَمُ"(41).
3 -ما ذَكَره العُلَماءُ من أنَّ للوَصِيِّ قَرْضَ مالِ اليتيمِ في بلدٍ آخَرَ؛ ليربحَ خَطَرَ الطَّريقِ؛ قال ابنُ قدامةَ رحمه الله تعالى-: "والصحيحُ جوازُه؛ لأنَّه مصلحةٌ لهما من غيرِ ضررٍ بواحدٍ منهما، والشَّرعُ لا يَرِدُ بتحريمِ المصالحِ التي لا مضَرَّةَ فيها، بل بمشروعيَّتِها"(42).
ومن المعلومِ أنَّ الغايةَ من إقراضِ مالِ اليتيمِ الرِّفقُ باليتيمِ لا بالمقتَرِضِ، ومصلحةُ اليتيمِ لا مصلحةُ المقتَرِضِ، والمرادُ والمقصودُ الإيداعُ والحِفظُ، غيرَ أنَّ الوديعةَ لا تُضمَنُ؛ ففُضِّلَ الإقراضُ لغنيٍّ أمينٍ حتى يحفَظَ المالَ لصالحِ اليتيمِ لا لصالحِ الغَنِيِّ(43).
وبهذا يتبَيَّنُ أنَّه لا يُشتَرَطُ في القَرضِ أن يكون إرفاقًا من غنيٍّ لمحتاجٍ، وإن كان الأصلُ فيه كذلك.
الإشكالُ الثَّاني: أنَّ اعتبارَ مالِ الحِسابِ الجاري قَرْضًا يترتَّبُ عليه بعضُ الصعوباتِ في إخضاعِ استعمالِها وسيلةَ دَفعٍ وأداةَ وَفاءٍ مِن الناحيةِ الشَّرعيَّةِ، ومن ذلك(44):
1 - أنَّه لا يجوزُ لصاحِبِ الحِسابِ الجاري أن يشتريَ بضاعةً مؤَجَّلةً -أي: سَلَمًا -ويكتُبَ لصاحِبِ البضاعة شيكًا بالثَّمَنِ على المَصرِف؛ لأنَّه يؤدِّي إلى بيعِ الكالئِ بالكالئِ؛ فيَبطُلُ الشِّراءُ.
2 - أنَّه لا يجوزُ لصاحِبِ الحِسابِ الجاري أن يَهَبَ شيئًا من مالِ حِسابه الجاري لشَخصٍ ثالثٍ؛ لأنَّه من هبةِ الدَّائِنِ للدَّينِ الذي يملِكُه في ذِمَّةِ شَخصٍ آخَرَ؛ فالهبةُ باطلةٌ عند من يرى من الفُقَهاءِ أنَّ قَبْضَ الموهوبِ له المالَ الموهوبَ شَرْطٌ في صِحَّةِ الهِبَةِ.
ويمكِنُ أن يجابَ عن هذا الإشكالِ: بفَرْعَيه بأنَّ ما ذُكِر غيرُ مُسلَّمٍ، وبيانُ ذلك أنَّ صاحِبَ الحِسابِ الجاري إذا اشترى بضاعةً مُؤَجَّلةً (سَلَمًا) وكتب لصاحِبِ البضاعةِ شِيكًا، فقَبِلَه، كان ذلك بمنزلةِ تسليمِه الثَّمَنَ نقدًا؛ وذلك أنَّ العُرفَ المَصرِفيَّ مضى على صَرفِ الشيك فورًا إذا كان مستوفيًا لشُروطِه، وكذلك الحالُ بالنِّسبةِ للهِبَةِ؛ فإذا وهب إنسانٌ مالَه في حِسابِه الجاري إلى غيرِ مَدِينِه -المَصرِف- وحَرَّر شيكًا للموهوبِ له ورَضِيَ به؛ فقد تم القَبضُ(45)، وقد سبق أنَّ القَرضَ يَثبُتُ في الذمة حالًا، وأنَّ للمُقرِض المطالَبةَ ببَدَلِه في الحالِ كسائرِ الدُّيونِ الحالَّةِ(46).
الإشكالُ الثالثُ: استخدامُ مالِ الحِساب الجاري كرَهنٍ أو ضمانٍ.
