المَطلَبُ السَّادِسُ: دُخُولُ عُصاةِ المُؤمِنينَ الجَنَّةَ
عَن أبي سَعيدٍ رَضيَ اللهُ عَنه قال: قال رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((أمَّا أهلُ النَّارِ الَّذينَ هم أهلُها فإنَّهم لا يَمُوتُونَ فيها ولا يَحيَونَ، ولَكِنْ ناسٌ أصابَتُهمُ النَّارُ بذُنُوبهم -أو قال: بخَطاياهم- فأماتَهم إماتةً، حَتَّى إذا كانُوا فَحمًا أُذِنَ بالشَّفاعةِ، فجيءَ بهم ضَبائِرَ ضَبائِرَ، فبُثُّوا على أنهارِ الجَنَّةِ، ثُمَّ قيلَ: يا أهلَ الجَنَّةِ أفيضُوا عليهم، فيَنبُتونَ نَباتَ الحِبَّةِ تَكُونُ في حَميلِ السَّيلِ )) [4352] أخرجه مسلم (185). .
قال
النَّوويُّ: (الظَّاهِرُ -واللهُ أعلَمُ- مِن مَعنى هذا الحَديثِ: أنَّ الكُفَّارَ الَّذينَ هم أهلُ النَّارِ والمُستَحِقُّونَ لِلخُلُودِ لا يَمُوتُونَ فيها ولا يَحيَونَ حياةً يَنتَفِعُونَ بها ويَستَريحُونَ مَعَها، كَما قال اللهُ تعالى:
لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا، وكَما قال تعالى:
ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى، وهذا جارٍ على مَذهَبِ أهلِ الحَقِّ أنَّ نَعيمَ أهلِ الجَنَّةِ دائِمٌ، وأنَّ عَذابَ أهلِ الخُلُودِ في النَّارِ دائِمٌ، وأمَّا قَولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((ولَكِنْ ناسٌ أصابَتْهمُ النَّارُ)) إلى آخِرِه، فمَعناه أنَّ المُذنِبينَ مِنَ المُؤمِنينَ يُميتُهمُ اللهُ تعالى إماتةً بَعدَ أن يُعَذَّبُوا المُدَّةَ الَّتي أرادَها اللهُ تعالى، وهذه الإماتةُ إماتةٌ حَقيقيَّةٌ يَذهَبُ مَعَها الإحساسُ، ويَكُونُ عَذابُهم على قَدرِ ذُنُوبِهم ثُمَّ يُميتُهم، ثُمَّ يَكُونُونَ مَحبُوسينَ في النَّارِ مِن غيرِ إحساسِ المُدَّةِ الَّتي قَدَّرَها اللهُ تعالى، ثُمَّ يَخرُجُونَ مِنَ النَّارِ مَوتى قَد صارُوا فَحمًا، فيُحمَلُونَ ضَبائِرَ كَما تُحمَلُ الأمتِعةُ، ويُلقَونَ على أنهارِ الجَنَّةِ، فيُصَبُّ عليهم ماءُ الحياةِ، فيَحْيَونَ ويَنبُتونَ نَباتَ الحِبَّةِ في حَميلِ السَّيلِ في سُرعةِ نَباتِها وضَعفِها، فتَخرُجُ لِضَعفِها صَفراءَ مُلتَويةً، ثُمَّ تَشتَدُّ قُوَّتُهم بَعدَ ذَلِكَ ويَصيرُونَ إلى مَنازِلِهم، وتَكمُلُ أحوالُهم، فهذا هو الظَّاهِرُ مِن لَفظِ الحَديثِ... وأمَّا قَولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ضَبائِرَ ضَبائِرَ... قال أهلُ اللُّغةِ: الضَّبائِرُ: جَماعاتٌ في تَفرِقةٍ، ورُويَ ضُباراتٍ ضُباراتٍ
[4353] أخرجه أحمد (11201)، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (11327)، وابن حبان (7379) مطولًا من حديث أبي سعيد الخدري رَضِيَ اللهُ عنه. صحَّحه ابن حبان، وصحَّح إسنادَه على شرط مسلم شعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (11201). ، وأمَّا قولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((فبُثُّوا))... معناه: فُرِّقُوا، واللهُ أعلَمُ)
[4354] يُنظر: ((شرح مسلم)) (3/ 37). .
