تم اعتماد المنهجية من الجمعية الفقهية السعودية
برئاسة الشيخ الدكتور سعد بن تركي الخثلان
أستاذ الفقه بجامعة الإمام محمد بن سعود
عضو هيئة كبار العلماء (سابقاً)
لقد أقامَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم العَدلَ، ورَغَّبَ فيه، وقد ورَدَتِ الأحاديثُ تَدُلُّ على تَطبيقِه قَواعِدَ العَدلِ، وإرسائِه لمَعالِمِه، منها: 1- عن عُبادةَ بنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((بايَعْنا رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على السَّمعِ والطَّاعةِ في عُسْرِنا ويُسرِنا، ومَنشَطِنا ومَكارِهِنا، وعلى ألَّا نُنازِعَ الأمرَ أهلَه، وعلى أن نَقولَ بالعَدلِ أينَ كُنَّا، لا نَخافُ في اللهِ لومةَ لائِمٍ)) [6216] رواه النسائي (4153) واللفظ له، وأحمد (22716). صحَّحه ابن عبد البر في ((التمهيد)) (23/272)، وابن العربي في ((عارضة الأحوذي)) (4/91)، والألباني في ((صحيح سنن النسائي)) (4153)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (22716). ورواه البخاري (7199)، ومسلم (1709) بنحوه وفيه (بالحقِّ) بدلَ (بالعَدلِ). . 2- وعن عبدِ اللهِ بنِ عَمرٍو رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إنَّ المُقسِطينَ عِندَ اللهِ على مَنابرَ مِن نورٍ عن يمينِ الرَّحمَنِ -وكِلْتا يدَيه يمينٌ- الذين يعدِلونَ في حُكمِهم وأهليهم وما وَلُوا [6217] وما وَلُوا: أي: كانت لهم عليه ولايةٌ. يُنظَر: ((شرح النووي على مسلم)) (12/ 211). ) [6218] رواه مسلم (1827). . قال ابنُ عُثَيمين: (فالعَدلُ واجِبٌ في كُلِّ شَيءٍ، لكِنَّه في حَقِّ وُلاةِ الأُمورِ آكَدُ وأَولى وأعظَمُ؛ لأنَّ الظُّلمَ إذا وقَعَ مِن وُلاةِ الأُمورِ حَصَلتِ الفوضى والكراهةُ لهم؛ حَيثُ لم يَعدِلوا) [6219] ((شرح رياض الصالحين)) (3/641). . 3- وعن أبي هرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((سَبعةٌ يُظِلُّهمُ اللهُ في ظِلِّه يَومَ لا ظِلَّ إلَّا ظِلُّه: الإمامُ العادِلُ، وشابٌّ نَشَأ في عِبادةِ رَبِّه، ورَجُلٌ قَلبُه مُعَلَّقٌ في المَساجِدِ، ورَجُلانِ تَحابَّا في الله اجتَمَعا عليه وتَفَرَّقا عليه، ورَجُلٌ طَلَبَتْه امرَأةٌ ذاتُ مَنصِبٍ وجَمالٍ فقال: إنِّي أخافُ اللهَ، ورَجُلٌ تَصَدَّقَ أخفى حَتَّى لا تَعلَمَ شِمالُه ما تُنفِقُ يَمينُه، ورَجُلٌ ذَكَرَ اللهَ خاليًا ففاضَت عَيناه)) [6220] أخرجه البخاري (660) واللَّفظُ له، ومسلم (1031). . قال ابنُ رَجَبٍ: (وأوَّلُ هذه السَّبعةِ: الإمامُ العادِلُ: وهو أقرَبُ النَّاسِ مِنَ اللهِ يومَ القيامةِ، وهو على مِنبَرٍ مِن نورٍ على يمينِ الرَّحمَنِ، وذلك جَزاءٌ لمُخالفتِه الهَوى، وصَبرِه عن تَنفيذِ ما تَدعوه إليه شَهَواتُه وطَمَعُه وغَضَبُه، مَعَ قُدرَتِه على بُلوغِ غَرَضِه مِن ذلك؛ فإنَّ الإمامَ العادِل دَعَته الدُّنيا كُلُّها إلى نَفسِها، فقال: إنِّي أخافُ اللهَ رَبَّ العالَمينَ، وهذا أنفَعُ الخَلقِ لعِبادِ اللهِ؛ فإنَّه إذا صَلَحَ صَلَحَتِ الرَّعيَّةُ كُلُّها، وقد رُويَ أنَّه ظِلُّ اللهِ في الأرضِ؛ لأنَّ الخَلقَ كُلَّهم يستَظِلُّونَ بظِلِّه، فإذا عَدَل فيهم أظَلَّه اللهُ في ظِلِّه) [6221] ((فتح الباري)) (4/59). . 