المَطلَبُ الأوَّلُ: حِفظُ القُرْآنِ في عَهدِ النُّبُوَّةِ
للحِفظِ في عَهدِ النُّبُوَّةِ عِدَّةُ أوجُهٍ؛ منها:
1- الطريقةُ التي كان يَنزِلُ بها الوَحيُ:كان الوَحيُ يَنزِلُ على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على هيئةٍ تكون أدعى إلى حِفْظِه وضَبْطِه.
عن
عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها أنَّ الحارِثَ بنَ هشامٍ رَضِيَ اللهُ عنه سأل رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقال:
((يا رسولَ اللهِ، كيف يأتيك الوَحيُ؟ فقال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أحيانًا يأتيني مِثْلَ صَلصَلةِ الجَرَسِ، وهو أشَدُّه عَلَيَّ، فيَفصِمُ عَنِّي وقد وَعَيتُ عنه ما قال، وأحيانًا يتمَثَّلُ لي المَلَكُ رَجُلًا، فيُكَلِّمُني، فأعي ما يقولُ )) [319] رواه البخاري (2) واللفظ له، ومسلم (2333). .
قال أبو العَبَّاسِ القرطبيُّ: («قَولُه: وهو أشَدُّه عَلَيَّ» إنما كان أشَدَّ عليه لسماعِه صَوتَ الملَكِ الذي هو غيرُ مُعتادٍ، ورُبَّما كان شاهَدَ الملَكَ على صورتِه التي خُلِق عليها، كما أخبر بذلك عن نفسِه في غيرِ هذا الموضِعِ، وكان يشتَدُّ عليه أيضًا؛ لأنَّه كان يريدُ أن يَحفَظَه ويَفهَمَه مع كونِه صوتًا مُتتابِعًا؛ ولذلك كان يتغَيَّرُ لونُه، ويتفَصَّدُ عَرَقًا، ويعتريه مِثلُ حالِ المحمومِ، ولولا أنَّ اللهَ تعالى قوَّاه على ذلك، ومكَّنه منه بقدرتِه لَمَا استطاع شيئًا من ذلك، ولهلك عند مشافهةِ الملَكِ؛ إذ ليس في قُوى البشَرِ المعتادةِ تحَمُّلُ ذلك بوَجهٍ.
والحالةُ الثانيةُ: وهي أن يتمَثَّلَ له الملَكُ في صورةِ رَجُلٍ، فيُكَلِّمَه بكَلامِه المعتادِ، فلا يجِدَ إلى ذلك شيئًا من المشقَّاتِ والشدائدِ، وهذا كما اتَّفَق له معه حيثُ تمثَّلَ له في صورةِ الأعرابيِّ، فسأله عن الإيمانِ والإسلامِ والإحسانِ، وكما كان يأتيه في صورةِ دِحْيَةَ بنِ خَليفةَ، وكانت صورتُه حَسَنةً... و«قَولُه: فيَفصِمُ عَنِّي، وقد وعَيتُ عنه» أي: يذهَبُ عني، ويُقلِعُ... ووعَيتُ: فَهِمتُ وحَفِظْتُ... وقد اقتصر في هذا الحديثِ على ذِكرِ طريقَيِ الوَحيِ، ولم يذكُرِ الرُّؤيا، وهي من الوَحيِ كما تقدَّم؛ لأنَّه فَهِم عن السَّائِلِ أنَّه إنما سأل عن كيفيَّةِ تلَقِّيه الوحيَ مِن الملَكِ. واللهُ أعلَمُ)
[320] يُنظر: ((المفهم)) (6/ 172). .
2- مُدارسةُ جِبريلَ عليه السَّلامُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم القُرْآنَ:وكان ذلك في رمضانَ من كُلِّ عامٍ.
عن
ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما أنَّه قال: (كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أجوَدَ النَّاسِ بالخَيرِ، وأجوَدَ ما يكونُ في شَهرِ رَمَضانَ؛ لأنَّ
جِبريلَ كان يلقاه في كُلِّ ليلةٍ في شَهرِ رَمَضانَ حتى يَنسَلِخَ، يَعرِضُ عليه رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم القُرْآنَ، فإذا لَقِيَه
جِبريلُ كان أجوَدَ بالخيرِ من الرِّيحِ المُرسَلةِ)
[321] رواه البخاري (4997) واللَّفظُ له، ومسلم (2308). .
