المَبحَثُ الثَّاني: ضمَّةُ القَبْرِ
عَنِ
ابنِ عُمرَ رَضِيَ اللهُ عَنهما قال: قال رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عَن سَعدِ بن مُعاذٍ رَضِيَ اللهُ عَنه:
((هَذا الَّذي تَحَرَّكَ لَه العَرشُ، وفتِحَت لَه أبوابُ السَّماءِ، وشَهِدُه سَبعونَ ألفًا مِنَ المَلائِكةِ، لَقَد ضُمَّ ضَمَّةً، ثُمَّ فُرِجَ عَنه )) [1478] أخرجه النسائي (2055)، والطبراني (6/10) (5333)، وأبو نعيم في ((معرفة الصحابة)) (3111). صَحَّحه الألباني في ((صحيح سنن النسائي)) (2055)، والوادعي على شرط مسلم في ((الصحيح المسند)) (781)، وصحَّح إسنادَه النووي في ((الخلاصة)) (2/1042)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((العواصم والقواصم)) (5/347). .
وعَن
عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عَنها أنَّ الرَّسولَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:
((إنَّ لِلقَبرِ ضَغطةً لَو كانَ أحَدٌ ناجيًا مِنها نَجَا سَعدُ بنُ مُعاذٍ)) [1479] أخرجه أحمد (24283)، والطحاوي في ((شرح مشكل الآثار)) (273)، وابن حبان (3112). صَحَّحه ابنُ حبان، والألباني في ((صحيح الجامع)) (2180)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (24283)، وصحَّح إسنادَه الطبري في ((مسند عمر)) (2/599)، وقوَّاه الذهبي في ((سير أعلام النبلاء)) (1/291)، وجوَّده العراقي في ((تخريج الإحياء)) (5/259). .
قال
المُناويُّ: (
((إنَّ لِلقَبرِ ضَغطةً)) أي: ضِيقًا لا يَنجو مِنه صالِحٌ ولا طالِحٌ، لَكِنَّ الكافِرَ يَدومُ ضَغْطُه والمُؤمِنَ لا، والمَرادُ به التِقاءُ جانِبَيه على المَيِّتِ.
((لَو كانَ أحَدٌ ناجيًا مِنها نَجَا)) مِنها
((سَعدُ بْنُ مُعاذٍ)) إذْ ما من أحَدٍ إلَّا وقَد ألمَّ بخَطيئةٍ، فإن كانَ صالِحًا فهَذِه جَزاؤُه ثُمَّ تُدرِكُه الرَّحْمةُ... وقيلَ: أصلُ ذلك: أنَّ الأرضَ أمُّهم؛ مِنها خُلِقوا فغابوا عَنها طَويلًا فتَضُمُّهم ضَمَّةَ والِدةٍ غابَ عَنها ولَدُها؛ فالمُؤمِنُ برِفقٍ، والعاصي بعُنفٍ غَضبًا عليه)
[1480] يُنظر: ((فيض القدير)) (2/ 501). .
وقال
المُناويُّ: (إنَّ المُؤمِنَ الكامِلَ يَنضَمُّ عليه ثُمَّ يَنفرِجُ عَنه سَريعًا، والمُؤمِنَ العاصيَ يَطولُ ضَمُّه ثُمَّ يَتَراخَى عَنه بَعدُ، وإنَّ الكافِرَ يَدومُ ضَمُّه أو يَكادُ أن يَدومَ)
[1481]يُنظر: ((فيض القدير)) (2/ 168). .
قال ابنُ أبي زَيدٍ في ذِكرِ اعتِقادِ أهلِ السُّنَّةِ: (وأنَّ المُؤمنينَ يُفتَنونَ في قُبورِهم ويُضغَطونَ ويُبْلَونَ، ويُثبِّتُ اللَّهُ مَنطِقَ مَن أحَبَّ تَثبيتَه)
[1482] يُنظر: ((الجامع في السنن والآداب والمغازي والتاريخ)) (ص: 112). .
وقال ابنُ تيميَّةَ: (إنَّ الذُّنوبَ مُطلَقًا من جَميعِ المُؤمنينَ هيَ سَبَبُ العَذابِ، لَكِنَّ العُقوبةَ بها في الآخِرةِ في جَهَنَّمَ تَندَفِعُ بنَحوِ عَشَرةِ أسبابٍ... السَّبَبُ الثَّامِنُ: ما يُبتَلَى به المُؤمِنُ في قَبرِه مِنَ الضَّغطةِ وفتنةِ المَلَكينِ)
[1483] يُنظر: ((منهاج السنة النبوية)) (6/ 205-238). .
