المَطلَبُ الثَّالِثَ عَشَرَ: مِن قواعِدِ صِفاتِ اللهِ: الكلامُ في الصِّفاتِ كالكَلامِ في الذَّاتِ
كما أنَّ ذاتَ اللهِ سُبْحَانَه حقيقيَّةٌ لا تُشبِهُ الذَّواتِ، فهي متَّصفةٌ بصِفاتٍ حقيقيَّةٍ لا تُشبِهُ الصِّفاتِ، وكما أنَّ إثباتَ الذَّاتِ إثباتُ وجودٍ لا إثباتُ كيفيَّةٍ، كذلك إثباتُ الصِّفاتِ إثباتُ وجودٍ لا إثباتُ كيفيَّةٍ
[1352] يُنظر: ((مسألة في الصفات)) للخطيب البغدادي (ص: 8)، ((الحجة في بيان المحجة)) لأبي القاسم الأصبهاني (1/189)، ((العقيدة التدمريَّة)) لابن تيمية (ص: 43)، ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (5/330، 6/355). .
قال
الخطيبُ البغداديُّ: (أمَّا الكلامُ في الصِّفاتِ فإنَّ ما رُوِيَ منها في السُّنَنِ الصِّحاحِ مَذهَبُ السَّلَفِ رَضِيَ اللهُ عنهم إثباتُها وإجراؤُها على ظاهِرِها، ونَفيُ الكيفيَّةِ والتَّشبيهِ عنها، والأصلُ في هذا أنَّ الكلامَ في الصِّفاتِ فَرعٌ على الكلامِ في الذَّاتِ، ويُحتذَى في ذلك حَذْوُه ومِثالُه، فإذا كان مَعْلُومًا أنَّ إثباتَ رَبِّ العالَمينَ عزَّ وجَلَّ إنَّما هو إثباتُ وُجودٍ لا إثباتُ تحديدٍ وتكييفٍ، فكذلك إثباتُ صِفاتِه إنَّما هو إثباتُ وُجودٍ لا إثباتُ تحديدٍ وتكييفٍ، فإذا قُلْنا: لله تعالى يَدٌ وسَمعٌ وبَصَرٌ، فإنَّما هو إثباتُ صِفاتٍ أثبَتَها اللهُ تعالى لنَفْسِه، ولا نقولُ: إنَّ معنى اليَدِ: القُدرةُ، ولا أنَّ معنى السَّمعِ والبَصَرِ: العِلْمُ، ولا نقولُ: إنَّها الجوارحُ، ولا نُشَبِّهُها بالأيدي والأسماعِ والأبصارِ التي هي جوارِحُ وأدواتُ الفِعلِ. ونقولُ: إنَّما ورد إثباتُها؛ لأنَّ التَّوقيفَ وَرَد بها، ووَجَب نَفيُ التَّشبيهِ عنها؛ لِقَولِه تبارك وتعالى:
لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى 11]، وقَولِه عزَّ وجَلَّ:
وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ [الإخلاص 4])
[1353] يُنظر: ((مسألة في الصفات)) للخطيب البغدادي (ص: 8)، وأخرجه ابن قدامة في ((ذم التأويل)) (ص: 15) والذهبي في ((تاريخ الإسلام)) (10/ 185). .
وقال
أبو القاسِمِ الأصبهانيُّ: (الكلامُ في صِفاتِ اللهِ عزَّ وجَلَّ، ما جاء منها في كتابِ اللهِ، أو رُوِيَ بالأسانيدِ الصَّحيحةِ عن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: فمَذهَبُ السَّلَفِ رحمةُ اللهِ عليهم أجمعينَ إثباتُها، وإجراؤُها على ظاهِرِها، ونَفيُ الكيفيَّةِ عنها، وقد نفاها قومٌ فأبطَلوا ما أثبَتَه اللهُ، وذَهَب قَومٌ مِن المُثبِتينَ إلى البَحثِ عن
التَّكييفِ، والطَّريقةُ المحمودةُ هي الطَّريقةُ المتوسِّطةُ بين الأمرَينِ، وهذا لأنَّ الكلامَ في الصِّفاتِ فَرعٌ على الكلامِ في الذَّاتِ، وإثباتُ الذَّاتِ إثباتُ وُجودٍ، لا إثباتُ كيفيَّةٍ، فكذلك إثباتُ الصِّفاتِ، وإنَّما أثبَتْناها لأنَّ التَّوقيفَ ورد بها، وعلى هذا مضى السَّلَفُ؛ قال مكحولٌ و
الزُّهريُّ: «أَمِرُّوا هذه الأحاديثَ كما جاءت». فإنْ قيل: كيف يَصِحُّ الإيمانُ بما لا نحيطُ عِلمًا بحقيقتِه؟ قيل: إنَّ إيمانَنا صحيحٌ بحَقِّ من كُلِّفْناه، وعِلْمُنا محيطٌ بالأمرِ الذي أُلزِمْناه، وإن لم نَعرِفْ ما تحتَها حقيقةَ كيفيَّتِه، وقد أُمِرْنا بأن نؤمِنَ بملائِكةِ اللهِ وكُتُبِه ورُسُلِه وباليومِ الآخِرِ، وبالجنَّةِ ونَعيمِها، وبالنَّارِ وعَذابِها، ومعلوٌم أنَّا لا نحيطُ عِلمًا بكُلِّ شيءٍ منها على التفصيلِ، وإنَّ ما كُلِّفْناه الإيمانُ بها جملةً)
[1354] يُنظر: ((الحجة في بيان المحجة)) (1/ 188 - 190 ). .
