موسوعة الآداب الشرعية

رابعَ عشرَ: تَثليثُ غَسلِ الأعضاءِ


يُسنُّ تثليثُ غَسلِ الأعضاءِ في الوُضوءِ، وذلك في الجُملةِ.
الدَّليلُ على ذلك مِن السُّنَّةِ والإجماعِ:
أ- مِنَ السُّنَّةِ
عن حُمرانَ مولى عثمانَ، ((أنَّه رأى عثمانَ بنَ عفَّانَ دعا بإناءٍ، فأفرغ على كفَّيه ثلاثَ مِرارٍ، فغسَلَهما، ثمَّ أدخَلَ يمينَه في الإناءِ، فمضمَضَ، واستنشَقَ، ثمَّ غسَل وجهَه ثلاثًا، ويديه إلى المِرفقينِ ثلاثَ مِرارٍ، ثمَّ مسَح برأسِه، ثمَّ غسَلَ رِجليه ثلاثَ مِرارٍ إلى الكَعبين، ثمَّ قال: قال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: مَن توضَّأ نحوَ وُضوئي هذا، ثمَّ صلَّى رَكعتين لا يُحدِّثُ فيهما نفْسَه، غُفِرَ له ما تَقدَّمَ مِن ذَنبِه)) [81] أخرجه البخاري (159) واللفظ له، ومسلم (226) .
ب- مِنَ الإجماعِ
نقَل الإجماعَ على ذلك غيرُ واحدٍ [82] ممن نقل الإجماع على ذلك: الطَّحاويُّ، وابنُ عبدِ البَرِّ، وابنُ رُشدٍ، والنَّوَويُّ، والعَيْني. قال الطَّحاويُّ: (والثَّلاثُ للفَضلِ، لا للفَرضِ، وهذا لا خلافَ فيه من أهلِ العِلمِ جميعًا) نقلًا عن (الإقناع)) لابن القطان (1/204). وقال ابنُ رُشدٍ: (اتَّفق العُلَماءُ على أنَّ الواجِبَ مِن طهارة الأعضاءِ المغسولةِ هو مَرَّةً مرَّة إذا أسبَغَ، وأنَّ الاثنين والثَّلاثَ مندوبٌ إليهما). ((بداية المجتهد)) (1/13). وقال العَيْنيُّ: (المسنونُ في الغَسلِ أن يكونَ ثلاثَ مرَّات، وعليه إجماعُ العلماء). ((عمدة القاري)) (3/201). وحُكيَ خلافٌ بعدَمِ الاستحبابِ وآخَر بالوجوبِ؛ قال النَّوويُّ: (وكلاهما غلَطٌ، ولا يصحُّ هذا عن أحدٍ). ((المجموع)) (1/431). .
مسألةٌ: حُكمُ الزِّيادةِ على الثَّلاثِ
الزِّيادةُ على الثَّلاثِ [83] قال النَّوويُّ: (المُرادُ بالثَّلاثِ: المُستَوعِبةُ للعُضوِ). ((شرح مسلم)) (3/109). ومِمَّا يَنبَغي للمُتَوضِّئِ مُراعاتُه: الاقتِصادُ في ماءِ الوُضوءِ. وقد نَقَل بَعضُ أهلِ العِلمِ الإجماعَ على النَّهيِ عنِ الإسرافِ في الماءِ. قال النَّوويُّ: (أجمَعَ العُلماءُ على النَّهيِ عنِ الإسرافِ في الماءِ، ولو كان على شاطِئِ البَحرِ). ((شرح مسلم)) (4/2). في الوُضوءِ مَكروهةٌ [84] وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّةِ، والمالكيَّةِ، والشَّافِعيَّةِ، والحَنابلةِ. يُنظر: ((حاشية ابن عابدين)) (1/132)، ((الشرح الكبير للدردير وحاشية الدسوقي)) (1/102)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/59)، ((مطالب أولي النهى)) للرحيباني (1/97). وحُكيَ الإجماعُ على ذلك: قال النَّوويُّ: (أجمَعَ العُلماءُ على كَراهةِ الزِّيادةِ على الثَّلاثِ). ((شرح مسلم)) (3/109). وقال أيضًا: (إذا زادَ على الثَّلاثِ فقدِ ارتَكَبَ المَكروهَ، ولا يَبطُلُ وُضوءُه، وهذا مَذهَبُنا ومَذهَبُ العُلماءِ كافَّةً، وحَكى الدَّارِميُّ في "الاستِذكارِ" عن قَومٍ أنَّه يَبطُلُ، كَما لو زادَ في الصَّلاةِ، وهذا خَطَأٌ ظاهرٌ). ((المجموع)) (1/440). وقال الشَّوكانيُّ: (لا خِلافَ في كَراهةِ الزِّيادةِ على الثَّلاثِ). ((نيل الأوطار)) (1/173). .
الدَّليلُ على ذلك مِنَ السُّنَّةِ:
1- عن عَمرِو بنِ شُعَيبٍ، عن أبيه، عن جَدِّه، قال: ((جاءَ أعرابيٌّ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَسألُه عنِ الوُضوءِ، فأراه الوُضوءَ ثَلاثًا ثَلاثًا، ثُمَّ قال: هَكَذا الوُضوءُ، فمَن زادَ على هذا فقد أساءَ وتَعَدَّى وظَلمَ)) [85] أخرجه أبو داود (135)، والنسائي (140) واللَّفظُ له، وابن ماجه (422). صَحَّحه لغَيرِه شُعَيب الأرناؤوط في تخريج ((سنن أبي داود)) (135)، وقال الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)): حَسَنٌ صحيحٌ، وقال ابن دقيق العيد في ((الإمام)) (2/46): هذا الحَديثُ صحيحٌ عِندَ مَن يُصَحِّحُ حَديثَ عَمرِو بنِ شُعَيبٍ، وصَحَّحَ إسناده أحمد شاكر في تخريج ((مسند أحمد)) (10/163)، وابن باز في ((فتاوى نور على الدرب)) (5/46)، وذكر ابن حجر في ((التلخيص الحبير)) (1/121) أنَّه رويَ مِن طُرُقٍ صحيحةٍ، وذَكَر ثُبوتَه الشَّوكانيُّ في ((الفتح الرباني)) (10/4906). .
2- عن عبدِ اللهِ بنِ مُغَفَّلٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: سَمِعتُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقولُ: ((إنَّه سَيَكونُ في هذه الأُمَّةِ قَومٌ يَعتَدونَ في الطُّهورِ والدُّعاءِ)) [86] أخرجه أبو داود (96) واللَّفظُ له، وابن ماجه (3864)، وأحمد (16801). صَحَّحه ابنُ حبان في ((صحيحه)) (6763)، وابن الملقن في ((البدر المنير)) (2/599)، وابن حجر في ((التلخيص الحبير)) (1/223)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (96). .
3- أنَّ النَّبيَّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: ((تَوضَّأ مَرَّةً مَرَّةً)) كَما في حَديثِ ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما [87] أخرجه البخاري (157) ولفظُه: عن عبدِ اللهِ بنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: ((تَوضَّأ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مَرَّةً مَرَّةً)). ، و((تَوضَّأ مَرَّتَينِ مَرَّتَينِ)) كَما في حَديثِ عَبدِ اللَّهِ بنِ زَيدٍ رَضِيَ اللهُ عنه [88] أخرجه البخاري (158) ولفظُه: عن عبدِ اللهِ بنِ زَيدٍ: ((أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم تَوضَّأ مَرَّتَينِ مَرَّتَينِ)). ، و((تَوضَّأ ثَلاثًا ثَلاثًا)) كَما في حَديثِ عُثمانَ بنِ عفَّانَ رَضِيَ اللهُ عنه [89] أخرجه مسلم (230) ولفظُه: عن أبي أنَسٍ ((أنَّ عُثمانَ تَوضَّأ بالمَقاعِدِ، فقال: ألا أُريكُم وُضوءَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؟ ثُمَّ تَوضَّأ ثَلاثًا ثَلاثًا)). .
ولم يَرِدْ أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم زادَ في وُضوئِه على الثَّلاثِ، فيَكونُ في الزِّيادةِ عليه مُجاوزةٌ لفِعلِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم [90] قال البخاريُّ: (بَيَّنَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّ فرضَ الوُضوءِ مَرَّةً مَرَّةً، وتَوضَّأ أيضًا مَرَّتَينِ وثَلاثًا، ولم يَزِدْ على ثَلاثٍ، وكَرِهَ أهلُ العِلمِ الإسرافَ فيه، وأن يُجاوِزوا فِعلَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم). ((صحيح البخاري)) (قبل الحديث رقم: 135). .

انظر أيضا: