سادِسًا: مظاهِرُ وصُوَرُ التَّفاؤُلِ
1- التَّفاؤُلُ بالأسماءِ الحَسَنةِ:عن
ابنِ المُسَيِّبِ أنَّ جَدَّه حَزْنًا قَدِم على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقال:
((ما اسمُك. قال: اسمِي حَزْنٌ، قال: بل أنت سَهْلٌ)) [2028] أخرجه البخاري (6193). .
والحَزْنُ: ما غَلُظ من الأرضِ، ويقالُ: في خُلُقِ فُلانٍ حُزونةٌ: أي: غِلظةٌ وقَساوةٌ. وكأنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كَرِه الاسمَ لهذا المعنى، فأبدله بضِدِّه؛ تفاؤُلًا
[2029] ((كشف المشكل من حديث الصحيحين)) لابن الجوزي (4/ 74). .
وعن
ابنِ عُمَرَ أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم غيَّر اسمَ (عاصِيةَ) وقال:
((أنتِ جميلةُ)) [2030] أخرجه مسلم (2139). .
قال
ابنُ حِبَّانَ تَعليقًا على هذا الحديثِ: (استِعمالُ المصطفى صلَّى اللهُ عليه وسلَّم هذا الفِعلَ لم يكُنْ تطيُّرًا بعاصيةَ، ولكِنْ تفاؤُلًا بجميلةَ، وكذلك ما يُشبِهُ هذا الجِنسَ من الأسماءِ؛ لأنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نهى عن الطِّيَرةِ في غَيرِ خَبرٍ)
[2031] ((صحيح ابن حبان)) (13/ 136). .
وقال
ابنُ حَجَرٍ في تعليقِه على حديثِ:
((لا يقولَنَّ أحَدُكم خَبُثَت نفسي، ولكِنْ لِيَقُلْ لَقِسَت نفسي)) [2032] أخرجه البخاري (6179)، ومسلم (2250) من حديثِ عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها. : (ويؤخَذُ من الحديثِ استحبابُ مجانبةِ الألفاظِ القبيحةِ والأسماءِ، والعُدولِ إلى ما لا قُبحَ فيه. والخَبَثُ واللَّقَسُ وإن كان المعنى المرادُ يتأدَّى بكُلٍّ منهما، لكِنَّ لَفظَ الخَبَثِ قبيحٌ ويجمَعُ أمورًا زائدةً على المرادِ، بخِلافِ اللَّقَسِ؛ فإنَّه يختصُّ بامتلاءِ المَعِدةِ، وفيه: أنَّ المرءَ يطلُبُ الخيرَ حتَّى بالفَألِ الحَسَنِ، ويُضيفُ الخيرَ إلى نفسِه ولو بنسبةٍ ما، ويدفَعُ الشَّرَّ عن نفسِه مهما أمكَن، ويقطَعُ الوُصلةَ بَينَه وبَينَ أهلِ الشَّرِّ حتَّى في الألفاظِ المُشتَرَكةِ)
[2033] ((فتح الباري)) لابن حجر (10/564). .
ومِن التَّفاؤُلِ بالأسماءِ الحَسَنةِ: تسميةُ الوَلَدِ والغُلامِ بالاسمِ الحَسَنِ حتَّى متى سُمِع استبشَرَ القَلبُ
[2034] ينظر ((الفروق)) للقرافي (4/240، 241). .
2- التَّفاؤُلُ بشَيءٍ يراه:عن
أنسٍ قال:...
((فأتيناهم أي: يهودَ خيبرَ حين بزَغَت الشَّمسُ، وقد أخرجوا مواشِيَهم وخرَجوا بفُؤسِهم ومَكاتِلِهم ومُرورِهم، فقالوا: محمدٌ والخميسُ! قال: وقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: خَرِبَت خيبَرُ! إنَّا إذا نزَلْنا بساحةِ قَومٍ فساء صَباحُ المُنذَرينَ! قال: فهزَمَهم اللهُ عزَّ وجَلَّ)) [2035] أخرجه البخاري (2945)، ومسلم (1365). .
