المَبْحَثُ الثَّالِثُ: المُلْحَقُ بالرُّباعيِّ
وهو قِسْمانِ: مُلحَقٌ بالرُّباعيِّ المُجَرَّدِ، ومُلحَقٌ بالرُّباعيِّ المَزِيدِ.
مُلحَقٌ بالرُّباعيِّ المُجَرَّدِ (المُلْحَقُ بدَحْرَجَ):ويُلحَقُ بوَزنِ مُجَرَّدِ الرُّباعيِّ (فَعْلَلَ) أوزانٌ كثيرةٌ، والإلحاقُ زيادةٌ على الأصلِ، ليُشْبِهَ لفظًا آخرَ، فيتصرَّفَ تصَرُّفَه؛ يعني أنَّنا نَزيدُ في أصلِ الفِعْلِ كي يُشْبِهَ الرُّباعيَّ في الحَرَكاتِ والسَّكَناتِ؛
ونذكُرُ مِن هذه الأوزانِ:فَعْلَل ذو الزِّيادةِ: مِثلُ: جَلْبَبَه، والأصلُ: جَلَب، وهذا الوَزْنُ يختَلِفُ عن الأوزانِ التي تليه في أنَّ الإلحاقَ فيه يكونُ بتكريرِ حَرفٍ مِنَ الفِعْلِ، وهو مُطَّرِدٌ مَقِيسٌ، فلو اضطُرَّ شاعِرٌ أو ساجِعٌ إلى مِثالٍ منه لم يُسمَعْ عن العَرَبِ، مِثْلُ: ضَرْبَبَ، لجاز له استِعمالُه؛ لكَثرةِ ما ورد عن العَرَبِ من ذلك، ولم يأتِ إلَّا مُتَعَدِّيًا
[866] يُنظر: ((الشرح الملوكي)) لابن يعيش (ص: 65). ، والفَرْقُ بين جَلْبَبَ ودَحْرَجَ أنَّ الباءَ في جَلْبَبَ زائِدةٌ للإلحاقِ، أمَّا دَحْرَجَ فحُروفُه كُلُّها أصولٌ، ووَزْنُ الكَلِمَتينِ واحِدٌ (فَعْلَلَ).
فَوْعَل: مِثلُ: جَوْرَبَه، أي: ألبَسَه الجَوْرَبَ، والأصلُ: جَرَب.
فَعْوَل: مِثلُ: رَهْوَكَ في مِشْيَتِه، أي: كأنَّه يموجُ في مِشْيَتِه، والأصلُ: رَهَك.
فَيْعَل: مِثلُ: بَيْطَرَ، والأصلُ: بَطَر.
فَعْيَل: مِثلُ: شَرْيَفَ الزَّرْعَ، أي: قَطَع شِرْيافَه، والأصلُ: شَرَف.
فَعْلَى: مِثلُ: سَلْقَى، والأصلُ: سَلَق
[867] يُنظر: ((المساعد)) لابن عقيل (2/ 609). .
والإلحاقُ في غيرِ هذه الأوزانِ السِّتَّةِ يَكونُ نادِرًا.
وهذه
الأوزانُ منها المُتَعَدِّي ومنها اللَّازِمُ، وهذا النَّوعُ مِنَ الأوزانِ مَقصورٌ على السَّماعِ لقِلَّتِه
[868] يُنظر: ((الشرح الملوكي)) لابن يعيش (ص: 65). .
والذي يدُلُّ على أنَّ هذه الأوزانَ للإلحاقِ أنَّ مَصادِرَها تأتي كما تأتي مَصادِرُ ما أُلحِقَت به؛ تقولُ: جَلْبَبَةٌ، وبَيْطَرةٌ، ... كما تقولُ: دَحْرَجةٌ
[869] يُنظر: ((الممتع الكبير)) لابن عصفور (ص: 117). .
فائِدةٌ:يُؤخَذُ هذا البِناءُ مِنَ الأسماءِ الرُّباعيَّةِ فما فوقَها للدَّلالةِ على مَعانٍ سِتَّةٍ، وليس له مادَّةٌ أصْليَّةٌ، ولا نَستطيعُ أن نَعرِفَه إلَّا إذا عرَفْنا الاسمَ الذي أُخِذَ منه، وهذه المعاني هي:
1- الدَّلالةُ على صُنْعِ الاسمِ المأخوذِ منه: مِثلُ: القِمَطْرُ، وهو وِعاءُ الكُتُبِ، فنقولُ: قَمْطَرْتُ الكِتابَ، أي: وضَعْتُه في وِعاءِ الكُتُبِ
[870] يُنظر: ((لسان العرب)) لابن منظور (5/ 117). (القِمَطْرِ).
2- الدَّلالةُ على مُشابَهةِ المفعولِ للاسمِ المأخوذِ منه: مِثلُ: العِثْكَالِ، وهو العِذْقُ أو عُنقودُ البَلَحِ
[871] يُنظر: ((لسان العرب)) لابن منظور (11/ 425). ، فنقولُ: عَثْكَلَتْ شَعْرَها، أي: جعَلَتْهُ كما العِثكالِ.
3- الدَّلالةُ على جَعْلِ الاسمِ المأخوذِ منه في المفعولِ: الفُلْفُلُ، فأقولُ: فَلْفَلَ الطَّعامَ، أي: وَضَع فيه الفُلْفُلَ.
4- الدَّلالةُ على إصابةِ الاسمِ المأخوذِ منه الفِعْلُ: مِثلُ: العُرْقُوبِ، فنقولُ: عرَقَبْتُه، أي: أصَبْتُ عُرقُوبَه
[872]العرقوب: المفصل الناتئ خلف القدم. يُنظر: ((لسان العرب)) لابن منظور (1/ 433). .
