سابعًا: مظاهِرُ وصُورُ السَّبِّ والشَّتمِ
1-سبُّ وشَتمُ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وهو مِن أشنَعِ صُورِ السَّبِّ والشَّتمِ، يُخرِجُ فاعِلَه مِن الإسلامِ، ويكونُ مُستحِقًّا للقَتلِ عُقوبةً له على ذلك.
عن
ابنِ عبَّاسٍ رضِي اللهُ عنهما:
((أنَّ أعمى كانت له أمُّ وَلدٍ تشتِمُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وتقَعُ فيه، فيَنهاها فلا تَنتهي، ويزجُرُها فلا تنزجِرُ، قال: فلمَّا كانت ذاتَ ليلةٍ جعَلَت تقَعُ في النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وتشتِمُه، فأخَذ المِغوَلَ [3691] المِغْوَلُ -بكسرِ الميمِ وسكونِ الغينِ المعجَمةِ-: شِبهُ سَيفٍ قصيرٍ، يشتَمِلُ به الرَّجُلُ تحتَ ثيابِه فيُغَطِّيه. وقيل: هو حديدةٌ دقيقةٌ لها حَدٌّ ماضٍ. وقيل: هو سَوطٌ في جوفِه سَيفٌ دقيقٌ يَشُدُّه الفاتِكُ على وسَطِه ليغتالَ به النَّاسَ. يُنظر: ((النهاية في غريب الحديث والأثر)) لابن الأثير (3/ 397). فوضَعه في بَطنِها، واتَّكأ عليها، فقتَلها، فوقَع بَينَ رِجلَيها طفلٌ، فلطَّخَت ما هناك بالدَّمِ [3692] قوله: (فوقَعَ بين رجلَيها طفلٌ) لعله كان ولدًا لها، والظَّاهِرُ أنَّه لم يمُتْ (فلطَّخَت) أي: لوَّثَت (ما هناك) من الفِراشِ، ذُكِر: بصيغة المجهولِ. (ذلك) أي: القَتلُ. ((عون المعبود وحاشية ابن القيم)) (12/ 11). ، فلمَّا أصبَح ذُكِر ذلك لرسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فجمَع النَّاسَ، فقال: أنشُدُ اللهَ رجُلًا فعَل ما فعَل، لي عليه حقٌّ إلَّا قام، فقام الأعمى يتخطَّى النَّاسَ وهو يَتزلزَلُ حتَّى قعَد بَينَ يدَيِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: يا رسولَ اللهِ، أنا صاحِبُها، كانت تشتِمُك وتقعُ فيك، فأنهاها فلا تَنتهي، وأزجُرُها فلا تنزجِرُ، ولي منها ابنانِ مِثلُ اللُّؤلُؤتَينِ، وكانت بي رفيقةً، فلمَّا كان البارِحةَ جعَلَت تشتِمُك وتقعُ فيك، فأخذْتُ المِغوَلَ فوضَعْتُه في بَطنِها، واتَّكأْتُ عليها حتَّى قتَلْتُها، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ألا اشهَدوا أنَّ دَمَها هَدَرٌ)) [3693] أخرجه أبو داود (4361) واللفظ له، والنسائي (4070). صحَّحه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (4361)، وصحَّح إسنادَه الحاكم في ((المستدرك)) (8044)، وقوَّاه شعيب الأرناؤوط في تخريج ((سنن أبي داود)) (4361)، وجوَّده محمد بن عبد الهادي في ((تنقيح التحقيق)) (4/620)، ووثَّق رواتَه ابنُ حجر في ((بلوغ المرام)) (363). .
قال القاضي عِياضٌ: (أجمعَتِ الأمَّةُ على قَتلِ مُتنقِّصِه مِن المُسلِمينَ وسابِّه، وكذلك حُكِي عن غَيرِ واحِدٍ الإجماعُ على قَتلِه وتكفيرِه)
[3694] ((الشفا)) (ص: 3). ويُنظر: ((معالم السنن)) للخطابي (3/ 296). .
وعن عليٍّ رضِي اللهُ عنه: (أنَّ يهوديَّةً كانت تشتِمُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وتقعُ فيه، فخنَقها رجُلٌ حتَّى ماتت، فأبطَل رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم دَمَها)
[3695] أخرجه أبو داود (4362)، والبيهقي (13758)، والضياء في ((الأحاديث المختارة)) (547). حسَّنه لغيره شعيب الأرناؤوط في تخريج ((سنن أبي داود)) (4362)، وجوَّده ابن تيمية في ((الصارم المسلول)) (2/126)، وصحَّح إسناده الألباني على شرط الشيخين في ((إرواء الغليل)) (5/91). .
قال المُظهِريُّ: (وإنَّما أبطَل صلَّى اللهُ عليه وسلَّم دَمَها لكونِها أبطلَت ذِمَّتَها لشَتمِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وصارت حربيَّةً بذلك، وفيه دليلٌ على أنَّ الذِّمِّيَّ إذا لم يكُفَّ لِسانَه عن اللهِ تعالى ورسولِه ودينِه، فهو حَربيٌّ مُباحُ الدَّمِ)
[3696] ((المفاتيح في شرح المصابيح)) (4/241). .
2- سبُّ صَحابةِ رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وشَتمُهم، أو سبُّ بعضِهم، وقد نهى رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن سبِّهم؛ فعن أبي سَعيدٍ الخُدْريِّ رضِي اللهُ عنه قال: قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((لا تَسُبُّوا أصحابي؛ فلو أنَّ أحدَكم أنفَق مِثلَ أحُدٍ ذَهبًا ما بلَغ مُدَّ أحدِهم ولا نَصيفَه [3697] النَّصيفُ بمعنى النِّصفِ، كما قالوا: الثَّمينُ بمعنى الثَّمَنِ. يُنظر: ((معالم السنن)) للخطابي (4/ 308). ) [3698] أخرجه البخاري (3673) واللفظ له، ومسلم (2541). .
قال
النَّوَويُّ: (اعلَمْ أنَّ سبَّ الصَّحابةِ رضِي اللهُ عنهم حرامٌ مِن فواحِشِ المُحرَّماتِ؛ سواءٌ مَن لابَسَ الفِتَنَ منهم وغَيرُه؛ لأنَّهم مُجتهِدونَ في تلك الحُروبِ مُتأوِّلونَ...)
[3699] ((شرح النووي على مسلم)) (16/93). .
3-سبُّ العُلَماءِ والفُقَهاءِ والطَّعنُ فيهم، وإطلاقُ اللِّسانِ فيهم إيذاءً وتشويهًا، وقد رفَع اللهُ سبحانَه شأنَ العِلمِ والعُلَماءِ، وعظَّم حُرمتَهم، ولم يُساوِ بَينَهم وبَينَ غَيرِهم، فهم حَفَظةُ الشَّريعةِ، وحُماةُ العِلمِ؛ فينبغي توقيرُهم وتبجيلُهم، وصونُ اللِّسانِ عن الوَقيعةِ فيهم.
قال تعالى:
قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ [الزمر: 9] .
قال ابنُ عساكِرَ: (واعلَمْ يا أخي -وفَّقنا اللهُ وإيَّاك لمرضاتِه، وجعَلَنا ممَّن يَخشاه ويتَّقيه حقَّ تُقاتِه- أنَّ لُحومَ العُلَماءِ رحمةُ اللهِ عليهم مسمومةٌ، وعادةُ اللهِ في هَتكِ أستارِ مُنتقِصيهم معلومةٌ؛ لأنَّ الوَقيعةَ فيهم بما هم منه بُرآءُ أمرُه عظيمٌ، والتَّناوُلَ لأعراضِهم بالزُّورِ والافتِراءِ مَرتَعٌ وخيمٌ، والاختِلاقَ على مَن اختاره اللهُ منهم لِنَعشِ العِلمِ خُلقٌ ذَميمٌ)
[3700] ((تبيين كذب المفتري)) (ص: 29). .