عند الجمهورِ أنَّ المرهونَ يجِبُ أن يكون عينًا متقَوَّمةً يجوزُ بَيعُها؛ فلا يجوزُ رَهْنُ الدَّينِ(47)، وبناءً على هذا فلا يجوزُ استخدامُ مالِ الحِساب الجاري كرَهنٍ أو ضمانٍ؛ لأنَّه دَينٌ لصاحِبِ الحِسابِ في ذِمَّةِ المَصرِفِ.
قال الدكتور الصديق الضرير -أثابه الله تعالى-: "لا أتصَوَّرُ رَهنَ وديعةٍ حِسابيَّةٍ من صاحِبِ الوديعةِ؛ لأنَّ هذا مُقرِضٌ، والمقرِضُ يخرجُ المالُ عن مِلْكِه، ويكونُ في يَدِ المقتَرِضِ؛ فلا محَلَّ لرهْنِه"(48).
الإشكالُ الرابعُ: من المعلومِ أنَّ صاحِبَ الحِسابِ الجاري يمكِنُه أن يَسحَبَ مِن المالِ الذي في الحِسابِ في أيِّ وَقتٍ، بل قد يَسحَبُ جميعَ المالِ في وقتٍ واحدٍ، والمالُ المسحوبُ ليس هو عينَ مالِه الذي أقرضَه للمَصرِفِ، فإذا ما سحب جزءًا من المال مثلًا، فهل المالُ الذي يسحَبُه من الحِسابِ هو استرجاعٌ للمالِ الذي أقرضَه للمَصرِفِ أو لجزءٍ منه، أم أنَّه قَرضٌ جديدٌ اقترَضَه هو من المَصرِفِ بعَقدٍ آخرَ؟
هذه المسألةُ تحتاجُ إلى نظَرٍ؛ لِما يترتَّبُ عليها من ثمراتٍ، وهي مطروحةٌ هنا للمناقشةِ.
الإشكالُ الخامِسُ: إذا أدخل شخصٌ مالًا جديدًا في حِسابِه الجاري؛ فهل هذا المالُ عَقدُ قَرضٍ جديدٍ بينه وبين المَصرِفِ، أو هو مُلحَقٌ بالعقدِ الأوَّلِ؟
الإشكالُ السادسُ: إذا أدخل شخصٌ مَبلغًا من المالِ في حِسابِ شَخصٍ آخَرَ، فهل هذا المبلَغُ يُعَدُّ قرضًا للمَصرِفِ، أم أنَّ المَصرِفَ وسيلة ٌللوَفاءِ فقط؟ وإذا قلنا: إنَّه قَرضٌ من صاحِبِ الحِسابِ، فهل يمكِنُ أن يتِمَّ القَرضُ إذا كان صاحِبُ الحِسابِ لا يعلَمُ بدُخولِ المالِ في حِسابِه؟
المبحَثُ الخامِسُ: الأحكامُ والآثارُ المترتِّبةُ على تكييفِ الحِساباتِ الجاريةِ بأنَّها قَرضٌ.
الخلافُ السابقُ في تكييفِ الحِساباتِ الجاريةِ يترتَّبُ آثارٌ وثمراتٌ عمليَّةٌ مهمَّةٌ تدُلُّ على أهميَّةِ الموضوعِ وأهميَّةِ طرحِه والبحثِ فيه، ومن ذلك:
أولًا: أحكامُ المنافِعِ العائدةِ مِن فَتحِ الحِسابِ الجاري:
إذا دفَعَ صاحِبُ المالِ نقودَه إلى المَصرِفِ، فإنَّ الأخيرَ تلقائيًّا يفتَحُ لصاحِبِ المالِ حِسابًا جاريًا، تتِمُّ عن طريقِه المعاملاتُ التي تكون بين الطَّرفينِ، ويترتَّبُ على فتح الحِساب الجاري منافِعُ؛ منها ما يرجع إلى المَصرِف (المقترِض)، ومنها ما يرجع إلى صاحِبِ الحِسابِ (المقرِض)، ومنها ما يرجِعُ إليهما.
