ثانيًا: تَطهيرُ البَيتِ مِنَ المُخالَفاتِ الشَّرعيَّةِ
يَجِبُ تَطهيرُ البَيتِ مِنَ المُخالَفاتِ الشَّرعيَّةِ.
ومِنَ المُخالفاتِ الشَّرعيَّةِ التي يَنبَغي تَطهيرُ البُيوتِ مِنها:1- استعمالُ الصُّوَرِ المجسِّدةِ لذَواتِ الأرواحِيحرُمُ استِعمالُ الصُّوَرِ المُجَسِّمةِ لذواتِ الأرواحِ (التماثيل)؛ للزِّينةِ وغَيرِها.
الدَّليلُ على ذلك مِن السُّنَّةِ والإجماعِ:أ- مِن السُّنَّةِعن أبي الهَيَّاجِ الأسديِّ، قال:
((قال لي عليُّ بنُ أبي طالبٍ: ألا أبعَثُك على ما بعَثَني عليه رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؟ ألَّا تدَعَ تِمثالًا إلَّا طَمَستَه، ولا قَبرًا مُشرِفًا إلَّا سَوَّيتَه)) [386] أخرجه مسلم (969). .
ب- من الإجماعِفقد نقَلَ الإجماعَ على ذلك غيرُ واحدٍ
[387] وممن نقل الإجماع على ذلك: ابنُ العَرَبيِّ، وخليلٌ: قال ابنُ العَرَبيِّ: (أمَّا الوعيدُ على المصَوِّرينَ، فهو كالوعيدِ في أهلِ المعاصي، مُعَلَّقٌ بالمشيئةِ كما بيَّنَّاه، موقوفٌ على التَّوبةِ كما شَرَحْناه، أمَّا كيفيَّةُ الحُكمِ فيها فإنَّها مُحَرَّمةٌ إذا كانت أجسادًا، بالإجماعِ). ((المسالك في شرح موطأ مالك)) (7/522). ويُنظر: ((عارضة الأحوذي)) لابن العربي (7/253). قال ابنُ حَجَرٍ: (إنَّ ابنَ العربيِّ مِن المالِكيَّةِ نقل أنَّ الصُّورةَ إذا كان لها ظِلٌّ حَرُم بالإجماعِ، سواءٌ كانت مِمَّا يُمتَهَنُ أم لا، وهذا الإجماعُ محَلُّه في غَيرِ لُعَبِ البَناتِ). ((فتح الباري)) (10/388). وقال خليلٌ: (التَّماثيلُ إن كان بغيرِ حَيوانٍ كالشَّجَرِ جاز، وإن كان بحيوانٍ ممَّا له ظِلٌّ قائِمٌ، فهو حرامٌ بإجماعٍ). ((التوضيح في شرح مختصر ابن الحاجب)) (1/290). ويُنظر: ((مواهب الجليل)) للحطاب (2/264). .
2- استِعمالُ الصُّوَرِ التي ليس لها ظِلٌّ إذا كانت لذاتِ رُوحٍيَحرُمُ استِعمالُ الصُّوَرِ التي ليس لها ظِلٌّ إذا كانت ذاتَ رُوحٍ، كحَيوانٍ ونحوِه
[388] وهذا مذهَبُ الجُمهورِ: الحَنَفيَّةِ، والشَّافعيَّةِ، والحَنابِلةِ. يُنظر: ((البحر الرائق)) لابن نُجيم (2/29)، ((روضة الطالبين)) للنووي (7/335)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/280). .
الدليل على ذلك مِن السُّنَّةِ:- عن عائشةَ أمِّ المُؤمِنينَ رَضِيَ اللهُ عنها:
((أنَّها كانت اتَّخَذَت على سَهوةٍ [389] السَّهْوةُ: بيتٌ صَغيرٌ مُنحَدِرٌ في الأرضِ وسُمكُه مُرتفِعٌ منها، شَبيهٌ بالخِزانةِ، يكونُ فيها المَتاعُ، وقيل: شبيهةٌ بالرَّفِّ أو الطَّاقِ يُوضَعُ فيه الشَّيءُ، كأنَّها سُمِّيَت بذلك لأنَّها يُسهى عنها لصِغَرِها وخَفائِها. يُنظر: ((مرقاة المفاتيح)) للقاري (7/2851). لها سِترًا فيه تماثيلُ، فهَتَكَه [390] فهتَكَه: أي: نزَعَ السِّتْرَ وخَرَقَه. يُنظر: ((مرقاة المفاتيح)) للقاري (7/2851). النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فاتَّخَذَت منه نُمرُقَتَينِ [391] النُّمْرُقُ والنُّمرُقةُ: وِسادةٌ صَغيرةٌ. يُنظر: ((الصحاح)) للجوهري (4/1561)، ((القاموس المحيط)) للفيروزابادي (ص: 926). ، فكانتا في البَيتِ يَجلِسُ عليهما)) [392] أخرجه البخاري (2479) واللفظُ له، ومسلم (2107). .
وعن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها أيضًا:
((أنَّها اشتَرَت نُمرُقةً فيها تصاويرُ، فلمَّا رآها رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قام على البابِ فلم يَدخُلْه، فعَرَفْتُ في وَجهِه الكراهيَةَ، فقُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، أتوبُ إلى اللهِ وإلى رَسولِه، ماذا أذنَبتُ؟ فقال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ما بالُ هذه النُّمرُقةِ؟! قلتُ: اشتَرَيتُها لك لتَقعُدَ عليها وتَوَسَّدَها، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: إنَّ أصحابَ هذه الصُّوَرِ يومَ القيامةِ يُعَذَّبونَ، فيُقالُ لهم أحْيُوا ما خَلَقتُم، وقال: إنَّ البيتَ الذي فيه الصُّوَرُ لا تَدخُلُه المَلائِكةُ)) [393] أخرجه البخاري (2105) واللفظُ له، ومسلم (2107). .
فائِدةٌ:يُباحُ استِعمالُ صُوَرِ غَيرِ ذاتِ الأرواحِ -كالشَّجَرِ ونَحوِه- للزِّينةِ وغَيرِها
[394] وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ. يُنظر: ((البناية)) للعيني (2/458)، ((الشرح الكبير)) للدردير (2/337)، ((روضة الطالبين)) للنووي (7/335)، ((كشاف القناع)) للبُهُوتي (1/280). ينظر بيانُ ذلك مع أدلَّته في: ((الموسوعة الفقهية بموقع الدرر السنية)) https://dorar.net/feqhia .
وكذا يُباحُ فَرشُ الأرضِ بما يَشتَمِلُ على صُوَرِ ذَواتِ الأرواحِ
[395] وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ. يُنظر: ((الهداية)) للمرغيناني (1/64)، (مواهب الجليل)) للحَطَّاب (2/264)، ((روضة الطالبين)) للنووي (7/335)، (كشاف القناع)) للبُهُوتي (1/280). وعِندَ المالِكيَّةِ هو خِلافُ الأَولى. يُنظر بيانُ ذلك مع أدلَّته في: ((الموسوعة الفقهية بموقع الدرر السنية)) https://dorar.net/feqhia .
3- استِعمالُ الذَّهَبِ والفِضَّةِ في البِناءِ بطِلاءٍ وغَيرِه:يَحرُمُ استِعمالُ الذَّهَبِ والفِضَّةِ في البناءِ -سواءٌ في السُّقُفِ أو الجُدرانِ أو الأبوابِ- بطِلاءٍ وغَيرِه
[396] وهو مَذهَبُ الشَّافعيَّةِ، والحَنابِلةِ. يُنظر: ((المجموع)) للنووي (6/43)، ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/432). قال ابنُ بازٍ: (لا يجوزُ استعمالُ الذَّهَبِ والفِضَّةِ في البناءِ والأبوابِ ونحوِ ذلك؛ لأنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نهى عن الأكلِ والشُّربِ في أواني الذَّهَبِ والفِضَّةِ، وقال: "إنَّها للكُفَّارِ في الدُّنيا، ولكم -يعني: المسلمين- في الآخرةِ"، وفي الحديثِ تنبيهٌ على مَنعِ استعمالِها في الأبوابِ والجُدرانِ والسُّقُفِ والفُرُشِ ونحوِ ذلك). ((مجموع فتاوى ابن باز)) (29/12). .
الدَّليلُ على ذلك مِنَ السُّنَّةِ:عن عبدِ الرَّحمنِ بنِ أبي ليلى:
((أنَّهم كانوا عندَ حُذَيفةَ، فاستَسقَى فسقاهُ مجُوسِيٌّ، فلمَّا وضَعَ القدَحَ في يَدِهِ رماه بهِ، وقال: لولا أنِّي نهَيتُه غيرَ مرَّةٍ ولا مَرَّتينِ! كأنَّه يقولُ: لم أفعلْ هذا. ولكِنِّي سمعتُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ: لا تَلبَسوا الحريرَ ولا الدِّيباجَ، ولا تَشرَبوا في آنيةِ الذَّهَبِ والفِضَّةِ، ولا تأكُلوا في صِحافِها؛ فإنَّها لهم في الدُّنيا ولنا في الآخرةِ)) [397] أخرجه البخاري (5426) واللفظُ له، ومسلم (2067). .