وعَن
جابرِ بنِ عَبدِ اللهِ رَضيَ اللهُ عَنه أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:
((إنَّ أقوامًا يَخرُجُونَ مِنَ النَّارِ يَحتَرِقُونَ فيها، إلَّا داراتِ وُجُوهِهم، حَتَّى يَدخُلُونَ الجَنَّةَ )) [4355] أخرجه مسلم (191). .
قال
النَّوويُّ: (قَولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((إنَّ قَومًا يَخرُجُونَ مِنَ النَّارِ يَحتَرِقُونَ فيها إلَّا داراتِ وُجُوهِهم حَتَّى يَدخُلُونَ الجَنَّةَ)) هَكَذا هو في الأُصولِ: حَتَّى يَدخُلُونَ، بالنُّونِ، وهو صَحيحٌ، وهي لُغةٌ سَبَقَ بيانُها، وأمَّا داراتُ الوُجُوهِ فهي جَمعُ دارةٍ، وهي ما يُحيطُ بالوَجهِ مِن جَوانِبِه، ومَعناه أنَّ النَّارَ لا تَأكُلُ دارةَ الوَجهِ؛ لِكَونِها مَحَلَّ السُّجُودِ، ووقَعَ هنا إلَّا داراتِ الوُجُوهِ، وسَبَقَ في الحَديثِ الآخَرِ: إلَّا مَواضِعَ السُّجُودِ
[4356] لفظ الحديث: ((... تأكلُ النارُ من ابن آدم إلا أثَرَ السُّجودِ؛ حرَّم اللهُ على النَّارِ أن تأكُلَ أثَرَ السُّجودِ..)) أخرجه البخاري (7437)، ومسلم (182) واللَّفظُ له من حديث أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه. [4357] يُنظر: ((شرح مسلم)) (3/ 50). .
وعَن
جابرٍ رَضيَ اللهُ عَنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:
((يَخرُجُ مِنَ النَّارِ بالشَّفاعةِ كَأنَّهمُ الثَّعاريرُ ))، قُلتُ: ما الثَّعاريرُ؟ قال:
((الضَّغابيسُ)) [4358] أخرجه البخاري (6558). .
قال الكَرمانيُّ: (
((الثَّعاريرُ)) جَمعُ الثُّعرُورِ، بالمُثَلَّثةِ والمُهمَلةِ وضَمِّ الرَّاءِ الأُولى: القِثَّاءُ الصَّغيرُ ونَباتٌ كالهليُونِ وثَمَرِ الطَّراثيثِ، و«الضغبُوس» بالمُعجَمَتينِ وضَمِّ المُوحَّدةِ وبإهمالِ السِّينِ هو أيضًا القِثَّاءُ الصَّغيرُ ونَباتٌ كالهليُون، والرَّجُلُ الضَّعيفُ، والشَّوكُ الَّذي يُؤكَلُ، والغَرَضُ مِنَ التَّشبيهِ بيانُ حالِهم وطَراوةِ صُورَتِهم وتَجَرُّدِ خِلْقَتِهم)
[4359] يُنظر: ((الكواكب الدراري)) (23/ 52). .
وقال
ابنُ حَجَرٍ: (المَقصُودُ الوصفُ بالبياضِ والدِّقَّةِ... هذا التَّشبيهُ لِصِفَتِهم بَعدَ أن يَنبُتُوا، وأمَّا في أولِ خُرُوجِهم مِنَ النَّارِ فإنَّهم يَكُونُونَ كالفَحمِ)
[4360] يُنظر: ((فتح الباري)) (11/ 429). .
وعَن عِمرانَ بنِ حُصَينٍ رَضيَ اللهُ عَنهما عَنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:
((يَخرُجُ قَومٌ مِنَ النَّارِ بشَفاعةِ مُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فيَدخُلُونَ الجَنَّةَ، يُسَمَّونَ الجَهَنَّميِّينَ)) [4361] أخرجه البخاري (6566). .
