الفَرعُ السَّابعُ: أقوالُ العُلَماءِ في القَرنِ السَّابعِ
1. فخر الدِّين محمَّد بن عمر الرَّازيُّ (الشَّافعي). ت: 606 هـ قال
الرازي في تفسيرِ قَولِه تعالى:
وَلئِنْ سَأَلْتَهُمْ ليَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُواقَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ [التوبة: 65، 66]: (المسألةُ الثَّالثةُ: قَولُه:
قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ يدلُّ على أحكامٍ:
الحُكمُ الأوَّلُ: أنَّ الاستهزاءَ بالدِّينِ كيف كان، كُفرٌ باللهِ؛ وذلك لأَنَّ الاستهزاءَ يدلُّ على الاستخفافِ، والعُمدةُ الكبرى في الإيمانِ تعظيمُ اللهِ تعالى بأقصى الإمكانِ؛ والجَمعُ بينهما محالٌ.
الحُكمُ الثَّاني: أَنَّه يدلُّ على بطلانِ قَولِ من يقولُ: الكُفْرُ لا يدخُلُ إلَّا في أفعالِ القُلوبِ.
الحُكمُ الثَّالث: يدلُّ على أَنَّ قولَهم الذي صدر منهم كفرٌ في الحقيقةِ، وإِنْ كانوا منافِقين من قبلُ، وأَنَّ الكُفْرَ يمكِنُ أَنْ يتجدَّدَ من الكافِرِ حالًا فحالًا.
الحكمُ الرَّابِعُ: يدلُّ على أنَّ الكُفْرَ إِنَّما حَدَث بعد أنْ كانوا مُؤمِنين)
[1135] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (16/ 95). .
2. جلال الدِّين عبد الله بن نجم بن شاس (المالكيُّ). ت:616هـقال ابنُ شاس: (ظُهورُ
الرِّدَّة إمَّا أنْ يكونَ بالتَّصريحِ بالكُفْرِ، أو بلفظٍ يقتضيه، أو بفعلٍ يتضمَّنُه)
[1136] يُنظر: ((عقد الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة)) (3/297). .
3. برهان الدِّين محمود بن أحمد بن مازه (الحنفيُّ). ت:616هـقال ابنُ مازه: (من أتى بلفظةِ الكُفْرِ مع عِلمِه أَنَّها لَفظةُ الكُفْرِ عن اعتقادِه، فقد كَفَر، ولو لم يعتَقِدْ أو لم يعلَمْ أَنَّها لفظةُ الكُفْرِ، ولكن أتى بها عن اختيارٍ، فقد كَفَر عند عامَّةِ العُلَماءِ، ولا يُعْذَرُ بالجَهلِ…، ومن كَفَر بلسانِه طائعًا وقَلْبُه مطمئنٌّ بالإيمانِ، فهو كافِرٌ، ولا ينفَعُه ما في قَلْبِه)
[1137] يُنظر: ((الفتاوى التاتارخانية)) لعالم بن العلاء (5/458). .
4. عبد الله بن أحمد بن قُدامة المقدسيُّ (الحنبليُّ). ت:620هـ قال
ابنُ قدامةَ عن المرتدِّ: (يَفسُدُ صَومُه، وعليه قضاءُ ذلك اليومِ إذا عاد إلى الإسلامِ. سواءٌ أسلم في أثناءِ اليومِ، أو بعد انقضائِه، وسواءٌ كانت رِدَّته باعتقادِه ما يُكفَّرُ به، أو بشكِّه فيما يُكفَّرُ بالشَّكِّ فيه، أو بالنُّطقِ بكَلِمة الكُفْر مُستهزئًا أو غيرَ مُستهزئٍ؛ قال اللهُ تعالى:
وَلئِنْ سَأَلْتَهُمْ ليَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُواقَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ [التوبة: 65، 66]؛ وذلك لأنَّ الصَّومَ عـبادةٌ مِن شَرْطِها النِّيَّةُ، فأبطلَتْها
الرِّدَّةُ، كالصَّلاةِ والحجِّ، ولأَنَّه عبادةٌ محْضةٌ، فنافاها الكُفْرُ، كالصَّلاةِ)
[1138] يُنظر: ((المغني)) (4/370)، فالرِّدَّة عنده تكونُ بالاعتقادِ، وتكونُ بالنُّطق بكلمةِ الكُفرِ. .
وقال: (ومن سَبَّ اللهَ تعالى كَفَر، سواءٌ كان مازحًا أو جادًّا، وكذلك من استهزأ باللهِ تعالى، أو بآياتِه أو برُسُلِه، أو كُتُبِه، قال اللهُ تعالى:
وَلئِنْ سَأَلْتَهُمْ ليَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُواقَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ، وينبغي أَلَّا يُكْتَفى من الهازئِ بذلك بمجرَّدِ الإسلامِ، حتى يؤدَّب أدبًا يزجُرُه عن ذلك؛ فإنَّه إذا لم يُكتَفَ مِمَّن سبَّ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بالتَّوبةِ، فمِمَّن سبَّ اللهَ تعالى أَولى)
[1139] يُنظر: ((المغني)) (12/298). .
5. عثمان بن أبي بكرٍ المعروفُ بابنِ الحاجِبِ (المالكيُّ). ت:646هـقال
ابنُ الحاجب: (
الرِّدَّةُ: الكُفْرُ بعد الإسلامِ، ويكون: بصريحٍ، وبلفظٍ يقتضيه، وبفعلٍ يتضَمَّنُه)
[1140] يُنظر: ((جامع الأمهات) (ص512). .
