المَبْحَثُ السَّابِعَ عَشَرَ: (لو)
وَهِي على سِتَّةِ وُجوهٍ:
1- (لو) المُستعمَلةُ في نَحْوِ: "لَو جاءَنِي لأكرَمْتُه"، وَهَذِه تفِيدُ ثَلاثةَ أُمُورٍ:
(أ) الشَّرطيَّةُ، أَي: عَقدُ السَّبَبِيَّةِ والمُسَبَّبيَّةِ بَين الجُملتَينِ بَعْدَها
[130] ينظر: ((الجنى الداني)) للمرادي (ص: 284)، ((شرح ابن عقيل على الألفية)) (4/49)، ((تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد)) لناظر الجيش (1/206). .
(ب) تَقْييدُ الشَّرطيَّةِ بالزَّمَنِ الماضي، وبهذا الوَجْه فارَقت (إنْ)؛ فَإنَّ هَذِه لعَقدِ السَّبَبِيَّة والمسَبَّبيَّةِ فِي المُسْتَقْبلِ؛ ولهذا قالُوا: الشَّرْطُ بـ(إنْ) سابقٌ على الشَّرْطِ بـ(لو)؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الزَّمنَ المُسْتَقْبلَ سابقٌ على الزَّمَنِ الماضِي. أَلا ترى أنَّك تَقولُ: "إن جئْتَني غَدًا أكرَمْتُك"، فَإذا انْقَضى الغَدُ وَلم يجِئْ قُلتَ: "لَو جِئْتَني أمسِ لأكرَمْتُك"
[131] ينظر: ((مغني اللبيب)) لابن هشام (ص: 337)، ((التصريح بمضمون التوضيح)) لخالد الأزهري (2/419). .
(ج) الامتناعُ، أي: هي حرْفٌ لِما كان سيَقَعُ لِوُقوعِ غيرِه. وقيل: حرفُ امتِناعٍ لامتناعٍ، وعِبارةُ
سِيبويْهِ: «لِما كان سيَقَعُ لوُقوعِ غيرِه»، أي: امتِناعِ الجوابِ لامتناعِ الشَّرطِ؛ ففي قولِكَ: "لو جاءنِي لَأكرَمْتُه"، أي: امتَنَع إكرامي إيَّاه لامتناعِ مجيئِه
[132] ينظر: ((ارتشاف الضرب)) لأبي حيان (4/1898)، ((توضيح المقاصد والمسالك)) للمرادي (3/1297)، ((الجنى الداني)) للمرادي (ص: 277). .
2- أَن تكونَ حَرْفَ شَرطٍ فِي المُسْتَقْبَلِ إلَّا أَنَّها لا تجزِمُ؛ نَحْوُ:
وَلَو تلتقي أصداؤُنا بعد مَوتِنا
وَمِن دُونِ رَمْسَيْنا مِن الأرضِ سَبْسَبُ
لظَلَّ صَدَى صَوتي وَإن كُنتُ رِمَّةً
لِصَوتِ صَدى لَيلَى يَهَشُّ ويَطْرَبُ
[133] يُنظر: ((شرح التسهيل)) لابن مالك (4/ 96)، ((تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد)) (9/4435)، ((التصريح بمضمون التوضيح)) لخالد الأزهري (2/417). والفَرقُ بَين هذا القِسمِ وَما قبله أَنَّ الشَّرْطَ مَتى كانَ مُسْتَقْبلًا كانَت (لَو) بِمَعْنى (إن)، وَمَتى كانَ ماضِيًا كانَت حرفَ امْتناعٍ، وَمَتى وَقع بَعْدَها مضارعٌ فَإنَّها تقلِبُ مَعْناهُ إلَى المُضِيِّ؛ نَحْوُ: لَو تقومُ أقومُ، أَي: لَو قُمْتَ قُمْتُ.
