هـ- نماذِجُ مِن كَرَمِ الصَّحابةِ وجُودِهم
1- عن زَيدِ بنِ أسلَمَ، عن أبيه، قال: سمعتُ عُمَرَ بنَ الخطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنه يقولُ:
((أمَرَنا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يومًا أن نتصَدَّقَ، فوافَق ذلك مالًا عِندَي، فقُلتُ: اليومَ أسبِقُ أبا بكرٍ إن سبَقْتُه يومًا! فجِئتُ بنِصفِ مالي، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ما أبقَيْتَ لأهلِك؟ قُلتُ: مِثْلَه، قال: وأتى أبو بكرٍ رَضِيَ اللهُ عنه بكُلِّ ما عِندَه، فقال له رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ما أبقَيْتَ لأهلِك؟ قال: أبقَيتُ لهم اللهَ ورَسولَه! قُلتُ: لا أسابِقُك إلى شيءٍ أبدًا)) [2839] أخرجه أبو داود (1678) واللفظ له، والترمذي (3675). صحَّحه الترمذي، والحاكم على شرط مسلم، والنووي في ((المجموع)) (6/236)، وحسَّنه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود))، والوادعي في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (996). .
2- وعن إسحاقَ بنِ عبدِ اللهِ بنِ أبي طَلحةَ، أنَّه سَمِعَ
أنَسَ بنَ مالكٍ يقولُ:
((كان أبو طَلحةَ أكثَرَ أنصاريٍّ بالمدينةِ مالًا، وكان أحبَّ أموالِه إليه بَيْرُحى [2840] اسمُ مالٍ وموضِعٍ بالمدينةِ. يُنظَر: ((النهاية في غريب الحديث والأثر)) لابن الأثير (1/114). ، وكانت مُستَقبِلةَ المسجِدِ، وكان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يدخُلُها ويَشرَبُ من ماءٍ فيها طيِّبٍ، قال أنَسٌ: فلمَّا أُنزِلَت هذه الآيةُ: لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ [آل عمران: 92] ، قام أبو طَلحةَ إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: يا رسولَ اللهِ، إنَّ اللهَ تبارك وتعالى يقولُ: لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ، وإنَّ أحبَّ أموالي إليَّ بَيْرُحَى، وإنَّها صَدَقةٌ للهِ، أرجو بِرَّها وذُخْرَها عندَ اللهِ، فضَعْها يا رسولَ اللهِ حيثُ أراك اللهُ. قال: فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: بَخْ [2841] كَلِمةٌ تقالُ لتعظيمِ الأمرِ وتفخيمِه. يُنظَر: ((شرح النووي على مسلم)) (7/85). ! ذلك مالٌ رابحٌ، ذلك مالٌ رابِحٌ! وقد سَمِعْتُ ما قُلتَ، وإنِّي أرى أن تجعَلَها في الأقرَبينَ. فقال أبو طلحةَ: أفعَلُ يا رسولَ اللهِ. فقسَمها أبو طلحةَ في أقارِبِه وبني عَمِّه)) [2842] أخرجه البخاري (1461)، ومسلم (998) واللفظ له. .
3- و(مَرِضَ قَيسُ بنُ سعدِ بنِ عُبادةَ، فاستبطَأَ إخوانَه، فقيل له: إنَّهم يَسْتَحيون ممَّا لك عليهم من الدَّينِ، فقال: أخزى اللهُ مالًا يمنَعُ الإخوانَ من الزِّيارةِ! ثمَّ أمرَ مناديًا فنادى: من كان عليه لقَيسِ بنِ سَعدٍ حقٌّ فهو منه بريءٌ، قال: فانكَسَرت درجَتُه بالعَشِيِّ لكثرةِ من زاره وعاده!)
[2843] ذكره القشيري في ((الرسالة القشيرية)) (2/406)، والغزالي في ((إحياء علوم الدين)) (3/247)، وابن الجوزي في ((المنتظم)) (5/318). .
4- وقال عطاءٌ: (ما رأيتُ مجلِسًا قطُّ أكرَمَ من مجلسِ
ابنِ عبَّاسٍ، أكثَرَ فِقهًا، ولا أعظَمَ جَفنةً، أصحابُ القُرآنِ عِندَه يسألونَه، وأصحابُ العَرَبيَّةِ عِندَه يسألونَه، وأصحابُ الشِّعرِ عندَه يسألونَه، فكُلُّهم يَصدُرُ في رأيٍ واسِعٍ)
[2844] أخرجه ابن المبارك في ((الزهد)) (1175) واللفظ له، وأبو الشيخ في ((الكرم والجود)) (60)، وأبو نعيم في ((معرفة الصحابة)) (3805). .
5- وقال سعيدُ بنُ عبدِ العزيزِ: (سَمِع
الحسَنُ بنُ عَليٍّ رجُلًا إلى جَنبِه يسألُ اللهَ أن يَرزُقَه عَشَرةَ آلافِ دِرهَمٍ، فانصرف، فبعَثَ بها إليه)
[2845] ((سير أعلام النبلاء)) للذهبي (3/ 260). .
