خامسًا: أقسامُ الصَّمتِ
الصَّمتُ على ضربَينِ:
1- صمتٌ محمودٌ:أي: أن تصمُتَ عن كُلِّ ما حَرَّم اللهُ ونهى عنه، مِثلُ الغِيبةِ والنَّميمةِ والبَذاءةِ وغَيرِها، وكذلك الصَّمتُ عن الكلامِ المباحِ الذي يؤدِّي بك إلى الكلامِ الباطلِ.
قال
ابنُ عبدِ البَرِّ: (وإنَّما الصَّمتُ المحمودُ الصَّمتُ عن الباطِلِ)
[6026] ((التمهيد)) (22/20). .
وقال
العَينيُّ: (الصَّمتُ المباحُ المرغوبُ فيه تركُ الكلامِ الباطلِ، وكذا المباحُ الذي يجرُّ إلى شيءٍ من ذلك)
[6027] ((عمدة القاري)) (16/291). .
ومن الصَّمتِ المحمودِ عاقبتُه: صَمتُ العَيِيِّ
[6028] العِيُّ خِلافُ البيانِ، يُقالُ: عَيِيَ في المنطِقِ عِيًّا: حَصِرَ، والعِيُّ: عَجزٌ يَلحَقُ مَن تولَّى الأمرَ والكلامَ. يُنظَر: ((تاج العروس)) للزبيدي (39/ 136). ، قال بعضُ حُكَماءِ العَرَبِ: (أحمدُ البلاغاتِ الصَّمتُ حيثُ لا يحسُنُ الكلامُ)
[6029] ((المجالسة)) للدينوري (5/ 102) رقم (1911). ، ورُوِيَ عن أكثَمَ بنِ صَيفيٍّ، قال: (الصَّمتُ خيرٌ من عِيِّ المنطِقِ)
[6030] ((المنتظم)) لابن الجوزي (2/ 372). .
- و(كان رجلٌ يجلِسُ إلى
أبي يوسُفَ فيُطيلُ الصَّمتَ، فقال له
أبو يوسُفَ: ألا تتكَلَّمُ؟ فقال: بلى، متى يفطِرُ الصَّائِمُ. قال: إذا غابت الشَّمسُ، قال: فإن لم تَغِبْ إلى نصفِ اللَّيلِ؟ قال: فضَحِك
أبو يوسُفَ! وقال: أصبْتَ في صَمْتِك، وأخطَأْتُ أنا في استِدعاءِ نُطقِك، ثمَّ تمثَّلَ:
عجِبتُ لإزراءِ العَيِيِّ بنَفسِه
وصمتِ الذي قد كان للقَولِ أعلَمَا
وفي الصَّمتِ سَترٌ للعَيِيِّ، وإنَّما
صحيفةُ لُبِّ المرءِ أن يتكَلَّما)
[6031] ((أخبار القضاة)) لوكيع القاضي (3/ 264)، ((تاريخ بغداد)) للخطيب البغدادي (16/ 366). .
وعن الأصمَعيِّ: أنَّ الأحنَفَ بنَ قَيسٍ كان يجالِسُه رجُلٌ يطيلُ الصَّمتَ حتى أُعجِبَ به الأحنَفُ، ثمَّ إنَّه تكلَّم، فقال: يا أبا بَحْرٍ، أتقدِرُ أن تمشيَ على شُرَفِ المسجِدِ؟ قال: فتمثَّل الأحنَفُ:
(وكائِنْ ترى من صامِتٍ لك مُعجِبٍ
زيادتُه أو نَقصُه في التَّكلُّمِ)
[6032] ((المجالسة)) للدينوري (2/ 365) رقم (531). ومن المحمودِ: صمتٌ عن الكلامِ في غيرِ حينِه، قيل:
الصَّمتُ أزيَنُ بالفتى
من منطِقٍ في غيرِ حينِه
[6033] ((الحلية)) لأبي نعيم الأصبهاني (8/ 170). 2- صمتٌ مذمومٌ:كالصَّمتِ في المواطِنِ التي يُطلَبُ فيها الكلامُ، كالصَّمتِ عِندَ رؤيةِ المُنكَراتِ لِمَن قدَر على الإنكارِ، وكذلك الصَّمتُ عن نَشرِ الخيرِ، وكَتمُ العِلمِ، وتركُ تلاوةِ القرآنِ، والسُّكوتُ عن الذِّكرِ مع الفراغِ.