المَبْحَثُ الثَّاني: الإعْلالُ بالنَّقلِ أو التَّسكينِ
الإعْلالُ بالنَّقلِ هو نقْلُ حَرَكةِ حَرْفِ العِلَّةِ إلى الصَّحيحِ السَّاكِنِ قبلَه؛ لاسْتثقالِ الحَرَكةِ على حَرْفِ العِلَّةِ؛ لأنَّ الحرْفَ الصَّحيحَ أقوى على تَحمُّلِ الحَرَكةِ
[1732] يُنظر: ((الإعْلال والإبْدال)) لشعبان صلاح (ص: 48). .
مَسائِلُ الإعْلالِ بالنَّقلِ:المَسألَةُ الأُوْلى:إذا كانت عَينُ الفِعلِ واوًا أو ياءً وقبلَها ساكِنٌ صَحيحٌ، وجَب نقْلُ حَرَكةِ حَرْفِ العِلَّةِ إليه؛ لاسْتثقالِها على حَرْفِ العِلَّةِ، مِثْلُ: يَقوم ويَبين؛ أصْلُها: يَقْوُم ويَبْيِنُ، نُقِلتْ حَرَكةُ الواوِ والياءِ إلى السَّاكِنِ قبلَهما (القاف والباء)، فسُكِّنتِ الواوُ والياءُ
[1733] يُنظر: ((المساعد)) لابن عقيل (4/ 170 وما بعدها)، ((توضيح المقاصد)) للمرادي (3/ 1605)، ((شرح التصريح)) للأزهري (2/ 744). .
ولِهذا النَّقلِ شُروطٌ؛ هي:1- أنْ يكونَ الحرْفُ السَّاكِنُ الَّذي تُنقَلُ إليه حَرَكةُ حَرْفِ العِلَّةِ حرْفًا صَحيحًا:فإنْ كان السَّاكِنُ حَرْفَ علَّةٍ (لِين)، مِثْلُ: قاوَل وبايَع، وعوَّق وبيَّن، فلا يَعتلُّ الفِعلُ، والسَّببُ في عَدَمِ القلْبِ في مِثْلِ: قاول وبايع أنَّ السَّاكِنَ قبلَ الواوِ والياءِ ألِفٌ، والألِفُ لا تَقبَلُ الحَرَكةَ، والسَّببُ في مِثْل: عوَّقَ وبَيَّن أنَّ نقْلَ الحَرَكةِ يُوجِبُ قلْبَهما ألِفًا لتَحرُّكِهما وانْفِتاحِ ما قبلَهما، فيَلتقي ألِفانِ وتُحذَفُ إحْداهما، فإنْ حذَفتَ الأُوْلى قلتَ: عَوق وبَيْن، وإنْ حذَفتَ الثَّانيةَ قلتَ: عاق وبان، وهذا يؤدِّي لِلالْتباسِ.
أو هَمْزةً، مِثْلُ: يَأْيَس مُضارِعِ أيِس، والسَّببُ في إلْحاقِ الهَمْزةِ بأحْرُفِ العلَّةِ أنَّها مُعرَّضةٌ للإعْلالِ بِقَلْبِها ألِفًا فكأنَّها ألِفٌ.
2- ألَّا يكونَ الفِعلُ فِعلَ تَعجُّبٍ؛ لأنَّه مَحْمولٌ على الأسْماءِ في الوَزْنِ والدَّلالةِ على التَّفضيلِ كأفْعلِ التَّفضيلِ، مِثْلُ: ما أبْيَنَه وأبْيِنْ به! وما أقْوَمَه وأقْوِمْ به!
3- ألَّا يكونَ الفِعلُ مِنَ المُضاعَفِ اللَّامِ، مِثْلُ: ابيضَّ واسودَّ؛ لأنَّه لو أعَلُّوا عَينَه لَقيل فيه: باضَّ، فيَلتَبِسُ باسمِ الفاعِلِ مِنَ البَضاضةِ (نُعُومةُ البَشرَةِ)، وسادَّ، فيَلتَبِسُ باسمِ الفاعِلِ مِنَ السَّدِّ.
4- ألَّا يكونَ الفِعلُ مُعتَلَّ اللَّامِ، مِثْلُ: أهْوَى، وأحْيا، فلا يُعَلُّ بالنَّقلِ؛ حتَّى لا يَتوالى إعْلالانِ: إعْلالُ العَينِ، وإعْلالُ اللَّامِ.
