الفَرعُ الثَّاني: قَعْرُ جَهَنَّمَ وعُمْقُها
عَن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عَنه قال: كُنَّا مَعَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذ سَمِعَ وَجْبةً، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((تَدرُونَ ما هذا؟)) قال: قُلنا: اللهُ ورَسولُه أعلَمُ. قال:
((هذا حَجَرٌ رُمِيَ به في النَّارِ مُنذُ سَبعينَ خَريفًا، فهو يَهوي في النَّارِ الآنَ، حَتَّى انتَهى إلى قَعرِها )) [5010] أخرجه مسلم (2844). .
قال القُرطُبيُّ: (الوَجْبةُ: الهَدَّةُ، وهي صَوتُ وَقْعِ الشَّيءِ الثَّقيلِ)
[5011] يُنظر: ((التذكرة)) (2/ 104). .
وقال
ابنُ عُثَيمين : (اتَّقُوا النَّارَ فإنَّ قَعرَها بَعيدٌ وأخْذَها شَديدٌ، قال أبُو هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عَنه: «كُنَّا عِندَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فسَمِعْنا وَجْبةً» أي: صَوتَ شيءٍ وقَعَ، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((أتدرُونَ ما هذا؟)) قُلْنا: اللهُ ورَسُولُه أعلَمُ، قال:
((هذا حَجَرٌ أرسَلَه اللهُ في جَهَنَّمَ مُنذُ سَبعينَ خَريفًا)) أي سَنةً، فالآنَ حينَ انتَهى إلى قَعرِها!)
[5012] يُنظر: ((الضياء اللامع)) (1/ 78). .
وعَن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عَنه أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:
((إنَّ الرَّجُلَ ليَتَكَلَّمُ بالكَلِمةِ لا يَرى بها بَأسًا يَهوي بها في النَّارِ سَبعينَ خَريفًا)) [5013] أخرجه الترمذي (2314)، وابن ماجه (3970)، وأحمد (7215) واللَّفظُ له. صحَّحه ابن حبان في ((صحيحه)) (5706)، والألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (2314)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (7215)، وصحَّح إسنادَه أحمد شاكر في تخريج ((مسند أحمد)) (15/107). وأصل الحديث في صحيح البخاريُّ (6477)، ومسلم (2988) ولفظ مسلم: ((إنَّ العبدَ ليتكَلَّمُ بالكَلِمةِ، ينزِلُ بها في النَّارِ أبعَدَ ما بين المشرِقِ والمَغرِبِ)). .
قال
ابنُ عُثيمين : (أكثَرُ ما يُدخِلُ النَّاسَ النَّارَ الفَمُ والفَرجُ؛ الفَمُ يَعني بذَلِكَ قَولَ اللِّسانِ؛ فإنَّ الإنسانَ قَد يَقُولُ كَلِمةً لا يُلقي لَها بالًا يَهوي بها في النَّارِ سَبعينَ خَريفًا، والعياذُ باللهِ، أيْ: سَبعينَ سَنةً)
[5014] يُنظر: ((شرح رياض الصالحين)) (3/ 567). .
وعَن خالِدِ بنِ عُمَيرٍ العَدويِّ قال: خَطَبَنا عُتْبةُ بنُ غَزوانَ، فحَمِدَ اللهَ وأثنى عليه، ثُمَّ قال: (أمَّا بَعدُ، فإنَّ الدُّنيا قَد آذَنَتْ بصَرمٍ ووَلَّتْ حَذَّاءَ، ولَم يَبقَ مِنها إلَّا صُبابةٌ كَصُبابةِ الإناءِ، يَتَصابُّها صاحِبُها، وإنَّكم مُنتَقِلُونَ مِنها إلى دارٍ لا زَوالَ لَها، فانتَقِلُوا بخيرِ ما بحَضرَتِكم، فإنَّه قَد ذُكِرَ لَنا أنَّ الحَجَرَ يُلقى مِن شَفَةِ جَهَنَّم، فيَهَوي فيها سَبعينَ عامًا، لا يُدرِكُ لَها قَعرًا، وواللهِ لِتُمَلأنَّ، أفعَجِبتُم؟)
[5015] أخرجه مسلم (2967). .
قال أبُو العَبَّاس القُرطُبيُّ: (يَعني: أنَّه ذُكِرَ لَه عَن رَسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ذَلِكَ؛ لِأنَّ مِثلَ هذا لا يُعرَفُ إلَّا مِن جِهةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فكَأنَّه لَم يَسمَعْه هو مِنَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، سَمِعَه مِن غيرِه، فسَكَتَ عَنه إمَّا نِسيانًا، وإمَّا لِأمرٍ يُسَوِّغُ لَه ذَلِكَ. ويحتَمِلُ أن يَكُونَ سمعَه هو من النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وسكَتَ عَن رَفعِه لِلعِلمِ بذَلِكَ. وشَفيرُ جَهَنَّمَ: حَرْفُها الأعلى. وحَرفُ كُلِّ شيءٍ: أعلاه وشَفيرُه. ومِنه: شَفيرُ العَينِ)
[5016] يُنظر: ((المفهم)) (7/ 123). .
وقال
علي القاري : (المَعنى: بَلَغَنا في
((أنَّ الحَجَرَ يُلقى)) أي: يُرمى
((مِن شَفَةِ جَهَنَّمَ)) : بفَتحِ أوَّلِه وبكَسرٍ، واحِدةُ الشِّفاه، أي: مِن طَرَفِها
((فيَهْوي)) أي: فيَسقُطُ الحَجَرُ ويَنزِلُ
((فيها)) أي: في جَهَنَّم
((سَبعينَ خَريفًا)) أي: سَنةً
((لا يُدرِكُ)) أيِ: الحَجَرُ
((لَها)) أي: جَهَنَّمَ
((قَعرًا)) ، وهو أبلَغُ مِن أن يُقالَ: لا يَصِلُ إلى قَعرِها، والمَعنى أنَّها مَعَ طُولِها وعَرضِها وعُمقِها،
((واللهِ لِتُمَلأنَّ)) بصيغةِ المَجهولِ، أي: جَهَنَّمُ مِنَ الكُفَّارِ)
[5017] يُنظر: ((مرقاة المفاتيح)) (9/ 3586). .
انظر أيضا:
عرض الهوامش