ج- من أقوالِ السَّلَفِ والعُلَماءِ
- قال محمَّدُ بنُ كَعبٍ القُرَظيُّ ل
عُمَرَ بنِ عبدِ العزيزِ: (انظُرِ الذي تحِبُّ أن يكونَ معك إذا قَدِمتَ على رَبِّك فقَدِّمْه بَيْنَ يديك، وانظُرِ الأمرَ الذي تَكرَهُ أن يكونَ معك إذا قَدِمتَ على ربِّك فابتَغِ به البَدَلَ حيثُ يُوجَدُ البَدَلُ، ولا تَذهَبَنَّ إلى سِلعةٍ قد بارت على من كان قَبْلَك ترجو أن تجوزَ عنك، فاتَّقِ اللَّهَ يا أميرَ المُؤمِنين؛ فافتَحِ الأبوابَ، وسَهِّلِ الحِجابَ، وانصُرِ المظلومَ، ورُدَّ الظَّالمَ)
[9063] ((عيون الأخبار)) لابن قتيبة (2/ 370)، ((حلية الأولياء)) لأبي نعيم (5/ 312، 313). وقد وَعَظ الطُّرْطوشيُّ بنحوِ هذه الموعِظةِ الأفضَلَ ابنَ أميرِ الجيوشِ مَلِكِ مِصرَ. يُنظَر: ((سراج الملوك)) للطرطوشي (ص: 36)، ((نفح الطيب)) للمقري التلمساني (2/ 87). .
- وعن
سُفيانَ بنِ عُيَينةَ، قال: قال عَلقَمةُ بنُ لَبيدٍ العُطارديُّ لابنِه: (يا بُنيَّ، إذا نزعَتْك إلى صُحبةِ الرِّجالِ حاجةٌ فاصحَبْ منهم من إنْ تُحِبَّه زانك، وإن خَدَمْتَه صانك، وإن أصابَتْك خَصاصةٌ
[9064] الخَصاصةُ: الحاجةُ. يُنظَر: ((جمهرة اللغة)) لابن دريد (1/ 105). مانَكَ
[9065] أي: احتَمَل مُؤنَتَك. يُنظَر: ((تاج العروس)) للزبيدي (36/ 139). ، وإنْ قُلتَ صَدَّق قولَك، وإنْ صُلْتَ شَدَّ صَولَك
[9066] يقال: صال عليه: استطال ووَثَب وسَطَا. يُنظَر: ((مختار الصحاح)) لزين الدين الرازي (ص: 180)، ((لسان العرب)) لابن منظور (4/ 2528). ، وإنْ مدَدْتَ يَدَك بفَضلٍ مَدَّها، وإن رأى منك حَسَنةً عَدَّها، وإن سألْتَه أعطاك، وإن سكَتَّ عنه ابتداك، وإنْ نزَلَتْ بك إحدى المُلِمَّاتِ
[9067] المُلِمَّاتُ: جَمعُ المُلِمَّةِ، وهي النَّازِلةُ الشَّديدةُ من نوازِلِ الدَّهرِ. يُنظَر: ((تاج العروس)) للزبيدي (33/ 443). آساك، مَن لا يأتيك منه البَوائِقُ
[9068] البَوائِقُ: جمعُ البائقةِ، وهي النَّازِلةُ، أي: الدَّاهيةُ والشَّرُّ الشَّديدُ. يُنظَر: ((المصباح المنير)) للفيومي (1/ 66). ، ولا تختَلِفُ عليك منه الطَّرائِقُ، ولا يخذُلُك عِندَ الحقائِقِ، وإن حاول حويلًا آمَرَك، وإن تنازَعْتُما مُنفِسًا
[9069] المُنفِسُ: كُلُّ شيءٍ له خَطَرٌ وقَدْرٌ، يقالُ: شيءٌ نفيسٌ ومنفوسٌ ومُنفِسٌ: إذا كان يُتنافَسُ فيه ويُرغَبُ إليه لخَطَرِه. يُنظَر: ((تهذيب اللغة)) للأزهري (13/ 10)، ((تاج العروس)) للزبيدي (16/ 567). آثَرَك)
[9070] ((عيون الأخبار)) لابن قتيبة (3/ 6، 7). وقد وَعَظ الطُّرطوشيُّ بنحوِ هذه الموعِظةِ الأفضَلَ ابنَ أميرِ الجُيوشِ مَلِكِ مِصرَ. يُنظَر: ((سراج الملوك)) للطرطوشي (ص: 36)، ((نفح الطيب)) للمقري التلمساني (2/ 87). .
- وقال أبو عُبَيدةَ مَعمَرُ بنُ المُثَنَّى: (مَرَّ قَيسُ بنُ زُهَيرٍ ببِلادِ غَطَفانَ، فرأى ثروةً وعَددًا، فكَرِهَ ذلك، فقيل له: أيسوءُك ما يَسُرُّ النَّاسَ؟ قال: إنَّك لا تدري أنَّ مع النِّعمةِ والثَّروةِ التَّحاسُدَ والتَّخاذُلَ، وأنَّ مع القِلَّةِ التَّحاشُدَ والتَّناصُرَ)
[9071] ((العقد الفريد)) لابن عبد ربه (2/171). .