(أ) المنافِعُ العائدةُ إلى المَصرِف (المقترِض):
1 -استثمارُ أموالِ الحِسابِ الجاري:
من المعلومِ أنَّ المَصرِفَ بمجَرَّدِ استلامِ المالِ من العميلِ يقومُ بخَلْطِه مباشرةً بالأموالِ الموجودة لديه، وبناءً على أنَّ هذه الأموالَ هي في الواقِعِ قروضٌ؛ فإنَّ للمَصرِف حقَّ التصَرُّفِ فيها بموجِبِ هذا العقدِ، بناءً على أنَّ عقدَ القَرضِ ينقُلُ الملكيَّةَ إلى المقتَرِضِ؛ إذ إنَّ المقصودَ من القرض استهلاكُه والانتفاعُ به، وبالتالي فإنَّ المنافِعَ العائدةَ من استثمار هذا القرضِ هي للمَصرِفِ دون أن يكونَ للمُقرِضِ منها شيءٌ(49).
ويترتَّبُ على هذا أنَّ للمَصرِف الاستفادةَ من مجموع الأموالِ التي آلت إلى ملكِيَّتِه من مجموعِ الحِسابات الجاريةِ في توليدِ الائتِمانِ أو ما يُسَمَّى بـ(خلق الودائع)، وهذا ناتجٌ عن طبيعةِ عَمَلِه واستثمارِه لمجموعِ القروضِ.
2 -أخذُ عمولة(50) مقابِلَ الخدمات التي يقدِّمها لصاحِبِ الحِسابِ:
يترتَّبُ على فتحِ الحِسابِ الجاري أن يقَدِّمَ المَصرِف بعضَ الخِدماتِ أو الأعمالِ في نطاقِ المعاملةِ بينهما؛ كإصدارِ دفتر الشِّيكاتِ، وبطاقةِ السَّحبِ الآليِّ، وكَشفٍ بالأعمالِ التي قام بها صاحِبُ الحِسابِ، وغيرِها من الخِدماتِ، ومن المصارف ما يأخذ مقابلًا لهذه الخدماتِ، والذي يظهَرُ -والله تعالى أعلم-أنَّه لا مانِعَ من أخذِ مقابِلٍ لهذه الخدماتِ على أنَّها أجرةٌ لِما يقَدِّمه المَصرِفُ من أعمالٍ.
(ب) المنافعُ العائدةُ على صاحبِ الحِسابِ الجاري (المقرِض):
1 -منفعةُ حِفظِ مالِه وضَمانِه: الغَرَضُ الأساسيُّ من تعامُلِ غالب النَّاسِ مع المصارف عن طريقِ الحِساباتِ الجاريةِ أنَّهم يريدون حِفظَ أموالهم وضَمانَها بإقراضِها للمَصرِفِ، ومن ثمَّ استرجاعها أو بعضِها عند الحاجةِ إليها، وقد تقدَّم فيما سبق بحثُه أنَّ إقراضَ الشَّخصِ مالَه لآخَرَ بقَصدِ الِحفظِ يجوزُ ولا إشكالَ فيه، كما في قصَّةِ الزُّبيرِ رضي الله تعالى عنه.
وأمَّا مسألةُ قَصدِ أن يكون المال مضمونًا، فإنَّ الضَّمانَ أثرٌ من الآثار المترتِّبة على عَقدِ القَرضِ، سواء قصَدَه المقرِضُ أم لم يقصِدْه، والله أعلم.
2 -الحصولُ على الخِدماتِ التي يقَدِّمها المَصرِف؛ كدفتر الشِّيكاتِ، وبطاقةِ السَّحبِ الآليِّ، وغيرِها:
البحثُ هنا في مسألةِ الاستفادةِ من هذه الخِدْماتِ إذا كانت بدون مقابلٍ؛ حيث سبق أنَّها إذا كانت بمقابلٍ فإنَّها تأخُذُ حُكمَ الإجارةِ، ولا يظهَرُ في هذا إشكالٌ.
وأمَّا إذا كانت بدون مقابِلٍ، فهل يجوزُ الاستفادةُ منها؟
جرى الخلاف في هذه المسألةِ على قولينِ(51):
القولُ الأوَّلُ: أنَّه يجوزُ لصاحِبِ الحِساب الجاري الانتفاعُ بدفتر الشِّيكاتِ، وبطاقةِ السَّحبِ الآليِّ، بدونِ مقابلٍ(52).