5- ألَّا يكونَ الفِعلُ مِن (فَعِلَ) الَّذي بِمَعنى (افْعَلَّ)، مِثْلُ: يعْوَر ويصْيَد
[1734] يُنظر: ((الشرح الملوكي)) لابن يعيش (ص: 444)، ((توضيح المقاصد)) للمرادي (3/ 1605). .
مِن أمْثلَةِ الأفْعالِ الَّتي يَقعُ فيها مِثلُ هذا الإعْلالِ:أمِثلَةُ نقْلِ الحَرَكةِ مِنَ الواوِ: يقُوم، ويزُور، ويصُوم، ويعُود، ويقُود، ويسُود؛ والأصْلُ فيها: يقْوُم، ويزْوُر، ويصْوُم، ويعْوُد، ويقْوُد، ويسْوُد، نُقِلتْ حَرَكةُ حَرْفِ العلَّةِ (الضَّمَّةُ) إلى الصَّحيحِ السَّاكِنِ قبلَها.
أمْثِلَةُ نقْلِ الحَرَكةِ مِنَ الياءِ: يَبِيع، ويسِير، وأصْلُها: يَبْيِع، ويسْيِر، نُقِلتْ كسْرةُ الياءِ إلى الصَّحيحِ السَّاكِن قبلَها.
ومِنَ الأفْعالِ غيرِ الثُّلاثيَّةِ: يُفِيد، ويَسْتميل، ويُضِيف، ويَسْتزيد، وأصْلُها: يُفْيِد، ويسْتَمْيِل، ويُضْيِف، ويستزْيِد، نُقِلتْ حَرَكةُ كسْرةِ الياءِ إلى الصَّحيح السَّاكِن قبلَها
[1735] يُنظر: ((الإعْلال والإبْدال)) لشعبان صلاح (ص: 49). .
- قد يَحدُثُ معَ الإعْلالِ بالنَّقلِ إعْلالٌ آخَرُ؛ ذلك أنَّه بعدَ نقْلِ حَرَكةِ حَرْفِ العِلَّةِ إلى الصَّحيحِ السَّاكِن قبلَه، ثَمَّةَ احْتمالانِ:
أ- أنْ تكونَ الحَرَكةُ مُجانِسةً لحرْفِ العِلَّةِ، بأنْ يكونَ حَرْفُ العِلَّةِ واوًا والحَرَكةُ ضمةً، أو يكونَ حَرْفُ العلَّةِ ياءً والحَرَكةُ كسْرةً كما في الأمْثلَةِ السَّابِقةِ، فهُنا لا يَحدُثُ للكَلِمةِ أكْثرُ مِنَ الإعْلالِ بالنَّقلِ.
ب- أنْ تكونَ الحَرَكةُ غيرَ مُجانِسةٍ لحرْفِ العلَّةِ، فلا بُدَّ هُنا أنْ يُقلَبَ حَرْفُ العلَّةِ حرْفًا يُجانِسُ الحَرَكةَ:
فإن كانتِ الحَرَكةُ فَتْحةً فإنَّ الواوَ والياءَ تُقلَبانِ ألِفًا للتَّجانُسِ، مِثْلُ: أقام وأبان، الأصْلُ فيهما: أقْوَم وأبْيَن، نُقِلتْ حَرَكةُ حَرْفِ العلَّةِ (الفَتْحةُ) إلى الصَّحيحِ السَّاكِنِ قبلَها، ثُمَّ قُلِب حَرْفُ العلَّةِ (الياء والواو) ألِفًا لمُجانَسةِ الفَتْحةِ قبلَهما.
وإنْ كانتِ الحَرَكةُ كسْرةً وحرْفُ العلَّةِ واوًا، فإنَّه بعدَ الإعْلالِ بالنَّقلِ، تُقلَبُ الواوُ ياءً لمُجانَسةِ الكسْرةِ قبلَها، مِثْلُ: يُقيم ويَسْتعين ويُريد؛ أصْلُها: يُقْوِم، ويَستعْوِن، ويُرْوِد، نُقِلت كسْرةُ الواوِ إلى السَّاكِنِ، ثُمَّ قُلِبتْ الواوُ ياءً لمُجانَسةِ الكسْرةِ
[1736] يُنظر: ((توضيح المقاصد)) للمرادي (3/ 1605) .