- وقيل لابنِ السَّمَّاكِ: أيُّ الإخوانِ أحَقُّ ببقاءِ المودَّةِ؟ قال: (الوافِرُ دِينُه، الوافي عَقلُه، الذي لا يَمَلُّكَ على القُربِ، ولا ينساك على البُعدِ، إن دنَوتَ منه داناك، وإن بَعُدتَ عنه راعاك، وإن استَعَنْتَ به عَضَّدَك، وإن احتَجْتَ إليه رفَدَك، وتكونُ موَدَّةُ فِعلِه أكثَرَ من مودَّةِ قولِه)
[9072] ((المستطرف)) للأبشيهي (ص: 130، 131). .
- وقال
أبو حامِدٍ الغَزاليُّ: (حَقُّ الأُخُوَّةِ التَّشميرُ في الحمايةِ والنُّصْرةِ... فأخسِسْ بأخٍ يراك والكِلابُ تفتَرِسُك وتُمَزِّقُ لُحومَك وهو ساكِتٌ لا تحَرِّكُه الشَّفَقةُ والحَمِيَّةُ للدَّفعِ عنك!)
[9073] ((إحياء علوم الدين)) (2/ 181). .
- وقال الصَّفَديُّ: (اعلَمْ أنَّه قد جُبِلت النُّفوسُ الأبيَّةُ على تحقيقِ الظُّنونِ بها، وتصديقِ الأمَلِ فيها، والرَّجاءِ فيما يُطلَبُ منها من نُصرةٍ وإعانةٍ وإزالةِ ضَرورةٍ وسَدِّ خَلَّةٍ وإيواءٍ وذَبٍّ وغيرِ ذلك، والنُّفوسُ اللَّئيمةُ بخِلافِ ذلك؛ تَكذِبُ الظُّنونُ فيها... ويتعَيَّنُ على ذوي المروءاتِ احتمالُ الأذى والضَّرَرِ في تصديقِ أمَلِ الآمِلِ، وتحقيقِ رَجائِه، وإيصالِه إلى مآرِبِه، وتبليغِه مقاصِدَه... ومن الكَلِمِ النَّوابغِ: مَحَكُّ المودَّةِ والإخاءِ حالَ الشِّدَّةِ لا الرَّخاءِ)
[9074] ((الغيث المنسجم)) (ص: 198، 199). ويُنظَر: ((الكلم النوابغ)) للزمخشري (ص: 31). .
- وقال محمَّدٌ الغَزاليُّ: (مِن حَقِّ الأُخُوَّةِ أن يَشعُرَ المُسلِمُ بأنَّ إخوانَه ظهيرٌ له في السَّرَّاءِ والضَّرَّاءِ، وأنَّ قُوَّتَه لا تتحَرَّكُ في الحياةِ وَحْدَها، بل إنَّ قوى المُؤمِنين تُسانِدُها وتَشُدُّ أَزْرَها، قال رسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((المُؤمِنُ للمُؤمِنِ كالبُنيانِ يَشُدُّ بعضُه بعضًا)) [9075] رواه البخاري (481)، ومسلم (2585) من حديثِ أبي موسى الأشعَريِّ رَضِيَ اللهُ عنه. . ومِن ثَمَّ كانت الأُخُوَّةُ الخالصةُ نِعمةً مُضاعَفةً، لا نعمةُ التَّجانُسِ الرُّوحيِّ فحَسْبُ، بل نِعمةُ التَّعاوُنِ المادِّيِّ كذلك، وقد كرَّر اللَّهُ عزَّ وجَلَّ ذِكرَ هذه النِّعمةِ مَرَّةً ومَرَّةً في آيةٍ واحدةٍ:
وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا [آل عمران: 103] .
وأُخُوَّةُ الدِّينِ تَفرِضُ التَّناصُرَ بَيْنَ المُسلِمين، لا تناصُرُ العَصَبيَّاتِ العَمياءِ بل تناصُرُ المُؤمِنين الصَّالحين لإحقاقِ الحَقِّ وإبطالِ الباطِلِ، ورَدعِ المعتدي، وإجارةِ المهضومِ، فلا يجوزُ تَركُ مُسلِمٍ يكافِحُ وَحْدَه في معتَرَكٍ، بل لا بُدَّ من الوُقوفِ بجانِبِه على أيِّ حالٍ لإرشادِه إن ضَلَّ، وحَجْزِه إن تطاوَلَ، والدِّفاعِ عنه إن هُوجِمَ، والقتالِ معه إذا استُبيحَ، وذلك معنى التَّناصُرِ الذي فرَضَه الإسلامُ...)
[9076] ((خلق المسلم)) (ص: 173، 174). .