4- عن أبي سَعيدٍ الخُدريِّ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((إنَّ مِن أعظَمِ الجِهادِ كَلِمةَ عَدلٍ عِندَ سُلطانٍ جائِرٍ)) [6222] أخرجه أبو داود (4344)، والترمذي (2174) واللفظ له، وابن ماجه (3256). صحَّحه الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (2174)، وصحَّحه لغيره شعيب الأرناؤوط في تخريج ((سنن أبي داود)) (4344)، وحسَّنه ابن حجر في ((الأمالي المطلقة)) (169)، وقال التِّرمذيُّ: حسنٌ غريبٌ من هذا الوجهِ. . قال ابنُ علَّانَ: (أي: من أمرٍ بمَعروفٍ أو نهيٍ عن مُنكرٍ أو رَدٍّ عن مُحتَرَمٍ مِن نَفسٍ أو مالٍ أو نَحوِ ذلك) [6223] ((دليل الفالحين)) (2/ 484). . 5- عنِ النُّعمانِ بنِ بشيرٍ رضِي اللهُ عنهما، قال: ((سألَت أمِّي أبي بعضَ الموهبةِ لي مِن مالِه، ثُمَّ بدا له، فوهَبها لي، فقالت: لا أرضى حتَّى تُشهِدَ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فأخذ بيدي وأنا غلامٌ، فأتى بي النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: إنَّ أمَّه بنتَ رَواحةَ سألَتني بعضَ الموهبةِ لهذا، قال: ألك ولدٌ سِواه؟ قال: نعَم، قال: فأُراه قال: لا تُشهِدْني على جَورٍ، في رِوايةٍ: لا أشهَدُ على جَورٍ)) [6224] أخرجه البخاري (2650) واللفظ له، ومسلم (1623). . 6- عن جابرِ بنِ عَبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: ((بَينَما رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُقَسِّمُ غَنيمةَ بالجِعْرانةِ إذ قال له رَجُلٌ: اعدِلْ. قال: لقد شَقِيتُ إنْ لم أعدِلْ)) [6225] رواه البخاري (3138) واللفظ له، ومسلم (1063). . قَولُه: ((شَقِيتُ)) بضَمِّ التَّاءِ، مَعناه ظاهِرٌ، ولا مَحذورَ فيه، والشَّرطُ لا يستَلزِمُ الوُقوعَ؛ لأنَّه ليسَ مِمَّن لا يعدِلُ حتَّى يحصُلَ له الشَّقاءُ، بَل هو عادِلٌ فلا يشقى، وأمَّا ((شَقِيتَ)) على رِوايةِ فَتحِ التَّاءِ على الخِطابِ، فمَعناه: لقد ضَلَلْتَ أنتَ أيُّها التَّابعُ حَيثُ تَقتَدي بمَن لا يعدِلُ، أو حَيثُ تَعتَقِدُ ذلك في نَبيِّك هذا القَولَ الذي لا يصدُرُ عن مُؤمِنٍ [6226] يُنظَر: ((عمدة القاري شرح صحيح البخاري)) للعيني (15/ 62). . وعن أبي سَعيدٍ الخُدْريِّ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((بَينَما نحن عندَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وهو يقسِمُ قَسمًا أتاه ذو الخُوَيصرةِ -وهو رجُلٌ مِن بَني تميمٍ- فقال: يا رسولَ اللهِ، اعدِلْ، فقال: وَيلَك! ومَن يعدِلُ إذا لم أعدِلْ؟! قد خِبْتَ وخسِرْتَ إنْ لم أكنْ أعدِلُ)) [6227] أخرجه البخاري (3610)، ومسلم (1063). . قَولُه: ((خِبتَ وخَسِرتَ إنْ لم أعدِلْ)): رُويَ بضَمِّ التَّاءِ فيهما وفتحِهما، فأمَّا الضَّمُّ فظاهِرُ المَعنى، وأمَّا الفتحُ فتَقديرُه: خِبتَ أنتَ وخَسِرتَ إن لم أعدِلْ أنا؛ إذ كُنتَ أنتَ مُقتَديًا بي وتابعًا لي [6228] يُنظَر: ((إكمال المعلم بفوائد مسلم)) للقاضي عياض(3/ 608)، ((شرح النووي على مسلم)) (7/ 159). .