المَطْلَبُ السَّادِسُ: الأنبياءُ أحياءٌ في قُبورِهم
من جملةِ اعتِقادِ
أحمدَ بنِ حَنبَلٍ أنَّه كان يقولُ: (إنَّ الأنبياءَ أحياءٌ في قُبورِهم يُصَلُّونَ)
[859] يُنظر: ((العقيدة رواية أبي بكر الخلال)) (ص: 121). .
وقال
ابنُ تَيمِيَّةَ: (الأنبياءُ أحياءٌ في قُبورِهم، وقد يُصَلُّون كما رأى مُحَمَّدٌ موسى -صَلَواتُ اللهِ وسلامُه عليهما وعلى سائِرِ الأنبياءِ- في قَبْرِه ليلةَ الإسراءِ)
[860] يُنظر: ((المستدرك على مجموع الفتاوى)) (1/ 101). .
وقال
السخاوي: (نحن نؤمِنُ ونُصَدِّقُ بأنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حيٌّ يُرزَقُ في قبرِه، وأنَّ جَسَدَه الشَّريفَ لا تأكُلُه الأرضُ، والإجماعُ على هذا)
[861] يُنظر: ((القول البديع في الصلاة على الحبيب الشفيع)) (ص: 172). .
وقال
السيوطي: (حياةُ النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في قبرِه هو وسائِرِ الأنبياءِ معلومةٌ عندنا علمًا قَطعيًّا؛ لِما قام عندنا من الأدِلَّةِ في ذلك وتواترت به الأخبارُ، وقد ألَّف
البيهقيُّ جُزءًا في حياةِ الأنبياءِ في قبورِهم)
[862] يُنظر: ((الحاوي للفتاوي)) (2/ 178). .
وقد نصَّت بعضُ الأحاديثِ الصَّحيحةِ على ذِكْرِ حياةِ بَعضِ الأنبياءِ عليهم السَّلامُ في قُبورِهم.
فعن
أنسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبِيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:
((مَرَرْتُ علَى مُوسَى لَيْلَةَ أُسْرِيَ بي عِنْدَ الكَثِيبِ الأحْمَرِ، وَهو قَائِمٌ يُصَلِّي في قَبْرِهِ )) [863] رواه مسلم (2375). .
قال أبو العَّباسِ القُرطبيُّ: (هذا الحديثُ يدُلُّ بظاهِرِه على أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رأى موسى رؤيةً حقيقيَّةً في اليقظةِ، وأنَّ موسى كان في قَبْرِه حيًّا، يصَلِّي فيه الصَّلاةَ التي كان يصَلِّيها في الحياةِ، وهذا كُلُّه ممكِنٌ لا إحالةَ في شيءٍ منه، وقد صحَّ أنَّ الشُّهَداءَ أحياءُ يُرزَقون، ووُجد منهم من لم يتغَيَّرْ في قبرِه من السنينَ كما ذكَرْناه. وإذا كان هذا في الشُّهداءِ كان في الأنبياءِ أحرى وأَولى)
[864] يُنظر: ((المفهم)) (6/ 192). .
كما ثبت أيضًا ما يشيرُ إلى حياةِ نبيِّنا مُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في قَبْرِه.
فعن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبِيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:
((لا تجعَلوا قبرِي عيدًا وصلُّوا عليَّ فإنَّ صلاتَكم تبلغُني حيثُما كنتُم )) [865] أخرجه أبو داود (2042) واللَّفظُ له، وأحمد (8804) مِن حَديثِ أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه. صَحَّحه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (2042)، وصَحَّحه لغيره شعيب الأرناؤوط في تخريج ((سنن أبي داود)) (2042)، وحَسَّنه ابن تيمية في ((الإخنائية)) (265)، ومحمد بن عبد الهادي في ((الصارم المنكي)) (207)، وابن حجر في ((الفتوحات الربانية)) (3/314). .
وعن
ابنِ مسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبِيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:
((إنَّ للهِ مَلائِكةً سيَّاحين في الأرضِ يُبَلِّغوني من أمَّتي السَّلامَ )) [866] أخرجه النسائي (1282) واللَّفظُ له، وأحمد (3666). صَحَّحه ابن حبان في ((صحيحه)) (914)، وابن باز في ((مجموع الفتاوى)) (9/311)، والألباني في ((صحيح سنن النسائي)) (1282)، والوادعي على شرط مسلم في ((الصحيح المسند)) (885). .
قال
علي القاري: (فيه إشارةٌ إلى حياتِه الدَّائمةِ وفَرَحِه ببلوغِ سلامِ أمَّتِه الكاملةِ)
[867] يُنظر: ((مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح)) (2/ 743). .