وقال
القُرطبي: (فإذا كان معلومًا أنَّ إثباتَ الباري سبحانَه إنَّما هو إثباتُ وُجودٍ بما ذكَرْنا، لا إثباتُ كيفيَّةٍ، فكذلك إثباتُ صِفاتِه على ما يأتي إنَّما هو إثباتُ وُجودٍ، لا إثباتُ تحديدٍ وتكييفٍ. فإذا قُلْنا: يدٌ وسَمعٌ وبصَرٌ ونَحْوُها، فإنَّما هي صفاتٌ أثبَتَها اللهُ تعالى لنَفْسِه، لا نقولُ: إنَّ معنى اليدِ: القُوَّةُ والنِّعمةُ، ولا معنى السَّمعِ والبَصَرِ: العِلمُ، ولا نقولُ: إنَّها جوارحُ وأدواتٌ للفِعلِ، ذهب إلى هذا القَولِ جماعةٌ من الأئمَّةِ فلم يتأوَّلوا، وكذلك جميعُ الصِّفاتِ أَجْرَوها على ظاهِرِها، ونَفَوُا الكيفيَّةَ والتَّشبيهَ عنها)
[1355])) يُنظر: ((الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى)) (2/10). .
وقال
ابنُ تَيميَّةَ: (القَولُ في الصِّفاتِ كالقَولِ في الذَّاتِ؛ فإنَّ اللهَ لَيسَ كمِثْلِه شَيءٌ؛ لا في ذاتِه، ولا في صِفاتِه، ولا في أفعالِه، فإذا كان له ذاتٌ حقيقيَّةٌ لا تماثِلُ الذَّواتِ، فالذَّاتُ مُتَّصِفةٌ بصِفاتِ حقيقيةٍ لا تماثِلُ صِفاتِ سائِرِ الذَّواتِ)
[1356] يُنظر: ((التدمرية)) (ص: 43). .
وقال
محمَّدُ بنُ إبراهيمَ آل الشَّيخِ: (كما نتيقَّنُ أنَّ اللهَ سُبحانَه له ذاتٌ حقيقيَّةٌ، وله أفعالٌ حقيقيَّةٌ؛ فكذلك له صِفاتٌ وأسماءٌ حقيقيَّةٌ، وكُلُّ ما أوجَبَ نَقصًا أو حُدوثًا فإنَّ اللهَ مُنَزَّهٌ عنه حقيقةً؛ فإنَّه سُبحانَه مُستَحِقٌّ للكَمالِ الذي لا غايةَ فَوقَه)
[1357] يُنظر: ((فتاوى ورسائل محمد بن إبراهيم)) (13/ 132). .
وقال
الشِّنقيطيُّ: (إنَّ الذَّاتَ والصِّفاتِ مِن بابٍ واحدٍ أيضًا، فكما أنَّه جَلَّ وعلا له ذاتٌ مخالِفةٌ لجميعِ ذواتِ الخَلْقِ، فله تعالى صفاتٌ مخالِفةٌ لجَميعِ صِفاتِ الخَلْقِ)
[1358]يُنظر: ((أضواء البيان)) (2/ 30). .
وقال
ابنُ باز: (كما أنَّ له سُبحانَه ذاتًا حقيقيَّةً لا تُشبِهُ ذواتِ خَلْقِه، فكذلك له صِفاتٌ حقيقيَّةٌ لا تُشبِهُ صِفاتِ خَلْقِه، ولا يَلزَمُ مِن إثباتِ الصِّفةِ للخالِقِ سُبحانَه مُشابهتُها لصِفةِ المخلوقِ، وهذا هو مَذهَبُ سَلَفِ الأُمَّةِ من الصَّحابةِ والتابعينَ ومَن سار على نَهْجِهم في القُرونِ الثَّلاثةِ المفَضَّلةِ)
[1359] يُنظر: ((مجموع فتاوى ابن باز)) (24/ 275). .
وقال
ابنُ باز أيضًا: (يجِبُ أن تُمَرَّ كما جاءت، مع الإيمانِ بها واعتقادِ أنَّه سُبحانَه لا مَثيلَ له، ولا شَبيهَ له، ولا كُفُوَ له سُبحانَه وتعالى، ولكِنْ لا نُكَيِّفُها؛ لأنَّه لا يَعلَمُ كيفيَّةَ صِفاتِه إلَّا هو، فكما أنَّه سُبحانَه له ذاتٌ لا تُشبِهُ الذَّواتِ، ولا يجوزُ تكييفُها، فكذلك له صِفاتٌ لا تُشبِهُ الصِّفاتِ، ولا يجوزُ تكييفُها. فالقَولُ في الصِّفاتِ كالقَولِ في الذَّاتِ، يُحتَذى حَذْوُه، ويُقاسُ عليه، هكذا قال أهلُ السُّنَّةِ جميعًا مِن أصحابِ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ومَن بَعْدَهم رَضِيَ اللهُ عنهم جميعًا)
[1360] يُنظر: ((مجموع فتاوى ابن باز)) (27/ 321). .
وقال
ابنُ عُثَيمين: (القَولُ في الصِّفاتِ كالقَولِ في الذَّاتِ، فكما أنَّنا نُثبِتُ للهِ عزَّ وجَلَّ ذاتًا لا تُشبِهُ ذاتَ المخلوقينَ، فإنَّنا نُثبِتُ له صِفاتٍ لا تُشبِهُ صِفاتٍ المخلوقينَ)
[1361] يُنظر: ((شرح العقيدة السفارينية)) (ص: 130). .