القولُ الثَّاني: أنَّه يُكرَهُ له الانتفاعُ بهذه الخِدْماتِ بدونِ مُقابِلٍ(53).
أدِلَّةُ القَولِ الأوَّلُ:
الدليلُ الأوَّلُ: أنَّ هذه المنافِعَ والخِدماتِ مُشترَكةٌ يستفيدُ منها الطَّرَفانِ -المقرِضُ والمقتَرِضُ -وربما تكون مصلحةُ المَصرِف فيها غالبةً بل أساسيَّة، وذلك أنَّه بإصدار الشِّيكات وبطاقات السَّحبِ الآلي يخفضُ من نسبةِ التكاليفِ وعَدَدِ الموظَّفين الذين يحتاجُهم في القيامِ بأعمالِه؛ مثلُ تحريرِ أوامِرِ السَّحبِ النَّقديِّ وتنفيذِها، وتحريرِ المستنَداتِ التي يسحَبُ بها العميلُ بعضَ مالِه أو كُلَّه، واستخدامُ الشيك يوفِّرُ عليه كُلَّ ذلك.
وكذلك فإنَّ المَصرِفَ بإصدارِه لهذه الشيكاتِ والبطاقاتِ يُقَلِّلُ من استخدامِ العُمَلاءِ المباشِرِ للنقود الوَرَقية؛ ممَّا يوفِّرُ لديه سيولةً نَقديَّةً ورقيَّةً يستفيدُ منها باستثمارِها وبتسييرِ عَمَليَّاتِه المَصرِفية، إضافةً إلى أنَّه يحافِظُ على هذه النقودِ من السَّرِقة والتزوير، وذلك بتقليصِ تداوُلِها، كما أنَّه يقَلِّلُ من عَناءِ عَدِّها ونَقْلِها وحِفْظِها.
الدليلُ الثَّاني: أنَّ هذه المنافِعَ والخِدماتِ هي وسيلةٌ لوفاءِ المَصرِف للقُروضِ التي يقتَرِضُها، وليست منفعةً منفَصِلةً عن القَرضِ؛ حيثُ إنَّه مطالَبٌ بسَدادِ القُروضِ لكل مُقرِضٍ متى طلب ذلك.
دليلُ القَولِ الثاني:
أنَّ المنافِعَ التي يحصُلُ عليها صاحِبُ الحِسابِ الجاري بدونِ مُقابِلٍ ذاتُ صِلَةٍ قَوِيَّةٍ بسدادِ الدَّينِ والوَفاءِ به؛ فتكونُ مكروهةً، وأقَلُّ ما يقالُ فيها: إنَّها شُبهةٌ، وقد تكونُ ذريعةً إلى الوقوعِ في الحرامِ.
ونوقِشَ بأنَّ هذه المنفعةَ مُشتَركةٌ بين الطَّرَفينِ، بل إنَّ مَنفعةَ المقتَرِضِ (المَصرِف) أظهَرُ، وقد أجاز بعضُ العُلَماءِ المنفعةَ في القَرضِ إذا كانت مشتركةً للطَّرَفينِ، كما في مسألةِ السَّفْتجةِ(54)، والله تعالى أعلم.
3 -الانتفاعُ بالأسعارِ الممَيَّزةِ لبعض الخِدْماتِ:
قد تُعطي بعضُ المصارِفِ لعُمَلائِها أو لبعضِهم أسعارًا مميَّزةً لبعض الخِدْماتِ؛ كالسَّكَنِ في الفنادِقِ، أو شراءِ بعضِ السِّلَعِ، ونحو ذلك، فإذا كانت هذه المنفعةُ للعميلِ دونَ غَيرِه، ولم يكن للمَصرِفِ مَنفعةٌ في بَذْلِها سوى القَرضِ؛ فإنَّه يتوَجَّهُ القَولُ بتحريمِها؛ لأنَّها منفعةٌ للمُقرِضِ لا يقابِلُها عِوَضٌ سوى القَرْضِ، وهي وإن لم تكنْ مَشروطةً إلَّا أنَّها واقعةٌ قبل الوَفاءِ بسَبَبِ القَرضِ.
