الفرع الخامس: الكنيسة الأرثوذكسية الشرقية:
- رغم الانفصال المذهبي للكنيسة الشرقية عن الكنيسة الغربية تحت اسم كنيسة الروم الأرثوذكس أو الكنيسة الشرقية، برئاسة بطريرك القسطنطينية بعد رفض قرارات مجمع القسطنطينية الرابع عام (896) م, إلا أنها خضعت إداريًّا للكنيسة الغربية تحت رئاسة بابا روما حتى الانفصال النهائي عام (1054) م.
- توسعت الكنيسة البيزنطية في القرن التاسع في أوروبا الشرقية؛ فأسست في بلغاريا كنيسة، وأصبحت النصرانية الدين الرسمي للدولة بعدما أجْبر الحاكم البلغاري بوريس الأول ( 852- 888) م, على قبول المعمودية من الإرساليات التبشيرية.
- عمل خليفته القيصر سيمون ( 893 - 927) م, على حماية الكنيسة، وجعل اللغة السلافية لغة الطقوس الكنيسية بدلاً من اليونانية، وفي عهده استقلت الكنيسة البلغارية في بطريركية مستقلة.
- أثناء حكم الإمبراطور باسل الثاني ( 976- 1025) م, توطدت دعائم الكنيسة الأرثوذكسية السلافية على يد مبشري الدولة البيزنطية، مثل القديسين كيرلس، وميثيوديوس والمعروفين برسل السلاف، ولذلك حيكت ضد الإمبراطور المؤامرات مما اضطره إلى الاستعانة بأمير كييف فلاديمير( 978- 1015) م, للتصدي لها، فكان ذلك سبباً في اعتناق فلاديمير النصرانية على المذهب الأرثوذكسي عام (990) م, لتنضم روسيا إلى الكنيسة الأرثوذكسية، وتصبح كنيستها أحد فروع الكنيسة اليونانية.
- في الفترة ما بين القرنين العاشر والخامس عشر ظهرت داخل الأرثوذكسية فرقة البوجوميلي نسبة إلى مؤسسها القس بوجوميل على أنها حركة سلافية تهدف إلى الإصلاح باسم الكنيسة الأرثوذكسية البلغارية، متأثرة في ذلك بآراء الثنوية والمانوية الحديثة. ولذلك فإنها تؤمن بأن العالم المرئي مملوء بالشر، كما تعارض عقيدة التجسد النصرانية من جانبها المادي، وترفض التعميد، وتحتقر الصليب والمعجزات والكنائس الضخمة ونظام الكهنة. وبالجملة ترفض النظام الكنسي العام. وسرعان ما أنتشرت في البلدان الخاضعة للإمبراطورية البيزنطية، مما أدى إلى الحكم بهرطقتها، وإنزال العذاب الشديد بأتباعها، وحرق قائدهم في القسطنطينية أمام الجماهير الحاشدة.
أراد ميخائيل كيرولاريوس بطريرك القسطنطينية عام (1053) م, الانفصال النهائي عن سلطة الكنيسة الغربية ليصبح إمبراطوراً وبطريركاً، مساوياً لبابا روما، فاستغل الاضطراب السياسي في الإمبراطورية البيزنطية، وأعلن أن البابوية في روما أصبحت ألعوبة في يد رجال الدولة الغربية، وأن تقاليد الكنيسة الغربية فيها كفر ومخالفة للتعاليم النصرانية الأولى؛ فتصدَّى له بابا روما ليو التاسع وقضى على حركته باستمالة الإمبراطور البيزنطي قسطنطين التاسع إلى جانب دعواه بأحقيَّة سيادة الكنيسة الغربية على الكنيسة الشرقية.
- ما لبث أن توفي بابا روما ليو التاسع عام (1045) م, حتى استغل بطريرك القسطنطينية الفرصة السانحة ليجمع حول دعوى الانفصال رجالَ الكنيسة الشرقية مرة أخرى، حيث خضع لرأيهم الإمبراطور، وأعلن رسميًّا استقلال الكنيسة الشرقية استقلالاً تامًّا عن الكنيسة الغربية لتصبح كنيسة أجا صوفيا التي أعاد بناءها الإمبراطور جستنيان في القرن السادس مركزاً للحياة الدينية في الكنيسة الأرثوذكسية.
- في عهد البابا أنورت الثالث (1198-1216) م, انطلقت الحملة الصليبية الرابعة لاحتلال القسطنطينية، والقضاء على كنيستها؛ لتحقيق وحدة الكنيسة المسيحية على مذهب روما الكاثوليكي.
- دخلت الحملة الصليبية الرابعة القسطنطينية عام (1204) م, كالجراد المنتشر، فأتت على الأخضر واليابس، فلم تترك فيها حرمة إلا انتهكتها، ولا ديراً ولا كنيسة إلا خرَّبتها بعد نهب ما فيها من تحف وثروات. ولما استقر لهم الأمر، ودانت لهم الإمبراطورية تم تقسيمها وعاصمتها على زعماء الحملة، وانتُخب بلدوين دي فلاندرز إمبراطوراً للإمبراطورية اللاتينية في القسطنطينية (1204- 1261) م، وتعيَّن البطريرك الكاثوليكي توماس مورسيني بطريركاً لكنيستها، مما زاد من حنق ونفور البيزنطيين من الغرب وكنيسته.
- بعد عودة كنيسة القسطنطينية إلى سيادة الإمبراطورية البيزنطية، قامت محاولات عديدة لتوحيد الكنيستين الشرقية والغربية خلال الفترة من منتصف القرن الثالث عشر حتى بدايات القرن الخامس عشر الميلادي من أهمها:
- ما قام به الإمبراطور البيزنطي ميخائيل الثامن ( 1259- 1282) م, بالتعاون مع بابا روما نيقولا الثالث ( 1277-1280 ) م, والمتحمس لهذا الأمر، لكنها باءت بالفشل للمعارضة الشديدة من بطريرك القسطنطينية الذي أصدر قراراً بحرمان الإمبراطور ميخائيل الثامن، وأيَّده على ذلك بابا روما مارتن الرابع بقرار حرمان آخر للإمبراطور.
- محاولة أخرى قام بها الإمبراطور البيزنطي مايكل فلايولتوس أثناء مواجهته لملك صقلية شارل أونجو، حيث أرسل اعترافاً إلى البابا جورج العاشر بسيادة الكنيسة الغربية، وبذلك نجح الإمبراطور في فرض بطريرك كاثوليكي شرقي يدعى جون بيكوس على رئاسة كنيسة القسطنطينية، وما أن مات الإمبراطور حتى رفض المجلس الأرثوذكسي هذا الاعتراف.
- ومن آخر محاولات التوحيد في تلك الفترة ما قام به المجمع الذي عقد في فرارا ثم فلورنس امتداداً لمجمع بال؛ لمواجهة نشاط العسكرية الإسلامية التي طوَّقت القسطنطينية، وقد نجح هذا المجمع في أن يقبل الأرثوذكس معظم النقاط التي عرضها الإمبراطور جون الثامن، ورغم توقيع الإمبراطور البيزنطي حنا السادس عليها إلا أنها لم تتم للمعارضة الشديدة من الشعب وخدام كنيسة القسطنطينية، بالإضافة إلى معارضة بطاركة كنائس الإسكندرية وأنطاكية وبيت المقدس.
- في منتصف القرن التاسع عشر ارتفعت من جديد نداءات الاتحاد بين الكنيستين: ففي عام (1848) م, وجَّه البابا بيوس التاسع نداءه إلى الكنائس الشرقية للاتحاد مع كنيسة روما إلا أنه رُفِضَ كما رفض غيره من قبل.
- في عهد الأمير إيفان الأول ( 1328-1341) م, أصبحت موسكو المركز الروحي لروسيا بانتقال رئيس أساقفة روسيا من كييف إلى موسكو.
- تمتعت كنيسة روسيا بحماية ملوك المغول، وعدم تدخلهم في سياستها مما ضاعف من نفوذها وثرواتها.
في مايو (1453) م, فتحت جيوش السلطان العثماني محمد الفاتح مدينة القسطنطينية، فأمَّن أهلهم وطمأنهم على أنفسهم وأعراضهم، ومنحهم حقَّ الاعتقاد وحرية ممارسة الشعائر والعبادات الخاصة بهم، وأعلن الكثير منهم إسلامهم، ومن ثم أمر بتحويل كنيسة أجا صوفيا إلى مسجد........
- جعل السلطان بطريرك القسطنطينية رئيس النصارى الديني والمدني، وجرى تقسيم الكنيسة الأرثوذكسية البلقانية إلى وحدات قومية، أصبحت القسطنطينية مركزاً لليونان، وأصبح للصرب بطريركاً خاصًّا في بيج بيوغسلافيا، والبلغار مطرانيتهم في أوهريد. أما سكان رومانيا فكان لهم مؤسسات دينية مشابهة، وعهدت الحكومة العثمانية للكنيسة بسلطة إدارة العديد من الوظائف والمهام الدينية والمدنية. وبذلك أصبحت الكنيسة جزءاً من الجهاز الحكومي. وهكذا مارس بطريرك القسطنطينية سلطات أوسع من السلطات التي كانت مُخوَّلة له عام (1588) م, في الدولة البيزنطية،..........
- استقلت الكنيسة الروسية ببطريركية مستقلة عام (1588) م, وأبطلت سيادة كنيسة القسطنطينية عليها بعد فرار البطريرك اليوناني من القسطنطينية إلى موسكو.
- وفي عام (1589) م, عيَّن الإمبراطور فيودا الأول أول بطريرك روسي، وحمل بطاركة الشرق على الاعتراف به عام (1593) م.
- أصبحت الكنيسة الروسية ذات أهمية خاصة بعد سقوط القسطنطينية في أيدي العثمانيين عام (1453) م، فقد اعتبرت نفسها المركز الحقيقي والحامية للأرثوذكسية الصحيحة، وبذلك أصبحت روما الثالثة. يقول الراهب فليوثيوس من باسكوف: (لقد سقطت الرومايان (روما والقسطنطينية) وهذه روما الثالثة، ولن يكون هناك روما رابعة).
- في أثناء حكم نيكون ( 1652- 1658) م, انقسمت الكنيسة الروسية نتيجة لاقتراح نيكون بضرورة أن تتطابق الكنيسة الروسية في أفكارها، ومعتقداتها الكنسية الإغريقية.
- ألغى بيتر العظيم عام (1721) م, البطريركية الروسية وتبنى المذهب البروتستانتي.
- ألغى الإمبراطور بطرس الأكبر البطريركية الروسية مرة ثانية، وتولَّى مجمع السينودس المقدس إدارة الكنيسة في المسائل الدينية محتفظاً لنفسه وخلفائه برئاستها.
- في عام (1744) م, أصدرت بطريركية الكنيسة في القسطنطينية مرسوماً بتحريم الماسونية والانتساب إليها.
- وفي أيام الإمبراطورة كاترين استولت الحكومة على أملاك الكنيسة الروسية، واحتفظت لنفسها بأمر تعليم الكهنة وتعيينهم. وقد استمر أثر هذه الإجراءات حتى عام (1917) م, حيث الثورة البلشفية التي أدخلت النصرانية في روسيا في مرحلة جديدة منفصلة بذلك عن الكنائس الأخرى، وانتُخِب أول بطريرك لها أثناء الحرب العالمية الثانية، وبالتالي أصبحت تعلن ولاءها للحكومات الشيوعية، وتؤكد سياستها ضد الغرب.
استقلَّت الكنيسة اليونانية في عام (1833) م, عن كنيسة القسطنطينية.
ظهرت في بلغاريا حركة تعمل على إصلاح الكنيسة البلغارية برئاسة الأب نيوفت بوزقيلي، وبعد أن عينت الحكومة العثمانية أساقفة غير بلغاريين على الكنيسة البلغارية.
- وفي عام (1860) م, أعلن الأسقف غيلادبون مكاريو بولسكي استقلال الكنيسة البلغارية، ووافقت السلطات العثمانية على ذلك، وأنشأت لهم كنيسة خاصة في استانبول تحت رئاسة مطران وهيئة مساعدة خاصة بهم.
- وردًّا على ذلك عقد مجمع القسطنطينية عام (1873) م, بحضور بطاركة القسطنطينية وأنطاكية وأورشليم والإسكندرية؛ ليصدر قراراً بحرمان جميع النظام الكنسي البلغاري.
- بعد سيادة الشيوعية في دول شرق أوربا انضمت الكنيسة البلغارية والرومانية إلى الكنيسة الروسية مرة أخرى.
- استقلت الكنيسة الأرثوذكسية اليابانية عام (1939) م, عن الكنيسة الروسية التي ظلَّت تابعة لها منذ تأسيسها عام (1860) م على يد إرسالية أرثوذكسية روسية.