الفَرعُ الثَّاني: خُروجُ الدَّجَّالِ من جِهةِ الْمَشرِقِ
عَن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ الله عَنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:
((يَأْتي المَسِيحُ من قِبَلِ المَشْرِقِ)) [2559] أخرجه مسلم (1380) مُطَولًا. .
وعَن
أنسِ بنِ مالِكٍ رَضِيَ الله عَنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:
((يَتْبَعُ الدَّجَّالَ مِن يَهودِ أصبَهانَ سَبعونَ ألفًا عليهم الطَّيالِسةُ )) [2560] أخرجه مسلم (2944). .
وعَن فاطِمةَ بنتِ قَيسٍ رَضِيَ الله عَنها أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال عَنِ الدَّجَّالِ:
((أَلَا إنَّه في بَحْرِ الشَّأْمِ، أَوْ بَحْرِ اليَمَنِ، لا بَلْ من قِبَلِ المَشْرِقِ ما هُوَ، من قِبَلِ المَشْرِقِ ما هو، من قِبَلِ المَشْرِقِ، ما هو، وَأَوْمَأَ بيَدِهِ إلى المَشْرِقِ )) [2561] أخرجه مسلم (2942) مُطَولًا. .
قال عياضٌ: (قَولُه:
((لا، بَل من قِبَلِ الْمَشرِقِ ما هو، من قِبَلِ الْمَشرِقِ ما هو، وأومَأ بيدِه نَحوَ الْمَشرِقِ)) قال القاضي: لَيسَ «ما» هنا للنَّفي؛ لأنَّه إنَّما يُريدُ إثباتَ كونِه من جِهةِ الْمَشرِقِ، و"ما" هنا زائِدةٌ لصِلةِ الكَلامِ)
[2562] يُنظر: ((إكمال المعلم)) (8/ 502). .
وعَن
أبي بَكرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ الله عَنه قال: حَدَّثنا رَسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((الدَّجَّالُ يَخرُجُ من أرضٍ بالمَشرِقِ يُقالُ لَها: خُراسانُ)) [2563] أخرجه الترمذي (2237)، وابن ماجه (4072)، وأحمد (12) مُطَولًا. صحَّحه الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (2237)، وقال الترمذي: حسن غريب، وصحَّح إسنادَه أحمد شاكر في تخريج ((مسند أحمد)) (1/27)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (12). .
قال
عَلِيٌّ القارِي: (
((الدَّجَّالُ يَخرُجُ من أرضٍ بالمَشرِقِ يُقالُ لَها: خُراسانُ)): بضَمِّ أوَّلِه، في القاموسِ: إنَّه بلادٌ يَعني مَعروفةً بينَ بلادِ ما وراءَ النَّهرِ وبِلدانِ العِراقِ، مُعظَمُها الآنَ بَلِدةُ هراةَ الْمُسَمَّاةُ بخُراسانَ، كتَسميَةِ دِمشْقَ بالشَّامِ)
[2564] يُنظر: ((مرقاة المفاتيح)) (8/ 3479). .
وقال
الْمُناويُّ: (
((الدَّجَّالُ يَخرُجُ من أرضٍ)) يَعني بَلَدًا
((بالمَشرِقِ)) أي بجِهةِ الْمَشرِقِ
((يُقالُ لَها خُراسانُ)) بَلَدٌ كبيرٌ مَشهورٌ)
[2565] يُنظر: ((فيض القدير)) (3/ 539). .
وعَنِ النَّوَّاسِ بنِ سَمعانَ رَضِيَ الله عَنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:
((إنَّه خَارِجٌ خَلَّةً بيْنَ الشَّأْمِ والْعِرَاقِ)) [2566] أخرجه مسلم (2937) مُطَولًا. .
