الفَصْل الثَّاني: أقوالُ أهلِ العِلمِ في بيانِ مَنزِلةِ أعمالِ الجوارِحِ من الإيمانِ
لا ينفَعُ اعتقادٌ بالقَلْبِ بدونِ عَمَلِ الجوارحِ، فالأعمالُ جزءٌ من الإيمانِ، والإيمانُ لا يصِحُّ ولا يستقيمُ بدونِها، وهذه أقوالُ بعضِ أهلِ العِلمِ في بيانِ مَنزِلةِ أعمالِ الجوارحِ مِن الإيمانِ:
1- قال سَعيدُ بنُ جُبَيرٍ: (لا يُقبَلُ قَولٌ إلَّا بعَمَلٍ، ولا يُقبَلُ عَمَلٌ إلَّا بقولٍ، ولا يُقبَلُ قَولٌ وعَمَلٌ إلَّا بنيَّةٍ، ولا يُقبَلُ قَولٌ وعَمَلٌ ونيَّةٌ إلَّا بنيَّةٍ مُوافِقةٍ للسُّنَّةِ)
[3000] أخرجه اللالكائي في ((شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة)) (1/ 64). .
2- قال الحَسَنُ البصريُّ: (الإيمانُ قَولٌ، ولا قَولَ إلَّا بعَمَلٍ، ولا قَولَ وعَمَلَ إلَّا بنيَّةٍ، ولا قولَ وعَمَلَ ونيَّةَ إلَّا بسُنَّةٍ)
[3001] أخرجه ابن بطة في ((الإبانة الكبرى)) (2/ 803)، واللالكائي في ((شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة)) (1/ 63). .
3- قال الأوزاعيُّ: (لا يستقيمُ الإيمانُ إلَّا بالقَولِ، ولا يستقيمُ الإيمانُ والقَولُ إلَّا بالعَمَلِ، ولا يستقيمُ الإيمانُ والقَولُ والعَمَلُ إلَّا بنيَّةٍ مُوافِقةٍ للسُّنَّةِ)
[3002] أخرجه ابن بطة في ((الإبانة الكبرى)) (2/807)، ونقله شيخ الإسلام في ((مجموع الفتاوى)) (7/296) وعلَّق عليه بقوله: (وهذا معروفٌ عن غير واحدٍ من السَّلَفِ والخَلَفِ؛ أنَّهم يجعلون العَمَلَ مُصَدِّقًا للقَولِ). .
4- قال مَعقِلُ بنُ عبيدِ اللهِ العَبْسيُّ: (قَدِمتُ المدينةَ فجَلَسْتُ إلى نافعٍ، فقُلتُ له: يا أبا عبدِ اللهِ: إنَّ لي إليك حاجةً، فقال: ما حاجتُك؟ قال: قلتُ: أخْلِني مِن هذا، قال: تَنَحَّ يا عَمْرُو، فذكرتُ له بُدُوَّ قَولِهم أي: أهلِ الإرجاءِ الذين أخرَجوا الأعمالَ من الإيمانِ، فقال: قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((أُمِرْتُ أن أضرِبَهم بالسَّيفِ حتى يقولوا: لا إلهَ إلَّا اللهُ، فإذا قالوا: لا إلهَ إلَّا اللهُ عَصَموا مِنِّي دِماءَهم وأموالَهم إلَّا بحَقِّه، وحِسابُهم على اللهِ )) [3003] أخرجه البخاري (25)، ومسلم (22) باختِلافٍ يسيرٍ من حَديثِ عبدالله بن عمر رضي الله عنهما. ، قلتُ: إِنَّهم يقولون: نحن نقرُّ بأَنَّ الصَّلاةَ فريضةٌ ولا نصَلِّي، وأَنَّ الخَمرَ حَرامٌ ونحن نَشرَبُها، وأنَّ نِكاحَ الأُمَّهاتِ حرامٌ ونحن نفعَلُ. قال: فنَتَر يَدَه من يدي ثُمَّ قال: من فَعَل هذا فهو كافِرٌ)
[3004] يُنظر: ((السنة)) لعبد الله بن أحمد (1/383). .
