موسوعة الآداب الشرعية

ثالثًا: حَمدُ العاطِسِ رَبَّه


يُستَحَبُّ أن يَقولَ العاطِسُ عَقِبَ عُطاسِه: الحَمدُ للهِ [1803] قال ابنُ القَيِّمِ: (لمَّا كان العاطِسُ قد حَصَلت له بالعُطاسِ نِعمةٌ ومَنفعةٌ بخُروجِ الأبخِرةِ المُحتَقِنةِ في دِماغِه التي لو بَقيَت فيه أحدَثَت له أدواءً عَسِرةً، شُرِعَ له حَمدُ اللَّهِ على هذه النِّعمةِ مَعَ بَقاءِ أعضائِه على التِئامِها وهَيئَتِها بَعدَ هذه الزَّلزَلةِ التي هيَ للبَدَنِ كَزَلزَلةِ الأرضِ لها). ((زاد المعاد)) (2/ 400). وقال النَّوويُّ: (اتَّفَقَ العُلماءُ على أنَّه يُستَحَبُّ للعاطِسِ أن يَقولَ عَقِبَ عُطاسِه: الحَمدُ للَّهِ، ولو قال: الحَمدُ للهِ رَبِّ العالمينَ، لكان أحسَنَ، فلو قال: الحَمدُ للهِ على كُلِّ حالٍ، كان أفضَلَ). ((الأذكار)) (ص: 270) وقال ابنُ حَجَرٍ: (ونَقَل ابنُ بَطَّالٍ عنِ الطَّبَرانيِّ أنَّ العاطِسَ يَتَخَيَّرُ بَينَ أن يَقولَ: الحَمدُ للَّهِ. أو يَزيدَ: رَبِّ العالمينَ، أو: على كُلِّ حالٍ، والذي يَتَحَرَّرُ مِنَ الأدِلَّةِ أنَّ كُلَّ ذلك مُجزِئٌ، ولكِن ما كان أكثَرَ ثَناءً أفضَلُ، بشَرطِ أن يَكونَ مَأثورًا). ((فتح الباري)) (10/ 601). وقال النَّوويُّ في: (وقال ابنُ جَريرٍ: هو مُخَيَّرٌ بَينَ هذا كُلِّه، وهذا هو الصَّحيحُ، وأجمَعوا على أنَّه مَأمورٌ بالحَمد للَّهِ). ((شرح مسلم)) (18/ 120). .
الدَّليلُ على ذلك مِنَ السُّنَّةِ والإجماعِ والآثارِ:
أ- مِنَ السُّنَّةِ
1- عن أبي هرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: ((إذا عَطَسَ أحَدُكُم فليَقُلِ: الحَمدُ للهِ، وليَقُلْ له أخوه أو صاحِبُه: يَرحَمُك اللهُ، فإذا قال له: يَرحَمُك اللهُ، فليَقُلْ: يَهديكُمُ اللهُ ويُصلِحُ بالَكُم)) [1804] أخرجه البخاري (6224). .
2- عن أبي هرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لمَّا خَلقَ اللهُ آدَم عَطَس فألهَمَه رَبُّه أن قال: الحَمدُ للهِ، فقال له رَبُّه: يَرحَمُك اللهُ؛ فلذلك سَبَقَت رَحمَتُه غَضَبَه)) [1805] أخرجه ابنُ أبي عاصم في ((السنة)) (205)، وابن حبان (6164) واللفظ له، والبيهقي في ((شعب الإيمان)) (8880). حسَّنه شعيب الأرناؤوط في تخريج ((صحيح ابن حبان)) (6164). وذهب إلى تصحيحه ابن حبان .
3- عن أنَسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((لمَّا نُفِخَ في آدَمَ فبَلغَ الرُّوحُ رَأسَه، عَطَس، فقال: الحَمدُ للهِ رَبِّ العالَمينَ. فقال له تَبارَكَ وتعالى: يَرحَمُك اللهُ)) [1806] أخرجه ابنُ حبان (6165) واللفظ له، والضياء في ((الأحاديث المختارة)) (1667). صحَّحه ابنُ حبان، والألباني في ((صحيح الجامع)) (5216)، والوادعي على شرط مسلم في ((صحيح دلائل النبوة)) (382)، وصحح إسناده على شرط مسلم شعيب الأرناؤوط في تخريج ((صحيح ابن حبان)) (6165). .