وَجهُ الدَّلالةِ:أنَّ نَهيَه عن الأكلِ والشُّربِ فيهما فيه تنبيهٌ على مَنعِ استعمالِهما في غيرِ الأكلِ والشُّربِ، كالأبوابِ والجُدرانِ، والسُّقُفِ والفُرُشِ، ونحوِ ذلك؛ لعُمومِ العِلَّة والمَعنى
[398] يُنظر: ((فتاوى اللجنة الدائمة- المجموعة الأولى)) (22/156)، ((مجموع فتاوى ابن باز)) (29/12). .
4- افتِراشُ جُلودِ السِّباعِيَحرُمُ افتِراشُ جُلودِ السِّباعِ ولُبسُها
[399] ويَدخُلُ في هذا استِخدامُ المَلبوساتِ المَصنوعةِ مِن جُلودِ السِّباعِ، كالمَعاطِفِ والفِراءِ وغَيرِها. ، سواءٌ دُبِغَت أم لا
[400] وهو الصَّحيحُ عِندَ الحَنابلةِ، وقَولٌ للشَّافِعيَّةِ، وقَولُ ابنِ حَبيبٍ مِنَ المالكيَّةِ، واختارَه ابنُ المُنذِرِ، وابنُ تَيميَّةَ، وابنُ القَيِّمِ، والشَّوكانيُّ، وابنُ عُثَيمين، وبه أفتَتِ اللَّجنةُ الدَّائِمةُ. يُنظر: ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/56)، ((حاشية الشرواني على تحفة المحتاج)) (7/432)، ((النوادر والزيادات على ما في المدونة)) لابن أبي زيد القيرواني (4/377)، ((الأوسط)) لابن المنذر (2/440)، ((الإقناع)) لابن المنذر (2/534)، ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (22/122)، ((إغاثة اللهفان)) لابن القيم (1/55)، ((نيل الأوطار)) للشوكاني (2/103)، ((شرح رياض الصالحين)) لابن عثيمين (4/329)، ((فتاوى اللجنة الدائمة- المجموعة الأولى)) (24/29). على أنَّ الحَنابلةَ قَيَّدوه بما إذا كانت أكبَرَ مِنَ الهِرِّ خِلقةً، وقَيَّده الشَّافِعيَّةُ بجِلدِ النَّمِرِ والفَهدِ، وقَيَّدَها ابنُ حَبيبٍ بالسِّباعِ التي تَعدو. .
الدَّليلُ على ذلك مِنَ السُّنَّةِ:عن خالِدِ بنِ مَعدانَ، قال:
((وَفَد المِقدامُ بنُ مَعدِيكَرِبَ على مُعاويةَ، فقال له: أنشُدُك باللهِ، هَل تَعلمُ أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نَهى عن لَبُوسِ جُلودِ السِّباعِ والرُّكوبِ عليها؟ قال: نَعَم)) [401] أخرجه أبو داود (4131)، والنسائي (4255) واللفظُ له. صححه الألباني في ((صحيح سنن النسائي)) (4255)، وقوى إسناده الذهبي في ((سير أعلام النبلاء)) (3/158). .
أمَّا التَّعليلُ: فلِمَا تَكسِبُ القَلبَ مِنَ الهَيئةِ المُشابهةِ لتلك الحَيَواناتِ؛ فإنَّ المُلابَسةَ الظَّاهرةَ تَسري إلى الباطِنِ
[402] ((إغاثة اللهفان)) لابن القيم (1/55). ، ولِما فيها مِنَ الزِّينةِ والخُيَلاءِ
[403] ((نيل الأوطار)) للشوكاني (2/103)، ((فتاوى اللجنة الدائمة- المجموعة الأولى)) (24/29). .
5- اقتِناءُ الكِلابِ لغَيرِ حاجةٍيَحرُمُ اقتِناءُ الكِلابِ في البَيتِ مِن غَيرِ حاجةٍ.
الدَّليلُ على ذلك مِنَ السُّنَّةِ:- عن أبي هرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((مَن أمسَكَ كَلبًا فإنَّه يَنقُصُ كُلَّ يَومٍ مِن عَمَلِه قيراطٌ، إلَّا كَلبَ حَرثٍ أو ماشيةٍ)) [404] أخرجه البخاري (2322) واللفظُ له، ومسلم (1575). .
وفي رِوايةٍ:
((مَنِ اقتَنى كَلبًا ليسَ بكَلبِ صَيدٍ ولا ماشيةٍ ولا أرضٍ، فإنَّه يَنقُصُ مِن أجرِه قيراطانِ كُلَّ يَومٍ)) [405] أخرجه مسلم (1575). .
