الفرَعُ التَّاسعُ: أقوالُ العُلَماءِ في القَرنِ التَّاسعِ
1. محمَّد بن شهاب البزَّاز (الحنفيُّ). ت:827هـقال ابنُ شهابٍ البزَّازُ: (ومن لقَّن إِنسانًا كَلِمةَ الكُفْر ليتكلَّمَ بها، كَفَر، وإِنْ كان على وَجهِ اللَّعِبِ والضَّحِكِ)
[1173] يُنظر: ((الفتاوى البزازية على حاشية الفتاوى الهندية)) (6/337). .
2. محمَّد بن إبراهيم الوزير الصَّنعانيُّ. ت:840هـقال محمَّدُ بن إبراهيم الوزير: (ومن العَجَبِ أَنَّ الخصومَ من البهاشمةِ
[1174] أصحاب أبي هاشمٍ الجُبَّائي المعتزلي. وغيرِهم، لم يساعِدوا على تكفيرِ النَّصارى الَّذين قالوا: إِنَّ اللهَ ثالثُ ثلاثةٍ، ومن قال بقولهِم، مع نصِّ القرآنِ على كُفْرِه، إلَّا بشرطِ أَنْ يعتقدوا ذلك مع القَوْلِ! وعارضوا هذه الآيةَ الظَّاهرةَ بعُمومِ مَفهومِ قَولِه:
وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا … وعلى هذا لا يكونُ شيءٌ من الأفعالِ والأقوالِ كُفرًا إلَّا مع الاعتقادِ، حتى قَتْلُ الأنبياءِ! والاعتقادُ من السَّرائرِ المحجوبةِ؛ فلا يتحقَّقُ كُفرُ كافِرٍ قطُّ إلَّا بالنَّصِّ الخاصِّ في شخصٍ شخصٍ!… قال جماعــة جلَّة من عُلَماء الإسلامِ: إنَّه لا يكفرُ المُسْلِم بما ينْدُرُ منه من ألفاظِ الكُفْرِ إلَّا أَنْ يَعلَمَ المتلفِّظُ بها أَنَّها كُفرٌ… وهذا خِلافٌ متَّجِهٌ، بخلافِ قَولِ البهاشمةِ: لا يكفُرُ وإِنْ عَلِمَ أَنَّه كُفرٌ حتَّى يعتَقِدَه…
[1175] إذَن هناك فرقٌ بين اشتراطِ العِلمِ بأنَّها كُفرٌ لينتفيَ مانِعُ الجَهلِ، وبين اشتراطِ الاعتقادِ. قد بالغ الشيخُ أبو هاشم وأصحابُه وغيرُهم فقالوا: هذه الآيةُ تدُلُّ على أَنَّ من لم يعتَقِدِ الكُفْرَ، ونطقَ بصريحِ الكُفْرِ، وبسَبِّ الرُّسُلِ أجمعين، وبالبراءةِ منهم، وبتكذيبِهم من غيرِ إكراهٍ، وهو يَعلَمُ أَنَّ ذلك كُفرٌ؛ أَنَّه لا يَكفُرُ! وهو ظاهِرُ اختيارِ
الزَّمخشري في"كشَّافه"، فإِنَّه فسَّر شَرْحَ الصَّدرِ بطِيبِ النَّفسِ بالكُفْرِ، وباعتقادِه معًا
[1176] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (2/ 636). ، واختاره الإمام يحيى عليه السَّلامُ، والأميرُ الحُسَين بن محمَّد، وهذا كلُّه ممنوعٌ لأمرَينِ؛ أحَدُهما: معارضةُ قَولِهم بقَولِه تعالى:
لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ فقضى بكُفرِ من قال ذلك بغيرِ شَرطٍ
[1177] أي: بغيرِ شرطِ الاعتقادِ أو التكذيبِ أو نحوِ ذلك. ، فخرج المُكْرَهُ بالنَّصِّ
[1178] أي: بقَولِه تعالى: إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ. والإجماعُ، وبقي غَيرُه، فلو قال مكلَّفٌ مختارٌ غيرُ مُكْرَهٍ بمقالةِ النَّصارى التي نصَّ القُرآنُ على أَنَّها كُفرٌ، ولم يعتَقِدْ صِحَّةَ ما قال، لم يكفِّروه، مع أَنَّه لعِلْمِه بقُبْحِ قَولِه يجِبُ أَنْ يكونَ أعظَمَ إِثْمًا من بَعْضِ الوُجوهِ؛ لِقَولِه تعالى:
وَهُمْ يَعْلَمُونَ، فعَكَسوا، وجعلوا الجاهلَ بذنبِه كافِرًا، والعالِمَ الجاحدَ بلسانِه مع عِلْمِه مُسْلِمًا!