6- وكان
ابنُ الزُّبَيرِ يقولُ: (ما رأيتُ امرأتينِ قَطُّ أجودَ من
عائشةَ و
أسماءَ، وجُودُهما مختَلِفٌ؛ أمَّا
عائشةُ فكانت تجمَعُ الشَّيءَ إلى الشَّيءِ حتى إذا اجتمع عندَها وضعَتْه مواضِعَه، وأمَّا
أسماءُ فإنَّها كانت لا تدَّخِرُ شيئًا لغَدٍ)
[2846] ((تاريخ دمشق)) لابن عساكر (69/ 19). .
7- وعن أمِّ ذَرَّةَ -وكانت تخدُمُ
عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها- قالت: (إنَّ
ابنَ الزُّبَيرِ بعث إليها بمالٍ في غِرارتَينِ ثمانينَ ومائةِ وألفٍ، فدعَت بطَبَقٍ فجَعَلَت تقسِمُه بَينَ النَّاسِ حتَّى فَرَغ، فلمَّا أمسَت قالت: يا جاريةُ هاتي فَطوري، فجاءتها بخُبزٍ وزيتٍ، فقالت لها أمُّ ذَرَّةَ: ما استطَعْتِ فيما قسَمْتِ اليومَ أن تشتري لنا بدِرهَمٍ لحمًا نُفطِرُ عليه؟! فقالت: لو كُنتِ ذكَّرْتِني لفعَلْتُ)
[2847] يُنظَر: ((المستجاد من فعلات الأجواد)) للتنوخي (ص: 12). !
8- وعن أبانَ بنِ عُثمانَ قال: (أراد رجلٌ أن يُضارَّ عُبَيدَ اللهِ بنَ عباسٍ، فأتى وجوهَ قُرَيشٍ فقال: يقولُ لكم عُبَيدُ اللهِ: تغدَّوا عندي اليومَ، فأتوه حتى مَلَؤوا عليه الدَّارَ، فقال: ما هذا؟ فأُخبِرَ الخَبَرَ، فأمَرَ عُبَيدُ اللهِ بشِراءِ فاكهةٍ، وأمر قومًا فطَبَخوا وخبزوا، وقُدِّمَت الفاكهةُ إليهم، فلم يَفرُغوا منها حتَّى وُضِعَت الموائدُ، فأكلوا حتى صدَروا، فقال عُبَيدُ اللهِ لوُكلائِه: أوَ موجُودٌ لنا هذا كُلَّ يومٍ؟ قالوا: نَعَمْ، قال: فليتغَدَّ عندَنا هؤلاء في كُلِّ يومٍ)
[2848] ذكره الغزالي في ((إحياء علوم الدين)) (3/247). .
9- وقال المَدائنيُّ: (أوَّلُ مَن سَنَّ القِرى إبراهيمُ الخليلُ عليه السَّلامُ، وأوَّلُ مَن هَشَم الثَّريدَ هاشِمٌ، وأوَّلُ من فطَّر جيرانَه على طعامِه في الإسلامِ عُبَيدُ اللهِ بنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، وهو أوَّلُ من وضَع موائِدَه على الطَّريقِ، وكان إذا خرج من بيتِه طعامٌ لا يعاوِدُ منه شيءٌ، فإن لم يجِدْ من يأكُلُه تركَه على الطَّريقِ)
[2849] ذكره ابن عبد ربه في ((العقد الفريد)) (1/247)، والأبشيهي في ((المستطرف)) (ص191)، والسفاريني في ((غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب)) (2/150). .
- وخَرَج عبدُ اللهِ بنُ عامِرِ بنِ كُرَيزٍ من المسجِدِ يريدُ مَنزِلَه وهو وَحدَه، فقام إليه غُلامٌ من ثقيفٍ فمشى إلى جانبِه، فقال له عبدُ اللهِ: ألك حاجةٌ يا غلامُ؟ قال: صلاحُك وفلاحُك، رأيتُك تمشي وَحدَك فقُلتُ: أقيك بنفسي، وأعوذُ باللهِ إن طار بجناحِك مكروهٌ. فأخذ عبدُ اللهِ بيَدِه ومشى معه إلى منزلِه، ثمَّ دعا بألفِ دينارٍ فدفَعَها إلى الغلامِ وقال: استَنفِقْ هذه، فنِعْمَ ما أدَّبَك به أهلُك
[2850] يُنظَر: ((المستجاد من فعلات الأجواد)) للتنوخي (ص: 14). !
- واشترى عبدُ اللهِ بنُ عامِرٍ من خالِدِ بنِ عُقبةَ بنِ أبي مُعَيطٍ دارَه التي في السُّوقِ بتسعين ألفَ دِرهَمٍ. فلمَّا كان اللَّيلُ سَمِع بكاءَ آلِ خالدٍ، فقال لأهلِه: ما لهؤلاء؟ قالوا: يبكون لدارِهم التي اشتريتَ. قال: يا غلامُ: ائْتِهم فأعلِمْهم أنَّ الدَّارَ والمالَ لهم جميعًا
[2851] يُنظَر: ((المستجاد من فعلات الأجواد)) للتنوخي (ص: 14). .