الفَرعُ الثَّاني: مِن أمثِلةِ الشِّرْكِ الأصغَرِ في العباداتِ القَوليَّةِ: التَّشريكُ بين اللهِ تعالى وبين أحَدٍ مِن خَلْقِه بـ (الواو)
عن
عبدِ اللهِ بنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما أنَّ رَجُلًا قال للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ما شاء اللهُ وشِئتَ، قال:
((جعَلْتَ للهِ نِدًّا؟! بل ما شاء اللهُ وَحْدَه )) [450] أخرجه أحمد (3247)، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (10825) كلاهما بلفظ: ((عدلاً))، والطبراني (12/244) (13005) واللَّفظُ له. صححه ابن القيم في ((مدارج السالكين)) (1/602)، والألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)) (2117)، وابن باز في ((مجموع الفتاوى)) (2/28)، وصَحَّحه لغيره شعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (3247)، وصَحَّح إسنادَه أحمد شاكر في تخريج ((مسند أحمد)) (5/85)، وحَسَّنه العراقي في ((تخريج الإحياء)) (3/200). والحديث أخرجه ابن ماجه (2117) بلفظ: ((إذا حلف أحدكم فلا يقل ما شاء الله وشئت ولكن ليقل ما شاء الله ثم شئت)). صححه الألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)) (2117) .
قال
ابنُ عثيمين: (قَولُه:
((بل ما شاء اللهُ وَحْدَه)) أرشدَه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلى ما يَقطَعُ عنه الشِّركَ، ولم يُرشِدْه إلى أن يقولَ: ما شاء اللهُ ثمَّ شِئتَ؛ حتى يقطَعَ عنه كُلَّ ذريعةٍ عن الشِّرْكِ وإن بَعُدَت. يستفادُ من الحديثِ... أنَّ تعظيمَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بلَفظٍ يقتضي مساواتَه للخالِقِ شِرْكٌ، فإن كان يعتَقِدُ المساواةَ فهو شِركٌ أكبَرُ، وإن كان يعتَقِدُ أنَّه دونَ ذلك فهو أصغَرُ، وإذا كان هذا شِرْكًا فكيف بمن يجعَلَ حَقَّ الخالِقِ للرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؟! هذا أعظَمُ؛ لأنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ليس له شَيءٌ من خصائِصِ الرُّبوبيَّةِ)
[451] يُنظر: ((القول المفيد)) (2/230). .
وعن حُذَيفةَ رَضِيَ اللهُ عنه عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:
((لا تقولوا: ما شاء اللهُ وشاء فلانٌ، ولكِنْ قولوا: ما شاء اللهُ ثمَّ شاء فلانٌ )) [452] أخرجه أبو داود (4980)، وأحمد (23347). صَحَّحه الحاكمُ كما في ((الفصول المفيدة)) لصلاح الدين العلائي (83)، وابن باز في ((مجموع الفتاوى)) (2/28)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (4980)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((سنن أبي داود)) (4980)، وصَحَّح إسناده النووي في ((الأذكار)) (444)، والعراقي في ((تخريج الإحياء)) (3/200). .
قال ابنُ بطَّالٍ: (إنَّما لم يجُزْ أن نقولَ: ما شاء اللهُ وشِئتَ؛ لأنَّ الواوَ تُشرِكُ المشيئتينِ جميعًا، وقد رُويَ هذا المعنى عن النَّبىِّ عليه السَّلامُ أنَّه قال:
((لا يقولَنَّ أحَدُكم: ما شاء اللهُ وشاء فلانٌ، ولكِنْ لِيَقُلْ: ما شاء اللهُ، ثمَّ شاء فلانٌ))، وإنما أجاز دخولُ
((ثمَّ)) مكانَ الواو؛ لأنَّ مشيئةَ اللهِ متقَدِّمةٌ على مشيئةِ خَلْقِه؛ قال تعالى:
وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ، فهذا من الأدَبِ. وذكر عبدُ الرَّزاقِ عن
إبراهيمَ النَّخَعيِّ أنَّه كان لا يرى بأسًا أن يقولَ: ما شاء اللهُ ثمَّ شِئتَ. وكان يَكرَهُ أن يقولَ: أعوذُ باللهِ وبك، حتى يقولَ: ثمَّ بك)
[453] يُنظر: ((شرح صحيح البخاري)) (6/ 106). .