ومِثلُ ذلك أن تنُصَّ تعليماتُ المَصرِف وأنظِمَتُه على نسبةٍ مُعَيَّنةٍ مِنَ الرِّبحِ -قد تحَدِّدها إدارةُ المَصرِفِ- في نهايةِ كُلِّ دورةٍ ماليَّةٍ، أو جوائِزَ بالقُرعةِ، أو أولويَّةٍ في الحصولِ على قَرضٍ من المَصرِف؛ فإنَّ هذه المزايا لا تخلو من شُبهةِ الرِّبا، وخاصَّةً إذا كانت معانة مسبقًا على أساسٍ ثابتٍ مؤكَّد(55)، وجوائِزُ المقرضين إذا كانت معروفةً تكون كأنَّها مشروطةٌ؛ فلا تجوزُ مطلقًا(56).
4 -الانتفاعُ بشهادةِ المَصرِف بملاءةِ صاحِبِ الحِسابِ:
الذي يظهَرُ أنَّ هذه الشَّهادةَ من المَصرِف هي إخبارٌ عن حالِ العَميلِ وواقعِه من خلالِ تعامُلِه مع المَصرِفِ عن طريقِ الحِسابِ الجاري بصِفَتِه -أي المَصرِفِ- المُصدِرَ لهذه المعلومات؛ فالذي يظهَرُ أنَّه لا مانِعَ من انتفاعِ صاحِبِ الحِسابِ بهذه الشَّهادةِ، والله تعالى أعلم.
5 -الانتفاعُ بتنظيمِ الحِسابات وضَبْطِها:
هذه المنفَعةُ هي منفَعةٌ آليَّةٌ تأتي تبعًا لإجراءاتِ المَصرِفِ في ضَبطِ حِساباتِه وتنظيمِها وتوثيقِها، بدليلِ أنَّ هذه قد لا تكونُ حاضِرةً أحيانًا قبل أن يَطلُبَها العميلُ، كما في الكَشفِ المختَصَرِ للحِسابِ؛ فالذي يظهَرُ أنَّه لا مانِعَ من الانتفاعِ بهذه الخِدمةِ بدونِ مُقابِلٍ.
6 -الانتفاعُ بأخذِ الفوائِدِ المشروطةِ أو ما في حُكْمِها:
يحرُمُ أخذُ هذه الفوائدِ، سواءٌ أكانت مشروطةً أم معروفةً؛ إذ المعروفُ عُرفًا كالمشروطِ شَرْطًا، والمعروفُ بين التجَّارِ كالمشروطِ فيما بينهم، وعليه فهذه الفوائِدُ زيادةٌ مَشروطةٌ أو في حُكمِ المشروطةِ في بَدَلِ القَرضِ للمُقرِضِ؛ فهي رِبًا محَرَّمٌ دَلَّت الأدِلَّةُ على تحريمِها(57).
ثانيًا: من الآثار المترتِّبةِ على تكييفِ الحِساباتِ الجاريةِ بأنَّها قروضٌ:
يترتَّبُ على القَولِ بتكييفِ الحِساباتِ الجارية على أنَّها قروضٌ بعضُ الآثارِ والثَّمَراتِ، من أهَمِّها:
1 -أنَّ ضمانَ تلك المبالغِ في الحِسابات الجارية هي على المَصرِفِ كذلك (المقترض)(58)، ويمثِّلُه المؤسسون والمساهِمون؛ لأنَّها مملوكةٌ له، والقاعدةُ الفِقهيَّةُ المشهورةُ أن (الخراجَ بالضَّمانِ)، وأن (الغُنمَ بالغُرمِ).
2 -إذا أفلس المَصرِفُ فليس للمودِع أن يدخُلَ في التفليسِ على أنَّه مالكٌ للوديعةِ، وتكون له الأولويَّةُ، بل على أساسِ أنَّه دائِنٌ عاديٌّ يخضَعُ لقِسمةِ غُرَمائِه(59).