أمْثلَةُ الأفْعالِ الَّتي وقَع فيها إعْلالانِ: بالنَّقلِ، والقَلْبِ:الأفْعالُ اليائيَّةُ العَينِ: أباد وأمال واسْتفاد واسْتزاد، ويَهاب ويَشاء، ويُعاب ويُضاف، ويُستمال؛ أصْلُها: أبْيَد، وأمْيَل، واستفْيَد، واستزْيَد، ويَهْيَبُ، ويَشْيَأُ، ويُعْيَبُ، ويُضْيَفُ، ويُستَمْيَلُ، ثُمَّ نُقِلتْ فَتْحةُ الياءِ للصَّحيحِ السَّاكِنِ قبلَها (إعْلالٌ بالنَّقلِ)، فأصبَحت: أبَيْد، وأمَيْل، واستفَيْد، واستزَيْد، ويهَيْب، ويشَيْأ، ويُعَيْب، ويُضَيْف، ويُستمَيْل، تَحرَّكتِ الياءُ (بِحسَبِ الأصْلِ) وانْفتَح ما قبلَها (بِحسَبِ الحالِ، فقُلِبتْ ألِفًا (الإعْلالُ بِالقَلْبِ).
الواويَّةُ العَينِ: أُعِيد، اُسْتُعين، يُنير، يَستَغِيث، يُمِيت، يُخِيف، يَسْتقيم، يَسْتنير، أصْلُها: أُعْوِد، واستُعْوِن، ويُنْوِر، ويَسْتَغْيِثُ، ويُموِت، ويُخوِفُ، ويستَقْوِمُ، ويستَنْوِر؛ نُقِلتْ كسْرةُ الواوِ إلى الصَّحيحِ السَّاكِنِ قبلَها، ثُمَّ أُعِلَّتْ بِقَلْبِها ياءً لمُجانَسةِ الكسْرةِ قبلَها
[1737] يُنظر: ((الإعْلال والإبْدال)) لشعبان صلاح (ص: 50). .
المَسألةُ الثَّانيةُ:أنْ تكونَ الواوُ والياءُ عَينًا لاسمٍ مُشابِهٍ للفِعلِ المُضارِعِ، أيْ: يُوافِقُه في عدَدِ الحُروفِ والحَرَكاتِ، وشرْطُ الإعْلالِ بالنَّقلِ في هذه المَسألةِ:
أنْ يكونَ الاسمُ مُمتازًا عنِ الفِعلِ بشيءٍ، فيُخالِفُ الفِعلَ في حَرَكةٍ أو في زِيادةٍ، ويَدخُلُ تحتَ ذلك نوْعانِ:
1- أنْ يُوافِقَ الاسمُ الفِعلَ المُضارِعَ في الوَزْنِ دُونَ الزِّيادَةِ، أيْ: يكونَ الوَزْنُ مَوجودًا في الأسْماءِ والأفْعالِ، أمَّا الزِّيادةُ فلا تكونُ إلَّا في الأسْماءِ، مِثْلُ: مُقَام: فإنَّه مُوازِنٌ للفِعلِ (يُقَام) ويُخالِفُه في الزِّيادةِ؛ فالمِيمُ لا تُزادُ في الأفْعالِ، إنَّما هي خاصَّةٌ بالأسْماءِ.
2- أنْ يُوافِقَ الاسمُ الفِعلَ المُضارِعَ في الزِّيادةِ دُونَ الوَزْنِ، مِثلُ أنْ تَبنيَ مِنَ البَيْع مِثالَ: تِحْلِئ، تقولُ: تِبْيِع، ثُمَّ تَنْقُلُ الحَرَكةَ، فتقولُ: تِبِيع، ووقَع الإعْلالُ بالنَّقلِ هُنا؛ لأنَّ الاسمَ مُوافِقٌ للفِعلِ في الزِّيادةِ فقطْ، فأمَّا المُوافَقةُ في الزِّيادةِ فلأنَّ التَّاءَ تُزادُ في أوَّلِ الأفْعالِ، وأمَّا المُخالَفةُ في الوَزْنِ؛ فلأنَّ وَزْنَ (تِفْعِل) لا وُجودَ له في الأفْعالِ، إنَّما هو خاصٌّ بالأسْماءِ فقطْ.