- عنِ السَّائِبِ بنِ يَزيدَ حَدَّثَه أنَّه سَمِعَ سُفيانَ بنَ أبي زُهَيرٍ -رَجُلًا مَن أزدِ شَنوءةَ- وكان مِن أصحابِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: سَمِعتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقولُ:
((مَنِ اقتَنى كَلبًا لا يُغني عنه زَرعًا ولا ضَرعًا [406] الضَّرعُ: ضَرعُ الشَّاةِ، وهو بمَنزِلةِ الثَّديِ للمَرأةِ، فكَنَّى به عنِ الشَّاةِ وغَيرِها مِنَ المَواشي، وهيَ البَقَرُ والإبِلُ والغَنَمُ. يُنظر: ((جامع الأصول)) لابن الأثير (7/ 51). ، نَقَص كُلَّ يومٍ مِن عَمَلِه قِيراطٌ)) [407] أخرجه البخاري (2323) واللفظُ له، ومسلم (1576). .
- عن ابنِ عُمَرَ رضِيَ اللهُ عنهما، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((مَنِ اقتَنى كَلبًا إلَّا كَلبَ ماشيةٍ أو ضارٍ [408] ضارٍ: يَعني كَلبًا مُعَوَّدًا بالصَّيدِ. يُقالُ: ضَرِي الكَلبُ وأضراه صاحِبُه: أي: عَوَّده وأغراه به، ويُجمَعُ على ضَوارٍ. يُنظر: ((النهاية)) لابن الأثير (3/ 86)، ((شرح مسلم)) للنووي (10/ 238)، ((مرقاة المفاتيح)) للقاري (7/ 2660). ، نَقَص مِن عَمِلِه كُلَّ يَومٍ قيراطانِ)) [409] أخرجه البخاري (5482)، ومسلم (1574). .
قال النَّوويُّ: (أمَّا اقتِناءُ الكِلابِ فمَذهَبُنا أنَّه يَحرُمُ اقتِناءُ الكَلبِ بغَيرِ حاجةٍ، ويَجوزُ اقتِناؤُه للصَّيدِ وللزَّرعِ وللماشيةِ، وهَل يَجوزُ لحِفظِ الدَّورِ والدُّروبِ ونَحوِها فيه وجهانِ: أحَدُهما: لا يَجوزُ لظَواهرِ الأحاديثِ؛ فإنَّها مُصَرِّحةٌ بالنَّهيِ إلَّا لزَرعٍ أو صَيدٍ أو ماشيةٍ، وأصَحُّها: يَجوزُ، قياسًا على الثَّلاثةِ؛ عَمَلًا بالعِلَّةِ المَفهومةِ مِنَ الأحاديثِ، وهيَ الحاجةُ...
وأمَّا القيراطُ هنا فهو مِقدارٌ مَعلومٌ عِندَ اللهِ تعالى، والمُرادُ نَقصُ جُزءٍ مِن أجرِ عَمَلِه، وأمَّا اختِلافُ الرِّوايةِ في قيراطٍ وقيراطَينِ، فقيل: يَحتَمِلُ أنَّه في نَوعَينِ مِنَ الكِلابِ أحَدُهما أشَدُّ أذًى مِنَ الآخَرِ، ولمَعنًى فيهما، أو يَكونُ ذلك مُختَلفًا باختِلافِ المَواضِعِ، فيَكونُ القيراطانِ في المَدينةِ خاصَّةً لزيادةِ فَضلِها، والقيراطُ في غَيرِها، أوِ القيراطانِ في المَدائِنِ ونَحوِها مِنَ القُرى، والقيراطُ في البَوادي، أو يَكونُ ذلك في زَمَنَينِ، فذُكِرَ القيراطُ أوَّلًا، ثُمَّ زادَ التَّغليظُ، فذَكَرَ القيراطَينِ...
واختَلف العُلماءُ في سَبَبِ نُقصانِ الأجرِ باقتِناءِ الكَلبِ؛ فقيل: لامتِناعِ المَلائِكةِ مِن دُخولِ بَيتِه بسَبَبِه، وقيل: لِما يَلحَقُ المارِّينَ مِنَ الأذى مِن تَرويعِ الكَلبِ لهم وقَصدِه إيَّاهم، وقيل: إنَّ ذلك عُقوبةٌ له لاتِّخاذِه ما نُهيَ عنِ اتِّخاذِه وعِصيانِه في ذلك، وقيل: لِما يُبتَلى به مِن وُلوغِه في غَفلةِ صاحِبِه، ولا يَغسِلُه بالماءِ والتُّرابِ. واللهُ أعلَمُ)
[410] ((شرح مسلم)) (10/ 236، 239-241). .