قال أبو العَبَّاسِ القُرطبيُّ: («قَولُه: وكان أجوَدَ ما يكونُ في رَمَضانَ» إنما كان ذلك لأوجُهٍ: أحَدُها: رغبةً في ثوابِ شَهرِ رَمَضانَ، فإنَّ أعمالَ الخَيرِ فيه مُضاعَفةُ الأجرِ، ولِيُعينَ الصَّائمين على صَومِهم، ولِيُفَطِّرَهم، فيَحصُلَ له مِثلُ أُجورِهم كما قال
[322] لفظ الحديث: عن زيد بن خالد الجهني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من فطر صائما كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئا)) أخرجه الترمذي (807) واللفظ له، وابن ماجه (1746)، وأحمد (17033) صححه الترمذي، وابن حبان (3429)، وابن عساكر في ((معجم الشيوخ)) (1/472). ، ولأنَّه كان يَلقى فيه
جِبريلَ لِمُدارسةِ القُرْآنِ، فكان يتجَدَّدُ إيمانُه ويقينُه، وتعلو مقاماتُه، وتظهَرُ عليه برَكاتُه، فيا له من لقاءٍ ما أكرَمَه، ومن مَشهَدٍ ما أعظَمَه!)
[323] يُنظر: ((المفهم)) (6/ 102). .
وفي روايةٍ لأبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: (كان يَعرِضُ على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم القُرْآنَ كُلَّ عامٍ مَرَّةً، فعَرَض عليه مرَّتين في العامِ الذي قُبِض...)
[324] رواه البخاري (4998). .
قال
ابنُ حَجَرٍ: (في الحديثِ مِن الفوائِدِ غيرُ ما سبق: تعظيمُ شَهرِ رَمَضانَ لاختصاصِه بابتداءِ نُزولِ القُرْآنِ فيه، ثمَّ معارضتِه ما نزل منه فيه، ويلزَمُ من ذلك كثرةُ نُزولِ
جِبريلَ فيه، وفي كثرةِ نزولِه من توارُدِ الخيراتِ والبركاتِ ما لا يُحصى... وفيه أنَّ مُداومةَ التِّلاوةِ تُوجِبُ زيادةَ الخيرِ، وفيه استِحبابُ تكثيرِ العبادةِ في آخِرِ العُمُرِ، ومذاكرةِ الفاضِلِ بالخيرِ والعِلْمِ وإن كان هو لا يخفى عليه ذلك؛ لزيادةِ التَّذكِرةِ والاتِّعاظِ)
[325])) يُنظر: ((فتح الباري)) (9/ 45). .
3- كِتابةُ الوَحيِ ومُقابلَتُه:قال الحارِثُ المحاسبيُّ: (كِتابةُ القُرْآنِ ليست مُحدَثةً؛ فإنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يأمُرُ بكِتابتِه ولكِنَّه كان مُفَرَّقًا في الرِّقاعِ والأكتافِ والعُسُبِ
[326] العُسُب: جمعُ عَسيبٍ، أي: جريدةٌ من النَّخلِ، وهي السَّعَفةُ التي لا يَنبُتُ عليها الخُوصُ. يُنظر: ((النهاية)) لابن الأثير (3/ 234). ، وإنما أمر
الصِّدِّيقُ بنَسْخِها من مكانٍ إلى مكانٍ، وكان ذلك بمَنْزِلةِ أوراقٍ وُجِدَت في بيتِ رَسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فيها القُرْآنُ مُنتَشِرٌ، فجَمَعها جامِعٌ وربطَها بخَيطٍ حتى لا يَضِيعَ منها شَيءٌ)
[327] يُنظر: ((البرهان)) للزركشي (1/ 238)، ((الإتقان)) للسيوطي (2/ 385). .
وقال
أبو عَمرٍو الدَّاني: (إنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم سَنَّ جمعَ القُرْآنِ وكِتابتَه، وأمر بذلك وأملاه على كَتَبَتِه، وأنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لم يَمُتْ حتى حَفِظَ جميعَ القُرْآنِ جماعةٌ من أصحابِه)
[328] يُنظر: ((الأحرف السبعة للقرآن)) (ص: 61). .
4- قَصرُ الكِتابةِ -ابتداءً- على القُرْآنِ:قُصِرت الكتابةُ في بادِئِ الأمرِ على القُرآن؛ لئلَّا يختَلِطَ بغَيرِه.
ففي الحديثِ:
((لا تَكتُبُوا عني، ومن كَتَب عنِّي غيرَ القُرْآنِ فلْيَمْحُه، وحَدِّثوا عنِّي ولا حرج... )) [329] رواه مسلم (3004) من حَديثِ أبي سعيدٍ الخُدريِّ رَضِيَ اللهُ عنه. ، ثم كان الإذنُ بالكِتابةِ بعد أن زال سبَبُ المنعِ
[330])) يُنظر: ((تقييد العلم)) للخطيب البغدادي، ((معرفة أنواع علوم الحديث)) لابن الصلاح (ص: 292). .