ومِن ثَمَّ فالقاعِدةُ: لا يَقعُ الإعْلالُ في الاسمِ المُشابِهِ للفِعلِ في الحَرَكاتِ والسَّكَناتِ إلَّا إذا خالَفه في حَرَكةٍ، مِثْلُ: تِبِيْع، أو يُخالِفُه بزِيادةٍ في أوَّلِه؛ فتكونُ الزِّيادةُ خاصَّةً بالاسمِ لا الفِعلِ، مِثْلُ: زِيادةِ المِيمِ في مُقام
[1738] يُنظر: ((توضيح المقاصد)) للمرادي (3/ 1606، 1607)، ((شرح التصريح)) للأزهري (2/ 745). .
فإذا شابه الاسمُ الفِعلَ المُضارِعَ في الوَزْنِ والزِّيادةِ معًا، وجَب تَصحيحُه، مِثْلُ: ابيَضَّ واسْوَدَّ، وأطْوَلَ منه وأبْيَن، وذلك حتَّى لا يَلتِبَسَ الاسمُ بالفِعلِ.
وشذَّ هُنا:قولُهم: الفُكاهةُ مَقْوَدةٌ إلى الأذى، ومَكْوَزة، ومَزْيَد، ومرْيَم، ومَدْيَن، ومَصْيَدة، ومَطْيَبة، ومَبْوَلة، وقرأ بعضُهم:
لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ [البَقَرة: 103] ، قُرِئَت: (لَمَثْوَبَةٌ)
[1739] وهي قراءةُ قتادةَ وابنِ بُرَيدةَ وأبي السَّمالِ. ينظر: ((المحتسب)) لابن جِنِّي (1/ 103). ، فهذه الأسْماءُ كان حقُّها الإعْلالَ بالنَّقلِ، ثُمَّ القلْبَ، (مَقَادَة، ومَكَازَة، ومَزَاد، ومَرَام، ومَدَان، ومَصَادَة، ومَطابَة، ومَبَالَة، ومَثَابَة)، لكنَّها جاءتْ على الأصْلِ، وفي (مَرْيَم ومَدْيَن) إنْ جعَلتَهما على وَزْنِ (مَفْعَل) لا (فَعِيل)، فهُما شاذَّان، وهذا ممَّا لا يُقاسُ عليه
[1740] يُنظر: ((المنصف)) لابن جِنِّي (1/ 295، 296). .
ومن الأسْماءِ ما جاء بالإعْلالِ وهُو مُوافِقٌ للفِعلِ في الوَزْنِ والزِّيادةِ، مِثْلُ: يَزِيد وتَزِيد علَمَينِ، وأبَان
[1741] من يمنَعُه الصَّرْفَ يَعُدُّ وَزْنَه أفْعَل لا فَعَال، فيكون موازنًا للفِعلِ، ومن يصرِفُه يَعُدُّ وَزْنَه فَعَال من (أَبَن)، فلا يكون موافقًا لوزن الفِعلِ. يُنظر: ((شرح الشافية)) للرضي الإستراباذي (3/ 105). علَمًا عندَ مَنْ يَمنَعُه مِنَ الصَّرْفِ، فهذه الأسْماءُ منْقولةٌ مِنَ الفِعليَّةِ بعدَ الإعْلالِ إلى الاسْميَّةِ، فلمَّا نُقِلتْ إلى الأسْماءِ بقِيتْ على حالِها مِنَ الإعْلالِ
[1742] يُنظر: ((توضيح المقاصد)) للمرادي (3/ 1607)، ((المساعد)) لابن عقيل (4/ 172). .
وفي (مَعِيشة) خِلافٌ:فالخَليلُ: يَرَى أنَّ مَعِيشة على وَزْنِ (مَفْعِلة) و(مَفْعُلة) على حدٍّ سَواءٍ، لكنَّها إنْ كانت على (مَفْعِلة)، فقد وقَع فيها إعْلالٌ بالنَّقلِ فقطْ، إذْ يكونُ أصْلُها: (مَعْيِشة)، ثُمَّ نُقِلتْ حَرَكةُ الياءِ إلى الصَّحيحِ السَّاكِنِ قبلَها، فأصبَحتْ (مَعِيشة).