فوائِدُ ومَسائِلُ:تَزويقُ الجُدرانِ وتَزيينُهايُكرَهُ تَزويقُ الجُدرانِ وتَزيينُها.
الدَّليلُ على ذلك مِنَ السُّنَّةِ والآثارِ:أ- مِنَ السُّنَّةِ- عن سَفينةَ مَولى رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّ رَجُلًا أضاف عليَّ بنَ أبي طالِبٍ، فصَنَعَ له طَعامًا، فقالت فاطِمةُ: لو دَعَونا النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فأكَل مَعنا، فدَعَوه فجاءَ، فوَضَع يَدَه على عِضادَتَيِ
[411] عِضادَتا البابِ: هما خَشَبَتاه مِن جانِبَيه. يُنظر: ((الصحاح)) للجوهري (2/ 509). البابِ، فرَأى قِرامًا
[412] القِرامُ: السَّترُ، وفي رِوايةٍ أنَّه كان سِترًا موشًّى. يُنظر: ((معالم السنن)) للخطابي (4/ 241). في ناحيةِ البَيتِ فرَجَعَ، فقالت فاطِمةُ لعليٍّ: الحَقْ، فقُلْ له: ما رَجَعَك يا رَسولَ اللهِ؟ قال: إنَّه ليسَ لي أن أدخَلَ بَيتًا مُزَوَّقًا))
[413] أخرجه أبو داود (3755)، وابن ماجه (3360) واللَّفظُ له، وأحمد (21926). حَسَّنه الألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)) (3360)، والوادعي في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (439)، وصحح إسناده الحاكم في ((المستدرك)) (2796)، وحسنه شعيب الأرناؤوط في تخريج ((سنن أبي داود)) (3755). .
- عن عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها، قالت:
((رَأيتُه خَرَجَ في غَزاتِه فأخَذتُ نَمَطًا [414] النَّمَطُ: بِساطٌ لطيفٌ له خَملٌ، وهذا النَّمَطُ هو الذي عُبِّرَ عنه في الرِّوايةِ الأُخرى بـ (الدرنوك)، وهو: السِّترُ كان فيه تَماثيلُ الخَيلِ ذَواتِ الأجنِحةِ. يُنظر: ((المفهم)) لأبي العباس القرطبي (5/ 425، 426)، ((شرح مسلم)) للنووي (14/ 86). فسَتَرتُه على البابِ، فلمَّا قَدِمَ فرَأى النَّمَطَ عَرَفتُ الكَراهيةَ في وَجهِه، فجَذَبَه حتَّى هَتَكَه أو قَطَعَه، وقال: إنَّ اللَّهَ لم يَأمُرْنا أن نَكسوَ الحِجارةَ والطِّينَ. قالت: فقَطَعنا مِنه وِسادَتَينِ وحَشَوتُهما ليفًا، فلم يَعِبْ ذلك عَلَيَّ)) [415] أخرجه مسلم (2107). .
- عن مُحَمَّدِ بنِ كَعبٍ، قال: دُعيَ عَبدُ اللَّهِ بنُ يَزيدَ إلى طَعامٍ، فلمَّا جاءَ رَأى البَيتَ مُنَجَّدًا فقَعَدَ خارِجًا وبَكى، قال: فقيل له ما يُبكيك؟! قال:
((كان رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا شَيَّعَ جَيشًا فبَلَغَ عَقَبةَ [416] العَقَبةُ: المِصعَدُ في الجَبَلِ، والجَمعُ عِقابٌ، وقيل: العَقَبةُ: الجَبَلُ الطَّويلُ يَعرِضُ للطَّريقِ فيَأخُذُ فيه، وهو طَويلٌ صَعبٌ شَديدٌ. يُنظر: ((جمهرة اللغة)) لابن دريد (1/ 364)، ((تهذيب اللغة)) للأزهري (1/ 185). الوداعِ قال: أستَودِعُ اللَّهَ دينَكُم وأماناتِكُم وخَواتيمَ أعمالِكُم. قال: فرَأى رَجُلًا ذاتَ يَومٍ قد رَقَعَ بُردةً له بقِطعةٍ، قال: فاستَقبَل مَطلِعَ الشَّمسِ وقال هَكَذا -ومَدَّ يَدَيه، ومَدَّ عَفَّانُ يَدَيه- وقال: تطالَعَت عليكُمُ الدُّنيا، ثَلاثَ مَرَّاتٍ -أي: أقبَلَت- حتَّى