وقال أيضًا: (كُلُّ مَن أطلَق لِسانَه في العُلَماءِ بالثَّلبِ بلاه اللهُ عزَّ وجلَّ قَبلَ موتِه بموتِ القلبِ)
[3701] ((تبيين كذب المفتري)) (ص: 425). .
4- سبُّ والِدَيِ الإنسانِ المُسلِمِ أو أحدِهما، وهذا النَّوعُ مِن السَّبِّ مِن أكبَرِ الكبائِرِ، ويُعرِّضُ فيه الإنسانُ نَفسَه ووالِدَيه للسَّبِّ والتَّنقُّصِ، بل كأنَّه هو مَن سبَّهما ولعَنهما، وقد حذَّر منه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم تحذيرًا شديدًا؛ فعن
عبدِ اللهِ بنِ عَمرٍو رضِي اللهُ عنهما قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((إنَّ مِن أكبَرِ الكبائِرِ أن يلعَنَ الرَّجلُ والِدَيه، قيل: يا رسولَ اللهِ، وكيف يلعَنُ الرَّجلُ والِدَيه؟! قال: يسُبُّ الرَّجلُ أبا الرَّجلِ، فيسُبُّ أباه، ويسُبُّ أمَّه)) [3702] أخرجه البخاري (5973) واللفظ له، ومسلم (90). .
قال
ابنُ المُلقِّنِ: (هذا الحديثُ أصلٌ في قَطعِ الذَّرائِعِ، وأنَّ مَن آل فِعلُه إلى مُحرَّمٍ وإن لم يقصِدْ، فهو كمَن قصَده وتعمَّده في الإثمِ؛ ألا ترى أنَّه عليه السَّلامُ نهى أن يلعَنَ الرَّجلُ والِدَيه، فكان ظاهِرُه تولِّيَ اللَّعنِ، فلمَّا أخبَر أنَّه إذا سبَّ أبا الرَّجلِ فسبَّ الرَّجلُ أباه وأمَّه كان كمَن تولَّى ذلك بنَفسِه، وكان ما آل إليه فِعلُه أنَّه كلَعنِه في المعنى؛ لأنَّه كان سببَه)
[3703] ((التوضيح لشرح الجامع الصحيح)) لابن الملقن (28/244). .
5- سبُّ وليِّ الأمرِ أو الحاكِمِ؛ ففي سبِّ وُلاةِ الأمورِ فَتحُ بابِ شرٍّ وفِتنةٍ، وقد يُفضي لشُرورٍ أكبَرَ، وإذا كان السَّبُّ مُحرَّمًا لآحادِ النَّاسِ فهو في حقِّ الحاكِمِ أعظَمُ؛ لمكانتِه التي ينبغي مُراعاتُها.
قال ابنُ فرحونَ: (مَن تكلَّم بكلمةٍ لغَيرِ موجِبٍ في أميرٍ مِن أمَراءِ المُسلِمينَ لزِمَته العُقوبةُ الشَّديدةُ)
[3704] ((تبصرة الحكام)) (2/302). .
6- سبُّ المُسلِمِ الذي ظاهِرُه العدالةُ، وشَتمُه بالألفاظِ القبيحةِ، وقد عدَّه رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فِسقًا مِن فاعِلِه، وجاء النَّهيُ عنه، والتَّشديدُ في حُرمتِه، وعن عليٍّ رضِي اللهُ عنه: أنَّه سُئِل عن قولِ الرَّجلِ للرَّجلِ: يا فاسِقُ، يا خَبيثُ، قال: (هنَّ فواحِشُ فيهن تعزيرٌ، وليس فيهن حَدٌّ)
[3705] أخرجه ابن الجعد في ((المسند)) (2236) واللفظ له، والبيهقي (17609). حسنه الألباني في ((إرواء الغليل)) (2393). .
