3- الزردشتية:
أولئك أصحاب زردشت بن يورشب الذي ظهر في زمان كشتاسب بن لهراسب الملك، وأبوه كان من أذربيجان وأمه من الري واسمها دغدوية.
وزعموا أن لهم أنبياء وملوكا أولهم كيومرث، وكان أول من ملك الأرض، وكان مقامه بإصطخر، وبعده أوشنهك بن فراوك، ونزل أرض الهند، وكانت له دعوة ثم, وبعده طمهودت، وظهرت الصابئة في أول سنة من ملكه, وبعده أخوه جم الملك, ثم بعده أنبياء وملوك: منهم منوجهر ونزل بابل وأقام بها, وزعموا أن موسى عليه السلام ظهر في زمانه حتى انتهى الملك إلى كشتاسب بن لهراسب، وظهر في زمانه زردشت الحكيم.
وزعموا أن الله عزَّ و جلَّ خلق من وقت ما في الصحف الأولى والكتاب الأعلى من ملكوته خلقا روحانيا، فلما مضت ثلاثة آلاف سنة أنفذ مشيئته في صورة من نور متلألئ على تركيب صورة الإنسان، وأحفَّ به سبعين من الملائكة المكرمين، وخلق الشمس والقمر والكواكب والأرض، وبني آدم غير متحركة ثلاثة آلاف سنة، ثم جعل روح زردشت في شجرة أنشأها في أعلى عليين، وأحفَّ بها سبعين من الملائكة المكرمين، وغرسها في قمة جبل من جبال أذربيجان، يعرف باسمو يذخر، ثم مازج شبح زردشت بلبن بقرة، فشربه أبو زردشت فصار نطفة ثم مضغة في رحم أمه، فقصدها الشيطان وعيرها، فسمعت أمه نداء من السماء فيه دلالة على برئها فبرئت.
ثم لما ولد ضحك ضحكة تبينها من حضر، فاحتالوا على زردشت حتى وضعوه بين مدرجة البقر ومدرجة الخيل ومدرجة الذئب، فكان ينهض كل واحد منهم لحمايته من جنسه، ونشأ بعد ذلك إلى أن بلغ ثلاثين سنة، فبعثه الله تعالى نبيا ورسولا إلى الخلق فدعا كشتاسب الملك، فأجابه إلى دينه وكان دينه عبادة الله والكفر بالشيطان، والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، واجتناب الخبائث.
الملل والنحل للشهرستاني – 1/281
وتدَّعي الزردشتية له معجزات كثيرة:
منها: دخول قوائم فرس كشتاسب في بطنه، وكان زردشت في الحبس فأطلقه، فانطلقت قوائم الفرس.
ومنها: أنه مرَّ على أعمى بالدينور، فقال: خذوا حشيشة - وصفها لهم - واعصروا ماءها في عينه فإنه يبصر، ففعلوا فأبصر الأعمى.
ومن المجوس الزردشتية صنف يقال لهم: السيسانية والبهافريدية. رئيسهم رجل يقال له: سيسان من رستاق نيسابور، من ناحية يقال لها: خواف.
خرج في أيام أبي مسلم صاحب الدولة، وكان زمزميا في الأصل يعبد النيران، ثم ترك ذلك ودعا المجوس إلى ترك الزمزمة، ورفض عبادة النيران، ووضع لهم كتابا أمرهم فيه بإرسال الشعور.
وحرَّم عليهم الأمهات والبنات والأخوات، وحرَّم عليهم الخمر، وأمرهم باستقبال الشمس عند السجود على ركبة واحدة، وهم يتخذون الرباطات ويتباذلون الأموال، ولا يأكلون الميتة، ولا يذبحون الحيوان حتى يهرم.
وهم أعدى خلق الله للمجوس الزمازمة، ثم إن موبذ المجوس رفعه إلى أبي مسلم فقتله على باب الجامع بنيسابور.
وقال أصحابه: إنه صعد إلى السماء على برذون أصفر، وإنه سينزل على البرذون فينتقم من أعدائه.
