تم اعتماد المنهجية من الجمعية الفقهية السعودية
برئاسة الشيخ الدكتور سعد بن تركي الخثلان
أستاذ الفقه بجامعة الإمام محمد بن سعود
عضو هيئة كبار العلماء (سابقاً)
1- وعن أبي هُرَيرةَ رضِي اللهُ عنه قال: سمعْتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ: ((كُلُّ أمَّتي مُعافًى إلَّا المُجاهِرينَ، وإنَّ مِن المُجاهَرةِ أن يعمَلَ الرَّجلُ باللَّيلِ عَملًا، ثُمَّ يُصبِحَ وقد ستَره اللهُ عليه، فيقولَ: يا فلانُ، عمِلْتُ البارِحةَ كذا وكذا. وقد بات يستُرُه ربُّه، ويُصبِحُ يكشِفُ سِترَ اللهِ عنه)) [4566] رواه البخاري (6069) واللفظ له، ومسلم (2990). . قال ابنُ الجَوزيِّ: (المُجاهِرونَ: الذين يُجاهِرونَ بالفواحِشِ، ويتحدَّثونَ بما قد فعَلوه منها سرًّا، والنَّاسُ في عافيةٍ مِن جهةِ أنَّهم مستورونَ، وهؤلاء مُفتضَحونَ) [4567] ((كشف المشكل)) (3/397). . وقال العَينيُّ: (سَترُ اللهِ مُستلزِمٌ لسَترِ المُؤمِنِ على نَفسِه؛ فمَن قصَد إظهارَ المعصيةِ والمُجاهَرةَ فقد أغضَب اللهَ تعالى، فلم يستُرْه، ومَن قصَد التَّستُّرَ بها حياءً مِن ربِّه ومِن النَّاسِ، منَّ اللهُ عليه بسَترِه إيَّاه) [4568] ((عمدة القاري)) (22/138). . 2- وعن عبدِ اللهِ بنِ عُمرَ رضِي الله عنهما، أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((... ومَن فرَّج عن مُسلِمٍ كُربةً فرَّج اللهُ عنه بها كُربةً مِن كُرَبِ يومِ القِيامةِ، ومَن ستَر مُسلِمًا ستَره اللهُ يومَ القِيامةِ)) [4569] رواه مطولا البخاري (2442)، ومسلم (2580) واللفظ له. . قولُه: ((مَن ستَر مُسلِمًا))، (أي: بدَنه أو عَيبَه بعَدمِ الغِيبةِ له، والذَّبِّ عن معائِبِه، وهذا بالنِّسبةِ إلى مَن ليس معروفًا بالفسادِ، وإلَّا فيُستحَبُّ أن تُــرفَعَ قصَّتُه إلى الوالي، فإذا رآه في معصيةٍ فيُنكِرُها بحسَبِ القُدرةِ، وإن عجَز يرفَعُها إلى الحاكِمِ إذا لم يترتَّبْ عليه مَفسَدةٌ) [4570] ((تحفة الأحوذي)) (4/574). . 3- وعن أبي هُرَيرةَ، عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: ((لا يستُرُ عبدٌ عبدًا في الدُّنيا إلَّا ستَره اللهُ يومَ القِيامةِ)) [4571] أخرجه مسلم (2590) . قال القاضي عِياضٌ: (يكونُ سَترُه له سَترَ عُيوبِه ومعاصيه عن إذاعتِها على أهلِ المَحشَرِ، وقد يكونُ تَركَ مُحاسَبتِه عليها وذِكرِها له. والأوَّلُ أظهَرُ) [4572] ((إكمال المعلم)) (8/61). . 4- وفي قصَّةِ ماعِزِ بنِ مالِكٍ الأسلَميِّ، عندَما جاء إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، واعتَرَف على نَفسِه بالزِّنا، وسأله أن يُقيمَ عليه الحدَّ ليُطهِّرَه، فأمَر النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم برَجمِه [4573] رواه مسلم (1695) عن بُريدةَ بنِ الحُصَيبِ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((جاء ماعزُ بنُ مالكٍ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: يا رسولَ اللهِ طَهِّرْني. فقال: ويحك! ارجِعْ فاستغفِرِ اللهَ وتُبْ إليه. قال: فرجَع غيرَ بعيدٍ، ثمَّ جاء فقال: يا رسولَ اللهِ طَهِّرني. فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ويحَك! ارجِعْ فاستغفِرِ اللهَ وتُبْ إليه. قال: فرجَع غيرَ بعيدٍ، ثمَّ جاء فقال: يا رسولَ اللهِ طَهِّرْني، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِثلَ ذلك حتَّى إذا كانت الرَّابعةُ قال له رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: فيمَ أُطَهِّرُك؟ فقال: من الزِّنا. فسأل رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أبه جنونٌ؟ فأُخبِرَ أنَّه ليس بمجنونٍ. فقال: أشرِبَ خمرًا؟ فقام رجلٌ فاستَنْكَهَه، فلم يجِدْ منه ريحَ خَمرٍ. قال: فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أزنيتَ؟ فقال: نعم. فأمَرَ به فرُجِمَ)). ؛ فإنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لم يسألْه معَ مَن زنَيتَ، وكذلك المرأةُ الغامِديَّةُ [4574] رواه مسلم (1695) عن بُريدةَ بنِ الحُصَيبِ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((ثمَّ جاءته امرأةٌ من غامدٍ من الأزدِ، فقالت: يا رسولَ اللهِ طَهِّرْني. فقال: ويحَكِ! ارجِعي فاستغفري اللهَ وتوبي إليه. فقالت: أراك تريدُ أن تردُدَني كما ردَدْتَ ماعِزَ بنَ مالكٍ! قال: وما ذاك؟ قالت: إنَّها حبلى من الِّزنا. فقال: آنت؟ قالت: نعم. فقال لها: حتى تضعي ما في بطنِك، قال: فكفَلَها رجلٌ من الأنصارِ حتَّى وضَعَت...)). عندَما أقرَّت على نَفسِها لم يسألْها النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن ذلك. وفي روايةٍ عن نُعَيمِ بنِ هَزَّالٍ: أنَّ هَزَّالًا كان استأجَر ماعِزَ بنَ مالِكٍ، وكانت له جاريةٌ يُقالُ لها: فاطِمةُ، قد أملَكَت، وكانت ترعى غَنمًا لهم، وأنَّ ماعِزًا وقَع عليها، فأخبَر هَزَّالًا فخدَعه، فقال: انطلِقْ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فأخبِرْه، عسى أن ينزِلَ فيك قرآنٌ، فأمَر به النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فرُجِم، فلمَّا عضَّته مسُّ الحِجارةِ انطلَق يسعى، فاستقبَله رجُلٌ بلَحْيِ جَزورٍ [4575] لحْيُ الإنسانِ والدَّابَّةِ: العظمُ الذي تَنبُتُ عليه اللِّحْيةُ. يُنظر: ((جمهرة اللغة)) لابن دريد (1/ 572). والجَزورُ من الإبِلِ يقَعُ على الذَّكَرِ والأنثى. يُنظر: ((مختار الصحاح)) لزين الدين الرازي (ص: 57). -أو ساقِ بَعيرٍ- فضرَبه به فصرَعه، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((وَيلَك يا هَزَّالُ، لو كنْتَ ستَرْتَه بثوبِك كان خيرًا لك!)) [4576] أخرجه من طرُقٍ: أبو داود (4377) مختصرًا، وأحمد (21891) واللفظ له. صحَّحه ابن عبد البر في ((التمهيد)) (23/125)، والألباني في ((صحيح الجامع)) (7990)، وصحَّحه لغيره شعيب الأرناؤوط في تخريج ((سنن أبي داود)) (7990). . والنَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إنَّما قال ذلك حُبًّا لإخفاءِ الفضيحةِ، وكراهيَةً لإشاعتِها [4577] ((شرح سنن أبي داود)) لابن رسلان (16/ 166). .