قال الطِّيبيُّ: (قَولُه:
((يُسَمَّونَ الجَهَنَّميِّينَ)) ليسَتِ التَّسميةُ بها تَنقيصًا لَهم، بَلِ استِذكارًا، ليَزيدُوا فرحًا على فرحٍ، وابتِهاجًا على ابتِهاجٍ، ولِأن يَكُونَ ذَلِكَ عَلَمًا لِكَونِهم عُتَقاءَ اللهِ تعالى، ونَحوه ما سَبَقَ في حَديثِ أبي سَعيدٍ:
((فيَخرُجُونَ كاللُّؤلُؤِ في رِقابهمِ الخَواتيمُ، فيَقُولُ أهلُ الجَنةِ: هَؤُلاءِ عُتَقاءُ الرَّحمَنِ، أدخَلَهمُ الجَنَّةَ بغيرِ عَمَلٍ )) [4362] أخرجه البخاري (7439)، ومسلم (183) مطولًا باختلاف يسير. [4363] يُنظر: ((شرح المشكاة)) (11/ 3538). .
وقال ابنُ رسلان: (هذه التَّسميةُ بالجَهَنَّميِّينَ لِلتَّمييزِ عَمَّنْ لَم يَدخُلِ النَّارَ لا لِاحتِقارِهم والِازدِراءِ بهم، فإنَّ مِثلَ هذا لا يَحصُلُ في دارِ النَّعيمِ)
[4364] يُنظر: ((شرح سنن أبي داود)) (18/ 331). .
وعَن
أنسِ بنِ مالِكٍ رَضيَ اللهُ عَنه عَنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:
((يَخرُجُ قَومٌ مِنَ النَّارِ بَعدَما مَسَّهم مِنها سَفعٌ، فيَدخُلُونَ الجَنَّةَ، فيُسَمِّيهم أهلُ الجَنَّةِ الجَهَنَّميِّينَ )) [4365] أخرجه البخاري (6559). .
قال
ابنُ حَجَرٍ: (قَولُه: سَفْعٌ، بفَتحِ المُهمَلةِ وسُكُونِ الفاءِ، ثُمَّ عينٍ مُهمَلةٍ، أيْ: سَوادٌ فيه زُرقةٌ أو صُفرةٌ، يُقالُ: سَفعَتْه النَّارُ: إذا لَفَحَتْه فغيَّرَت لَونَ بَشَرَتِه)
[4366] يُنظر: ((فتح الباري)) (11/ 429). .
وقال
ابنُ باز: (يُزيلُ اللهُ العَلامةَ الَّتي عليهم، كَما جاءَ في بَعضِ الرِّواياتِ)
[4367] يُنظر: ((الحلل الإبريزية)) (4/ 272). .
وعَن أبي هُرَيرةَ رَضيَ اللهُ عَنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:
((حَتَّى إذا فرَغَ اللهُ مِنَ القَضاءِ بينَ العِبادِ، وأرادَ أن يُخرِجَ برَحمَتِه من أرادَ مِن أهلِ النَّارِ، أمرَ المَلائِكةَ أن يُخرِجُوا مِنَ النَّارِ مَن كانَ لا يُشرِكُ باللهِ شيئًا، مِمَّن أراد اللهُ أن يَرحَمَه مِمَّن يَقُولُ: لا إلَهَ إلَّا اللهُ، فيَعرِفُونَهم في النَّارِ، يَعرِفُونَهم بأثَرِ السُّجُودِ، تَأكُلُ النَّارُ مِنِ ابنِ آدَمَ إلَّا أثَرَ السُّجُودِ، حَرَّمَ اللهُ على النَّارِ أن تَأكُلَ أثَرَ السُّجُودِ، فيَخرُجُونَ مِنَ النَّارِ وقَدِ امتَحَشُوا «احتَرَقُوا»، فيُصَبُّ عليهم ماءُ الحياةِ، فيَنبتُونَ مِنه كَما تَنبُتُ الحِبَّةُ في حَميلِ السَّيلِ )) [4368] أخرجه مطولًا البخاري (6573)، ومسلم (182) واللَّفظُ له. .
