المَطْلَبُ الرَّابعُ: إبْدالُ الجِيمِ
لم تُبدَلِ الجِيمُ إلَّا مِنَ الياءِ، والسَّببُ في ذلك أنَّهما أُخْتانِ في الجَهْرِ والمَخْرَجِ (وسَطِ اللِّسانِ)، والفَرْقُ بينَ الجِيمِ والياءِ أنَّ الجِيمَ شديدةٌ، فإنْ كانتِ الياءُ مُشدَّدةً قرُبتْ منها، فيُبدِلون منها جِيمًا مُشدَّدةً، وإنْ كانتِ الياءُ مُخَفَّفةً أبدَلوا منها جِيمًا مُخَفَّفةً.
وأصْلُ إبْدالِ الجِيمِ مِنَ الياءِ إنَّما هُوَ في الوَقْفِ لا في الوَصْلِ؛ لأنَّهم كرِهوا الوَقْفَ على الياءِ لِخَفائِها، وشَبهِها بِالحَرَكةِ، والجِيمُ أبْيَنُ في الوَقْفِ مِنَ الياءِ؛ وذلك قولُهم: هذا تَمِيمِجْ؛ يُريدُون: تَمِيميٌّ، وهذا عَلِجْ، يُريدُون: عَلِيٌّ
[1476] يُنظر: ((الكتاب)) لسيبويه (4/ 182). ، فإذا أُبدِلتِ الجِيمُ مِنَ الياءِ في غيرِ الوَقْفِ، فهُو مَحْمولٌ على الوَقْفِ
[1477] يُنظر: ((الشرح الملوكي)) لابن يعيش (ص: 329). .
إبْدالُ الجِيمِ مِنَ الياءِ مُشدَّدةً كانت أو مُخَفَّفةً لا يُقاسُ عليه، والعِلَّةُ في ذلك أنَّه قَليلٌ وخارِجٌ عن نَظائِرِه
[1478] يُنظر: ((شرح الملوكي)) لابن يعيش (ص: 329). .
وابنُ عُصفورٍ وبعضُ المَغارِبةِ يَرَونَ أنَّ إبْدالَ الجِيمِ مِنَ الياءِ المُشَدَّدةِ مُطَّرِدٌ، وإبْدالُها مِنَ المُخَفَّفةِ مَوقوفٌ على السَّماعِ
[1479] يُنظر: ((الممتع الكبير)) لابن عصفور (ص: 234، 235). .
ويَرَى ابنُ الحاجِبِ أنَّ إبْدالَ الجِيمِ مِنَ الياءِ المُشَدَّدةِ شاذٌّ، وإبْدالَها مِنَ الياءِ المُخَفَّفةِ أشَذُّ
[1480] يُنظر: ((شرح الشافية)) للرضي الإستراباذي (3/ 229). .
على أنَّ إبْدالَ الجِيمِ في الياءِ المُشَدَّدةِ كَثيرٌ وإنْ كان غيرَ لازِمٍ، وإبْدالَها مِنَ المُخَفَّفةِ قَليلٌ؛ قال
ابنُ مالِكٍ: (والأكَثرُ كَونُ الياءِ المُبدَلِ منها الجِيمُ مُشدَّدةً)
[1481] يُنظر: ((المساعد)) لابن عقيل (4/ 233). .
إبْدالُ الجِيمِ مِنَ الياءِ المُشَدَّدةِ لُغةٌ نَسَبها الفرَّاءُ إلى طيِّئٍ، وذكَر أنَّ إبْدالَ الجِيمِ مِنَ الياءِ المُخَفَّفةِ خاصٌّ بِبَني دُبَيرٍ وبَني أَسَدٍ؛ يَقولون: هذا غُلامِجْ، وهذه دارِجْ، أيْ: غُلامي وداري، وذكَر
أبو عَمْرِو بنُ العَلاءِ إبْدالَ الجِيمِ مِنَ الياءِ المُخَفَّفةِ دُونَ تَقْييدٍ
[1482] يُنظر: ((المساعد)) لابن عقيل (4/ 232). ، وابنُ السِّكِّيتِ
[1483] يُنظر: ((سر صناعة الإعراب)) لابن جِنِّي (1/ 188). والأصْمَعيُّ
[1484] يُنظر: ((المساعد)) لابن عقيل (4/ 231). لم يُقيِّدا إبْدالَ الجِيمِ مِنَ الياءِ المُشَدَّدةِ.