قال
النوويُّ: (اختلفوا في المراد بهذا الحديثِ الوارِدِ في النَّهيِ؛ فقيل: هو في حَقِّ من يُوثَقُ بحِفْظِه ويُخافُ اتِّكالُه على الكِتابةِ إذا كتب، وتُحمَلُ الأحاديثُ الواردةُ بالإباحةِ على من لا يُوثَقُ بحِفْظِه؛ كحديثِ: اكتُبُوا لأبي شَاه
[331] أخرجه البخاري (2434)، ومسلم (1355) مُطَوَّلًا من حَديثِ أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه ولفظ البخاري: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لما فتح الله على رسوله صلى الله عليه وسلم مكة قام في الناس، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: ((إن الله حبس عن مكة الفيل، وسلط عليها رسوله والمؤمنين، فإنها لا تحل لأحد كان قبلي، وإنها أحلت لي ساعة من نهار، وإنها لا تحل لأحد من بعدي، فلا ينفر صيدها، ولا يختلى شوكها، ولا تحل ساقطتها إلا لمنشد، ومن قتل له قتيل فهو بخير النظرين: إما أن يفدى، وإما أن يقيد)). فقال العباس: إلا الإذخر، فإنا نجعله لقبورنا وبيوتنا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إلا الإذخر)). فقام أبو شاه - رجل من أهل اليمن - فقال: اكتبوا لي يا رسول الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اكتبوا لأبي شاه)). قلت للأوزاعي: ما قوله: اكتبوا لي يا رسول الله؟ قال: هذه الخطبة التي سمعها من رسول الله صلى الله عليه وسلم. ، وحديثِ صَحيفةِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عنه
[332] أخرجه البخاري (111)، ومسلم (1370) من حَديثِ علي بن أبي طالب رَضِيَ اللهُ عنه. ولفظ البخاري: عن أبي جحيفة قال: قلت لعلي: هل عندكم كتاب؟ قال: لا، إلا كتاب الله، أو فهم أعطيه رجل مسلم، أو ما في هذه الصحيفة. قال: قلت: فما في هذه الصحيفة؟ قال: العقل، وفكاك الأسير، ولا يقتل مسلم بكافر. ... وحديثِ كِتابِ الصَّدَقةِ ونُصُبِ الزكاةِ الذي بعث به
أبو بكرٍ رَضِيَ اللهُ عنه أنسًا رَضِيَ اللهُ عنه حين وَجَّهه إلى البحرينِ
[333] أخرجه البخاري (1454) بلفظ: أن أنسا حدثه، أن أبا بكر رضي الله عنه كتب له هذا الكتاب، لما وجهه إلي البحرين: بسم الله الرحمن الرحيم هذه فريضة الصدقة التي فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم على المسلمين، والتي أمر الله بها رسوله، فمن سئلها من المسلمين على وجهها فليعطها، ومن سئل فوقها فلا يعط: في أربع وعشرين من الإبل فما دونها من الغنم من كل خمس شاة، إذا بلغت خمسا وعشرين إلي خمس وثلاثين ففيها بنت مخاض أنثى، فإذا بلغت ستا وثلاثين إلي خمس وأربعين ففيها بنت لبون أنثى، فإذا بلغت ستا وأربعين إلي ستين ففيها حقة طروقة الجمل، فإذا بلغت واحدة وستين إلي خمس وسبعين ففيها جذعة، فإذا بلغت - يعني: - ستا وسبعين إلي تسعين ففيها بنتا لبون، فإذا بلغت إحدى وتسعين إلي عشرين ومائة ففيها حقتان طروقتا الجمل، فإذا زادت على عشرين ومائة ففي كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة، ومن لم يكن معه إلا أربع من الإبل فليس فيها صدقة، إلا أن يشاء ربها، فإذا بلغت خمسا من الإبل ففيها شاة، وفي صدقة الغنم في سائمتها إذا كانت أربعين إلي عشرين ومائة شاة، فإذا زادت على عشرين ومائة إلي مائتين شاتان، فإذا زادت على مائتين إلي ثلاثمائة ففيها ثلاث، فإذا زادت على ثلاثمائة ففي كل مائة شاة، فإذا كانت سائمة الرجل ناقصة من أربعين شاة واحدة فليس فيها صدقة، إلا أن يشاء ربها، وفي الرقة ربع العشر، فإن لم تكن إلا تسعين ومائة فليس فيها شيء، إلا أن يشاء ربها. ، وحديثِ أبي هُرَيرةَ أنَّ
ابنَ عَمرِو بنِ العاصِ كان يَكتُبُ ولا أكتُبُ
[334] أخرجه البخاري (113) بلفظ: عن أبي هريرة يقول: ما من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أحد أكثر حديثا عنه مني، إلا ما كان من عبد الله بن عمرو؛ فإنه كان يكتب ولا أكتب ، وغيرِ ذلك من الأحاديثِ. وقيل: إنَّ حديثَ النَّهيِ منسوخٌ بهذه الأحاديثِ، وكان النهيُ حين خيف اختلاطُه بالقُرْآنِ، فلمَّا أُمِن ذلك أَذِن في الكِتابةِ. وقيل: إنَّما نهى عن كِتابةِ الحديثِ مع القُرْآنِ في صحيفةٍ واحدةٍ؛ لئلَّا يختَلِطَ فيَشتَبِهَ على القارئِ في صحيفةٍ واحدةٍ. واللهُ أعلَمُ)
[335])) يُنظر: ((شرح مسلم)) (18/ 130). .