الأمرُ الثَّاني: أَنَّ حُجَّتَهم دائرةٌ بين دلالتَينِ ظنِّيَتَينِ قد اختلَف فيهما في الفُروعِ الظَّنِّيةِ. إحداهما: قياسُ العامِدِ على المُكْرَهِ، والقَطعُ على أَنَّ الإِكراهَ وَصفٌ مُلْغًى مثلُ كَونِ القائِلِ بالثَّلاثة نصرانيًّا، وهذا نازلٌ جدًّا، ومِثلُه لا يُقْبَلُ في الفُروع الظَّنِّيَّة. وثانيتُهما: عمومُ المفهومِ
وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بالكُفْرِ صَدْرًا فإِنَّه لا حُجَّةَ لهم في منطوقِها قَطْعًا وِفاقًا؛ وفي المفهومِ خلافٌ مشهورٌ هل هو حُجَّةٌ ظنِّيَّة؟ مع الاتِّفاقِ على أَنَّه هنا ليس بحُجَّة قَطعيَّة، ثُمَّ في إثباتِ عُمومٍ له خلافٌ، وحجَّتُهم هنا من عمومِه أيضًا، وهو أضعَفُ منه. بيانُه أَنَّ مفهومَ الآيةِ: ومن لم يشْرَحْ بالكُفْرِ صَدرًا فهو بخلافِ ذلك، سواءٌ قال كَلِمةَ الكُفْرِ بغيرِ إِكراهٍ أو قالها مع إكراهٍ، فاحتَمَل أَلَّا يدخُلَ المختارُ، بل رُجِّحَ أَلَّا يدخُلَ؛ لأَنَّ سبَبَ النُّزولِ في المُكْرَه، والعمومُ المنطوقُ يُضعِفُ شمولَه بذلك، ويختَلِفُ فيه، فضعُفَ ذلك في الظَّنِّيَّات من ثلاثِ جِهاتٍ: من كونِه مفهومًا، وكونِه عُمومَ مفهومٍ، وكونِه على سببٍ مضادٍّ لمقصودِهم)
[1179] يُنظر: ((إيثار الحق على الخلق)) (ص: 379، 395). وخلاصةُ كلامِه: أَنَّ اشتراط البهاشمة أنَّه لا يكونُ شيءٌ من الأفعال والأقوالِ كُفرًا إلَّا مع الاعتقادِ: باطِلٌ، واستشهادُهم بآيةِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا لا يَصِحُّ. .
3. علاء الدِّين عليُّ بن خليل الطَّرابلسيُّ (الحنفيُّ). ت:844هـ قال علاء الدين الطَّرابلسي: («فَصلٌ في
الرِّدَّة»: نعوذُ بالله منها، ونسأل اللهَ حُسنَ الخاتمةِ، وهي الكُفْرُ بعد الإسلامِ، ويكونُ بصريحٍ، وبلفظٍ يقتضيه، وبفعلٍ يتضمَّنُه،… واللفظ الَّذي يقتضي الكُفْرَ، كجحْدِهِ لمِا عُلِمَ من الشَّريعةِ ضَرورةً؛ كالصَّلاة والصِّيام،… وأمَّا الفِعْلُ الذي يتضمَّنُ الكُفْرَ، فمِثلُ: التَّردُّد في الكنائِسِ، والتزامِ الزُّنَّار في الأعياد. انظر الخلاصة. وكتلطيخ الرُّكن الأسوَدِ بالنَّجاساتِ، وإلقاءِ المصحَفِ في القاذوراتِ، وكذا لو وضع رجلَه عليه استخفافًا. من القنية)
[1180] يُنظر: ((معين الحكَّام فيما يتردَّد بين الخصمين من الأحكام)) (ص: 144). .
4. أحمد بن علي بن حَجَر العسقلاني (الشَّافعي). ت:852هـنقل
ابن حجرٍ كلامًا لأحد أئمَّةِ الشَّافعية مُقِرًّا له: (ونقل أبو بكرٍ الفارسيُّ أحد أئمَّة الشَّافعيَّة في كتاب الإجماعِ أَنَّ من سبَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ممَّا هو قذفٌ صريحٌ، كَفَر باتِّفاقِ العُلَماءِ)
[1181] يُنظر: ((فتح الباري)) (12/282). والسبُّ فعلٌ، ولم يقيِّده بالاعتقادِ. .
5. كمال الدين بن عبد الواحد ابن الهمام (الحنفيُّ). ت:861هـقال
ابنُ الهمام: (ومن هَزَل بلَفظِ كُفرٍ، ارتدَّ، وإِنْ لم يعتَقِدْه؛ للاستخفافِ، فهو ككُفرِ العنادِ، والألفاظُ التي يَكفُرُ بها تُعرَفُ في الفتاوى)
[1182] يُنظر: ((فتح القدير)) (6/91). .
6. جلال الدِّين محمَّد بن أحمد المَحليُّ (الشَّافعيُّ). ت:864هـقال
المحلي في تعريف
الرِّدَّة: («هي قَطعُ الإسلامِ بنيَّةِ» كُفرٍ «أو قَولِ ُكفرٍ أو فِعلٍ» مكفِّرٍ، «سواءٌ» في القَوْلِ «قاله استهزاءً أو عنادًا أو اعتقادًا»)
[1183] يُنظر: ((كنز الراغبين شرح منهاج الطالبين)) مع حاشية قليوبي وعميرة (4/267). .
7. محمَّد بن أحمد بن عماد الأقفهسي (الشَّافعيُّ). ت:867هـقال الأقفهسي: (باب
الرِّدَّة. نعوذ باللهِ منها. تحصُل بأحَدِ ثلاثةِ أشياءَ: النِّيَّة، والقَوْل، والفِعْل. فلو نوى قَطْعَ الإسلامِ بقَلْبِه ولم يتلفَّظْ، أو نَطَق بكَلِمة كُفرٍ، أو سَجَد لصنمٍ أو شمسٍ؛ فمرتَدٌّ. وسواءٌ قال ذلك أو فعله اعتقادًا، أو استهزاءً، أو عنادًا. واعلَمْ أَنَّ القَوْلَ والفِعْلَ تارةً يستويان، وتارةً يكونُ الفِعْلُ أقوى، وتارةً يكونُ القَوْلُ أقوى. فالأوَّلُ: ك
الرِّدَّةِ، وإِنَّما تحصُلُ بالقَوْلِ والفِعْلِ، كما ذكَرْنا ...)
[1184] يُنظر: ((الإرشاد)) (1/553). .
8. محمَّد بن محمَّد بن محمَّد (ابن أمير الحاج) (الحنفيُّ). ت: 879هـقال ابنُ أمير الحاج: («وأمَّا ثبوتُ
الرِّدَّة بالهَزْلِ» أي: بتكلُّم المُسْلِم بالكُفْرِ هَزْلًا «فيه» أي: فثُبوتُها بالهَزْلِ نَفْسِه «للاستخفاف»؛ لأَنَّ الهازِلَ راضٍ بإجراءِ كَلِمةِ الكُفْرِ على لسانِه، والرِّضا بذلك استخفافٌ بالدِّينِ، وهو كفرٌ بالنَّصِّ؛ قال تعالى:
وَلئِنْ سَأَلْتَهُمْ ليَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ [التوبة: 65-66] ، وبالإجماعِ، «لا بما هَزَل به»، وهو اعتقادُ معنى كَلِمةِ الكُفْرِ التي تكَلَّم بها هازلًا …)
[1185] يُنظر: ((التقرير والتحبير)) (2/ 267). .