5- قال سُفيانُ بنُ عُيَينةَ: (يقولونَ: الإيمانُ قَولٌ، ونحن نقولُ: الإيمانُ قَولٌ وعَمَلٌ، والمرجِئةُ أوجَبوا الجنَّةَ لِمن شَهِد أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ مُصِرًّا بقَلْبِه على تركِ الفرائِضِ، وسَمَّوا تَرْكَ الفرائِضِ ذَنبًا بمنزلةِ ركوبِ المحارمِ! وليس بسواءٍ؛ لأنَّ ركوبَ المحارمِ مِن غيرِ استحلالٍ: مَعِصيةٌ، وتَرْكَ الفرائِضِ متعَمِّدًا من غيرِ جَهلٍ ولا عُذرٍ: هو كُفرٌ، وبيانُ ذلك في أمرِ آدَمَ صَلَواتُ اللهِ عليه، وإبليسَ وعُلَماءِ اليهودِ؛ أمَّا آدَمُ فنهاه اللهُ عزَّ وجَلَّ عن أكلِ الشَّجَرةِ وحَرَّمها عليه، فأكَلَ منها متعَمِّدًا؛ ليكونَ مَلَكًا أو يكونَ مِن الخالدينِ، فسُمِّيَ عاصيًا من غيرِ كُفرٍ، وأمَّا إبليسُ -لعنه اللهُ- فإنَّه فُرِضَ عليه سَجدةٌ واحدةٌ، فجَحَدها متعَمِّدًا؛ فسُمِّيَ كافرًا، وأمَّا عُلَماءُ اليهودِ فعَرَفوا نَعْتَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وأنَّه نبيٌّ رَسولٌ، كما يعرِفون أبناءَهم، وأقَرُّوا به باللِّسانِ، ولم يَتَّبِعوا شريعَتَه؛ فسَمَّاهم اللهُ عزَّ وجَلَّ كُفَّارًا، فركوبُ المحارِم مِثلُ ذَنبِ آدَمَ عليه السَّلامُ وغيرِه من الأنبياءِ، وأمَّا تَركُ الفرائِضِ جُحودًا فهو كُفرٌ مثِلُ كُفرِ إبليسَ لعنه الله، وترْكُها على معرفةٍ من غيرِ جُحودٍ، فهو كُفرٌ، مِثلُ كُفرِ عُلَماءِ اليَهودِ. واللهُ أعلَمُ)
[3005] يُنظر: ((السنة)) لعبد الله بن أحمد (1/347). .
6- قال أبو بكرٍ الآجُريُّ: (الأعمالُ -رحِمَكم اللهُ- بالجوارحِ: تصديقٌ للإيمانِ بالقَلبِ واللِّسانِ، فمن لم يصدِّقِ الإيمانَ بعَمَلِ جوارِحِه، مِثلُ: الطَّهارةِ، والصَّلاةِ والزَّكاةِ، والصِّيامِ والحَجِّ وأشباهٍ لهذه، ورَضِيَ من نَفْسِه بالمعرفةِ والقَولِ؛ لم يكُنْ مُؤمِنًا، ولم تنفَعْه المعرفةُ والقَولُ، وكان تركُه للعَمَلِ تكذيبًا لإيمانِه، وكان العَمَلُ بما ذكَرْناه تصديقًا لإيمانِه. وباللهِ التوفيقُ)
[3006] يُنظر: ((الشريعة)) (2/614). .