هذا ما تيسَّرَ جمعُه وتحريرُه؛ إن كان من صوابٍ فمِن الله تعالى، هو الموفِّقُ له، وإن يكُنْ من خطَأٍ فمن نفسي ومن الشَّيطانِ، وأنا راجِعٌ عنه، وأستغفِرُ اللهَ.
______________
(1) الحِساب في اللغة مأخوذ من الفعل حسب، والحاء والسين والياء أصول أربعة، أحدها: العدُّ، وثانيها: الكفاية.
والحِسابُ والحسابة: عَدُّك الشيء، وحَسَب الشيء يحسُبُه –بالضم- حَسْبًا وحِسابًا وحِسابةً: عدَّه.
ونقل ابن منظور عن الأزهري قوله: وإنما سمي الحِساب في المعاملات حِسابًا؛ لأنَّه يُعلَمُ به ما فيه كفايةٌ ليس فيه زيادةٌ على المقدارِ ولا نقصانٌ. ينظر: معجم مقاييس اللغة ص 244، لسان العرب 3/161
وأما لفظ (الجاري) فقد قال ابن فارس في معجم مقاييس اللغة (ص 195):
"الجيم والراء والياء: أصل واحد، وهو انسياق الشيء، يقال: جرى الماء يجري جريةً وجريًا وجريانًا.
وفي المعجم الوسيط ص171: "والحِساب الجاري (في الاقتصاد) اتِّفاقٌ بين شخصين بينهما معاملات مستمرة. (مج)"..
(2) الودائع المَصرِفية، د. حسين كامل فهمي، (مجلة مجمع الفقه الإسلامي، 9/1/689).
(3) أحكام الودائع المَصرِفية، محمد تقي العثماني (مجلة المجمع 9/1/792).
(4) المصارف والأعمال المَصرِفية في الشريعة الإسلامية والقانون، د. غريب الجمال (ص36).
(5) الودائع المَصرِفية النقدية، واستثمارها في الإسلام، د. حسن عبد الله الأمين (ص209).
(6) ينظر: المصارف الإسلامية بين النظرية والتطبيق، د. عبد الرزاق الهيتي (ص258، 259).
(7) ينظر: المصارف الإسلامية بين النظرية والتطبيق (ص245).
(8) ينظر: بنوك تجارية بدون ربا، د. محمد بن عبد الله الشيباني (ص74).
(9) ينظر: الحِسابات والودائع المَصرِفية، د. محمد علي القري (مجلة المجمع 9/1/720، 721)، الربا والمعاملات المَصرِفية...، د. عمر المترك (ص346)، البنوك الإسلامية، عائشة الشرقاوي المالقي (ص228)، المصارف الإسلامية بين النظرية والتطبيق، للهيتي (ص245).
(10) ينظر: بنوك الودائع، كمال الدين صدقي (ص104)، الودائع المَصرِفية النقدية، حسن الأمين (ص211).
(11) ينظر: الحِسابات والودائع المَصرِفية، د. محمد علي القري (مجلة المجمع 9/1/720).
(12) ينظر: النظام المَصرِفي الإسلامي، د. محمد أحمد سراج (ص87).
(13) ينظر: بنوك الودائع، كمال الدين صدقي (ص105)، الحِسابات والودائع المَصرِفية، د. محمد علي القري (مجلة المجمع 9/1/724)، الودائع المَصرِفية النقدية، حسن الأمين (ص216)، الربا والمعاملات المَصرِفية (ص349)، الترشيد الشرعي للبنوك القائمة، جهاد عبد الله أبو عويمر (ص164-166).
(14) ينظر: مجلة مجمع الفقه الإسلامي (9/1/730، 777، 802، 838، 883، 888، 890، 906)، حكم ودائع البنوك وشهادات الاستثمار في الفقه الإسلامي، د. علي السالوس (ص52، 55) بحوث في المعاملات المَصرِفية، د. رفيق يونس المصري (ص203)، موقف الشريعة الإسلامية من المصارف المعاصرة، د. عبد الله العبادي (ص198، 199)، المصارف والأعمال المَصرِفية في الشريعة الإسلامية والقانون، د. غريب الجمال (ص59)، الشامل في معاملات وعمليات المصارف الإسلامية، د. محمود عبد الكريم الرشيد (ص159، 160)، الربا والمعاملات المَصرِفية في نظر الشريعة الإسلامية، د. عمر المترك (ص346)، النظام المَصرِفي الإسلامي، د. محمد أحمد سراج (ص93)، الودائع المَصرِفية، أحمد بن حسن الحسني ، المعاملات المالية المعاصرة في الفقه الإسلامي، د. محمد عثمان شبير (ص222).