وممَّا جاء في ضَمَّةِ الكافِرِ حديثُ البراءِ بنِ عَازبٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، وفيه قولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((إِنَّ الْكَافِرَ، فَذَكَرَ مَوْتَهُ، قَالَ: وَتُعَادُ رُوحُهُ في جَسَدِهِ، وَيَأْتِيهِ مَلَكَانِ فَيُجْلِسَانِهِ فَيَقُولَانِ: مَنْ رَبُّكَ؟ فَيَقُولُ: هَاهْ هَاهْ هَاهْ، لَا أَدْرِى! فَيَقُولَانِ لَهُ: مَا دِينُكَ؟ فَيَقُولُ: هَاهْ هَاهْ لَا أَدْرِى! فَيَقُولَانِ: مَا هَذَا الرَّجُلُ الَّذِى بُعِثَ فِيكُمْ؟ فَيَقُولُ: هَاهْ هَاهْ لَا أَدْرِى! فَيُنَادِى مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ: أَنْ كَذَبَ، فَأَفْرِشُوهُ مِنَ النَّارِ، وَأَلْبِسُوهُ مِنَ النَّارِ، وَافْتَحُوا لَهُ بَابًا إِلَى النَّارِ. قَالَ: فَيَأْتِيهِ مِنْ حَرِّهَا وَسَمُومِهَا. قَالَ: وَيُضَيَّقُ عَلَيْهِ قَبْرُهُ حَتَّى تَخْتَلِفَ فِيهِ أَضْلَاعُهُ )) [1484] أخرجه مُطَوَّلًا أبو داود (4753) واللَّفظُ له، وأحمد (18534) باختلافٍ يسيرٍ. صحَّحَه القرطبي في ((التذكرة)) (119)، وابن القيم في ((الروح)) (1/269)، والألبانيُّ في ((صحيح سنن أبي داود)) (4753)، وحسَّنه المنذريُّ في ((الترغيب والترهيب)) (280/4)، وابن تيمية في ((مجموع الفتاوى)) (4/290)، والوادعي في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (150). .
قال ابنُ رَسلانَ: (
((ويُضَيَّقُ)) بضَمِّ أوَّلِه، وفتحِ ثالِثِه المُشَدَّدِ
((عليه قَبرُه حَتَّى تَختَلِفَ فيه أضلاعُه)) أي: يَتَحَوَّلُ كُلُّ ضِلعٍ عَن مَوضِعِه الَّذي كانَ عليه، ويَنتَقِلُ عَنه بشِدَّةِ العَصْرةِ)
[1485] يُنظر: ((شرح سنن أبي داود)) (18/ 365). .
وقال مُحَمَّد آبادي: (
((ويُضَيَّقُ)) بصيغةِ المَجهولِ مِنَ التَّضييقِ
((حَتَّى تَختَلِفَ فيه أضلاعُه)) بفتحِ الهَمزةِ، جَمعُ ضِلعٍ: وهو عَظمُ الجَنْبِ، أي: حَتَّى يَدخُلَ بَعضُها في بَعضٍ من شِدَّةِ التَّضييقِ والضَّغطةِ)
[1486] يُنظر: ((عون المعبود)) (13/ 65). .
وممَّا جاء في ضَمَّةِ المنافِقِ حديثُ أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، وفيه قَولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((وَإِنْ كَانَ مُنَافِقًا قَالَ: سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ فَقُلْتُ مِثْلَهُ، لَا أَدْرِى. فَيَقُولانِ: قَدْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُولُ ذَلِكَ، فَيُقَالُ لِلأَرْضِ: الْتَئِمِى عَلَيْهِ، فَتَلْتَئِمُ عَلَيْهِ فَتَخْتَلِفُ فِيهَا أَضْلَاعُهُ، فَلَا يَزَالُ فِيهَا مُعَذَّبًا حَتَّى يَبْعَثَهُ اللَّهُ مِنْ مَضْجَعِهِ )) [1487] أخرجه مُطَوَّلًا الترمذي (1071) واللَّفظُ له، والبزار (8462)، وابن حبان (3117). صَحَّحه ابنُ حبان، وحسَّنه الألباني في ((صحيح الترمذي)) (1071)، وقوَّى إسناده شعيب الأرناؤوط في تخريج ((صحيح ابن حبان)) (3117). .
قال المِظهَريُّ: (قَولُه:
((فيُقالُ لِلأرضِ: التَئمي عليه))،
((التأم)): إذا اجتَمَعَ...
((الاختِلافُ)): إدخالُ شَيءٍ في شَيءٍ.
((الأضلاعُ)) جَمعُ: ضِلعٍ، وهو عَظمُ الجَنبِ، يعني: يُؤمرُ قَبرُه حَتَّى يَقْرُبَ كُلُّ جانِبٍ مِنه إلَى الجانِب الآخَرِ ويَضُمَّه ويَعصرَه، فيَنضَمُّ القَبرُ ويَعصرُه حَتَّى يَدخُلَ عَظمُ جانِبه الأيمَنِ في جانِبه الأيسَرِ، وعَظْمُ جانِبه الأيسَرِ في جانِبه الأيمَنِ)
[1488] يُنظر: ((المفاتيح في شرح المصابيح)) (1/ 228). .
وقال المُباركفوريُّ: (
((التَئمي)) أيِ: انضَمِّي واجتَمِعي
((فتَختَلِفُ أضلاعُه)) بفتحِ الهَمزةِ، جَمعُ ضلعٍ، وهو عَظمُ الجَنْبِ، أيْ: تَزولُ عَنِ الهَيئةِ المُستَويةِ الَّتي كانَت عليها من شِدَّةِ التِئامِها عليه وشِدَّةِ الضَّغطةِ، وتُجاوِزُ جَنبَيه من كُلِّ جَنبٍ إلَى جَنبٍ آخَرَ)
[1489] يُنظر: ((تحفة الأحوذي)) (4/ 156). .