ب- نماذِجُ في النَّشاطِ مِن حَياةِ السَّلَفِ
زَيدُ بنُ ثابِتٍ:- عن زيدِ بنِ ثابتٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: (أمرني رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أن أتعلَّمَ له كتابَ يهودَ، قال:
((إنِّي واللهِ ما آمَنَ يهودَ على كتابٍ)). قال: فما مرَّ بي نصفُ شَهرٍ حتى تعلَّمْتُه له، قال: فلمَّا تعلَّمْتُه كان إذا كتَب إلى يهودَ كَتَبتُ إليهم، وإذا كتَبوا إليه قرأتُ له كتابَهم)
[9007] رواه البخاري معلقًا بصيغة الجزم (7195)، ورواه موصولًا أبو داود (3645)، والترمذي (2715) واللفظ له. صحَّحه الترمذي، والحاكم في ((المستدرك)) (252)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (3645)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((سنن أبي داود)) (3645). .
عَبدُ الرَّحمَنِ بنُ أبي حاتِمٍ: ذَكَرَ
الحافِظُ الذَّهَبيُّ في ترجَمةِ أبي حاتِمِ الرَّازيِّ أنَّ أبا حاتِمٍ قال: قال لي
أبو زُرعةَ (ما رَأيتُ أحرصَ على طَلَبِ الحَديثِ مِنك! فقُلتُ له: إنَّ
عَبدَ الرَّحمَنِ ابني لحَريصٌ. فقال: من أشبَهَ أباه فما ظَلمَ! قال الرقَّامُ: فسَألتُ
عَبدَ الرَّحمَنِ عن اتِّفاقِ كَثرةِ السَّماعِ له وسُؤالاتِه لأبيه، فقال: رُبَّما يأكُلُ وأقرَأُ عليه، ويمشي وأقرَأُ عليه، ويدخُلُ الخَلاءَ وأقرَأُ عليه، ويدخُلُ البَيتَ في طَلَبِ شَيءٍ وأقرَأُ عليه!)
[9008] ((سير أعلام النبلاء)) (13/250). .
وعن الخوارِزميِّ قال: قال
ابنُ أبي حاتِمٍ: (كُنَّا بمِصرَ سَبعةَ أشهُرٍ لا نأكُلُ فيها مَرَقةً، نهارَنا نُدورُ على الشُّيوخِ، وباللَّيلِ ننسَخُ ونُقابِلُ، فأتَينا يومًا -أنا ورَفيقٌ لي- شَيخَنا، فقالوا: هو عَليلٌ، فرَأيتَ سَمكةً أعجَبَتنا فاشتَريناها، فلمَّا صِرنا إلى البَيتِ حَضَرَ وقتُ مَجلِسِ بَعضِ الشُّيوخِ، فمَضينا، فلم تزَلِ السَّمكةُ ثَلاثةَ أيَّامٍ، وكادت أن تُنتِنَ، فأكلْناها نيئةً، لم نتَفَرَّغْ نشويها! ثُمَّ قال: لا يُستَطاعُ العِلمُ براحةِ الجَسَدِ)
[9009] ((سير أعلام النبلاء)) (13/266). .
الخَطيبُ البَغداديُّ: - قال
الخَطيبُ في ترجَمةِ إسماعيلَ الحيريِّ: (لمَّا ورَدَ بَغدادَ كان قد اصطَحَبَ معه كُتُبَه عازِمًا على المُجاوَرةِ بمَكَّةَ، وكانت وِقرَ بَعيرٍ، وفي جُملَتِها "صَحيح البُخاريِّ"، وكان سَمِعَه مِن أبي الهَيثَمِ الكُشْمِيهَنيِّ عن
الفَرَبْريِّ، فلم يُقضَ لقافِلةِ الحَجيجِ النُّفوذُ في تلك السَّنةِ لفَسادِ الطَّريقِ، ورَجَعَ النَّاسُ، فعادَ إسماعيلُ معهم إلى نَيسابورَ، ولمَّا كان قَبلَ خُروجِه بأيَّامٍ خاطَبتُه في قِراءةِ كِتابِ "الصَّحيحِ" فأجابَني إلى ذلك فقَرَأتُ جَميعَه عليه في ثَلاثةِ مَجالِسَ، اثنانِ منها في ليلَتَينِ كُنتُ أبتَدئُ بالقِراءة وقتَ صَلاةِ المَغرِبِ وأقطَعُها عندَ صَلاةِ الفَجرِ، وقَبلَ أن أقرَأَ المَجلِسَ الثَّالِثَ عَبرَ الشَّيخُ إلى الجانِبِ الشَّرقيِّ مع القافِلةِ ونزَلَ الجَزيرةَ بسوقِ يحيى، فمَضيتُ إليه مع طائِفةٍ مِن أصحابِنا كانوا حَضَروا قِراءتي عليه في اللَّيلَتينِ الماضيَتَينِ، وقَرَأتُ عليه في الجَزيرةِ مِن ضَحوةِ النَّهارِ إلى المَغرِبِ، ثُمَّ مِن المَغرِبِ إلى وقتِ طُلوعِ الفَجرِ، ففَرَغتُ مِن الكِتابِ، ورَحَلَ الشَّيخُ في صَبيحةِ تلك اللَّيلةِ مع القافِلة)
[9010] ((تاريخ بغداد)) (7/ 318، 319). .
- قال
الذَّهَبيُّ مُعَلِّقًا: (وهذا شَيءٌ لا أعلمُ أحَدًا في زَمانِنا يستَطيعُه)
[9011] ((تاريخ الإسلام)) (10/ 182). .
