الْمَطْلَبُ الأوَّلُ: مَعنى الْمَسيحِ
اختَلَفَ أهلُ العِلمِ في اشتِقاقِ هذا اللَّفظِ على أقوالٍ كثيرةٍ جِدًّا.
فذَكَرَ
القُرطُبيُّ ثَلاثةً وعِشرينَ قَولًا
[2425] يُنظر: ((التذكرة)) (2/ 390). .
وقال الفيروزآباديُّ: (ذَكَرْتُ في اشتِقاقِه خَمسين قَولًا في شَرحي لصَحيحِ
البُخاريِّ وغَيرِه)
[2426] يُنظر: ((القاموس المحيط)) (ص: 225). .
ومِن تِلكَ الأقوالِ ما يُفيدُه حَديثُ:
((إنَّ الدَّجَّالَ مَمسوحُ العينِ )) [2427] أخرجه مسلم (2934) من حديث حذيفة بن أسيد رضي الله عنه. .
قال ابنُ الأثيرِ: (أمَّا الدَّجَّالُ فسُمِّيَ به؛ لأنَّ عينَه الواحِدةَ مَمسوحةٌ. ويُقالُ: رَجُلٌ مَمسوحُ الوَجه ومَسيحٌ، وهو ألَّا يَبقى على أحَدِ شِقَّيْ وَجْهِه عَينٌ ولا حاجِبٌ إلَّا استَوى)
[2428] يُنظر: ((النهاية)) (4/ 327). .
وقال
ابنُ فارِس: (الْمَسيحُ: الذي أحَدُ شِقَّيْ وَجْهِه مَمسوحٌ، لا عَينَ لَه ولا حاجِبَ. ومِنه سُمِّيَ الدَّجَّالُ مَسيحًا؛ لأنَّه مَمسوحُ العينِ)
[2429] يُنظر: ((مقاييس اللغة)) (5/ 322). .
ومِنَ الأقوالِ في مَعنى الْمَسيحِ بالنِّسبةِ للدَّجَّالِ: أنَّه يَمسَحُ الأرضَ، أي: يَقطَعُها
[2430] يُنظر: ((النهاية)) لابن الأثير (4/ 327). .
قال عياضٌ: (قال عيسى بن دينارٍ وغَيرُه: سُمِّي الدَّجَّالُ مَسيحًا؛ لأنَّه مَمسوحُ إحدى العَينينِ، فهو فَعِيلٌ بمَعنى مَفعولٍ... وقيلَ: بمَسحِه الأرضَ حينَ خُروجِه)
[2431] يُنظر: ((إكمال المعلم)) (1/ 519). .
وقال
القُرطُبيُّ: (أمَّا الدَّجَّالُ فُسُمِّيَ مَسيحًا لأنَّه مَمسوحُ إحدى العَينين، وقَد قيلَ في الدَّجَّالِ مِسِّيحٌ -بكَسرِ الْميمِ وشَدِّ السِّينِ- وبَعضُهم يَقولُ كذلك بالخاءِ الْمَنقوطةِ. وبَعضُهم يَقولُ: مَسيخٌ -بفَتحِ الْميمِ وبِالخاءِ والتَّخفيفِ-، والأوَّلِ أشهَرُ، وعليه الأكثَرُ، سُمِّيَ به؛ لأنَّه يَسيحُ في الأرضِ، أي: يَطوفُها ويَدخُلُ جَميعَ بُلدانِها إلَّا مَكةَ والمَدينةَ وبَيتَ الْمَقْدِسِ، فهو فعيلٌ بمَعنى فاعِلٍ، فالدَّجَّالُ يَمسَحُ الأرضَ مِحنةً، وابنُ مَريَم يَمسَحُها مِنحةً، وعلى أنَّه مَمسوحُ العينِ فَعيلٌ بمَعنى مَفعولٍ)
[2432] يُنظر: ((تفسير القرطبي)) (4/ 89). .
وقال
النَّوَويُّ: (وأمَّا الدَّجَّالُ فقيل سُمِّيَ بذلك؛ لأنَّه مَمسوحُ العينِ، وقيلَ: لأنَّه أعورُ، والأعورُ يُسَمَّى مَسيحًا، وقيلَ: لمَسحِه الأرضَ حينَ خُروجِه، وقيل غَيرُ ذلك)
[2433] يُنظر: ((شرح مسلم)) (2/ 234). .
وقال
العَينيُّ: (قَولُه: «
الْمَسيحُ الدَّجَّالُ» أمَّا تَسميَتُه بالمَسيحِ فلِأنَّ الخَيرَ مُسِحَ مِنه، فهو مَسيحُ الضَّلالةِ، وقيل: سُمِّيَ به لأنَّ عينَه الواحِدةَ مَمسوحةٌ، ويُقالُ: رَجُلٌ مَمسوحُ الوَجهِ ومَسيحٌ، وهو أنْ لا يَبقى على أحَدِ شِقَّيْ وَجْهِه عَينٌ ولا حاجِبٌ إلَّا استَوى. وقيلَ: لأنَّه يَمسَحُ الأرضَ، أي: يَقطَعُها)
[2434] يُنظر: ((شرح أبي داود)) (4/ 91). .
وقال
القَسطَلاني في الدَّجَّالِ: (سُمِّيَ... بالمَسيحِ؛ لأنَّ إحدى عينَيه مَمسوحةٌ، فعيلٌ بمَعنى مَفعولٍ، أو لأنَّه يَمسَحُ الأرضَ، أي: يَقطَعُها في أيَّامٍ مَعدودةٍ، فهو بمَعنى فاعِلٍ، أو لأنَّ الخَيرَ مُسِحَ مِنه، فهو مَسيحُ الضَّلالِ)
[2435] يُنظر: ((إرشاد الساري)) (2/ 131). .
وقال
الشَّوكانيُّ: (أمَّا الدَّجَّالُ فَسُمِّيَ مَسيحًا؛ لأنَّه مَمسوحُ إحدى العَينينِ، وقيل: لأنَّه يَمسَحُ الأرضَ، أي: يَطوفُ بُلدانَها إلَّا مَكَّةَ والمَدينةَ وبَيت الْمَقدِسِ)
[2436] يُنظر: ((تفسير الشوكاني)) (1/ 391). .
وقال ابنُ قاسِمٍ في الدَّجَّالِ: (سُمِّيَ بذلك لمَسحِه الأرضَ وذَهابِه فيها، أو لكَونِه مَمسوحًا عَن كُلِّ خَيرٍ، أو لأنَّه مَمسوحُ العينِ اليُمنى أعوَرُها... وقيلَ: إنَّه بالخاءِ الْمُعْجَمةِ، وهو بمَعنى الخِداعِ والكَذِبِ... قال أبو الهَيثَمِ وغَيرُه: الْمَسيحُ بالمُهمَلةِ ضَدُّ الْمَسيخِ، بالمُعجَمةِ، عيسى مَسحَه اللهُ إذ خَلقَه خَلقًا حَسَنًا، ومَسخَ الدَّجَّالَ إذ خَلقَه خَلقًا مَلعونًا)
[2437] يُنظر: ((حاشية الروض المربع)) (2/ 74). .
وأَوْلى هَذِه الأقوالِ أنَّه مَمسوحُ العينِ، كما جاءَ في الحَديثِ الصَّحيحِ:
((إنَّ الدَّجَّالَ مَمسوحُ العينِ )) [2438] أخرجه مسلم (2934) من حديث حذيفة بن أسيد رضي الله عنه. .