6. أبو عبد اللهِ محمَّدُ بن أحمد القُرطبي (المالكيُّ). ت:671هـاستشهد بقَولِ
القاضي أبي بكرِ بنِ العَرَبي في تفسيرِ قَولِه تعالى:
وَلئِنْ سَأَلْتَهُمْ ليَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ.. ولم يتعقَّبْه بشيءٍ. فقال: (قال
القاضي أبو بكرِ بنُ العَرَبي: لا يخلو أنْ يكونَ ما قالوه من ذلك جدًّا أو هَزْلًا، وهو كيفما كان، كفْرٌ؛ فإِنَّ الهزلَ بالكُفْرِ كفرٌ لا خِلافَ فيه بين الأمَّة؛ فإنَّ التَّحقيق أخو العِلمِ والحقِّ، والهزْلَ أخو الباطِلِ والجَهلِ، قال علماؤنا: انظُرْ إلى قَولِه:
أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنْ الْجَاهِلِينَ [البقرة: 67])
[1141] يُنظر: ((تفسير القرطبي)) (8/197). والاعتقادُ لا يكونُ إلا جدًّا، فعَدَمُ اشتراطِه الجدَّ يعني عَدَمَ اشتراطِه الاعتقادَ. .
7. محيي الدين يحيى بن شرف النوويُّ (الشَّافعيُّ). ت:676هـ قال
النوويُّ عنِ
الرِّدَّةِ: (هي قَطعُ الإسلامِ، ويحصُلُ ذلك تارةً بالقَوْلِ الذي هو كفرٌ، وتارةً بالفِعْلِ، والأفعالُ الموجِبةُ للكُفرِ هي التي تصدُرُ عن تعمُّدٍ واستهزاءٍ بالدِّين صَريحٌ، كالسُّجودِ للصَّنمِ أو للشَّمسِ، وإلقاءِ المصحَفِ في القاذوراتِ، والسِّحرِ الذي فيه عبادةُ الشَّمسِ ونحوِها، قال الإمامُ: في بَعْض التَّعاليقِ عن شيخي أَنَّ الفِعْلَ بمجرَّدِه لا يكونُ كُفرًا، قال: وهذا زَلَلٌ عظيمٌ من المعلِّقِ، ذكَرْتُه للتَّنبيهِ على غلَطِه، وتحصُلُ
الرِّدَّةُ بالقَوْلِ الذي هو كُفرٌ، سواءٌ صدر عن اعتقادٍ أو عِنادٍ أو استهزاءٍ)
[1142] يُنظر: ((روضة الطالبين)) (7/283). .
وقال عند الكلامِ عن حُكمِ السِّحرِ: (ومنه ما يكونُ كفرًا، ومنه ما لا يكونُ كُفرًا بل معصيةٌ كبيرةٌ، فإِنْ كان فيه قولٌ أو فِعلٌ يقتضي الكُفْرَ، فهو كُفرٌ وإلَّا فلا، وأمَّا تعلُّمُه وتعليمُه فحرامٌ، فإنْ كان فيه ما يقتضي الكُفْرَ، كفِّر واسْتُتيبَ منه)
[1143] يُنظر: ((شرح مسلم)) (14/ 176). .
8. شِهاب الدِّين أحمد بن إدريسٍ القرافيُّ (المالكيُّ). ت:684هـ قال القرافي: (الكُفْرُ قِسمانِ: متَّفقٌ عليه، ومختَلَفٌ فيه هل هو كُفرٌ أمْ لا؟ فالمتَّفَقُ عليه نحوُ الشِّركِ باللهِ، وجَحْدِ ما عُلِمَ من الدِّينِ بالضَّرورةِ، كجَحْدِ وُجوبِ الصَّلاةِ والصَّومِ ونحوِهما، والكُفْرُ الفِعْليُّ نحوُ إلقاءِ المصحَفِ في القاذوراتِ، وجَحْدِ البَعْثِ أو النُّبوَّاتِ أو وَصْفِه تعالى بكونِه لا يَعلَمُ أو لا يريدُ أو ليس بحيٍّ ونحوِه، وأمَّا المختَلَف فيه…)
[1144] يُنظر: ((الفروق)) (1/224). .
وقال: (وأصلُ الكُفْرِ إِنَّما هو انتهاكٌ خاصٌّ لحُرمةِ الرُّبوبيَّة، إمَّا بالجَهلِ بوُجودِ الصَّانِعِ، أو صفاتِه العُلا، ويكونُ الكُفْرُ بفِعلٍ؛ كرَميِ المصحَفِ في القاذوراتِ، أو السُّجودِ لصَنَمٍ، أو التَّردُّدِ للكنائِسِ في أعيادِهم بزيِّ النَّصارى، ومباشَرةِ أحوالِـهم …)
[1145] يُنظر: ((الفروق)) (4/258). .
وقال: (
الرِّدَّةُ… عبارةٌ عن قَطعِ الإسلامِ مِن مُكَلَّفٍ، وفي غيرِ البالِغِ خلافٌ، إمَّا باللَّفظِ أو بالفِعْلِ؛ كإلقاءِ المصحَفِ في القاذوراتِ، ولكليهما مراتبُ في الظُّهورِ والخفاءِ)
[1146] يُنظر: ((الذخيرة)) (12/13). .