وإنْ كانتْ على وَزْنِ (مَفْعُلَة)، فإنَّه وقَع فيها إعْلالان، فأصْلُها (مَعْيُشة): وقَع أوَّلًا إعْلالٌ بالنَّقلِ، نُقِلتِ الضَّمَّةُ مِنَ الياءِ إلى العَينِ، ثُمَّ وقَع إعْلالٌ بِقَلْبِ الحَرَكةِ فقُلِبتِ الضَّمَّةُ كسْرةً لتَسلَمَ الياءُ ولا تُعَلَّ.
والأخْفَشُ يَرَى أنَّ مَعِيشة على (مَفْعِلة) لا على مَفْعُلة، إنَّما (مفْعُلة) مِنَ العَيْشِ: مَعْوُشَة؛ لأنَّ عندَه بعدَ أنْ تُنقَلَ ضمَّةُ الياءِ فإنَّ الياءَ تُقلَبُ إلى الواوِ، ولم تُقلَبِ الضَّمَّةُ كسْرةً لتَسلَمَ الياءُ كما يَرَى الخَليلُ
[1743] يُنظر: ((المنصف)) لابن جِنِّي (1/ 297 وبعدها). .
وشذَّ (مِفْعَل)، مِثْلُ: مِخْيَط، ومِقْوَل، مُوازِنٍ للفِعلِ (اِعْلَم)
[1744] يُنظر: ((الكتاب)) لسيبويه (4/ 355). ، وزيادتُه (المِيم) خاصَّةٌ بالأسْماءِ، فهُو مُوازِنٌ للفِعلِ ومُخالِفٌ له في الزِّيادةِ، فحقُّه الإعْلالُ، لكنَّه صُحِّح؛ لأنَّه في الأصْلِ مَقْصورٌ (مِفْعال) كما يَرَى الخَليلُ و
سِيبَوَيهِ [1745] يُنظر: ((الكتاب)) لسيبويه (4/ 355، 356)، ((شرح التصريح)) للأزهري (2/ 747). .
المَسألةُ الثَّالثةُ:إذا كان حَرْفُ العلَّةِ عَينًا في المَصْدَرِ على وَزْنِ (إفْعال) أو (اسْتِفْعال)، فإنَّه يُحمَلُ على فِعلِه في الإعْلالِ، وتُنقَلُ الحَرَكةُ مِنَ العَينِ إلى الفَاءِ، ثُمَّ تُقلَبُ العَينُ (حرْفُ العِلَّة) ألِفًا لمُجانَسةِ الفَتْحةِ، فيَلتقِي ألِفانِ، فتُحذَفُ إحداهما لالْتقاءِ السَّاكِنَين، ونُعوِّضُ عنها بتاءِ التَّأنِيثِ، مِثْلُ: إقامَة واسْتقامَة، واسْتضافة، أصْلُها: إقْوَام واسْتِقْوام، واسْتِضْيَاف، والَّذي حَدَث:
- نُقلِتْ حَرَكةُ فَتْحةِ الواوِ والياءِ إلى القافِ والضَّادِ (إقَوْام واسْتِقَوْام، واسْتِضَيْاف).
- ثُمَّ قُلِبتِ الواوُ والياءُ ألِفًا لتَحرُّكِها (في الأصْلِ) وانْفِتاحِ ما قبلَها (إقاام واستقاام واستضااف).
- الْتقَى ألِفان: الألِفُ الأُوْلى المُبْدلَةُ مِنَ الواوِ والياءِ (عينُ الكَلِمةِ)، والألِفُ الثَّانيةُ ألِفُ إفْعال واسْتِفعال، فوجَب حذْفُ إحْداهما.
- يُعوَّضُ عنها بتاءِ التَّأنِيثِ (إقامة واستقامة واستضافة)
[1746] يُنظر: ((توضيح المقاصد)) للمرادي (3/ 1608)، ((شرح التصريح)) للأزهري (2/ 747). .
نُلاحِظٌ هُنا وُقوعَ أنْواعِ الإعْلالِ الثَّلاثةِ: النَّقلِ ثُمَّ القَلْبِ ثُمَّ الحذْفِ
[1747] يُنظر: ((شرح التصريح)) للأزهري (2/ 748). .
والمَحْذوفُ مِنَ الألِفينِ ألِفُ إفْعَالٍ واسْتِفْعَالٍ؛ لأنَّها الزَّائدةُ ولِقُربِها مِنَ الطَّرَفِ؛ ولأنَّ الاسْتِثقالَ حدَث بِسَببِها، فيكونُ الوَزْنُ (إفْعَلَة واسْتِفْعَلَة)
[1748] يُنظر: ((توضيح المقاصد)) للمرادي (3/ 1609). .
وإذا حُذِفتِ الألِفُ عُوِّض عنها بتاءِ التَّأنِيثِ، وقد تُحذَفُ تاءُ التَّأنِيثِ.
ومِن أمْثلَةِ ترْكِ التَّاءِ في الإفْعَال قولُهم: أراءَ إِرَاءً، وأجابَ إِجَابًا
[1749] يُنظر: ((المساعد)) لابن عقيل (2/ 630). ، ومن الاسْتِفْعَال: اسْتَقَام اسْتِقَامًا، واسْتَفَاه اسْتِفَاهًا
[1750] يُنظر: ((المساعد)) لابن عقيل (4/ 177). .
ويَجري الإعْلالُ السَّابقُ في المَصادرِ الآتيةِ:إنارَةٌ، وإغاثةٌ، وإذابةٌ، وإمالةُ، واسْتِشارةٌ، واسْتِغاثةٌ، واسْتِجارةٌ، واسْتِمالةٌ، واسْتِزادةٌ، واسْتِضاءةٌ، وإرَاحةٌ، وإضَاءَةٌ، وإنَارَةٌ، وإفَادَةٌ، وإبَانةٌ، وإبَادَةٌ، وإضَافةٌ، واسْتِراحةٌ، واسْتِنارةٌ، واسْتِقامةٌ، واسْتِفادةٌ، واسْتِبانةٌ
[1751] يُنظر: ((الإعْلال والإبْدال)) لشعبان صلاح (ص: 55). .
- جاء التَّصحيحُ في:إفْعالٍ وفُروعِه: مِثلُ: أعْوَل إعْوالًا، وأغْيَمَتِ السَّماءُ إغْيامًا، وأغْيَلَتِ المرأةُ إغْيَالًا، وأجْوَدَ إجْوَادًا، فهو مُجْوِدٌ، ويُجْوِدُ.
وفي اسْتِفْعَالٍ وفُروعِه، مِثْلُ: اسْتَحْوَذَ اسْتِحْواذًا يَسْتَحْوِذُ، فهُو مُسْتَحْوِذٌ، واسْتَغْيَلَ الصَّبيُّ اسْتِغْيَالًا، واسْتَنْوَق الجَملُ اسْتِنْواقًا، واسْتَرْوَحتِ الرِّيحُ اسْتِرْوَاحًا، وفي ذلك مَذاهِبُ.
وهذا شاذٌّ يُحفَظُ ولا يُقاسُ عليه، وهو رأيُ جُمْهورِ النُّحاةِ؛ لِقِلَّةِ ما سُمِعَ مِن تَصحيحِ أفْعَلَ واسْتَفْعَلَ
[1752] يُنظر: ((المساعد)) لابن عقيل (4/ 178). .
المَسألَةُ الرَّابِعةُ:أنْ تكونَ الواوُ والياءُ عَينًا لاسْمِ مَفْعولٍ مِنَ الثُّلاثيِّ الأجْوفِ:
فمِنَ الأجوفِ الواويِّ: مِثلُ: مَقُول من قال يَقُول، ومَصُوغ من صاغ يَصُوغ، وأصْلُهما: مَقْوُول، ومَصْوُوغ، والذي حدَث:
- نُقِلتْ حَرَكةُ الواوِ إلى السَّاكِنِ قبلَها (القاف، والصَّاد).
- فالْتقى ساكِنان: الواوُ الَّتي هي عَينُ الكَلِمةِ، ووَاوُ مَفْعولٍ، فوجَب حذْفُ إحْداهما ويُصْبحُ: مَقُول، ومَصُوغ، وفي أيِّهما حُذِف خِلافٌ:
فسِيبَوَيهِ والخَليلُ ذهَبا إلى أنَّ المَحْذوفَ واوُ مَفْعولٍ؛ لزِيادتِها وقُرْبِها مِنَ الطَّرَفِ ويكونُ الوَزْنُ (مَفُعْل).
والأخْفَشُ ذهَب إلى أنَّ المَحْذوفَ عَينُ الكَلِمةِ؛ لأنَّ واوَ مَفْعولٍ لها مَعنًى، وعَينُ الكَلِمةِ لم ترِدْ لِمعنًى، ولأنَّ السَّاكِنَينِ إذا كان الْتقاؤُهما في كَلِمةٍ، فإنَّه يُحذَفُ الأوَّلُ منْهما قِياسًا، ويكونُ الوَزْنُ (مَفُول)
[1753] يُنظر: ((توضيح المقاصد)) للمرادي (3/ 1610)، ((شرح التصريح)) للأزهري (2/ 748). .
قال المازِنيُّ: (وكِلا القَولَين حَسَنٌ جَميلٌ، وقَولُ الأخْفَشِ أقْيَسُ)
[1754] يُنظر: ((المنصف)) لابن جِنِّي (1/ 287 وما بعدها). ، و
ابنُ جِنِّي يُرجِّحُ قَولَ الأخْفَشِ يقولُ: (وقولُه -يَعني: الأخْفَشَ- في هذا يَكادُ يَرجَحُ عنْدي على مَذْهبِ الخَليلِ و
سِيبَوَيهِ)
[1755] يُنظر: ((المنصف)) لابن جِنِّي (1/ 289). .
ونُلاحِظُ هُنا أنَّه وقَع إعْلالانِ: إعْلالٌ بالنَّقلِ، ثُمَّ بِالقَلْبِ
[1756] يُنظر: ((شرح التصريح)) للأزهري (2/ 748). .
وقد جاء التَّصحيحُ في اسمِ المَفْعولِ مِنَ الأجْوفِ الوَاويِّ على نُدرَةٍ؛ إذْ قال بعضُ العَربِ: ثَوبٌ مَصْوُوْن ومِسكٌ مَدْوُوْف -أيْ: مَخْلوط- ولم يأتِ بالتَّصحيحِ إلَّا هذان اللَّفظانِ، و
المُبَرِّدُ يُجيزُ إتْمامَ اسمِ المَفْعولِ مِنَ الواويِّ، فيقولُ: قَولٌ مَقْوُوْل، وفَرَسٌ مَقْوُوْد
[1757] يُنظر: ((الصحاح)) للجوهري (4/ 263). ، وذكَر
ابنُ جِنِّي أنَّهم قالوا: رَجلٌ مَعْوُوْد، وفَرَسٌ مَقْوُود، وقَوْلٌ مَقْوُول
[1758] يُنظر: ((المنصف)) لابن جِنِّي (1/ 285). .
والبَصْرِيُّونَ جَميعًا يَرَون أنَّ التَّصحيحَ -أوِ الإتْمامَ- في الواويِّ غيرُ جائِزٍ في الضَّرورةِ
[1759] يُنظر: ((المقتضب)) للمبرد (1/ 102)، ((المساعد)) لابن عقيل (4/ 176). ؛ لأنَّه مُستَثقَلٌ؛ إذْ تَجتَمعُ فيه واوٌ مَضْمومةٌ معَ واوِ مَفْعولٍ، فتَجتَمعُ واونِ وضمَّةٌ
[1760] يُنظر: ((المنصف)) لابن جِنِّي (1/ 286). .
ومِنَ الأجْوفِ اليائيِّ: مَبِيع مِن باع يَبِيع، ومَدِين مِن دان يَدِين، وأصْلُهما: مَبْيُوع، ومَدْيُون، والَّذي حدَث:
- نُقِلتِ الضَّمَّةُ مِنَ العَينِ (الياء) إلى الصَّحيحِ السَّاكِنِ (الباء)، فصار (مَبُيْوع).
- الْتَقى ساكِنانِ: عَينُ الكَلِمةِ (الياء) ووَاوُ مَفْعولٍ، فوجَب حذْفُ إحْداهما:
فسِيبَوَيهِ والخَليلُ: ذهبا إلى أنَّ المَحْذوفَ واوُ مَفْعولٍ، فتَصيرُ الكَلِمةُ (مَبُيْع)، ثُمَّ يَقعُ إعْلالٌ بِقَلْبِ الحَرَكةِ (الضَّمَّةِ) إلى الكسْرةِ لتَسلَمَ الياءُ، ووَزْنُه (مَفِعْل)، وإنَّما وجَب قلْبُ الضَّمَّةِ كسْرةً لِصِحَّةِ الياءِ؛ حتَّى لا يَلتبِسَ الواويُّ باليائيِّ
[1761] يُنظر: ((شرح التصريح)) للأزهري (2/ 748). .