(15) قرارات وتوصيات مجمع الفقه الإسلامي، الدورات 1-10، القرارات 1-97، (ص196)، مجلة المجمع، العدد التاسع، الجزء الأول (ص931).
(16) وممن قال بهذا القول: الدكتور: حسن عبد الله الأمين في كتابه (الودائع المَصرِفية النقدية ص233)، والدكتور عيسى عبده (مستشار سابق لبنك دبي الإسلامي) في كتابه: العقود الشرعية الحاكمة للمعاملات المالية المعاصرة (ص113)، نقلًا عن: د. رفيق المصري في كتابه (بحوث في المعاملات المَصرِفية) (ص193)، والدكتور عبد الرزاق الهيتي في كتابه (المصارف الإسلامية بين النظرية والتطبيق) (ص261)، والدكتور أحمد عبيد الكبيسي في بحثه المقدم لمجمع الفقه الإسلامي (مجلة المجمع 9/1/755).
(17) نصت المادة 53 من النظام الأساسي للبنك الذي تأسس عام 1395-1975م على أن البنك يقبل نوعين من الودائع:
1- ودائع بدون تفويض بالاستثمار: وتأخذُ صورة الحِسابات الجارية ودفاتر الادِّخار المعمول بها في النُّظُم المَصرِفية المعاصرة، وهذه تأخذُ حكم "الوديعة" المعتمدة في الشريعة الإسلامية.
ينظر: بحوث في المصارف الإسلامية، د. رفيق المصري (ص190).
(18) ينظر: مجلة المجمع 9/1/694، 700.
(19) ينظر: حكم ودائع البنوك، للسالوس (ص51)، الحِسابات الجارية، د. مسعود الثبيتي (مجلة المجمع ص835).
(20) ينظر: بحوث في المصارف الإسلامية (ص201).
(21) ينظر: حكم ودائع البنوك (ص61)، النظام المَصرِفي الإسلامي، د. محمد سراج (ص93)، مجلة المجمع (ص730).
(22) ينظر: الودائع المَصرِفية، للحسني (ص105)، حكم ودائع البنوك (ص52)، النظام المَصرِفي الإسلامي (ص88)، الربا والمعاملات المَصرِفية، للمترك (ص347)، مجلة المجمع (ص883).
(23) ينظر: حكم ودائع البنوك (ص52)، بحوث في المصارف الإسلامية (ص201).
(24) ينظر: الودائع المَصرِفية، للأمين (ص233).
(25) ينظر: المنفعة في القرض (ص304).
(26) ينظر: الودائع المَصرِفية (ص233).
(27) ينظر: الودائع المَصرِفية (ص234).
(28) ينظر: الشرح الكبير مع المقنع والإنصاف (12/332)، كشاف القناع (3/314).
(29) ينظر: كشاف القناع (3/314).
(30) ينظر: الودائع المَصرِفية (ص233، 234).
(31) ينظر: مجلة المجمع (ص795).
(32) الإنصاف (12/323).
(33) ينظر: بحوث في المصارف الإسلامية (ص201، 202).
(34) ينظر: المرجع نفسه (ص203).
(35) ينظر: أحكام الودائع المَصرِفية، محمد تقي العثماني (مجلة المجمع 9/1/794)، الربا والمعاملات المَصرِفية، د. عمر المترك (ص348)، مجلة المجمع 9/1/782 بحوث في المصارف الإسلامية (ص204).
(36) كشاف القناع (3/312).
(37) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب فرض الخمس، باب بركة الغازي في ماله حيًّا وميتًا مع النبي صلى الله عليه وسلم وولاة الأمر، حديث رقم 3129، (الفتح 6/273) ط دار السلام.
(38) فتح الباري (6/277).