هناك لُغةٌ تَختصُّ بِها قُضاعةُ تُسمَّى (عَجْعَجَةَ قُضاعةَ)، يَقلِبون الياءَ جِيمًا إذا كان قَبْلَ الياءِ حَرْفُ العَينِ؛ يقولون: هذا راعِجَّ خَرَجَ مَعِجْ، أيْ: هذا راعِيَّ خرج معِي
[1485] يُنظر: ((المساعد)) لابن عقيل (4/ 230 - 234). .
ومِنْ قَلْبِ الياءِ المُشَدَّدةِ جِيمًا ما ذكَره الأصْمعيُّ عن خَلَفٍ الأحْمَرِ أنَّ رَجُلًا مِن أهْلِ البادِيةِ أنشَده مِنَ الرَّجَز:
خالِي عُويفٌ وأبُو عَلِجِّ
المُطْعِمانِ اللَّحمَ بِالعَشِجِّ
وبِالغَداةِ فِلَقَ البَرْنِجِّ
[1486] يُنظر: ((الكتاب)) لسيبويه (2/ 288). يَقصِدُ: وأبُو عَليٍّ، وبِالعَشِيِّ، والبَرْنيِّ، والبَرْنيُّ مِن أجْودِ أنْواعِ التَّمرِ
[1487] يُنظر: ((لسان العرب)) لابن منظور (13/ 50). .
وقد ذكَر
أبُو عَمْرِو بنُ العَلاءِ أنَّه لقِي أعْرابيًّا فقال له: مِمَّن أنتَ؟ قال: فُقَيمجٌّ، فقال له: مِن أيِّهم؟ فقال: مُرِّجٌّ، يَقصِدُ أنه: فُقَيميٌّ، ومُرِّيٌّ
[1488] يُنظر: ((تمهيد القواعد)) لابن ناظر الجيش (10/ 5250). .
ومن أمْثلَةِ إبْدالِ الجِيمِ مِنَ الياءِ المُخَفَّفةِ:
قَولُ الشَّاعرِ مِنَ الرَّجَز:
لاهُمَّ إنْ كُنتَ قبِلْتَ حَجَّتِجْ
فلا يزالُ شاحِجٌ يأتِيك بِجْ
أقْمَرُ نَهَّاتٌ يُنَزِّي وَفرَتِجْ
[1489] لاهُمَّ: اللَّهُمَّ، والشَّاحِجُ: هو البَغْلُ، وأقَمُر: أي: أبيَضُ، ونهَّات: يعني: نهَّاق، يُنَزِّي: يُحَرِّكُ، والوَفْرةُ: الشَّعرُ إلى شَحمةِ الأُذُنِ. ينظر: ((شرح الشواهد الكبرى)) للعيني (4/ 2093). والأصْلُ: حَجَّتي، ويأتيك بي، ويُنَزِّي وَفرَتِي.
ومِن ذلك أيضًا مِنَ الرَّجَز:
حَتَّى إذا ما أمْسَجَتْ وأمْسَجا
والأصْلُ: أمْسَيَتْ وأمْسَيَا، أُبدِلتِ الجِيمُ مِنَ الألِفِ، وإنْ كانت لا تُبدَلُ مِنَ الألِفِ؛ لأنَّ الألِفَ بدَلٌ مِنَ الياءِ، فأُبدِلتْ مِنَ الألِفِ كما أُبدِلَتْ مِنَ الياءِ، و
ابنُ الحاجِبِ يَرَى أنَّ الإبْدالَ هُنا أشذُّ مِنَ الياءِ المُخَفَّفةِ والمُشَدَّدةِ؛ لأنَّ الإبْدالَ إنَّما يكونُ في الوَقْفِ لِبَيانِ الياءِ، والياءُ هنا ليس بِمَوقوفٍ عليها
[1490] يُنظر: ((الممتع الكبير)) لابن عصفور (ص: 234، 235). .
تُبدَلُ الجِيمُ مِنَ الياءِ في قولِهم: لا أفْعلُ ذلك جَدَا الدَّهرِ، أيْ: يَدَا الدَّهرِ
[1491] يُنظر: ((الارتشاف)) لأبي حيان (1/ 329). .