قال أبو العَبَّاس القُرطُبيُّ: (
((قَولُه: إنَّه خارِجٌ حَلَّة بينَ الشَّامِ والعِراقِ)) رُوِّيتُه وقيَّدْتُه بفَتحِ الحاءِ الْمُهمَلةِ، وتَشديدِ اللَّامِ، وهيَ رِوايةُ السجزيِّ، وقيلَ: مَعنى ذلك: قُبالةَ وسَمْتَ. وفي كِتابِ العين: والحَلَّةُ: مَوضِعُ حَزْنٍ وضُمورٍ، وسَقَطَت هَذِه الكَلِمةُ من رِوايةِ العذريِّ. ورُوِيَ عَنِ ابنِ الحذاءِ: حَلُّه بضَمِّ اللَّامِ وهاءِ الضَّميرِ، أي: نُزولُه وحُلولُه، وكَذا في كِتابِ التَّميميِّ، وهَكَذا ذَكَرَه الحُمَيديُّ، وأخرجه
الهَرَويُّ في غَريبِه: خَلَّةً: بالخاءِ الْمُعجَمةِ مَفتوحةً، وتَشديدِ اللَّامِ، وفَسَّرَه بأنَّه ما بينَ البَلدَتين، قال غَيرُه: هو الطَّريقُ في الرَّملِ، ويُجمَعُ: خلٌّ. قُلتُ: وقَد رَوى
التِّرمِذيُّ من حَديثِ
أبي بَكرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ الله عَنه قال: حَدَّثنا رَسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:
((الدَّجَّالُ يَخرُجُ من أرضٍ بالمَشرِقِ يُقالُ لَها: خُراسانُ، يَتبَعُه أفواجٌ، كأنَّ وُجوهَهم الْمَجَانُّ الْمُطْرَقةُ )) [2567] أخرجه الترمذي (2237) واللَّفظُ له، وابن ماجه (4072)، وأحمد (12). صحَّحه الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (2237)، وقال الترمذي: حسن غريب، وصحَّح إسنادَه أحمد شاكر في تخريج ((مسند أحمد)) (1/27)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (12). وذكر البزار في ((البحر الزخار)) (1/113) أن فيه سعيد بن أبي عروبة لم يسمع من أبي التياح. . قال: وفي البابِ عَن أبي هُرَيرةَ و
عائِشةَ رَضِيَ الله عَنهما، وهذا حَديثٌ حَسَنٌ غَريبٌ، ووَجهُ الجَمعِ بينَ هذا وبينَ الذي قَبلَه: أنَّ مُبتَدَأَ خُروجِ الدَّجَّالِ من خُراسانَ، ثُمَّ يَخرُجُ إلى الحِجازِ فيما بينَ العِراقِ والشَّامِ، والله تعالى أعلَمُ)
[2568] يُنظر: ((المفهم)) (7/ 278). .
قال
عليٌّ القارِي: (
((بينَ الشَّامِ والعِراقِ))، وأصلُه الطَّريقُ في الرَّملِ، وقال شارِحٌ: أي من سَبيلٍ بينَهما، ففيه إشارةٌ إلى أنَّها مَنصوبةٌ بنَزعِ الخافِضِ، ويُؤَيِّدُه ما في النِّهايةِ، أي: في طَريقٍ بينَهما. قال
النَّوَويُّ رَحِمُه الله: هَكَذا هو في نُسَخِ بلادِنا، خَلَّةً بفَتحِ الخاءِ الْمُعْجَمةِ وتَنوينِ التَّاءِ. وقال القاضي رَحِمُه الله: الْمَشهورُ فيه حَلَّةَ بالحاءِ الْمُهمَلةِ ونَصبِ التَّاءِ، يَعني غَيرَ مُنَوَّنةٍ، ومَعناه: سَمْتَ ذلك وقُبالَتَه. قُلتُ: الْمُناسِبُ أن يَكونَ هيَ الحَلَّةَ قَريةٌ بناحيةِ دِجْلةَ من بغداد، أهلُها شَرُّ مَن في البِلادِ مِنَ العمادِ. قال: وأخرجه بَعضُهم حَلُّه بضَمِّ اللَّامِ وبِهاءِ الضَّميرِ، أي: نُزولُه وحُلولُه)
[2569] يُنظر: ((مرقاة المفاتيح)) (8/ 3458). .
ولَعَلَّ الْمُرادَ بمَوضِعِ خُروجِه مَبدَأُ فتنَتِه ولَيسَ مَوضِعَ ميلادِه أو مَوضِعَ الجَزيرةِ الَّتي وُثِقَ فيها، وبِهذا -والله أعلَمُ- يَزولُ الإشكالُ الذي يُثيرُه كلامُ
ابنِ حِبَّانَ بَعدَ إيرادِه حَديثَ
((يَخرُجُ الدَّجَّالُ من هاهنا، وأشارَ نَحوَ الْمَشرِقِ)) [2570] أخرجه ابن حبان (6792)، وابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) (10/521) واللَّفظُ لهما، والحاكم (8609) باختلافٍ يسيرٍ من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. صحَّحه ابن حبان، وصحَّح إسنادَه الحاكم. ؛ حَيثُ قال
ابنُ حِبَّانَ مُعَلِّقًا: (قَولُ أبي هُرَيرةَ:
((وأشارَ نَحوَ الْمَشرِقِ)) أرادَ به البَحرين؛ لأنَّ البَحرينِ مَشرِقُ الْمَدينةِ، وخُروجُ الدَّجَّالِ يَكونُ من جَزيرةٍ من جَزائِرِها، لا من خُراسانَ، والدَّليلُ على صِحَّةِ هذا أنَّه مُوثَقٌ في جَزيرةٍ من جَزائِرِ البَحرِ، على ما أخبَرَ تَميمٌ الدَّاري، ولَيسَ بخُراسانَ بَحرٌ ولا جَزيرةٌ)
[2571] يُنظر: ((صحيح ابن حبان)) (15/ 203). .