وعن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبِيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:
((ما من أحدٍ يُسلِّمُ عليَّ، إلَّا ردَّ اللهُ عليَّ رُوحي، حتى أَرُدَّ عليه السَّلامَ )) [868] أخرجه أبو داود (2041) واللَّفظُ له، وأحمد (10815). صَحَّحه ابن باز في ((فتاوى نور على الدرب)) (14/158)، وحَسَّنه ابن حجر في ((الفتوحات الربانية))، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (2041) (5/31)، وصَحَّح إسناده النووي في ((المجموع)) (8/272). .
قال
المناوي: (هذا ظاهِرٌ في استمرارِ حياتِه؛ لاستحالةِ أن يخلوَ الوجودُ كُلُّه من أحدٍ يُسَلِّمُ عليه عادةً، ومن خَصَّ الرَّدَّ بوَقتِ الزيارةِ فعليه البيانُ)
[869] يُنظر: ((فيض القدير)) (5/ 467). .
وقال أيضًا: (إنَّ لرُوحِه تعَلُّقًا بمقَرِّ بدَنِه الشَّريفِ، وحرامٌ على الأرضِ أن تأكُلَ أجسادَ الأنبياءِ، فحالُه كحالِ النَّائِمِ الذي ترقى روحُه بحسَبِ قُواها إلى ما شاء اللهُ له مِمَّا اختَصَّ به من بلوغِه غايةَ القُدرةِ له بحسَبِ قَدْرِه عندَ اللهِ في الملكوتِ الأعلى، ولها بالبدَنِ تعَلُّقٌ)
[870] يُنظر: ((فيض القدير)) (6/ 170) بتصرف يسير. .
وقال
الشِّنقيطيُّ: (ما ثبت عنه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم من أنَّه لا يُسَلِّمُ عليه أحدٌ إلَّا رَدَّ اللهُ عليه روحَه حتى يَرُدَّ عليه السَّلامَ، وأنَّ اللهَ وكَّل مَلائِكةً يبَلِّغونه سلامَ أمَّتِه، فإنَّ تلك الحياةَ أيضًا لا يَعقِلُ حقيقَتَها أهلُ الدُّنيا؛ لأنها ثابتةٌ له صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، مع أنَّ رُوحهَ الكريمةَ في أعلى عِلِّيينَ مع الرَّفيقِ الأعلى فوقَ أرواحِ الشُّهَداءِ، فتَعلُّقُ هذه الرُّوحِ الطَّاهرةِ التي هي في أعلى عِلِّيينَ بهذا البَدَنِ الشَّريفِ الذي لا تأكُلُه الأرضُ، يَعْلَمُ اللهُ حقيقَتَه، ولا يَعْلَمُها الخَلْقُ، كما قال في جِنسِ ذلك:
وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ...
وإذا صَرَّح القُرآنُ بأنَّ الشُّهَداءَ أحياءٌ في قَولِه تعالى:
بَلْ أَحْيَاءٌ، وصرَّح بأن هذه الحياةَ لا يعرِفُ حقيقتَها أهلُ الدُّنيا بقَولِه:
وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ، وكان النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أثبتَ حياتَه في القبرِ بحيث يَسمَعُ السَّلامَ ويرُدُّه، وأصحابُه الذين دفنوه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لا تشعُرُ حواسُّهم بتلك الحياةِ، عرَفْنا أنها حياةٌ لا يعقِلُها أهلُ الدُّنيا أيضًا، ومِمَّا يُقَرِّبُ هذا للذِّهْنِ حياةُ النَّائِمِ، فإنَّه يخالِفُ الحَيَّ في جميعِ التصَرُّفاتِ مع أنَّه يُدرِكُ الرُّؤيا، ويَعقِلُ المعانيَ. واللهُ تعالى أعلَمُ)
[871] يُنظر: ((دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب)) (ص: 24). .
وقال
ابنُ باز: (قد صرَّح الكثيرون من أهلِ السُّنَّةِ بأنَّ النَّبِيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حيٌّ في قبرِه حياةً برزخيَّةً لا يَعْلَمُ كُنْهَها وكيفيَّتَها إلَّا اللهُ سُبحانَه، وليست من جنسِ حياةِ أهلِ الدُّنيا، بل هي نوعٌ آخَرُ يَحصُلُ بها له صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الإحساسُ بالنعيمِ، ويَسمَعُ بها سلامَ المُسلِّمِ عليه عندما يرُدُّ اللهُ عليه رُوحَه ذلك الوَقتَ)
[872] يُنظر: ((مجموع فتاوى ابن باز)) (2/ 386). .