7- قال ابنُ بطَّةَ العُكبريُّ: (الإيمانُ قَولٌ وعَمَلٌ، وأنَّ من صَدَّق بالقَولِ وتَرَك العَمَلَ، كان مُكَذِّبًا وخارجًا من الإيمانِ، وأنَّ اللهَ لا يقبَلُ قَولًا إلَّا بعَمَلٍ، ولا عَمَلًا إلَّا بقَولٍ)
[3007] يُنظر: ((الإبانة)) (2/795). .
8- قال ابنُ تيميَّةَ: (الإيمانُ عند أهلِ السُّنَّةِ والجماعةِ قَولٌ وعَمَلٌ، كما دَلَّ عليه الكِتابُ والسُّنَّةُ، وأجمع عليه السَّلَفُ، وعلى ما هو مُقَرَّرٌ في موضِعِه، فالقَولُ تصديقُ الرَّسولِ، والعَمَلُ تصديقُ القَولِ، فإذا خلا العَبدُ عن العَمَلِ بالكُلِّيَّةِ لم يكُنْ مُؤمِنًا)
[3008] يُنظر: ((شرح العمدة)) (2/86). .
9- قال ابنُ القَيِّمِ: (الإيمانُ له ظاهِرٌ وباطِنٌ، وظاهِرُه قَولُ اللِّسانِ وعَمَلُ الجوارحِ، وباطِنُه تصديقُ القَلْبِ وانقيادُه ومحَبَّتُه، فلا ينفَعُ ظاهِرٌ لا باطِنَ له، وإن حَقَن به الدِّماءَ، وعَصَم به المالَ والذُّرِّيةَ)
[3009] يُنظر: ((الفوائد)) (ص: 85). .
10- قال مُحمَّدُ بنُ عبدِ الوَهَّابِ: (اعلَمْ -رَحِمَك اللهُ- أنَّ دِينَ اللهِ يكونُ على القَلْبِ بالاعتقادِ، وبالحُبِّ وبالبُغضِ، ويكونُ على اللِّسانِ بالنُّطقِ، وتَرْكِ النُّطقِ بالكُفرِ، ويكونُ على الجوارحِ بفِعلِ أركانِ الإسلامِ، وتَرْكِ الأفعالِ التي تُكَفِّرُ، فإذا اخَتَلَّ واحِدةٌ من هذه الثَّلاثِ، كَفَر وارتَدَّ)
[3010] يُنظر: ((الدرر السنية)) (10/87). .
11- قال السَّعديُّ: (الإيمانُ يشمَلُ عقائِدَ الدِّينِ وأعمالَ القُلوبِ والجوارحِ)
[3011] يُنظر: ((مجموع الفوائد واقتناص الأوابد)) (ص: 49). .
12- قال حافظ الحَكَمي: (مُحالٌ أن ينتفِيَ انقيادُ الجوارِحِ بالأعمالِ الظَّاهرةِ مع ثبوتِ عَمَلِ القَلبِ؛ قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((إِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلا وَهِيَ الْقَلْبُ )) [3012] أخرجه البخاري (52) ومسلم (1599) مطولًا من حَديثِ النعمان بن بشير رضي الله عنهما. . ومن هنا يتَبَيَّنُ لك أنَّ من قال من أهل السُّنَّة في الإيمانِ: هو التصديقُ على ظاهِرِ اللُّغةِ؛ أنَّهم إنَّما عَنَوا التصديقَ الإذعانيَّ المستلزِمَ للانقيادِ ظاهرًا وباطنًا بلا شَكٍّ، لم يَعْنُوا مجرَّدَ التصديقَ)
[3013] يُنظر: ((معارج القبول)) (2/594). .
13- قال مُحمَّدُ بنُ إبراهيمَ آل الشَّيخ: (مجرَّدُ قَولِ لا إلهَ إلَّا اللهُ لا يمنَعُ من التكفيرِ، بل يقَولُها ناسٌ كثيرٌ، ويكونون كُفَّارًا؛ إمَّا لعَدَمِ العِلمِ بها، أو العَمَلِ بها، أو وجودِ ما ينافيها، فلا بُدَّ مع النُّطقِ بها من أشياءَ أُخَرَ، أكبَرُها معرفةُ معناها، والعَمَلُ به)
[3014] يُنظر: ((شرح كشف الشبهات)) جمع محمد بن عبد الرحمن بن قاسم (ص: 111). .