وعن إبراهيمَ النَّخَغيِّ قال: (كانوا يقولونَ: إذا قال الرَّجلُ للرَّجلِ: يا حمارُ، يا كلبُ، يا خِنزيرُ، قال اللهُ له يومَ القِيامةِ: أتراني خلَقْتُ كلبًا أو حمارًا أو خِنزيرًا؟!)
[3706] ((المصنف)) لابن أبي شيبة (5/283). .
قال
النَّوَويُّ: (ومِن الألفاظِ الموجِبةِ للتَّعزيرِ قولُه لغَيرِه: يا فاسِقُ، يا كافِرُ، يا فاجِرُ، يا شقِيُّ، يا كلبُ، يا حمارُ، يا تيسُ، يا رافِضيُّ، يا خَبيثُ، يا كذَّابُ، يا خائِنُ، يا قَرْنانُ، يا قوَّادُ، يا دَيُّوثُ)
[3707] ((المجموع)) (20/125). .
7- سبُّ المُسلِمِ العاصي؛ فإنَّ كُرهَ معصيتِه لا يعني جَوازَ سبِّه، كما أنَّ سبَّه والدُّعاءَ عليه قد يكونُ عونًا للشَّيطانِ عليه، وقد يزيدُ مِن جُرأتِه على المعاصي، والمعصيةُ لا يسلَمُ منها أحدٌ؛ فلا يكونُ عِلاجُها بسبِّ صاحِبِها، عن أبي هُرَيرةَ رضِي اللهُ عنه:
((أُتِي النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم برجُلٍ قد شرِب، قال: اضرِبوه، قال أبو هُرَيرةَ: فمنَّا الضَّارِبُ بيدِه، والضَّارِبُ بنَعلِه، والضَّارِبُ بثوبِه، فلمَّا انصرَف قال بعضُ القومِ: أخزاك اللهُ! قال: لا تقولوا هكذا، لا تُعينوا عليه الشَّيطانَ)) [3708] أخرجه البخاري (6777). .
قال
البَيضاويُّ: («لا تُعينوا عليه الشَّيطانَ»، أي: بنَحوِ هذا الدُّعاءِ؛ فإنَّه تعالى إذا أخزاه استَحوذَ عليه الشَّيطانُ، أو لأنَّه إذا سمِع منكم ذلك أيِس مِن رحمةِ اللهِ، وانهمَك في المعاصي، أو حمَله اللَّجاجُ والغَضبُ على الإصرارِ، فيصيرُ الدُّعاءُ وُصلةً ومَعونةً في إغوائِه وتسويلِه)
[3709] ((تحفة الأبرار)) (2/531). .
وعن بُرَيدةَ رضِي اللهُ عنه:
((أنَّ ماعِزَ بنَ مالِكٍ الأسلَميَّ أتى رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: يا رسولَ اللهِ، إنِّي قد ظلمْتُ نَفسي وزنَيتُ، وإنِّي أريدُ أن تُطهِّرَني، فردَّه، فلمَّا كان مِن الغَدِ أتاه، فقال: يا رسولَ اللهِ، إنِّي قد زنَيتُ، فردَّه الثَّانيةَ، فأرسَل رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلى قومِه، فقال: أتعلَمونَ بعَقلِه بأسًا تُنكِرونَ منه شيئًا؟ فقالوا: ما نعلَمُه إلَّا وفي العقلِ مِن صالِحينا فيما نرى، فأتاه الثَّالثةَ، فأرسَل إليهم أيضًا، فسأل عنه، فأخبَروه أنَّه لا بأسَ به ولا بعَقلِه، فلمَّا كان الرَّابِعةَ حُفِر له حُفرةٌ، ثُمَّ أمَر به فرُجِم، قال، فجاءت الغامِديَّةُ، فقالت: يا رسولَ اللهِ، إنِّي قد زنَيتُ فطهِّرْني، وإنَّه ردَّها، فلمَّا كان الغَدُ قالت: يا رسولَ اللهِ، لِمَ ترَدُّني؟ لعلَّك أن ترُدَّني كما رددْتَ ماعِزًا! فواللهِ إنِّي لحُبلى، قال: إمَّا لا [3710] ((إمَّا لا)) إمَّا: هي (إن) الشَّرطيَّةُ، زيدت عليها (ما) المؤكِّدةُ، بدليلِ دُخولِ الفاءِ في جوابها، و (لا) التي بَعدَها للنَّفيِ، فكأنَّه قال: إن رأيتِ أن تستري على نفسِك وترجعي عن إقرارِك فافعَلي، وإن لم تفعَلي فاذهَبي حتى تَلِدي. ((المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم)) للقرطبي (5/ 97). فاذهَبي حتَّى تلِدي، فلمَّا ولَدَت أتَته بالصَّبيِّ في خِرقةٍ، قالت: هذا قد ولَدْتُه، قال: اذهَبي فأرضِعيه حتَّى تفطِميه، فلمَّا فطمَتْه أتَته بالصَّبيِّ في يدِه كِسرةُ خُبزٍ، فقالت: هذا يا نَبيَّ اللهِ قد فطَمْتُه، وقد أكَل الطَّعامَ، فدفَع الصَّبيَّ إلى رجُلٍ مِن المُسلِمينَ، ثُمَّ أمَر بها، فحُفِر لها إلى صَدرِها، وأمَر النَّاسَ فرجَموها، فيُقبِلُ خالِدُ بنُ الوليدِ بحجرٍ، فرمى رأسَها، فتنضَّحَ الدَّمُ على وَجهِ خالِدٍ، فسبَّها، فسمِع نبيُّ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم سبَّه إيَّاها، فقال: مهلًا يا خالِدُ، فوالذي نَفسي بيدِه لقد تابَت توبةً لو تابها صاحِبُ مَكْسٍ [3711] صاحِبُ المَكسِ: هو الذي يَعشُرُ أموالَ المسلمين ويأخُذُ من التُّجَّارِ والمختَلِفةِ إذا مرُّوا عليه وعبروا به مَكْسًا باسمِ العُشرِ. يُنظر: ((معالم السنن)) للخطابي (3/ 4). لغُفِرَ له!، ثُمَّ أمَر بها، فصلَّى عليها، ودُفِنَت)) [3712] أخرجه مسلم (1695). .
8-سبُّ الأمواتِ؛ عن
عائِشةَ رضِي اللهُ عنها قالت: قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((لا تسُبُّوا الأمواتَ؛ فإنَّهم قد أفضَوا إلى ما قدَّموا)) [3713] أخرجه البخاري (1393). .
وقولُه:
((لا تسُبُّوا الأمواتَ)) النَّهيُ فيه للتَّحريمِ، وعلَّل النَّهيَ بقولِه:
((فإنَّهم قد أفضَوا))، أي: وصَلوا
((إلى ما قدَّموا))، مِن عَملِهم خيرًا كان أو شرًّا؛ إذ لا فائِدةَ في سبِّهم. والحديثُ في سبِّ أمواتِ المُسلِمينَ، فيحرُمُ سبُّهم لغَيرِ مصلحةٍ شرعيَّةٍ؛ كالتَّحذيرِ مِن الاقتِداءِ بصاحِبِ بِدعةٍ في بِدعتِه، أو بفاسِقٍ في فِسقِه، ونَحوِ ذلك ممَّا كان الميِّتُ مُتلبِّسًا به، وكجَرحِ رُواةِ الحديثِ؛ لأنَّ أحكامَ الشَّرعِ مَبنيَّةٌ عليه.
أمَّا الكافِرُ فلا حُرمةَ له، إلَّا إذا كان في سبِّه إيذاءٌ للأحياءِ مِن أقارِبِه، فلا يُسَبُّ، وأمَّا إذا لم يكنْ هناك ضَررٌ فإنَّه لا حُرمةَ له؛ فعن المُغيرةِ بنِ شُعبةَ رضِي اللهُ عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((لا تسُبُّوا الأمواتَ؛ فتُؤذوا الأحياءَ)) [3714] أخرجه الترمذي (1982)، وأحمد (18210). صحَّحه ابن حبان في ((صحيحه)) (3022)، والألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (1982)، والوادعي على شرط الشيخين في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (1151). .
قال ابنُ رَشيدٍ: (إنَّ سبَّ الكافِرِ يحرُمُ إذا تأذَّى به الحيُّ المُسلِمُ، ويحِلُّ إذا لم يحصُلْ به الأذيَّةُ)
[3715] ((سبل السلام)) للصنعاني (1/511). .
وقيل: يجوزُ سبُّ أمواتِ الكُفَّارِ عُمومًا، وأمَّا المُعيَّنُ منهم فلا يجوزُ سبُّه؛ لاحتِمالِ أنَّه مات مُسلِمًا، إلَّا أن يكونَ ممَّن نصَّ الشَّارِعُ على موتِه كافِرًا، كأبي لَهبٍ وأبي جَهلٍ.
وقيل: الحديثُ ظاهِرُه العُمومُ للمُسلِمِ والكافِرِ، وقولُه: قد أفضَوا إلى ما قدَّموا، علَّةٌ عامَّةٌ للفريقَينِ معناها أنَّه لا فائِدةَ تحتَ سبِّهم والتَّفكُّهِ بأعراضِهم
[3716] يُنظر: ((دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين)) لابن علان (8/ 405)، ((سبل السلام)) للصنعاني (1/510)، ((شرح رياض الصالحين)) لابن عثيمين (6/ 230). .
9-سبُّ الدِّيكِ، وهو الحيوانُ المعروفُ؛ فقد نهى النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن سبِّه؛ لأنَّه يوقِظُ للصَّلاةِ، فيستفيدُ منه الإنسانُ الخيرَ، عن زيدِ بنِ خالِدٍ رضِي اللهُ عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((لا تسُبُّوا الدِّيكَ؛ فإنَّه يوقِظُ للصَّلاةِ)) [3717] أخرجه أبو داود (5101)، والطبراني (5/240) (5210) واللفظ لهما، والبيهقي في ((شعب الإيمان)) (5173) باختلافٍ يسيرٍ. صحَّحه ابن القيم في ((زاد المعاد)) (2/431)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (5101)، وصحَّح إسنادَه النووي في ((الأذكار)) (451). والحديث رُوِيَ بلفظ: ((لا تَسُبُّوا الدِّيكَ، فإنَّه يدعو إلى الصَّلاةِ)). أخرجه أحمد (21679)، والطيالسي (999)، وابن حبان (5731). صحَّحه ابنُ حبان، والألباني في ((صحيح الترغيب)) (2797)، والوادعي في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (363). .
وفي هذا دليلٌ على أنَّ كُلَّ مَن استُفيد منه خيرٌ لا ينبغي أن يُسَبَّ، ولا يُستَهانُ به، بل حقُّه الإكرامُ والشُّكرُ، وإيقاظُه للصَّلاةِ أنَّ اللهَ تعالى ألهَمه بالصِّياحِ عندَ الأسحارِ وعندَ طُلوعِ الفَجرِ وعندَ سائِرِ أوقاتِ الصَّلاةِ، وهذا مِن عَظمةِ شأنِ الصَّلاةِ؛ حيثُ جُعِلَت الحَيواناتُ التي لا تعقِلُ تدُلُّ على وَقتِها
[3718] يُنظر: ((المنهاج في شعب الإيمان)) للحليمي (2/ 557)، ((التنوير شرح الجامع الصغير)) للصنعاني (11/104) .
10-سبُّ الرِّيحِ؛ فقد نهى النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن ذلك؛ فالرِّيحُ مأمورةٌ مِن اللهِ سبحانَه، ويُخشى مِن سبِّها الاعتِراضُ على ما قضى سبحانَه وقدَّر، وكذلك هو مِن جِنسِ مسبَّةِ الدَّهرِ، وقد ورَد النَّهيُ عن سبِّه أيضًا.
