تم اعتماد المنهجية من الجمعية الفقهية السعودية
برئاسة الشيخ الدكتور سعد بن تركي الخثلان
أستاذ الفقه بجامعة الإمام محمد بن سعود
عضو هيئة كبار العلماء (سابقاً)
- عن واثِلةَ بنِ الأَسْقَعِ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إنَّ مِن أعظَمِ الفِرى أن يَدَّعِيَ الرَّجلُ إلى غيرِ أبيه، أو يُريَ عينَه ما لَم تَرَ، أو يقولَ على رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ما لم يَقُلْ)) [596] أخرجه البخاري (3509). . قال العَينيُّ: (قولُه: "الفِرَى"... جمعُ فِريةٍ، وهي الكَذِبُ والبَهتُ... قولُه: "أن يدَّعيَ الرَّجُلُ"، أي: أن ينتَسِبَ "إلى غيرِ أبيه". قولُه: "أو يُريَ عينَه ما لم تَرَ"، حاصِلُ المعنى: أن يدَّعيَ أنَّ عينيه رأتا في المنامِ شيئًا وما رأتاه، فإن قُلتَ: إنَّ كَذِبَه في المنامِ لا يزيدُ على كَذِبِه في اليَقَظةِ، فلمَ زادت عقوبتُه؟ قلتُ: لأنَّ الرُّؤيا جزءٌ من النُّبُوَّةِ، والنُّبوَّةُ لا تكونُ إلَّا وحيًا، والكاذِبُ في الرُّؤيا يدَّعي أنَّ اللهَ أراه ما لم يَرَه، وأعطاه جزءًا من النُّبُوَّةِ، ولم يُعطِه، والكاذِبُ على اللهِ أعظَمُ فِريةٍ ممَّن كَذَب على غيرِه. قولُه: "أو يقولُ ما لم يَقُلْ" أي: ما لم يقُلِ الرَّسولُ. وفي الحديثِ: تشديدُ الكَذِبِ في هذه الأمورِ الثَّلاثةِ) [597] يُنظر: ((عمدة القاري)) لبدر الدين العيني (16/80) بتصرُّفٍ. . - وعن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((أعظَمُ النَّاسِ فِريةً اثنانِ: شاعِرٌ يهجو [598] الهَجْوُ: الشَّتمُ بالشِّعرِ. يُنظر: ((التنوير شرح الجامع الصغير)) للصنعاني (2/ 507). القبيلةَ بأَسْرِها، ورجُلٌ انتفى من أبيه وزنَّى أمَّه)) [599] أخرجه ابن ماجه (3044)، وابن حبان (5785) واللفظ له، والبيهقي (21659). صحَّحه ابن حبان، وحسَّن إسنادَه ابن حجر في ((فتح الباري)) (10/555)، وصحَّح الحديثَ الألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)) (3044)، والوادعي في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (1646). . قال المُناويُّ: ("أعظَمُ النَّاسِ فِريةً" -بالكسرِ- أي: كَذِبًا، "اثنان" أحدُهما: "شاعِرٌ يهجو" من الهَجْوِ "القبيلةَ" المُسلِمةَ "بأسْرِها" أي كُلَّها؛ لإنسانٍ واحدٍ منهم كان ما يقتضيه؛ لأنَّ القبيلةَ لا تخلو من عبدٍ صالحٍ، فهاجي الكُلِّ قد تورَّط في الكَذِبِ على التَّحقيقِ؛ فلذلك قال: أعظَمُ فِريةً) [600] ((فيض القدير)) (2/7). . ("وزنَّى" بتشديدِ النُّونِ من التَّزنيةِ، أي: نسَبها إلى الزِّنا؛ لأنَّ كونَه ابنًا للغيرِ لا يكونُ إلَّا كذلك) [601] ((حاشية السندي على سنن ابن ماجه)) (2/ 411). . - وعن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((أتدرون ما الغِيبةُ؟ قالوا: اللهُ ورسولُه أعلَمُ، قال: ذِكْرُك أخاك بما يَكرَهُ، قيل: أفرأَيتَ إن كان في أخي ما أقولُ؟ قال: إن كان فيه ما تقولُ فقد اغتَبْتَه، وإنْ لم يكُنْ فيه فقد بهَتَّه)) [602] أخرجه مسلم (2589). . قال النَّوويُّ: (يُقالُ: بَهَتَه، بفتحِ الهاءِ مخَفَّفةً، قلتَ فيه البُهتانَ، وهو الباطِلُ، والغِيبةُ ذِكرُ الإنسانِ في غَيبتِه بما يَكرَهُ، وأصلُ البَهتِ أن يُقالَ له الباطِلُ في وَجهِه، وهما حرامانِ) [603] ((شرح النووي على مسلم)) (16/142). . - وعن عُبادةَ بنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللهُ عنه -وكان شَهِد بَدرًا، وهو أحَدُ النُّقَباءِ ليلةَ العَقَبةِ-: أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال وحولَه عصابةٌ من أصحابِه: ((بايِعوني على ألَّا تُشرِكوا باللهِ شيئًا، ولا تَسرِقوا، ولا تَزْنوا، ولا تقتُلوا أولادَكم، ولا تأتوا ببُهتانٍ تَفترونَه بَينَ أيديكم وأرجُلِكم، ولا تَعْصُوا في معروفٍ، فمَن وفى منكم فأجرُه على اللهِ، ومن أصاب من ذلك شيئًا فعوقِبَ في الدُّنيا فهو كفَّارةٌ له، ومن أصاب من ذلك شيئًا ثمَّ سَتَرَه اللهُ فهو إلى اللهِ؛ إن شاء عفا عنه، وإن شاء عاقَبَه)) فبايعناه على ذلك [604] أخرجه البخاري (18) واللفظ له، ومسلم (1709). . قال البَغَويُّ: (معنى الحديثِ: لا تَبْهَتوا النَّاسَ افتِراءً واختلاقًا بما لم تَعلَموه منهم، فتَجْنوا عليهم من قِبَلِ أيديكم وأرجُلِكم -أي: قِبَلِ أنفُسِكم- جنايةً تَفضَحونهم بها، وهم بُرآءُ، واليَدُ والرِّجلُ كنايةٌ عن الذَّاتِ) [605] ((شرح السنة)) (1/62). . وقال ابنُ الجَوزيِّ: (المرادُ بالبُهتانِ هاهنا أربعةُ أقوالٍ: أحَدُها: أنَّه الزِّنا، وافتِراءُ المرأةِ بَيْنَ يدَيها ورِجلَيها، وهو وَلَدُ الزِّنا؛ لأنَّه يقَعُ عِندَ الوَضعِ بَيْنَ يديها ورجليها، فإذا ألحقَتْه بزَوجِها فذلك البُهتانُ المفترى. وقولُه للرِّجالِ: "ولا تأتوا ببُهتانٍ تفترونَه". يحتَمِلُ شيئينِ: أحَدُهما: أن يكونَ بايعَ الرِّجالَ والنِّساءَ، فاجتَمَع الكُلُّ في النَّهيِ عن الزِّنا، وانفَرَد النِّساءُ بصيغةِ الافتِراءِ بَيْنَ أيديهنَّ وأرجُلِهنَّ. والثَّاني: أن يكونَ قرَأَ عليهم الآيةَ، ولم يُسقِطْ ما يتعَلَّقُ بالنِّساءِ منها. والقَولُ الثَّاني: أنَّ المرادَ بالبُهتانِ هاهنا قَذفُ المحصَناتِ والمُحصَنين، ويدخُلُ في ذلك الكَذِبُ على النَّاسِ والاغتيابُ لهم، وإنَّما ذُكِرَت الأيدي والأرجُلُ؛ لأنَّ مُعظَمَ أفعالِ النَّاسِ إنَّما تُضافُ منهم إلى الأيدي والأرجُلِ؛ إذ كانت هي العوامِلَ والحوامِلَ، يقولون: لفُلانٍ عندي يدٌ. والكنايةُ باليَدِ عن الذَّاتِ، قاله أبو سُلَيمانَ الخطَّابيُّ. والقولُ الثَّالثُ: البُهتانُ هاهنا المشيُ بالنَّميمةِ، والسَّعيُ بالفسادِ. والرَّابعُ: أنَّهما السِّحرُ) [606] ((كشف المشكل من حديث الصحيحين)) (2/79). ويُنظر: ((أعلام الحديث)) للخطابي (1/ 152)، ((فتح الباري)) لابن حجر (1/65). .