14- قال ابنُ باز: (هو -يعني العَمَلَ- جزءٌ من الإيمانِ، الإيمانُ قَولٌ وعَمَلٌ وعقيدةٌ، أي: تصديقٌ، والإيمانُ يتكَوَّنُ من القَولِ والعَمَلِ والتصديقِ عند أهلِ السُّنَّةِ والجماعةِ ... ما هو بشَرطِ كَمالٍ، جُزءٌ، جزءٌ من الإيمانِ. هذا قولُ المرجِئةِ، المرجِئةُ يَرَونَ الإيمانَ قولًا وتصديقًا فقط، والآخَرون يقولون: المعرِفةُ. وبعضُهم يقولُ: التصديقُ. وكُلُّ هذا غَلَطٌ)
[3015] يُنظر: ((مجلة المشكاة - المجلد الثاني)) (2/ 279). .
15- قال الألباني: (إنَّ الإيمانَ بدونِ عَمَلٍ لا يفيدُ؛ فاللهُ حينما يذكُرُ الإيمانَ يذكُرُه مقرونًا بالعَمَلِ الصَّالحِ؛ لأنَّنا لا نتصَوَّرُ إيمانًا بدونِ عَمَلٍ صالحٍ، إلَّا أن نتخَيَّلَه تخيُّلًا؛ آمَنَ مِن هنا، قال: أشهَدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ، ومُحمَّدٌ رسولُ اللهِ، ومات مِن هنا. هذا نستطيعُ أن نتصَوَّرَه، لكِنْ إنسانٌ يقولُ: لا إلهَ إلَّا اللهُ، مُحمَّدٌ رسولُ اللهِ، ويعيشُ دَهْرَه ممَّا شاء اللهُ، ولا يعمَلُ صالحًا؛ فعدَمُ عَمَلِه الصَّالحِ هو دليلُ أنَّه يقَولُها بلسانِه، ولم يدخُلِ الإيمانُ إلى قَلْبِه؛ فذكَرَ الأعمالَ الصَّالحةَ بعد الإيمانِ؛ ليَدُلَّ على أنَّ الإيمانَ النَّافعَ هو الذي يكونُ مقرونًا بالعَمَلِ الصَّالحِ)
[3016] يُنظر: ((موسوعة الألباني في العقيدة)) لشادي آل نعمان (4/ 29). .
16- قال ابنُ عثيمين: (لا بُدَّ أن يكونَ الإنسانُ مُوَحِّدًا بقَلْبِه وقَولِه وعَمَلِه، فإن كان موحِّدًا بقَلْبِه، ولكِنَّه لم يوحِّدْ بقَولِه أو بعَمَلِه؛ فإنَّه غيرُ صادقٍ في دعواه؛ لأنَّ توحيدَ القَلْبِ يَتْبَعُه توحيدُ القَولِ والعَمَلِ؛ لقَولِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((أَلا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلا وَهِيَ الْقَلْبُ )) [3017] أخرجه البخاري (52) ومسلم (1599) مطولًا من حَديثِ النعمان بن بشير رضي الله عنهما. ، فإذا وحَّد اللهَ -كمـا زعــم- بقَلْبِــه، ولكِنَّــه لم يوحِّدْه بقَولِه أو فِعْلِه؛ فإنَّه من جنسِ فِرعَونَ الذي كان مُستيقِنًا بالحَقِّ عالِمًا، لكنَّه أصَرَّ وعاند وبَقِيَ على ما كان عليه من دَعوى الرُّبوبيَّةِ)
[3018] يُنظر: ((شرح كشف الشبهات)) (ص: 100). .