وعن قُتَيلةَ رَضِيَ اللهُ عنها أنَّ يَهوديًّا أتى النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقال: إنَّكم تُنَدِّدونَ وإنَّكم تُشرِكون، تقولونَ: ما شاء اللهُ وشِئْتَ، وتقولونَ: والكَعبةِ! فأمَرَهم النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا أرادوا أن يَحلِفوا أن يقولوا:
((ورَبِّ الكَعبةِ))، ويقولَ أحَدُهم:
((ما شاء اللهُ ثمَّ شِئتَ)) [454] أخرجه النسائي (3773) واللَّفظُ له، وأحمد (27093). صَحَّحه الألباني في ((صحيح سنن النسائي)) (3773)، والوادعي في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (1658)، وصَحَّح إسنادَه الحاكم في ((المستدرك)) (7815)، وابن حجر في ((الإصابة)) (4/389)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (27093). .
وعن طُفَيلِ بنِ سَخْبرةَ أخي
عائِشةَ لأُمِّها: أنَّه رأى فيما يرى النَّائِمُ كأنَّه مَرَّ برَهطٍ من اليَهودِ، فقال: من أنتم؟ قالوا: نحن اليهودُ. قال: إنَّكم أنتم القومُ لولا أنَّكم تزعمونَ أنَّ عُزَيرًا ابنُ اللهِ! فقالت اليهودُ: وأنتم القومُ لولا أنَّكم تقولون: ما شاء اللهُ وشاء محمدٌ! ثمَّ مَرَّ برَهطٍ مِن النصارى، فقال: من أنتم؟ قالوا: نحن النَّصارى، فقال: إنَّكم أنتم القومُ لولا أنَّكم تقولون: المسيحُ ابنُ اللهِ! قالوا: وأنتم القومُ لولا أنَّكم تقولون: ما شاء اللهُ، وما شاء محمَّدٌ! فلمَّا أصبح أخبَرَ بها من أخبر، ثم أتى النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فأخبره، فقال:
((هل أخبَرْتَ بها أحدًا؟)) قال: نعم، فلمَّا صَلَّوا، خطَبَهم فحَمِدَ اللهَ وأثنى عليه، ثمَّ قال:
((إنَّ طُفَيلًا رأى رؤيا فأخبَرَ بها من أخبَرَ منكم، وإنَّكم كنتم تقولون كَلِمةً كان يمنعُني الحياءُ منكم أن أنهاكم عنها، لا تقولوا: ما شاء اللهُ، وما شاء محمَّدٌ)) [455] أخرجه ابن ماجه بعد حديث (2118)، وأحمد (20694) واللَّفظُ له. صحَّحه الألباني في ((سلسلة الأحاديث الصحيحة)) (138)، والوادعي في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (520)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (20694)، وصَحَّح إسناده أحمد شاكر في ((عمدة التفسير)) (1/91). .
وعن
عبدِ اللهِ بنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما أنَّه قال في قَولِ اللهِ عَزَّ وجلَ:
فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة: 22] : (الأندادُ هو الشِّركُ، أخفى من دبيبِ النَّملِ على صَفاةٍ سَوداءَ في ظُلمةِ اللَّيلِ. وهو أن يقولَ: واللهِ، وحياتِكِ يا فلانةُ، وحياتي. ويقولَ: لولا كلبةُ هذا لأتانا اللُّصوصُ، ولولا البَطُّ في الدَّارِ لأتى اللُّصوصُ. وقَولُ الرَّجُلِ لصاحِبِه: ما شاء اللهُ وشِئتَ، وقَولُ الرَّجُلِ: لولا اللهُ وفلانٌ. لا تجعَلْ فيها فلانًا؛ فإنَّ هذا كُلَّه به شِرْكٌ)
[456] أخرجه ابن أبي حاتم في ((التفسير)) (229). حسن إسناده ابن باز في ((مجموع الفتاوى)) (1/45) .