5- الدَّلالةُ على أنَّ الاسْمَ المأخوذَ منه يُصبِحُ آلةً: مِثلُ: العِثكالِ، نقولُ: عثْكَلْتُه، أي: ضرَبْتُه بالعِثكالِ.
6- الدَّلالةُ على ظُهورِ ما أُخِذَ الفِعْلُ منه: مِثلُ: البُرْعُمِ، نَقولُ: بَرْعَمْتُ الشَّجَرةَ، أي: ظَهَر بُرْعُمُها.
وقد يُصاغُ مِن مُركَّبٍ (جُملةٍ) لا اسمٍ؛ بقَصْدِ الاختصارِ للدَّلالةِ على قَولِه وحِكايتِه، مِثْلُ: بَسْمَلَ (قال: باسمِ اللهِ)، سَبْحَلَ (قال: سُبحانَ اللهِ)، حَمْدَلَ (قال: الحَمدُ للهِ)، وحَوْلَقَ (قال: لا حَولَ ولا قُوَّةَ إلَّا باللهِ)، وحَسْبَلَ (قال: حَسْبِيَ اللهُ)، وطَلْبَقَ (قال: أطال اللهُ بَقاءَك)، وجَعْفَل (قال: جعَلَني اللهُ فِداءَك)، وهذا يُسمَّى بالنَّحْتِ
[873] يُنظر: ((المساعد)) لابن عقيل (2/ 599)، ((دروس التصريف)) لمحمد محيي الدين عبد الحميد (ص: 68 - 70). .
المُلْحَقُ بالرُّباعيِّ المَزِيدِ فيه:المُلحَقُ بما زِيدَ فيه حَرفٌ واحِدٌ (المُلحَقُ بتَدَحْرَجَ):
يأتي بزيادةِ التاءِ في أوَّلِ أوزانِ المُلْحَقِ بالرُّباعيِّ:
تَفَعْلَل: مِثلُ: تَجَلْبَب.
تَفَعْوَل: مِثلُ: تَرَهْوَك.
تَفَيْعَل: مِثلُ: تَشَيْطَن.
تَفَوْعَل: مِثلُ: تَجَوْرَب.
تَمَفْعَل: مِثلُ: تَمَسْكَن.
تَفَعْلَى: مِثلُ: تَقلْسَى.
تَفَعْيَلَ: مِثلُ: تَرَهْيَأ، وتَرَهْيَأَ السَّحابُ: تهيَّأَ للمَطَرِ.
تَفَعْلَتَ: مِثلُ: تَعَفْرَتَ، أي: أظهَرَ الدَّهاءَ.
تَفْعَنَلَ: مِثلُ: تَقَلْنَسَ، أي: لَبِسَ القَلَنْسُوةَ
[874] يُنظر: ((الارتشاف)) لأبي حيان (1/ 171). .
والمُلْحَقُ بما زِيدَ فيه حَرفانِ له وزنانِ (المُلْحَقُ باحْرَنْجَمَ):
افْعَنْلَلَ: مِثلُ: اقْعَنْسَسَ، أي: رجَعَ متأخِّرًا إلى الخَلْفِ، والفَرْقُ بينه وبين (احْرَنْجَم): أنَّ (اقْعَنْسَسَ) زِيدَت فيه السِّينُ (إحدى اللَّامينِ) للإلحاقِ، أمَّا احْرَنْجَم فاللَّامانِ أصلِيَّتانِ.
افْعَنْلَى: مِثلُ: احْرَنْبى الدِّيكُ، أي: نَفَش رِيشَه للقِتالِ. وذهب
سِيبَوَيهِ [875] يُنظر: ((الكتاب)) لسيبويه (4/ 76، 77). إلى أنَّ هذا البِناءَ غيرُ مُتَعَدٍّ، وذَهَب
ابنُ جِنِّي [876] يُنظر: ((المنصف)) لابن جِنِّي (1/ 86). إلى أنَّه يتعدَّى، كقَولِ الشَّاعِرِ من الرَّجَزِ:
قد جَعَلَ النُّعاسُ يَغْرَنْدِيني
أدْفَعُه عني ويَسْرَنْدِيني
[877] الِاسْرِنْداءُ والِاغْرِنداءُ بمعنًى واحٍد، والرَّجُلُ السَّرَنْدَى: هو الشَّديدُ والجَريءُ، واسْرَنْداهُ الشَّيءُ: غَلَبه وعلاه، ويُريدُ بالبَيتِ: أنَّه كان يدافِعُ عن نَفْسِه النَّومَ، وكان النَّومُ يَغلِبُه. ينظر: ((لسان العرب)) لابن منظور (3/ 212). فقد جاء (افْعَنْلَى): اغْرَنْدَى، واسْرَنْدَى مُتَعَدِّيًا.
وإلحاقُ غَيرِ هذَينِ الوزنَينِ بـ(احْرَنْجَم) نادِرٌ
[878] يُنظر: ((المساعد)) لابن عقيل (2/ 610، 611). .
والذي يدُلُّ على أنَّ هذه الأوزانَ للإلحاقِ أنَّ مَصادِرَها تأتي كما تأتي مصادِرُ ما أُلحِقَت به؛ تقولُ: تَجَلْبُبًا، وتَشَيْطُنًا، كما تقولُ: تَدَحْرُجًا، وتقولُ: اقْعِنْسَاسًا واسْلِنْقَاءً، كما تقولُ: احْرِنْجامًا
[879] يُنظر: ((الممتع الكبير)) لابن عصفور (ص: 117). .