والأخْفَشُ يَحذِفُ عَينَ الكَلِمةِ (الياء)، فتَصيرُ (مَبُوع)، ثُمَّ كُسِرتْ فاءُ الكَلِمةِ (الباء)، وقُلِبتِ الواوُ ياءً؛ لِلتَّفرقِةِ بينَ الواويِّ واليائيِّ، فتَصيرُ (مَبِيع) بوَزْنِ (مَفِيل)
[1762] يُنظر: ((المنصف)) لابن جِنِّي (1/ 287)، ((توضيح المقاصد)) للمرادي (3/ 1610، 1611). .
والتَّصحيحُ في اسمِ المَفْعولِ مِنَ الأجْوفِ اليائيِّ كَثيرٌ مَشْهورٌ؛ قال الجَوهريُّ: (وكَذلِك القَولُ في كلِّ مَفْعولٍ مِن ذَواتِ الثَّلاثةِ إذا كان مِن بَناتِ الياءِ، فإنَّه يَجيءُ بالنُّقصانِ والتَّمامِ)
[1763] يُنظر: ((الصحاح)) للجوهري (4/ 263). ، ويَعني بالنُّقصانِ مِثْلَ: مَبِيع، وبالتَّمامِ: مَبْيُوع.
وإنَّما ندَر التَّمامُ (التَّصحيحُ) في الواويِّ وكثُر واشْتَهَر في اليائيِّ؛ لثِقَلِ الواوِ وخِفَّةِ الياءِ
[1764] يُنظر: ((الكتاب)) لسيبويه (4/ 349)، ((شرح التصريح)) للأزهري (2/ 749). ، والتَّصحيحُ في الأجْوفِ اليائيِّ لُغةٌ مَنْسوبةٌ لِبَني تَمِيمٍ
[1765] يُنظر: ((الكتاب)) لسيبويه (4/ 348)، ((المنصف)) لابن جِنِّي (1/ 286). ، و
المُبرِّدُ جعَله جائِزًا عندَ الضَّرورةِ ولم يجْعَلْه لُغةً
[1766] يُنظر: ((المقتضب)) للمبرد (1/ 101)، ((توضيح المقاصد)) للمرادي (3/ 1612). ؛ قال عَلْقمةُ بنُ عَبدَةَ، وهُو تَمِيميٌّ مِنَ البَسيط:
حتَّى تذكَّرَ بَيْضاتٍ وهيَّجَه
يومُ الرَّذاذِ عليه الدَّجْنُ مَغْيُومُ
[1767] الرَّذاذُ: المطَرُ الخَفيفُ، والدَّجنُ: الغَيمُ والمطَرُ الشَّديدُ، والشَّاعِرُ يَصِفُ ظليمًا بأنه تذكَّر بيضاتِه، فأسرع إليها، وهيَّجَه مطَرٌ وغَيمٌ. ينظر: ((شرح الشواهد الكبرى)) للعيني (4/ 2102). وروَى
أبُو عَمْرِو بنُ العَلاءِ عن بعضِ العَربِ مَنْ يقولُ:
وَكَأنَّها تُفَّاحةٌ مَطْيُوبةٌ
[1768] يُنظر: ((المنصف)) لابن جِنِّي (1/ 286). وقال العَبَّاسُ بنُ مِرْداسٍ مِنَ الكامِل:
قَد كانَ قوْمُكَ يَحسَبونَكَ سَيِّدًا
وإِخالُ أنَّكَ سَيِّدٌ مَعْيُونُ
[1769] ورُوِيَ شَطْرُه الأوَّلُ: نُبِّئْتُ قومَكَ يَزعُمونَك سَيِّدًا يُنظر: ((المقتضب)) للمبرد (1/ 102)، ((شرح التصريح)) للأزهري (2/ 750). والأصْلُ فيها: مَغِيمٌ، مَطِيبةٌ، ومَعِينٌ
[1770] يُنظر: ((شرح التصريح)) للأزهري (2/ 750). .