قال
المقريزي: (من الإشراكِ قَولُ القائِلِ لأحَدٍ مِنَ النَّاسِ: ما شاء اللهُ وشِئتَ، كما ثبت عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه قال له رجُلٌ: ما شاء اللهُ وشِئتَ، فقال: أجعَلْتَني لله نِدًّا؟ قل: ما شاء اللهُ وَحْدَه)
[457] أخرجه أحمد (3247)، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (10825) كلاهما بلفظ: ((عدلاً))، والخطيب في ((تاريخ بغداد)) (8/104) واللفظ له من حديث عبدالله بن عباس رضي الله عنهما. صححه ابن القيم في ((مدارج السالكين)) (1/602)، والألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)) (2117)، وابن باز في ((مجموع الفتاوى)) (2/28)، وصَحَّحه لغيره شعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (3247)، وصَحَّح إسنادَه أحمد شاكر في تخريج ((مسند أحمد)) (5/85)، وحَسَّنه العراقي في ((تخريج الإحياء)) (3/200). والحديث أخرجه ابن ماجه (2117) بلفظ: ((إذا حلف أحدكم فلا يقل ما شاء الله وشئت ولكن ليقل ما شاء الله ثم شئت)). صححه الألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)) (2117) ، هذا مع أنَّ اللهَ تعالى أثبت للعبدِ مشيئةً، كقَولِه تعالى:
لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ، فكيف بمن يقولُ: أنا متوكِّلٌ على اللهِ وعليك، وأنا في حَسْبِ اللهِ وحَسْبِك، وما لي إلا اللهُ وأنت، وهذا من اللهِ ومنك، وهذا من بركاتِ اللهِ وبركاتِك، واللهُ لي في السَّماءِ وأنت لي في الأرضِ؟!)
[458] يُنظر: ((تجريد التوحيد المفيد)) (ص: 22). .
وقال إسماعيل الدهلوي: (عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:
((لا تقولوا: ما شاء اللهُ، وشاء محمَّدٌ، وقولوا: ما شاء اللهُ ثمَّ شاء محمد)) [459] أخرجه ابن ماجه بعد حديث (2118)، وأحمد (20694) مطولاً من حديث طفيل بن سخبرة رضي الله عنه. صحَّحه الألباني في ((سلسلة الأحاديث الصحيحة)) (138)، والوادعي في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (520)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (20694)، وصَحَّح إسناده البوصيري في ((مصباح الزجاجة)) (1/363)، وأحمد شاكر في ((عمدة التفسير)) (1/91). فقد جاء فيه تحريمُ إشراكِ مخلوقٍ في فعلٍ يختَصُّ بالله تعالى، ووَصْفِه بصفةٍ لا تليقُ إلَّا باللهِ تعالى، مهما بلغ هذا المخلوقُ من جلالةِ الشَّأنِ، وقُربِ المكانِ؛ لأنَّ اللهَ وَحْدَه هو يملِكُ هذا العالَمَ، ويتصَرَّفُ فيه بما شاء)
[460] يُنظر: ((رسالة التوحيد)) (ص: 164). .
وقال محمود شكري الألوسي: (وقد اشتَهَر عنه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه... نهى عن قَولِ الرَّجُلِ: ما شاء اللهُ وشِئتَ. وقال لِمن قال ذلك:
((أجعَلْتَني لله نِدًّا؟)) [461] أخرجه مطولاً أحمد (3247)، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (10825) كلاهما بلفظ: ((عدلاً))، والخطيب في ((تاريخ بغداد)) (8/104) واللفظ له من حديث عبدالله بن عباس رضي الله عنهما. صححه ابن القيم في ((مدارج السالكين)) (1/602)، والألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)) (2117)، وابن باز في ((مجموع الفتاوى)) (2/28)، وصَحَّحه لغيره شعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (3247)، وصَحَّح إسنادَه أحمد شاكر في تخريج ((مسند أحمد)) (5/85)، وحَسَّنه العراقي في ((تخريج الإحياء)) (3/200). ... حَسْمًا لمادَّةِ الشِّركِ، وقطعًا لوسائِلِه، وسدًّا لذرائِعِه، وحمايةً للتوحيدِ، وصيانةً لجنابِه)
[462] يُنظر: ((فتح المنان)) (ص: 282). .
وقال
حافِظٌ الحَكَميُّ: (إذا عَطَف بالواوِ كان مُضاهيًا مشيئةَ اللهِ بمشيئةِ العَبدِ؛ إذ قَرَن بينهما، وإذا عَطَف بثُمَّ فقد جعل مشيئةَ العبدِ تابعةً لمشيئةِ الله عَزَّ وجلَّ، كما قال تعالى:
وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ [الإنسان: 30] ، ومِثلُه قَولُ: لولا اللهُ وفلانٌ، هذا من الشِّرْكِ الأصغَرِ، ويجوزُ أن يقولَ: لولا اللهُ ثمَّ فلانٌ. ذكَرَه
إبراهيمُ النَّخَعيُّ)
[463] يُنظر: ((معارج القبول)) (2/497). ويُنظر: ((القول المفيد)) لابن عثيمين (2/228). .