قال أبُو العَبَّاس القُرطُبيُّ: (اقتِصارُه على لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، ولَم يُذكَر مَعَها الشَّهادةُ بالرِّسالةِ؛ إمَّا لِأنَّهما لَمَّا تَلازَمَتا في النُّطقِ، اكتَفى بذِكرِ إحداهما عَنِ الأُخرى، وإمَّا لِأنَّه لَمَّا كانَتِ الرُّسُلُ كَثيرينَ، ويَجِبُ على كُلِّ أحَدٍ أن يَعرِفَ برِسالةِ رَسُولِه، كانَ ذِكرُ جَميعِهم يَستَدعي تَطويلًا، فسَكتَ عَن ذِكرِهم عِلمًا بهم واختِصارًا لِذِكرِهم. واللهُ أعلَمُ. وقَولُه:
((قَدِ امتَحَشُوا)) صَوابُه بفَتحِ التَّاءِ والحاءِ، ومَعناه: احتَرَقُوا، يُقالُ: امتَحَشَ الخُبزُ، أي: احتَرَقَ... وقَد أخرجه بَعضُهم: امتُحِشُوا مَبنيًّا لِما لَم يُسَمَّ فاعِلُه، أي: أُحرِقُوا، والصَّوابُ الأولَ. والحُممُ: الفَحْمُ، واحِده حُمَمةٌ. والحِبَّةُ -بكَسرِ الحاءِ-: نورُ العُشبِ، والحَبَّةُ بفَتحِها: مِنَ الحِنْطةِ وغيرِها مِمَّا يُزرَعُ. وماءُ الحياةِ هو الَّذي مَن يَشرَبُه أو يُطهَّرُ به لَم يَمُتْ أبَدًا. وحَميلُ السَّيلِ ما يَحمِلُه مِن طينٍ وغُثاءٍ، فإذا اتَّفَقَ أن يَكُونَ فيه حِبَّةٌ، فإنَّها تَنبُتُ في يَومٍ وليلةٍ، وهي أسرَعُ نابتةٍ نَباتًا، فشَبَّه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ سُرعةَ نَباتِ أجسادِهم بسُرعةِ نَباتِ تِلكَ الحِبَّةِ)
[4369] يُنظر: ((المفهم)) (1/ 421). .
وقال
ابنُ باز: (الحَديثُ المَذكُورُ يَدُلُّ على أنَّ بَعضَ المُصلِّينَ يَدخُلُ النَّارَ لِأعمالِهم السَّيِّئةِ، لَكِن أماكِنُ السُّجُودِ لا تَأكُلُها النَّارُ)
[4370] يُنظر: ((الحلل الإبريزية)) (1/ 236). .
وعَن أبي سَعيدٍ الخُدريِّ رَضيَ اللهُ عَنه قال: قال رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((يُدخِلُ اللهُ أهلَ الجَنةِ الجَنَّةَ، يُدخِلُ مَن يَشاءُ برَحمَتِه، ويُدخِلُ أهلَ النَّارِ النَّارَ، ثُمَّ يَقُولُ: انظُرُوا مَن وجَدْتُم في قَلبِه حَبَّةً مِن خَردَلٍ مِن إيمانٍ فأَخرِجُوه )) [4371] أخرجه مطولًا البخاري (6560)، ومسلم (184) واللَّفظُ له. .
قال
علي القاري: (
((يَقُولُ اللهُ تعالى)) أي: لِلأنبياءِ أو لِغَيرِهم مِنَ الشُّفعاءِ أو لِلمَلائِكةِ، وهو الأظهَرُ لِما سيَأتي مَصرَّحًا في رِوايةِ أبي هُرَيرةَ
((مَن كانَ في قَلبِه مِثقالُ حَبَّةٍ مِن خَردَلٍ مِن إيمانٍ فأَخْرِجُوه)) [4372] أخرجها البخاري (6560) مطولًا أي: مِنَ النَّارِ. قيلَ: بهذا الحَديثِ يَظهرُ أنَّ مَن أخرَجَهمُ الرَّحمَنُ بقَبضةٍ كانُوا مُؤمِنينَ بلا خيرٍ وعَمَلٍ زائِدٍ على الإيمانِ، دُونَ الكُفَّارِ، كَما يُوهِمُه ظاهِرُ العِبارةِ هناكَ؛ فإنَّه مُخالِفٌ لِلإجماعِ)
[4373] يُنظر: ((مرقاة المفاتيح)) (8/ 3553). .
وعَن
جابِرِ بنِ عَبدِ اللهِ أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال في وُرُودِ النَّارِ:
((ثُمَّ تَحُلُّ الشَّفاعةُ ويَشفَعونَ حَتَّى يَخرُجَ مِنَ النَّارِ مَن قال: لا إلَهَ إلَّا اللهُ وكانَ في قَلبِه مِنَ الخيرِ ما يَزِنُ شَعيرةً، فيُجعَلُونَ بفِناءِ الجَنَّةِ، ويَجعَلُ أهلُ الجَنَّةِ يَرُشُّونَ عليهمُ الماءَ حَتَّى يَنبُتُوا نَباتَ الشَّيءِ في السَّيلِ، ويَذهَبَ حِراقُه، ثُمَّ يُسأَلُ حَتَّى تُجعَلَ لَه الدُّنيا وعَشَرةُ أمثالِها مَعَها )) [4374] أخرجه مسلم (191) مطولًا. .