وهؤلاء قد أقروا بنبوة زردشت، وعظَّموا الملوك الذين يعظمهم زردشت، ومما أخبر به زردشت في كتاب زند أوستا أنه قال: سيظهر في آخر الزمان رجل اسمه أشيزريكا- ومعناه الرجل العالم- يزين العالم بالدين والعدل، ثم يظهر في زمانه بتياره، فيوقع الآفة في أمره وملكه عشرين سنة ثم يظهر بعد ذلك أشيزريكا على أهل العلم، ويحيي العدل ويميت الجور، ويرد السنن المغيرة إلى أوضاعها الأول، وتنقاد له الملوك، وتتيسر له الأمور، وينصر الدين والحق، ويحصل في زمانه الأمن والدعة وسكون الفتن وزوال المحن.
الملل والنحل للشهرستاني – 1/281
مقالة زردشت في المبادئ:
وقد أورد الجيهاني إحدى مقالات زردشت في المبادئ وهي:
إن دين زردشت هو الدعوة إلى دين مارسيان، وإن معبوده أورمزد.
والملائكة المتوسطون في رسالاته إليه: بهمن وأرديبهشت وشهريور وأسفندارمز وخرداد ومرداد.
وقد رآهم زردشت واستفاد منهم العلوم.
وجرت مساءلات بينه وبين أورمزد من غير توسط:
أولها: قال زردشت: ما الشيء الذي كان ويكون وهو الآن موجود ؟
قال أورمزد: أنا والدين والكلام.
أما الدين: فعمل أورمزد وكلامه وإيمانه.
وأما الكلام: فكلامه.
والدين أفضل من الكلام؛ إذ العمل أفضل من القول.
وأول من أبدع من الملائكة بهمن، وعلمه الدين وخصه بموضع النور مكانا، وأقنعه بذاته ذاتا، فالمبادئ على هذا الرأي ثلاثة.
السؤال الثاني: قال: لم لم تخلق الأشياء كلها في زمان غير متناه ؟، إذ قد جعلت الزمان نصفين: نصفه متناه ونصفه غير متناه، فلو خلقتها في زمان غير متناه كان لا يستحيل شيء منها.
قال أورمزد: فإن كان لا يمكن أن تفنى ثم آفات الأثيم إبليس.
السؤال الثالث: قال مماذا خلقت هذا العالم ؟
قال أورمزد: خلقت جميع هذا العالم من نفسي، أما أنفس الأبرار فمن شعر رأسي، وأما السماء فمن أم رأسي، والظفر والمعاضد فمن جبهتي، والشمس فمن عيني، والقمر فمن أنفي، والكواكب فمن لساني، وسروس وسائر الملائكة فمن أذني، والأرض فمن عصب رجلي.
وأريت هذا الدين أولا كيومرث، فشعر به، وحفظه من غير تعلم ولا مدارسة.
قال زردشت: فلماذا أريت هذا الدين كيومرث بالوهم وألقيته إليَّ بالقول ؟
قال أورمزد: لأنك تحتاج أن تتعلم هذا الدين وتعلِّمه غيرك، وكيومرث لم يجد من يقبله، فأمسك عن التكلم وهذا خير لك؛ لأني أقول وأنت تسمع، وأنت تقول والناس يسمعون ويقبلون.
فقال زردشت لأورمزد: هل أريت هذا الدين أحدا قبلي غير كيومرث ؟
قال: بلى أريت هذا الدين جم خمسين نجما مخمسا من أجل إنكاره الضحاك.
قال: إذا كنت عالما أنه لا يقبله فلماذا أريته ؟
قال: لو لم أره لما صار إليك، وقد أريته أيضا أفريدون وكيكاوس وكيقباد وكشتاسب.
قال زردشت: خلقك العالم وترويجك الدين لأي شيء ؟
قال: لأن فناء العفريت الأثيم لا يمكن إلا بخلق العالم وترويج الدين، ولو لم يتروج أمر الدين لما أمكن أن تتروج أمور العالم
الملل والنحل للشهرستاني – 1/285