ابنُ عَقيلٍ الحَنبليُّ: - قال
ابنُ عَقيلٍ: (إنِّي لا يحِلُّ لي أن أُضَيِّعَ ساعةً مِن عُمري، حتَّى إذا تعَطَّل لساني عن مُذاكرةٍ ومُناظَرةٍ، وبَصري عن مُطالعةٍ، أُعمِلُ فِكري في حالِ راحتي وأنا مُستَطرِحٌ، فلا أنهَضُ إلَّا وقد خَطَرَ لي ما أسطُرُه، وإنِّي لأجِدُ مِن حِرصي على العِلمِ وأنا في عَشرِ الثَّمانينَ أشَدَّ مِمَّا كُنتُ أجِدُه وأنا ابنُ عِشرينَ!)
[9012] ((المنتظم في تاريخ الملوك والأمم)) لابن الجوزي (17/ 181). .
- وقال أيضًا: (أنا أُقصِّرُ بغايةِ جُهدي أوقاتِ أكلي، حتَّى أختارَ سَفَّ الكَعكِ وتَحَسِّيَه بالماءِ على الخُبزِ؛ لأجلِ ما بَينَهما مِن تفاوُتِ المَضغِ؛ توَفُّرًا على مُطالَعةٍ، أو تسطيرِ فائِدةٍ لم أدرِكْها!)
[9013] ((ذيل طبقات الحنابلة)) لابن رجب الحنبلي (1/ 325). .
النَّوَويُّ: - قال ابنُ العَطَّارِ في ترجمةِ شَيخِه
النَّوَويِّ: (وذَكَرَ لي رَحِمَه اللهُ أنَّه كان لا يُضيِّعُ له وقتًا في ليلٍ ولا نهارٍ إلَّا في وظيفةٍ مِن الاشتِغالِ بالعِلمِ، حتَّى في ذَهابِه في الطُّرُقِ ومَجيئِه يشتَغِلُ في تَكرارِ مَحفوظِه، أو مُطالَعةٍ، وأنَّه بَقيَ على التَّحصيلِ على هذا الوَجهِ نحوَ سِتِّ سِنينَ.
ثُمَّ إنَّه اشتَغَلَ بالتَّصنيفِ، والإشغالِ، والإفادةِ، والمُناصَحةِ للمُسلِمينَ ووُلاتِهم، مع ما هو عليه مِن المُجاهَدةِ لنَفسِه، والعَمَلِ بدَقائِقِ الفِقهِ)
[9014] ((تحفة الطالبين في ترجمة الإمام محيي الدين)) (ص: 64). .
- وقال ابنُ العَطَّارِ أيضًا: (وذَكَر لي الشَّيخُ -قَدَّسَ اللهُ رُوحَه- قال: "كُنتُ أقرأُ كُلَّ يومٍ اثني عَشَرَ دَرسًا على المشايخِ؛ شَرحًا وتصحيحًا: درسينِ في "الوسيطِ"، ودرسًا في "المهَذَّبِ"، ودرسًا في "الجمعِ بَينَ الصَّحيحينِ"، ودرسًا في "صحيحِ مُسلِم"، ودرسًا في "اللُّمَعِ" ل
ابنِ جِنِّي في النَّحوِ، ودرسًا في "إصلاحِ المَنطِقِ" لابنِ السِّكِّيتِ في اللُّغةِ، ودروسًا في التَّصريفِ، ودرسًا في أصولِ الفِقهِ؛ تارةً في "اللُّمَعِ" لأبي إسحاقَ، وتارةً في "المُنتَخَبِ" لفَخرِ الدِّينِ الرَّازيِّ، ودرسًا في أسماءِ الرِّجالِ، ودرسًا في أصولِ الدِّينِ".
قال: وكنتُ أُعَلِّقُ جميعَ ما يتعَلَّقُ بها؛ من شَرحِ مُشكِلٍ، ووضوحِ عِبارةٍ، وضَبطِ لُغةٍ. قال: وبارك اللهُ لي في وقتي، واشتِغالي، وأعانني عليه")
[9015] ((تحفة الطالبين في ترجمة الإمام محيي الدين)) (ص: 49، 50). .
ابنُ حَجَرٍ العَسقَلانيِّ: ذَكَرَ
السَّخاويُّ: أنَّ شَيخَه
الحافِظَ ابنَ حَجَرٍ قَرَأ (سُنَنَ ابنِ ماجَه) في أربَعةِ مَجالِسَ، و (صَحيح مُسلِم) في أربَعةِ مَجالِسَ، وكِتابَ
النَّسائيِّ الكَبيرَ في عَشَرةِ مَجالِسَ، كُلُّ مَجلِسٍ نحوُ أربَعِ ساعاتٍ، ومُعجَمَ الطَّبَرانيِّ الصَّغيرَ في مَجلِسٍ واحِدٍ بَينَ الظُّهرِ والعَصرِ، وهذا أسرَعُ ما وقَعَ له
[9016] ((خلاصة الأثر)) لمحمد أمين الحموي (ص: 73). .
الفَيروزاباديُّ:قَرَأ الفَيروزاباديُّ -صاحِبُ القاموسِ- صَحيحَ مُسلِمٍ في ثَلاثةِ أيَّامٍ بدِمَشقَ، وأنشَد:
قَرَأْتُ بِحَمدِ اللهِ جَامِعَ مُسْلِمِ
بِجَوْفِ دِمَشْقِ الشَّامِ جَوْفًا لإسْلامِ
على ناصِرِ الدِّينِ الإمام ابنِ جَهْبَلٍ
بحضرةِ حُفَّاظٍ مَشاهِيرَ أعلامِ
وتَمَّ بتوفيقِ الإلهِ وفَضلِه
قِراءةَ ضَبطٍ في ثلاثةِ أيَّامِ
[9017] ((فهرس الفهارس)) لعبد الحي الكتاني (2/1046). .