9. محمَّد بن أحمد المنهاجيُّ الأسيوطيُّ (الشَّافعيُّ). ت:880هـقال المنهاجي: (
الرِّدَّةُ: وهي قَطعُ الإسلامِ بنيَّةٍ أو قَولِ كُفرٍ أو فِعلٍ، سواءٌ قاله استهزاءً أو عنادًا أو اعتقادًا)
[1186] يُنظر: ((جواهر العقود)) (2/250). .
10. عليُّ بن سليمان المرداويُّ (الحنبليُّ). ت:885هـقال المرداويّ: (قَولُه: «فمن أشْرَك باللهِ أو جَحَد ربوبيَّتَه أو وَحْدانيَّتَه أو صفةً من صفاتِه أو اتَّخذ لله صاحبةً أو ولدًا، أو جحَد نبيًّا أو كتابًا من كُتُبِ اللهِ أو شيئًا منه، أو سبَّ اللهَ أو رسولَه؛ كَفَر بلا نزاعٍ في الجُملةِ» مرادُه إذا أتى بذلك طوعًا، ولو هازلًا، وكان ذلك بعد أَنْ أسلم طوعًا، وقيل: وكَرهًا، قال جماعةٌ من الأصحابِ: أو سجد لشمسٍ أو قمرٍ، قال في التَّرغيب: أو أتى بقولٍ أو فعلٍ صريحٍ في الاستهزاءِ بالدِّينِ)
[1187] يُنظر: ((الإنصاف)) (10/326). .
11. محمد بن فراموز (مُلا خِسرو) (الحنفي). ت:885هـقال ملا خسرو مستشهدًا بكلامِ برهان الدِّين بن مازه: (وفي المحيط: من أتى بلفظةِ الكُفْرِ مع عِلْمِه أَنَّها كفرٌ، إِنْ كان عن اعتقادٍ لا شكَّ أَنَّه يَكفُرُ، وإنْ لم يعتَقِدْ أو لم يعلَمْ أَنَّها لفظةُ الكُفْرِ، ولكن أتى بها عن اختيارٍ فقد كفر عند عامَّة العُلَماءِ، ولا يُعذَر بالجَهلِ، وإِنْ لم يكن قاصِدًا في ذلك بأَنْ أراد أن يتلفَّظ بشيءٍ آخَرَ فجرى على لسانِه لفظةُ الكُفْرِ … فلا يَكفُرُ، وفي الأجناس عن محمَّد نصًّا: إنَّ من أراد أَنْ يقولَ: أكلتُ، فقال: كفَرْتُ؛ أنَّه لا يَكفُرُ، قالوا: هذا محمولٌ على ما بينه وبين الله تعالى، فأمَّا القاضي فلا يصدِّقُه، ومن أضمر الكُفْرَ أو همَّ به فهو كافِرٌ، ومن كَفَر بلِسانِه طائعًا وقَلْبُه مطمئنٌّ بالإيمانِ، فهو كافِرٌ، ولا ينفَعُه ما في قَلْبِه؛ لأنَّ الكافِرَ يُعرَفُ بما ينطِق به، فإذا نطَق بالكُفْرِ كان كافِرًا عندنا وعند الله تعالى، كذا في المحيط)
[1188] يُنظر: ((درر الحكام)) (1/324). .
12. أبو عبد الله محمَّد بن قاسم الرصَّاع (المالكيُّ). ت:894هـقال الرصاع: (بابٌ فيما تظهر به
الرِّدَّة، قال الشَّيخُ ابنُ شاس رحمه الله: ظُهورُ
الرِّدَّةِ إمَّا بتصريحٍ بالكُفْرِ، أو بلفظٍ يقتضيه، أو فعلٍ يتضمَّنُه، قال الشَّيخُ رحمه الله بعد نَقْلِه له: قولُه: «بلفظٍ يقتضيه» كإنكارِ غيرِ حديثِ الإسلامِ وُجوبَ ما عُلِمَ من الدِّين ضرورةً، قوله: «أو فِعلٍ يقتضيه» كلبس الزُّنَّار، وإلقاءِ المصحَفِ في طريقِ النجاسةِ، أو السُّجودِ للصَّنمِ، ونحوِ ذلك)
[1189] يُنظر: ((شرح حدود ابن عرفة)) (2/634). .