وقال
ابنُ الصَّلاح: (لعَلَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أذِنَ في الكِتابةِ عنه لمن خَشِيَ عليه النِّسيانَ، ونهى عن الكِتابةِ عنه من وَثِقَ بحِفْظِه، مخافةَ الاتِّكالِ على الكِتابِ، أو نهى عن كِتابةِ ذلك عنه حين خاف عليهم اختلاطَ ذلك بصُحُفِ القُرْآنِ العظيمِ، وأَذِن في كِتابتِه حين أَمِن من ذلك)
[336] يُنظر: ((معرفة أنواع علوم الحديث)) (ص: 293). .
5- الحَضُّ على تعَلُّمِ القُرْآنِ وتعليمِه:عن عُثمانَ بنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللهُ عنه، عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:
((خيرُكم من تعلَّم القُرْآنَ وعَلَّمه )) [337] رواه البخاري (5027). .
وكان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يحُثُّ أصحابَه رَضِيَ اللهُ عنهم على تعَلُّمِ القُرْآنِ وتعليمِه، وحِفْظِه وتحفيظِه، وكان يُقَدِّمُ أكثَرَهم أخذًا للقُرْآنِ في إمامةِ الصَّلَواتِ، وقيادةِ السَّرايا.
قال الباقِلَّاني: (كيف لا يكونُ حالُ الأُمَّةِ في أمرِ حِفظِ القُرْآنِ والقيامِ به وبتحصينِه وحياطتِه، والمحافَظةِ على دَرْسِه، وتأمُّلِه وتعَلُّمِه وتعليمِه- التقديمَ له على كُلِّ مُهِمٍّ ماسٍّ من أمرِ دينِه، مع الذي وصَفْناه ممَّا ورد في نفسِ التنزيلِ المحفوظِ من تعظيمِ شَأنِ القُرْآنِ، والأمرِ بتدَبُّرِه والرُّجوعِ إليه، والعَمَلِ عليه، مع كثرةِ ما سمعوه من الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في الحَضِّ على تعَلُّمِه وتعليمِه والأمرِ بالتفَقُّهِ به، والحَثِّ على حراستِه، والإكثارِ من تلاوتِه، وضمانِه الثوابَ الجزيلَ على قراءةِ كُلِّ حَرفٍ منه، وتفضيلِ أهلِ القُرْآنِ على سائِرِ النَّاسِ، والتعظيمِ لشَأنهم والإخبارِ عن رفيعِ دَرَجَتِهم عند اللهِ، وما أعَدَّه لهم، إلى غيرِ ذلك ممَّا قد تظاهرت الأخبارُ بذِكْرِه، وعُلِمَ في الجملةِ ضَرورةً من دينِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الأمرُ به والدُّعاءُ إليه، والتفخيمُ لشَأنِ القُرْآنِ وإجلالُ حَمَلتِه)
[338] يُنظر: ((الانتصار للقرآن)) (1/ 78). .
6- قُوَّةُ الحافِظةِ عند العَرَبِ:كان العَرَبُ أهلَ حافِظةٍ لا تكادُ تُخطِئُ، وذاكِرةٍ لا يكادُ يَعزُبُ عنها شيءٌ، وخاصَّةً أنَّ القُرْآنَ جاء بأسلوبٍ بارعٍ، وبيانٍ رَفيعٍ؛ ممَّا جعله أحرى لحِفْظِه، والاهتمامِ به، حتى كَثُر آخِذوه صدرًا وسَطرًا.
قال الباقِلَّاني: (تظاهَرَ بينهم حتى حَفِظه الرِّجالُ، وتنقَّلَت به الرِّحالُ، وتعَلَّمه الكبيرُ والصَّغيرُ؛ إذ كان عُمدةَ دِينِهم، وعَلَمًا عليه، والمفروضَ تلاوتُه في صَلَواتِهم، والواجِبَ استعمالُه في أحكامِهم)
[339] يُنظر: ((إعجاز القرآن)) (ص: 16). .