المَطْلَب الخامِسُ: الضُّعفاءُ أكثَرُ أهلِ الجَنَّةِ
عَن حارِثةَ بنِ وهْبٍ الخُزاعيِّ رَضِيَ اللهُ عَنه أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:
((ألا أُخبِرُكم بأهلِ الجَنَّةِ؟ كُلُّ ضَعيفٍ مُتَضَعِّفٍ، لَو أقسَمَ على اللهِ لأبَرَّه )) [4685] أخرجه البخاري (4918)، ومسلم (2853) مطولًا. .
قال
النَّوويُّ: (مَعناه: يَستَضعِفُه النَّاسُ ويَحتَقِرُونَه ويَتَجَبَّرُونَ عليه؛ لِضَعفِ حالِه في الدُّنيا... والمُرادُ أنَّ أغلَبَ أهلِ الجَنةِ هَؤُلاءِ... وليسَ المُرادُ الِاستيعابَ)
[4686] يُنظر: ((شرح مسلم)) (17/187). .
وعَن أسامةَ بنِ زَيدٍ رَضِيَ اللهُ عَنه أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:
((قُمْتُ على بابِ الجَنةِ، فكانَ عامَّةُ مَن دَخَلَها المَساكينَ، وأصحابُ الجَدِّ مَحبُوسُونَ، غيرَ أنَّ أصحابَ النَّارِ قَد أُمِرَ بهم إلى النَّارِ )) [4687] أخرجه البخاري (5196)، ومسلم (2736). .
قال عياضٌ: (قَولُه:
((وإذا أصحابُ الجَدِّ مَحبُوسُون)) بفَتحِ الجيمِ، قال: أي أصحابُ البَختِ والسَّعادةِ في الدُّنيا، ويُحتَمَلُ أنَّ المُرادَ بذَلِكَ أصحابُ الأمرِ والسَّلطَنةِ مِن قَولِه:
وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا أي: عَظمَتُه وسُلْطانُه، ومَعنى
((مَحبُوسُون)): لِلحِسابِ، بدَليلِ قَولِه:
((إلَّا أصحابَ النَّارِ فقَد أُمِرَ بهم إلى النَّارِ)) يَعني: مَنِ استَحَقَّ النَّارَ مِنهم بكُفرِه أو مَعاصيه، وبَقي الآخَرُ لِلمُحاسَبةِ، أو حَتَّى يَسبِقَهمُ الفُقَراءُ ويَدخُلُونَ الجَنَّةَ قَبلَهم)
[4688] يُنظر: ((إكمال المعلم)) (8/ 233). .
وقال الطِّيبيُّ: (قيلَ: إنَّ الأغنياءَ وأربابَ الأموالِ والمَناصِبِ مَحبُوسُون، حُبِسُوا في العَرَصاتِ لِلحِسابِ والجَزاءِ والمُكافَأةِ، وقَولُه:
((غيرَ أنَّ أصحابَ النَّارِ قَد أُمِر بهم إلى النَّارِ)) المُرادُ مِنهمُ الكُفَّارُ، أي: يُساقُ الكُفَّارُ إلى النَّارِ ويُوقَفُ المُؤمِنونَ في العَرَصاتِ لِلحِساب، والفُقَراءُ همُ السَّابقُونَ إلى الجَنَّةِ لِفَقرِهم)
[4689] يُنظر: ((شرح المشكاة)) (10/ 3310). .
وقال ابنُ عُثيمين: (
((قُمْتُ على باب الجَنَّةِ فإذا عامَّةُ مَن دَخلَها المَساكينُ ))، يَعني: أكثَرَهم، أكثَرُ ما يَدخُلُ الجَنَّةَ الفُقَراءُ؛ لِأنَّ الفُقَراءَ في الغالِب أقرَبُ إلى العِبادةِ والخَشيةِ للهِ مِنَ الأغنياءِ،
كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى [العلق: 6، 7]، والغَنيُّ يَرى أنَّه مُستَغْنٍ بمالِه، فهو أقَلُّ تَعَبُّدًا مِنَ الفَقيرِ، وإن كانَ مِنَ الأغنياءِ مَن يَعبدُ اللهَ أكثَرَ مِنَ الفُقَراءِ، لَكِنَّ الغالِبَ
((وأصحابُ الجَدِّ مَحبُوسُونَ)) يَعني أصحابَ الحَظِّ والغِنى مَحبُوسُونَ لَم يَدخُلُوا الجَنَّةَ بَعدُ، الفُقَراءُ يَدخُلُونَ الجَنَّةَ قَبلَ الأغنياءِ (غيرَ أنَّ أصحابَ النَّارِ قَد أُمِرَ بهم إلى النَّارِ). فقَسَّمَ الرَّسولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم النَّاسَ إلى أقسامٍ ثَلاثةٍ:
أهلُ النَّارِ دَخلُوا النَّارَ -أعاذَنا اللهُ وإيَّاكم مِنها-، والفُقَراءُ دَخلُوا الجَنَّةَ، والأغنياءُ مِنَ المُؤمِنينَ مَوقُوفُونَ مَحبُوسُون إلى أن يَشاءَ اللهُ)
[4690] يُنظر: ((شرح رياض الصالحين)) (3/ 66). .
وعَنِ
ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهما قال: قال رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((اطَّلَعْتُ في الجَنَّةِ فرَأيتُ أكثَرَ أهلِها الفُقَراءَ)) [4691] أخرجه البخاري معلَّقًا بصيغة الجزم بعد حديث (6449)، وأخرجه موصولًا مسلم (2737). .
قال
ابنُ حَجَرٍ: (ظاهِرُ الحَديثِ التَّحريضُ على تَركِ التَّوسُّعِ مِنَ الدُّنيا)
[4692] يُنظر: ((فتح الباري)) (11/ 279). .
قَالَ ابنُ عُثيمين: (ذَكَرَ المُؤَلِّفُ
النَّوويُّ أحاديثَ في أنَّ الفُقَراءَ يَدخُلُونَ الجَنَّةَ قَبلَ الأغنياءِ، وأنَّ الفُقَراءَ أكثَرُ أهلِ الجَنَّةِ؛ وذَلِكَ لِأنَّ الفُقَراءَ ليسَ عِندَهم ما يُطْغِيهم، فهم مُتَمَسْكِنُون خاضِعُونَ)
[4693] يُنظر: ((شرح رياض الصالحين)) (3/ 380). .