قال
ابنُ القَيِّمِ في عِدادِ الأحكامِ الفِقهيَّةِ المُستفادةِ مِن غَزوةِ خَيبَرَ: (ومنها: جوازُ التَّفاؤُلِ -بل استِحبابُه- بما يراه أو يسمَعُه ممَّا هو من أسبابِ ظُهورِ الإسلامِ وإعلامِه، كما تفاءل النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم برُؤيةِ المساحي والفُؤوسِ والمكاتِلِ مع أهلِ خَيبَرَ؛ فإنَّ ذلك فألٌ في خَرابِها)
[2036] ((زاد المعاد في هدي خير العباد)) (3/ 308). .
3- التَّفاؤُلُ بالشِّعارِ الحَسَنِ في المعارِكِ؛ الشِّعارِ الدَّاعي إلى النَّصرِ، المشتَمِلِ على العِزَّةِ، الرَّافِعِ للهِمَّةِ.
عن إياسِ بنِ سَلَمةَ، عن أبيه، قال: (غَزَونا مع
أبي بكرٍ رَضِيَ اللهُ عنه زَمَنَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فكان شِعارُنا: أَمِتْ أَمِتْ)
[2037] أخرجه أبو داود (2596) واللَّفظُ له، وأحمد (16498) من حديثِ سَلَمةَ بنِ الأكوَعِ رَضِيَ اللهُ عنه. صحَّحه ابن حبان في ((صحيحه)) (4744)، والحاكم على شرط الشيخين في ((المستدرك)) (2516)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (2596). .
قال
ابنُ الأثيرِ: هو أمرٌ بالموتِ، والمرادُ به التَّفاؤُلُ بالنَّصرِ
[2038] ينظر ((جامع الأصول في أحاديث الرسول)) لابن الأثير (2/572). .
4-التَّفاؤُلُ في مقابَلةِ الإخوانِ والأصحابِ، وذلك بالتَّبَسُّمِ في وجوهِهم، فهذه البَسمةُ تبعَثُ في النَّفسِ التَّفاؤُلَ والخَيرَ.
عن
أبي ذَرٍّ قال: قال لي النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((لا تحقِرَنَّ من المعروفِ شَيئًا، ولو أن تلقى أخاك بوَجهٍ طَلْقٍ)) [2039] أخرجه مسلم (2626). .
5- تفاؤُلُ المريضِ، وقد ذكَروا من أمثلةِ التَّفاؤُلِ أن يكونَ رَجُلٌ مَريضًا فيتفاءَلَ بما يسمَعُ من كلامٍ، فقد يسمَعُ آخَرَ يقولُ: يا سالمُ، فيقَعُ في ظَنِّه أنَّه يَبرَأُ من مرَضِه، فهو يسمَعُ الكَلِمةَ الحَسَنةَ وهو عليلٌ، فيتأوَّلُ منها ما يدُلُّ على بُرْئِه
[2040] ينظر: ((تهذيب اللغة)) للأزهري (14/ 11)، ((النهاية في غريب الحديث والأثر)) لابن الأثير (3/ 406)، ((لسان العرب)) لابن منظور (4/ 508). .
6- تفاؤُلُ مَن فَقَد شيئًا بالعُثورِ عليه، وقد ذكَروا من أمثلةِ التَّفاؤُلِ أن يكونَ طالِبُ ضالَّةٍ فيسمَعَ آخَرَ يقولُ: يا واجِدُ، فيقَعَ في ظَنِّه أنَّه يجِدُ ضالَّتَه
[2041] ينظر: ((تهذيب اللغة)) للأزهري (14/ 11)، ((النهاية في غريب الحديث والأثر)) لابن الأثير (3/ 406)، ((لسان العرب)) لابن منظور (4/ 508). .