(39) المرجع نفسه (6/282). وعقَّب المصنِّفُ على قول ابن بطَّال المتقدم بقوله: "وفي قول ابن بطال المتقَدِّم: "كان يفعَلُ ذلك ليطيبَ له ربُّ ذلك المال" نظرٌ؛ لأنَّه يتوقَّفُ على ثبوتِ أنَّه كان يتصَرَّفُ فيه بالتجارةِ، وأنَّ كثرةَ مالِه إنما زادت بالتجارةِ، والذي يظهَرُ خلافُ ذلك".
أقول: ولو استعمله في التجارةِ لطاب له ذلك؛ لأنَّه يصبح مالكًا للمالِ، فيجوزُ له التصرُّفُ فيه.
(40) السَّفتجةُ في الأصلِ: كلمة فارسية معرَّبة، أصلها (سفتة) وهي ورقةٌ أو رقعةٌ أو كتابٌ أو صَكٌّ يكتُبُه الشخصُ لنائبِه أو مَدِينِه في بلدٍ آخَرَ يُلزِمُه فيه بدفعِ مبلَغٍ من المالِ لشَخصٍ أقرَضَه مِثْلَه، وسُمِّيت هذه المعاملة سفتجةً؛ لِما فيها من إحكامِ الأمرِ وتوثيقِه وتجنُّبِ العناءِ والخَطَرِ. (معجم المصطلحات الاقتصادية في لغة الفقهاء، د. نزيه حماد ص190) وينظر: مجموع الفتاوى 19/455،456، والمغني (6/436).
(41) مجموع الفتاوى (19/456).
(42) المغني (6/437).
(43) ينظر: حكم ودائع البنوك، د. علي السالوس (ص60).
(44) ينظر: الودائع المَصرِفية، للأمين (ص237، 238)، المصارف الإسلامية، للهيتي (ص263).
(45) ينظر: الودائع المَصرِفية، للحسني (ص105)، دراسة شرعية لأهم العقود المالية المستحدثة، د. محمد مصطفى أبوه الشنقيطي (1/282).
(46) ينظر: ص من هذا البحث.
(47) ينظر: بدائع الصنائع (5/195)، بداية المجتهد (2/329)، الغاية والتقريب (ص29)، المنثور في القواعد (3/139)، المغني (6/455)، كشاف القناع (3/321).
(48) مجلة المجمع (المناقشات) 9/1/901.
(49) ينظر: المنفعة في القرض، عبد الله العمراني (رسالة ماجستير غير منشورة) (ص311).
(50) العمولة: اصطلاح متداول في المصارف، ويُقصَدُ به ما يأخُذُه المَصرِفُ نظير عَمَلٍ من أعمالِه، ويقابِلُه في الاصطلاحِ الفِقهيِّ أُجرة أو جُعالة، ويلاحَظُ أنَّ لفظةَ عمولةٍ غيرُ صحيحةٍ لغةً، ولم يرِدْ هذا الاشتقاقُ في القواميس، والصحيح (عمالة) بضم العين أو كسرها، ومعناها: رِزقُ العامِلِ.
ينظر: دراسة شرعية لأهم العقود المالية المستحدثة 2/256 (الهامش).
(51) ينظر: المنفعة في القرض (ص315).
(52) ينظر: مجلة المجمع 9/1/734،735 (بحث د. محمد القره داغي)، الربا والمعاملات المَصرِفية، د. عمر المترك (ص349).
(53) ينظر: تحول المَصرِف الربوي إلى مَصرِف إسلامي، سعود بن محمد الربيعة (ص1/199)، نقلًا عن عبد الله العمراني في رسالته: المنفعة في القرض (ص315).
(54) ينظر: مجموع الفتاوى 29/456.
(55) ينظر: المصارف الإسلامية، د. رفيق يونس المصري (ص18).
(56) مجلة المجمع 9/1/900 (مناقشة د. الصديق الضرير).
(57) ينظر: الحِسابات الجارية، د. مسعود الثبيتي (مجلة المجمع 9/1/839،841)، المنفعة في القرض (ص321).
(58) ينظر: مجلة المجمع (9/1/782، 803، 883)، وينظر نص القرار.
(59) ينظر: الربا والمعاملات المَصرِفية، للمترك (ص347).