ب- مِنَ الإجماعِ
نُقِل الإجماعُ على استِحبابِ قَولِ العاطِسِ: "الحَمدُ للهِ" [1807] قال النَّوويُّ: (اتَّفقَ العُلماءُ على أنَّه يُستَحَبُّ للعاطِسِ أن يَقولَ عَقِبَ عُطاسِه: الحَمدُ للَّهِ). ((الأذكار)) (ص: 270). وقال ابنُ حَجَرٍ في شَرحِ تَبويبِ البخاريِّ: (بابُ الحَمدِ للعاطِسِ): (أي: مَشروعيَّتِه، وظاهِرُ الحديثِ يَقتَضي وُجوبَه لثُبوتِ الأمرِ الصَّريحِ به، ولكِن نَقل النَّوَويُّ الاتِّفاقَ على استِحبابِه). ((فتح الباري)) (10/ 600). وقال عِياضٌ: (اختَلف العُلماءُ في تَشميتِ العاطِسِ بَعدَ اجتِماعِهم على أنَّ تَشميتَه إذا حَمِدَ اللَّهَ مَشروعٌ). ((إكمال المعلم)) (8/ 541). .
ج- مِنَ الآثارِ
عن عبدِ اللهِ بنِ مَسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: (إذا عَطَسَ أحَدُكُم فليَقُلِ: الحَمدُ للهِ رَبِّ العالَمينَ، وليَقُلْ مَن يَرُدُّ: يَرحَمُك اللهُ، وليَقُلْ هو: يَغفِرُ اللهُ لي ولكُم) [1808] أخرجه البخاري في ((الأدب المفرد)) (934)، والحاكم (7904)، والبيهقي في ((شعب الإيمان)) (8903). صحَّح إسنادَه الألباني في ((صحيح الأدب المفرد)) (715)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((شرح السنة)) (12/309)، وقال الحاكم: محفوظ من كلام عبد الله، وقال البَيهَقيُّ: الصَّحيحُ مَوقوفٌ. .
فائِدةٌ:
قال ابنُ حَجَرٍ: (لا أصلَ لِما اعتادَه كَثيرٌ مِنَ النَّاسِ مِنِ استِكمالِ قِراءةِ الفاتِحةِ بَعدَ قَولِه: الحَمدُ للهِ رَبِّ العالَمينَ. وكَذا العُدولُ مِنَ الحَمدِ إلى: أشهَدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللَّهُ، أو تَقديمُها على الحَمدِ؛ فمَكروهٌ.
 وقد أخرج البخاريُّ في "الأدَبِ المُفرَدِ" بسَنَدٍ صحيحٍ عن مُجاهدٍ، أنَّ ابنَ عُمَرَ سَمِعَ ابنَه عَطَسَ، فقال: آب، فقال: وما آب؟! إنَّ الشَّيطانَ جَعَلَها بَينَ العَطسةِ والحَمدِ [1809] أخرجه البخاري في ((الأدب المفرد)) (937) باختلافٍ يسيرٍ، ولفظُه: عن مُجاهِدٍ: عَطَسَ ابنٌ لعَبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ -إمَّا أبو بَكرٍ وإمَّا عُمرُ- فقال: آب، فقال ابنُ عُمَرَ: وما آب؟! إنَّ آبَ اسمُ شَيطانٍ مِنَ الشَّياطينِ جَعَلها بَينَ العَطسةِ والحَمدِ. صحَّح إسنادَه ابنُ حجر في ((فتح الباري)) (10/616)، والألباني في ((صحيح الأدب المفرد)) (717)، وحسَّنه شعيب الأرناؤوط في تخريج ((شرح السنة)) (12/314). . وأخرجَه ابنُ أبي شَيبةَ بلفظِ "آش" بَدَلَ "آب" [1810] أخرجه ابنُ أبي شيبة (26515) باختلافٍ يسيرٍ، ولفظُه: عن مُجاهِدٍ، قال: عَطَسَ رَجُلٌ عِندَ ابنِ عُمَرَ، فقال: أشهَبُ، قال ابنُ عُمَرَ: أشهَبُ اسمُ شَيطانٍ، وضَعَه إبليسُ بَينَ العَطسةِ والحَمدُ للهِ ليُذكَرَ. [1811] ((فتح الباري)) (10/ 601). .

انظر أيضا: