تم اعتماد المنهجية من الجمعية الفقهية السعودية
برئاسة الشيخ الدكتور سعد بن تركي الخثلان
أستاذ الفقه بجامعة الإمام محمد بن سعود
عضو هيئة كبار العلماء (سابقاً)
- عن أبي هُرَيرةَ رَضيَ اللهُ عنه، ((أنَّ رَجُلًا قال للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أوصِني، قال: لا تَغضَبْ، فرَدَّدَ مِرارًا، قال: لا تَغضَبْ)) [5255] رواه البخاري (6116). . (فهذا الرَّجُلُ طَلبَ مِن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أن يوصيَه وصيَّةً وجيزةً جامِعةً لخِصالِ الخَيرِ؛ ليحفظَها عنه خَشيةَ ألَّا يحفظَها لكثرَتِها، فوصَّاه النَّبيُّ ألَّا يغضَبَ، ثُمَّ رَدَّدَ هذه المَسألةَ عليه مِرارًا، والنَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُرَدِّدُ عليه هذا الجَوابَ، فهذا يدُلُّ على أنَّ الغَضَبَ جِماعُ الشَّرِّ، وأنَّ التَّحَرُّزَ مِنه جِماعُ الخَيرِ) [5256] ((جامع العلوم والحكم)) لابن رجب (1/361). . قال الخَطَّابيُّ: (مَعنى قَولِه: "لا تَغضَبْ": اجتَنِبْ أسبابَ الغَضَبِ، ولا تَتَعَرَّضْ لِما يجلِبُه) [5257] ((فتح الباري)) لابن حجر (10/520). . وقال ابنُ رَجَبٍ: ("لا تَغضَبْ" يحتَمِلُ أمرَينِ: أحَدُهما: أن يكونَ مُرادُه الأمرَ بالأسبابِ التي توجِبُ حُسنَ الخُلُقِ؛ مِن الكرمِ والسَّخاءِ، والحِلمِ والحَياءِ، والتَّواضُعِ والاحتِمالِ وكفِّ الأذى، والصَّفحِ والعَفوِ وكظمِ الغَيظِ، والطَّلاقةِ والبِشرِ، ونَحوِ ذلك مِن الأخلاقِ الجَميلةِ؛ فإنَّ النَّفسَ إذا تَخَلَّقَت بهذه الأخلاقِ، وصارَت لها عادةً، أوجَبَ لها ذلك دَفعَ الغَضَبِ عِندَ حُصولِ أسبابِه. والثَّاني: أن يكونَ المُرادُ لا تَعمَلْ بمُقتَضى الغَضَبِ إذا حَصَل لك، بَل جاهِدْ نَفسَك على تَركِ تَنفيذِه والعَمَلِ بما يأمُرُ به) [5258] ((جامع العلوم والحكم)) (1/364). . وقال ابنُ التِّينِ: (جَمعَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في قَولِه: "لا تَغضَبْ" خَيرَ الدُّنيا والآخِرةِ؛ لأنَّ الغَضَبَ يُؤولُ إلى التَّقاطُعِ ومَنعِ الرِّفقِ، ورُبَّما آل إلى أن يُؤذيَ المَغضوبَ عليه، فينتَقِصُ ذلك مِن الدِّينِ) [5259] ((فتح الباري)) لابن حجر (10/520). . وقال البَيضاويُّ: (لعلَّه لمَّا رَأى أنَّ جَميعَ المَفاسِدِ التي تَعرِضُ للإنسانِ إنَّما هي مِن شَهوتِه ومِن غَضَبِه، وكانت شَهوةُ السَّائِلِ مَكسورةً، فلمَّا سَأل عَمَّا يحتَرِزُ به عن القَبائِحِ نَهاه عن الغَضَبِ الذي هو أعظَمُ ضَرَرًا مِن غَيرِه، وأنَّه إذا مَلك نَفسَه عِندَ حُصولِه كان قد قَهرَ أقوى أعدائِه) [5260] ((فتح الباري)) لابن حجر (10/520). . - وعن سُليمانَ بنِ صُردٍ قال: ((استَبَّ رَجُلانِ عِندَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ونحن عِندَه جُلوسٌ، وأحَدُهما يسُبُّ صاحِبَه مُغضَبًا قد احمَرَّ وجهُه، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: إنِّي لأعلَمُ كَلِمةً لو قالها لذَهَب عنه ما يجِدُ، لو قال: أعوذُ باللهِ مِن الشَّيطانِ الرَّجيمِ. فقالوا للرَّجُلِ: ألا تَسمَعُ ما يقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؟ قال: إنِّي لستُ بمَجنونٍ!)) [5261] رواه البخاري (6115) واللفظ له، ومسلم (2610). . - وعن أبي هُرَيرةَ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((ليس الشَّديدُ بالصُّرَعةِ، إنَّما الشَّديدُ الذي يملِكُ نَفسَه عِندَ الغَضَبِ)) [5262] رواه البخاري (6114)، ومسلم (2609). . قال ابنُ بَطَّالٍ: (أرادَ عليه السَّلامُ أنَّ الذي يَقوى على مَلكِ نَفسِه عِندَ الغَضَبِ ويرُدُّها عنه هو القويُّ الشَّديدُ والنِّهايةُ في الشِّدَّةِ؛ لغَلبَتِه هَواه المُرديَ الذي زَيَّنَه له الشَّيطانُ المُغوي؛ فدَلَّ هذا أنَّ مُجاهَدةَ النَّفسِ أشَدُّ مِن مُجاهَدةِ العَدوِّ؛ لأنَّ النَّبيَّ عليه السَّلامُ جَعل للذي يملِكُ نَفسَه عِندَ الغَضَبِ مِن القوَّةِ والشِّدَّةِ ما ليس للذي يغلِبُ النَّاسَ ويَصرَعُهم) [5263] ((شرح صحيح البخاري)) لابن بطال (9/296). . وقال الزُّرقانيُّ: (لمَّا كان الغَضبانُ بحالةٍ شَديدةٍ مِن الغَيظِ، وقد ثارَت عليه شِدَّةٌ مِن الغَضَبِ فقَهرَها بحِلمِه وصَرَعَها بثَباتِه وعَدَمِ عَمَلِه بمُقتَضى الغَضَبِ؛ كان كالصُّرَعةِ الذي يصرَعُ الرِّجالَ ولا يَصرَعونَه) [5264] ((شرح الزرقاني على الموطأ)) (4/410). .