ظَنَنَّا أن يَقَعَ علينا! ثُمَّ قال: أنتُمُ اليَومَ خَيرٌ أم إذا غَدَت عليكُم قَصعةٌ وراحَت أُخرى، ويَغدو أحَدُكُم في حُلَّةٍ ويَروحُ في أُخرى، وتَستُرونَ بُيوتَكُم كما تُستَرُ الكَعبةُ، فقال عَبدُ اللهِ بنُ يَزيدَ: أفلا أبكي وقد بَقِيتُ حتَّى تَستُرونَ بُيوتَكُم كما تُستَرُ الكَعبةُ؟!)) [417] أخرجه أحمد في ((الزهد)) (1094)، وابن أبي شيبة كما في ((إتحاف الخيرة المهرة)) للبوصيري (5/115)، والبيهقي (14702) واللفظُ له. صحَّح إسنادَه الألباني في ((سلسلة الأحاديث الصحيحة)) (5/499)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((سنن أبي داود)) (2/607)، وحسَّنه ابنُ حجر في ((المطالب العالية)) (3/381). وقَوله: ((كان رَسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا شَيَّعَ جَيشًا فبَلغَ عَقَبةَ الوداعِ قال أسَتودِعُ اللَّهَ دينَكُم وأمانَتَكُم وخَواتيمَ أعمالِكم)) أخرجه أبو داود (2601)، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (10268)، والحاكم (2478) باختلافٍ يسيرٍ، ولفظُ أبي داودَ: عن عبدِ اللهِ الخَطميِّ، قال: ((كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا أرادَ أن يَستَودِعَ الجَيشَ قال: أستَودِعُ اللَّهَ دينَكُم وأمانَتَكُم وخَواتيمَ أعمالِكُم)). صَحَّحه النووي في ((المَجموع)) (4/388)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (2601)، والوادعي في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (888). .
ب- مِنَ الآثارِ:عن سالمِ بنِ عبدِ اللهِ، قال: (أعرَستُ
[418] أعرَسَ: كِنايةٌ عنِ النِّكاحِ والبناءِ على الأهلِ، وحَقيقَتُه الإلمامُ بالعُرسِ. يُنظر: ((معالم السنن)) للخطابي (3/ 328). في عَهدِ أبي، فآذَنَ
[419] آذَنَ: أعلَمَ، والإيذانُ: الإعلامُ بالشَّيءِ. يُنظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (1/ 77)، ((جامع الأصول)) لابن الأثير (1/ 574). أبي النَّاسَ، وكان أبو أيُّوبَ فيمَن آذَنَّا، وقد سَتَروا بَيتي ببِجادٍ
[420] البِجادُ: الكِساءُ المُخَطَّطُ، سُمِّي بذلك لتَداخُلِ ألوانِه، مِن قَولِهم: هو عالمٌ ببَجدةِ أمرِه، أي: بدخلتِه، وجَمعُه بُجُدٌ. يُنظر: ((الفائق في غريب الحديث)) للزمخشري (1/ 79)، ((النهاية)) لابن الأثير (1/ 96). أخضَرَ، فأقبَلَ أبو أيُّوبَ فدخَلَ فرآني قائمًا، فاطَّلَعَ فرأى البيتَ مُستَتِرًا ببِجادٍ أخضَرَ، فقال: يا عبدَ اللهِ، أتَستُرون الجُدُرَ؟! قال أبي واستحيا: غَلَبْنَنا النِّساءُ يا أبا أيُّوبَ! قال: مَن خَشِيَ أنْ يَغلِبْنَه النِّساءُ فلم أخْشَ أنْ يَغلِبْنكَ! ثمَّ قال: لا أطعَمُ لكم طعامًا، ولا أدخُلُ لكم بيتًا، ثمَّ خرَجَ رَحِمَه اللهُ
[421] أخرجه البخاري معلَّقًا بصيغة الجزم قبل حديث (5181) مختصرًا، وأخرجه موصولًا ابنُ أبي شيبة (25762)، والطبراني (4/119) (3853) واللفظُ له. قوَّى إسنادَه شعيب الأرناؤوط في تخريج ((شرح السنة)) (9/148)، وجوَّده الألباني في ((آداب الزفاف)) (129). .