عن أُبَيِّ بنِ كَعبٍ رضِي اللهُ عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((لا تسُبُّوا الرِّيحَ، فإذا رأَيتُم ما تكرَهونَ فقولوا: اللَّهمَّ إنَّا نسألُك مِن خيرِ هذه الرِّيحِ وخيرِ ما فيها وخيرِ ما أُمِرَت به، ونعوذُ بك مِن شرِّ هذه الرِّيحِ وشرِّ ما فيها وشرِّ ما أُمِرَت به)) [3719] أخرجه الترمذي (2252) واللفظ له، وعبد الله بن أحمد في ((زوائد المسند)) (21138). صحَّحه الترمذي، وابن القطان في ((أحكام النظر)) (421)، والألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (2252). .
قال
الشَّافِعيُّ: (لا ينبغي شَتمُ الرِّيحِ؛ فإنَّها خَلقٌ مُطيعٌ للهِ، وجُندٌ مِن جُنودِه، يجعَلُها رحمةً إذا شاء، ونَقمةً إذا شاء)
[3720] ((فيض القدير)) للمناوي (6/399). .
11- سبُّ الدَّهرِ؛ عن أبي هُرَيرةَ، عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:
((لا تسُبُّوا الدَّهرَ؛ فإنَّ اللهَ هو الدَّهرُ)) [3721] أخرجه مسلم (2246). .
وعن أبي هُرَيرةَ رضِي اللهُ عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((قال اللهُ عزَّ وجلَّ: يُؤذيني ابنُ آدَمَ، يسُبُّ الدَّهرَ وأنا الدَّهرُ؛ بيدي الأمرُ، أُقلِّبُ اللَّيلَ والنَّهارَ)) [3722] أخرجه البخاري (4826)، ومسلم (2246). .
عن أبي هُرَيرةَ قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((قال اللهُ عزَّ وجلَّ: يُؤذيني ابنُ آدَمَ؛ يقولُ: يا خَيبةَ الدَّهرِ، فلا يقولَنَّ أحدُكم: يا خَيبةَ الدَّهرِ؛ فإنِّي أنا الدَّهرُ، أُقلِّبُ ليلَه ونهارَه، فإذا شئْتُ قبَضْتُهما)) [3723] أخرجه مسلم (2246). .
وفي روايةٍ:
((ولا تقولوا: خَيبةُ الدَّهرِ؛ فإنَّ اللهَ هو الدَّهرُ)) [3724] أخرجه البخاري (6182). .
قال
ابنُ حَجرٍ: (ومعنى النَّهيِ عن سبِّ الدَّهرِ أنَّ مَن اعتقَد أنَّه الفاعِلُ للمكروهِ فسبَّه، أخطَأ؛ فإنَّ اللهَ هو الفاعِلُ، فإذا سبَبْتُم مَن أنزَل ذلك بكم رجَع السَّبُّ إلى اللهِ)
[3725] ((فتح الباري)) (10/ 565). .
12- سبُّ الحُمَّى؛ عن
جابِرِ بنِ عبدِ اللهِ:
((أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم دخَل على أمِّ السَّائِبِ أو أمِّ المُسيَّبِ، فقال: ما لكِ يا أمَّ السَّائِبِ أو يا أمَّ المُسيَّبِ تُزَفزِفينَ؟ قالت: الحُمَّى، لا بارَك اللهُ فيها، فقال: لا تسُبِّي الحُمَّى؛ فإنَّها تُذهِبُ خَطايا بَني آدَمَ كما يُذهِبُ الكِيرُ خَبثَ الحديدِ)) [3726] أخرجه مسلم (2575). .
13- السِّبابُ على سبيلِ المُزاحِ، وكان يُقالُ: (السِّبابُ مُزاحُ النَّوْكى
[3727] أي: الحمقى. يُنظر: ((تهذيب اللغة)) للأزهري (10/ 208). [3728] ((عيون الأخبار)) لابن قتيبة (1/ 438). .