قال عِياضٌ: (جاءَ في مَجمُوعِ هذه الأحاديثِ إخراجُهم مِنَ النَّارِ بشَفاعةِ نَبيِّنا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وغيرِه مِنَ الأنبياءِ والمَلائِكةِ وإخوانِهم مِنَ المُؤمِنينَ، ثُمَّ يُخرِجُ اللهُ كُلَّ مَن قال: لا إلَهَ إلَّا اللهُ، كَما جاءَ في الحَديثِ، حَتَّى لا يَبقى فيها إلَّا الكافِرُونَ ومَن حَبسَه القُرآنُ ووجَبَ عليه الخُلُودُ، كَما جاءَ في الحَديثِ
[4375] لفظ الحديث: عن أنس رَضِيَ اللهُ عنه عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((يجتمع المؤمنون يوم القيامة فيقولون: لو استشفَعْنا إلى ربنا.. فيأتوني، فأنطلق حتى أستأذِنَ على ربي.. ثم أعود الرابعةَ فأقول: ما بَقِيَ في النار إلا من حبسه القرآنُ ووجب عليه الخلودُ)). أخرجه مطولًا البخاري (4476) واللَّفظُ له، ومسلم (193) [4376] يُنظر: ((إكمال المعلم)) (1/ 565). .
وقال
النَّوويُّ: (قَولُه:
((ويَذهَبُ حِراقُه))... الضَّميرُ في حِراقه يَعُودُ على المُخرَجِ مِنَ النَّارِ، وعليه يَعُودُ الضَّميرُ في قَولِه: ثُمَّ يُسأَلُ. ومَعنى حِراقِه: أثَرُ النَّارِ. واللهُ أعلَمُ)
[4377] يُنظر: ((شرح مسلم)) (3/ 49). .
وعَن
أنسِ بنِ مالِكٍ رَضيَ اللهُ عَنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:
((يَخرُجُ مِنَ النَّارِ مَن قال: لا إلَهَ إلَّا اللهُ، وكانَ في قَلبه مِنَ الخيرِ ما يَزِنُ شَعيرةً، ثُمَّ يَخرُجُ مِنَ النَّارِ مَن قال: لا إلَهَ إلَّا اللهُ، وكانَ في قَلبه مِنَ الخيرِ ما يَزِنُ بُرَّةً، ثُمَّ يَخرُجُ مِنَ النَّارِ مَن قال: لا إلَهَ إلَّا اللهُ وكانَ في قَلبِه ما يَزِنُ مِنَ الخيرِ ذَرَّةً )) [4378] أخرجه مطولًا البخاري (7410) واللَّفظُ له، ومسلم (193). .
قال
القَسطلانيُّ: (
((يَخرُجُ مِنَ النَّارِ مَن قال: لا إلَهَ إلَّا اللهُ)) مَعَ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم
((وكانَ في قَلبِه مِنَ الخيرِ)) زيادةً على أصلِ التَّوحيدِ
((ما يَزِنُ شَعيرةً، ثُمَّ يَخرُجُ مِنَ النَّارِ مَن قال لا إلَهَ إلَّا اللهُ وكانَ في قَلبِه مِنَ الخيرِ ما يَزِنُ بُرَّةً)) حَبَّةً مِنَ الحِنطةِ
((ثُمَّ يَخرُجُ مِنَ النَّارِ مَن قال لا إلَهَ إلَّا اللهُ وكانَ في قَلبِه ما يَزِنُ مِنَ الخيرِ ذَرَّةً )) بفَتحِ الذَّالِ المُعجَمةِ وتَشديدِ الرَّاءِ، واحِدةُ الذَّرِّ، وهو النَّملُ الصِّغارُ أوِ الهَباءُ، الَّذي يَظهَرُ في عينِ الشَّمسِ أو غيرِ ذَلِكَ)
[4379] يُنظر: ((إرشاد الساري)) (10/ 386). .