كتابةُ القُرآنِ على الجُدرانِ ونَحوِها:تُكرَهُ كِتابةُ القُرآنِ على الجُدرانِ ونَحوِها
[422] وهو مذهَبُ الحَنَفيَّةِ، والشَّافعيَّةِ، وظاهِرُ مَذهَبِ الحَنابِلةِ. يُنظر: ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (1/58)، ((روضة الطالبين)) للنووي (1/80)، ((الإقناع)) للحجاوي (2/124). قال ابنُ عُثَيمين: (إنَّ بعضَ النَّاسِ قد يُعَلِّقُها -أي: الآياتِ- من بابِ التَّجميلِ؛ ولهذا تجِدُهم أحيانًا يعَلِّقونَ آياتٍ كُتِبَت على غيرِ الرَّسمِ العُثمانيِّ، بل هي مخالِفةٌ له، وربَّما يكتبُونها على الشَّكلِ الذي يوحي به معناها، وربَّما يكتُبونَها على صورةِ بَيتٍ أو قَصرٍ أو أعمدةٍ وما أشبَهَ ذلك؛ ممَّا يدُلُّ على أنَّهم جعلوا كلامَ اللهِ عزَّ وجَلَّ مُجَرَّدَ نُقوشٍ وزَخرفةٍ، وهذا رأيتُه كثيرًا. فالذي أرى أنَّه لا ينبغي للإنسانِ أن يعَلِّقَ شيئًا من كلامِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ على الجُدُرِ؛ فإنَّ كلامَ اللهِ تعالى أعلى وأسمى وأجَلُّ مِن أن يُجعَلَ وَشْيًا تُحلَّى به الجُدرانُ). ((فتاوى نور على الدرب)) (1/129). وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة: (كتابةُ شَيءٍ مِن القُرآنِ أو الأحاديثِ النَّبويَّةِ أو أسماءِ اللهِ الحُسنى على ألواحٍ وأطباقٍ أو نحوِها، تُعَلَّقُ للزِّينةِ أو التَّذكيرِ أو الاعتبارِ، أو لتُتَّخَذَ وسيلةً لترويجِ التِّجارةِ ونَفاقِ البِضاعةِ وإغراءِ النَّاسِ بذلك؛ ليُقبِلوا على شرائِها، وليكونَ نَماءً للمالِ وزيادة الأرباحِ- عُدولٌ بالقرآنِ وأحاديثِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن المقاصِدِ النَّبيلةِ التي يهدفُ إليها الإسلامُ مِن وراءِ ذلك، ومخالِفٌ لهَديِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وهَدْيِ الصَّحابةِ وأئِمَّةِ السَّلَفِ رَضِيَ اللهُ عنهم، ومع هذا قد يَعرِضُ لها ما لا يليقُ مِن الإهانةِ على مَرِّ الأيامِ وطُولِ العَهدِ عندَ الانتقالِ مِن منزلٍ لآخَرَ، أو نَقلِها من مكانٍ لآخَرَ، وحَملِ الجُنُبِ أو الحائِضِ لها، أو مَسِّها إيَّاها عندَ ذلك). ((فتاوى اللجنة الدائمة- المجموعة الأولى)) (4/58). .
وذلك للآتي:أ- لأنَّه قد يُفضِي إلى امتِهانِ القُرآنِ
[423] ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/40). .
ب- أنَّ كلامَ اللهِ تعالى أعلى وأسمى وأجَلُّ مِن أن يُجعَلَ وَشْيًا تُحلَّى به الجُدرانُ
[424] ((فتاوى نور على الدرب)) لابن عثيمين (1/130). .
ج- أنَّه مُخالِفٌ لهَديِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وهَديِ الصَّحابةِ وأئمَّةِ السَّلَفِ رَضِيَ اللهُ عنهم
[425] ((فتاوى اللجنة الدائمة- المجموعة الأولى)) (4/58). .
ما جاءَ في ذَمِّ البُنيانِ والتَّطاوُلِ فيه:جاءَ في فتاوى اللَّجنةِ الدَّائِمةِ بَعدَ ذِكرِ عِدَّةِ أحاديثَ، مِنها حَديثُ:
((أمَا إنَّ كُلَّ بناءٍ وبالٌ على صاحِبِه إلَّا ما لا، إلَّا ما لا)) يَعني: ما لا بُدَّ للإنسانِ مِمَّا يَكُنُّه مِنَ الحَرِّ والبَردِ والعَدوِّ
