ج- نَماذِجُ في كظمِ الغَيظِ عِندَ السَّلَفِ
عَليُّ بنُ الحُسَينِ:- قال أحمدُ بنُ عبدِ الأعلى الشَّيبانيُّ: حدَّثني أبو يعقوبَ المدَنيُّ قال: (كان بَينَ حَسنِ بنِ حَسنٍ، وبَينَ
عليِّ بنِ الحُسَينِ شيءٌ، فجاء حَسنٌ، فما ترَك شيئًا إلَّا قاله، وعليٌّ ساكِتٌ، فذهَب حَسنٌ، فلمَّا كان اللَّيلُ أتاه عليٌّ، فقرَع بابَه، فخرَج إليه، فقال له: يا بنَ عمِّي، إن كنْتَ صادِقًا فغفَر اللهُ لي، وإن كنْتَ كاذِبًا فغفَر اللهُ لك، السَّلامُ عليك، فالتزَمه حَسنٌ، وبكى حتَّى رُثِيَ له، ثمَّ قال: لا جَرَم لا عُدتُ في أمرٍ تكرَهُه، فقال عليٌّ: وأنت في حِلٍّ ممَّا قُلتَ لي)
[8048] ((تاريخ دمشق)) لابن عساكر (41/ 395)، ((صفة الصفوة)) لابن الجوزي (1/ 354)، ((تهذيب الكمال في أسماء الرجال)) للمزي (20/ 397)، ((تاريخ الإسلام)) للذهبي (2/ 1147). .
- عن موسى بنِ طريفٍ قال: (استطال رجلٌ على
عليِّ بنِ حُسَينٍ زينِ العابِدينَ، فتغافل عنه، فقال له الرَّجُلُ: إيَّاك أعني، فقال له عَليٌّ: وعنك أُغضي)
[8049] ((تاريخ دمشق)) لابن عساكر (41/ 395)، ((تهذيب الكمال في أسماء الرجال)) للمِزي (20/ 398). .
- عن عبدِ الغفَّارِ بنِ القاسِمِ: (كان
عليُّ بنُ الحُسَينِ خارِجًا من المسجِدِ فلَقِيَه رجُلٌ فسَبَّه، فثارت إليه العبيدُ والموالي، فقال
عليُّ بنُ الحُسَينِ: مَهلًا عن الرَّجُلِ. ثمَّ أقبل على الرَّجُلِ، فقال: ما سُتِر عنك من أمرِنا أكثَرُ! ألك حاجةٌ نُعينك عليها؟ فاستحيا الرَّجُلُ، فألقى عليه خَميصةً كانت عليه، وأمَر له بألفِ دِرهَمٍ. فكان الرَّجُلُ بعدَ ذلك يقولُ: أشهَدُ أنَّك من أولادِ المُرسَلين)
[8050] ((تاريخ دمشق)) لابن عساكر (41/ 394)، ((صفة الصفوة)) لابن الجوزي (1/ 357)، ((تهذيب الكمال في أسماء الرجال)) للمزي (20/ 397). .
- قال عبدُ الرَّزَّاقِ: (جعلَت جاريةٌ ل
عليِّ بنِ الحُسَينِ تسكُبُ عليه الماءَ يتهَيَّأُ للصَّلاةِ، فسقَطَ الإبريقُ من يدِ الجاريةِ على وَجهِه فشَجَّه، فرفع
عليُّ بنُ الحُسَينِ رأسَه إليها، فقالت الجاريةُ: إنَّ اللهَ عزَّ وجَلَّ يقولُ:
وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ، فقال لها: قد كظَمْتُ غيظي. قالت:
وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ، قال: قد عفا اللهُ عنكِ. قالت:
وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [آل عمران: 134] ، قال: فاذهَبي فأنتِ حُرَّةٌ)
[8051] أخرجه البيهقي في ((شعب الإيمان)) (10/ 545)، وابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) (41/ 386، 387). ويُنظَر: ((العقد الفريد)) لابن عبد ربه (2/ 60)، ((تنبيه الغافلين)) للسمرقندي (ص: 204). .
الفُضَيلُ بنُ بَزوانَ:- عن أبي رَزينٍ قال: جاءَ رَجُلٌ إلى الفُضَيلِ بنِ بَزوانَ، فقال: إنَّ فُلانًا يقَعُ فيك. فقال: لأغيظِنَّ مَن أمَرَه، يغفِرُ اللَّهُ لي وله. قيلَ: مَن أمَرَه؟ قال: الشَّيطانُ
[8052] رواه أحمد في ((الورع)) (619)، وابن المبارك في ((الزهد)) (670). .
وهبُ بنُ مُنَبِّهٍ:- عن جُبَيرِ بنِ عَبدِ اللَّهِ قال: شَهِدتُ وَهبَ بنَ مُنَبِّهٍ وجاءَه رَجُلٌ، فقال: إنَّ فُلانًا يقَعُ فيك. فقال وهبٌ: أمَا وجَدَ الشَّيطانُ أحَدًا يستَخِفُّ به غَيرَك؟! قال: فما كان بأسرَعَ مِن أن جاءَ الرَّجُلُ، فرَفَعَ مَجلسَه وأكرَمَه
[8053] رواه أحمد في ((الورع)) (620). .
عُمَرُ بنُ عَبدِ العَزيزِ:ذَكَرَ
ابنُ كثيرٍ في مَناقِبِ
عُمَرَ بنِ عَبدِ العَزيزِ: أنَّ رَجُلًا كلَّمه يومًا حتَّى أغضَبَه، فهَمَّ به
عُمَرُ، ثُمَّ أمسَك نَفسَه، ثُمَّ قال للرَّجُلِ: أرَدتَ أن يستَفِزَّني الشَّيطانُ بعِزَّةِ السُّلطانِ، فأنالَ مِنك ما تَنالُه مِنِّي غَدًا! قُم، عافاك اللَّهُ، لا حاجةَ لنا في مُقاوَلتِك
[8054] ((البداية والنهاية)) لابن كثير (12/698). .
- ورُويَ عن
عُمَرَ بنِ عَبدِ العَزيزِ أنَّه قال لرَجُلٍ أغضَبَه: لولا أنَّك أغضَبتَني لعاقبتُك! أرادَ بذلك قَولَ اللَّهِ تعالى:
وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ [آل عمران: 134] [8055] ((تنبيه الغافلين)) للسمرقندي (ص: 204). .
الشَّعبيُّ: - عن داوُدَ بنِ أبي هندٍ قال: سَمِعتُ الشَّعبيَّ يقولُ: (ما أورثَني أبَواي مالًا أصِلُهما منه، ولا استَفَدتُ بَعدَهما مالًا أصِلُهما به، ولكنِّي أصبرُ على الغَيظِ الشَّديدِ أكظِمُه، ألتَمِسُ به برَّهما)
[8056] ((مكارم الأخلاق)) لابن أبي الدنيا (259). .
المأمونُ:- قال عبدُ اللهِ بنُ طاهِرٍ (كنتُ عِندَ المأمونِ ثانيَ اثنينِ، فنادى: يا غلامُ، يا غلامُ، بأعلى صوتِه، فدخَل غُلامٌ تُركيٌّ، فقال: ألا ينبغي للغلامِ أن يأكُلَ أو يشرَبَ، أو يتوضَّأَ أو يصَلِّيَ؟! كلَّما خرَجْنا من عندِك تصيحُ: يا غلامُ، يا غُلامُ! إلى كم يا غلامُ؟! فنَكَّس رأسَه طويلًا، فما شكَكْتُ أنَّه يأمُرُني بضَربِ عُنُقِه! فقال: يا عبدَ اللَّهِ، إنَّ الرَّجُلَ إذا حَسُنَت أخلاقُه ساءت أخلاقُ خَدَمِه، وإذا ساءت أخلاقُه حَسُنَت أخلاقُ خَدَمِه، فلا نستطيعُ أن نسيءَ أخلاقَنا لتَحسُنَ أخلاقُ خَدَمِنا!)
[8057] يُنظَر: ((الشكوى والعتاب)) للثعالبي (ص: 45)، ((ربيع الأبرار ونصوص: الأخيار)) للزمخشري (3/ 351). .
سَلمُ بنُ نَوفَلٍ: - كان سَلمُ بنُ نَوفَلٍ سَيِّدَ بَني كِنانةَ، فوَثَبَ رَجُلٌ على ابنِه وابنِ أخيه فجَرحَهما، فأُتيَ به. فقال له: ما أمَّنك مِن انتِقامي؟ قال: فلِمَ سوَّدْناك إذًا إلَّا أن تَكظِمَ الغَيظَ، وتَحلُمَ عن الجاهِلِ، وتَحتَمِلَ المَكروهَ؟! فخَلَّى سَبيلَه
[8058] ((العقد الفريد)) لابن عبد ربه (2/146). .
بَعضُ المُتَقدِّمينَ: - ذُكِرَ عن بَعضِ المُتَقدِّمينَ أنَّه كان له فرَسٌ، وكان مُعجَبًا به، فجاءَ ذاتَ يومٍ فوَجَدَه على ثَلاثةِ قَوائِمَ، فقال لغُلامِه: مَن صنعَ به هذا؟ فقال: أنا. قال: لمَ؟ قال: أرَدتُ أن أغُمَّك! قال: لا جَرَمَ لأغمَّنَّ مَن أمرَك به -يعني: الشَّيطانَ-، اذهَب فأنتَ حُرٌّ، والفَرَسُ لك!)
[8059] ((تنبيه الغافلين)) للسمرقندي (ص: 204). .