[426] لفظُه: ((أنَّ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم خرَج فرأى قبَّةً مشرفةً فقال: ما هذه؟ قال له أصحابُه: هذه لفلانٍ؛ رجلٍ مِن الأنصارِ. قال: فسكَت وحمَلها في نفسِه حتَّى إذا جاء صاحبُها رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم يُسلِّمُ عليه في النَّاسِ أعرَض عنه. صنَع ذلك مِرارًا حتَّى عرَف الرَّجلُ الغضبَ فيه والإعراضَ عنه، فشَكا ذلك إلى أصحابِه، فقال: واللهِ إنِّي لأنكِرُ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم قالوا: خرَج فرأى قُبتَك. قال: فرجَع الرَّجلُ إلى قُبتِه فهدَمها حتَّى سوَّاها بالأرضِ، فخرَج رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم ذاتَ يومٍ فلم يَرها قال: ما فعَلتِ القُبَّةُ؟ قالوا: شكا إلينا صاحبُها إعراضَك عنه، فأخبَرْناه فهَدَمها فقال: أمَا إنَّ كلَّ بناءٍ وبالٌ على صاحبِه إلَّا ما لا، إلَّا ما لا. يعنى ما لا بدَّ منه)). أخرجه مِن طُرقٍ أبو داودَ (4347) واللفظُ له، وابنُ ماجه (4161)، وأحمدُ (13301) بنحوِه. جوَّد إسنادَه العراقيُّ في ((تخريج الإحياء)) (4/291)، والألبانيُّ في ((سلسلة الأحاديث الصحيحة)) (6/795). -:
(هذه الأحاديثُ وما جاءَ في مَعناها مِنها ما هو صحيحٌ، ومِنها ما هو حَسَنٌ، ومِنها ما ليسَ بصحيحٍ؛ فما كان مِنها حُجَّةً فهو مَحمولٌ على ذَمِّ مَن فَعَل ذلك للتَّباهي والإسرافِ والتَّبذيرِ، فإنَّ هذا يَختَلفُ باختِلافِ الأحوالِ والأشخاصِ والأمكِنةِ والأزمِنةِ، وقد ثَبَتَ في "صحيح مسلمٍ" من حديثِ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنه، عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قَولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لمَّا سَأله جِبريلُ عن عَلاماتِ السَّاعةِ: «وأن تَرى الحُفاةَ العُراةَ العالةَ رِعاءَ الشَّاهِ يَتَطاولونَ في البُنيانِ»
[427] أخرجه مسلم (8). ، قال ابنُ رَجَبٍ في شَرحِ هذا الحَديثِ: "والمُرادُ أنَّ أسافِلَ النَّاسِ يَصيرونَ رُؤَساءَهم، وتَكثُرُ أموالُهم حتَّى يَتَباهَونَ بطولِ البُنيانِ وزَخرَفتِه وإتقانِه"
[428] ((جامع العلوم والحكم)) (1/ 137). ، وذَكَرَ النَّوَويُّ هذا المَعنى في "شرحِ صحيحِ مسلمٍ" حينَما تَكَلَّمَ على هذا الحَديثِ
[429] قال النَّوويُّ: (قَولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «وأن تَرى الحُفاةَ العُراةَ العالةَ رِعاءَ الشَّاءِ يَتَطاولونَ في البُنيانِ» أمَّا العالةُ فهمُ الفُقَراءُ، والعائِلُ: الفقيرُ، والعَيلةُ: الفَقرُ، وعال الرَّجُلُ يَعيلُ عَيلةً، أيِ: افتَقَرَ، والرِّعاءُ -بكَسرِ الرَّاءِ وبالمَدِّ- ويُقالُ فيهم رُعاةٌ، بضَمِّ الرَّاءِ وزيادةِ الهاءِ بلا مَدٍّ، ومَعناه: أنَّ أهلَ الباديةِ وأشباهَهم مِن أهلِ الحاجةِ والفاقةِ تُبسَطُ لهمُ الدُّنيا حتَّى يَتَباهَونَ في البُنيانِ). ((شرح مسلم)) (1/ 159). .
أمَّا إذا طال البُنيانُ لغَرَضٍ شَرعيٍّ، كتَوفيرِ المَرافِقِ والمَساكِنِ للمُحتاجينَ، أو لاتِّخاذِها سَبيلًا للكَسبِ، أو لكَثرةِ مَن يَعولُ ونَحوِ ذلك، فلا شَيءَ في ذلك فيما يَظهَرُ لنا، فإنَّ الأُمورَ بمَقاصِدِها، قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «إنَّما الأعمالُ بالنِّيَّاتِ، وإنَّما لكُلِّ امرِئٍ ما نَوى»
[430] لفظه: ((... فأخْبِرْنِي عن أمارَتِها، قالَ: أنْ تَلِدَ الأمَةُ رَبَّتَها، وأَنْ تَرَى الحُفاةَ العُراةَ العالَةَ رِعاءَ الشَّاءِ يَتَطاوَلُونَ في البُنْيانِ ...)). أخرجه مسلم (8). وأخرجه البخاري (50)، ومسلم (9) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه؛ ولفظ البخاري: ((... وسَأُخْبِرُكَ عن أشْرَاطِهَا: إذَا ولَدَتِ الأمَةُ رَبَّهَا، وإذَا تَطَاوَلَ رُعَاةُ الإبِلِ البُهْمُ في البُنْيَانِ ...)). [431] ((فتاوى اللجنة الدائمة- المجموعة الأولى)) (4/ 489). .