3- أَن تكونَ حرفًا مصدريًّا بِمَنْزِلة (أَن) وتَفيدُ مَعنى التَّمنِّي، إلَّا أَنَّها لا تنصِبُ [134] ينظر: ((الكتاب)) لسيبويه (3/36)، ((الأصول في النحو)) لابن السراج (2/186)، ((شرح المفصل)) لابن يعيش (5/124)، ((المساعد على تسهيل الفوائد)) لابن عقيل (1/173)، ((تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد)) لناظر الجيش (6/3041). . وَأكْثَرُ وُقُوعِ هَذِه بعد الفِعلِ (وَدَّ) وَ(يَوَدُّ)؛ نَحْوُ قَولِه تعالَى:
وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ [القلم: 9] ، وقَولِه تعالَى:
يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ [البقرة: 96] ، وَمن وُقُوعِها بدونهما قَولُ قُتيلةَ بنتِ النَّضرِ:
ما كانَ ضَرَّكَ لَو مَنَنْتَ وَرُبَّما
مَنَّ الفَتى وَهُوَ المَغِيظُ المُحْنَقُ
فَإذا وَليها ماضٍ بَقِي على مُضيِّه، وَإذا وَليها مضارِعٌ تخلَّص للاستقبالِ.
والحقُّ أنَّها لا تُطابِقُ (إنْ) فإنَّ شَرَط (لو) بعيدُ الوقوعِ، وهو أبعدُ مِن (إنْ)
[135] يُنظر: ((شرح ديوان الحماسة)) (ص: 681)، ((شرح الكافية الشافية)) لابن مالك (1/304)، ((شرح التسهيل)) لابن مالك (1/228)، ((التذييل والتكميل)) لأبي حيان (3/157)، ((المساعد على تسهيل الفوائد)) لابن عقيل (1/174)، ((معاني النحو)) للسامرائي (4/90). .
4- أَن تكونَ لِلتَّمَنِّي، وَيَأْتِي جوابُها بِالفاءِ مَنْصُوبًا؛ نَحْوُ: لَو تَأتِينِي فتُحدِّثَني (بِنصْبِ تحَدِّثَ)
[136] ينظر: ((شرح التسهيل)) (1/230)، ((التذييل والتكميل)) لأبي حيان (3/159)، ((مغني اللبيب)) لابن هشام (ص: 351)، ((معاني النحو)) للسامرائي (4/90). .
5- أَن تكونَ للعَرْضِ والتَّحضيضِ؛ مِثْلُ (أَلا)، وَيَأْتِي جوابُها بِالفاءِ مَنْصُوبًا؛ نَحْوُ: لَو تَنزِلُ عندنا فتُصيبَ خيرًا.
6- أَن تكونَ للتقليلِ [137] ينظر: ((مغني الللبيب)) لابن هشام (ص: 352)، ((التصريح بمضمون التوضيح)) للأزهري (2/425)، ((همع الهوامع)) للسيوطي (2/574 - 576)، ((معاني النحو)) للسامرائي (4/91). ، كقَولِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «لا تَرُدُّوا السَّائِلَ وَلَوْ بِظِلْفٍ مُحْرَقٍ»
[138] أخرجه أحمد (27451)، والطبراني (24/220) (557) من حديث حواء جدة عمرو بن معاذ رضي الله عنها. .
ويمكنُ تلخيصُ قاعِدتِها هنا على النَّحْوِ التالي:
أَنَّها إذا دخَلَت على ثُبوتَينِ كانا مَنْفيَّينِ، تَقول: لَو جاءَنِي لأكرَمْتُه، فما جاءَنِي وَلا أكرَمْتُه. وَإن دخَلَت على نفْيَينِ كانا ثُبوتَينِ، تَقولُ: لَو لم يَستَدِنْ لم يُطالَبْ، فقد اسْتَدانَ وطُولِبَ. وَإن دخَلَت على نفْيٍ وَثُبُوتٍ كانَ النَّفْيُ ثُبوتًا والثُّبوتُ نَفْيًا، تَقول: لَو لم يُؤمِنْ أُرِيق دَمُه، فالتقديرُ: أَنه آمَنَ وَلم يُرَقْ دَمُه. والعَكْسُ: لَو آمن لم يُقتَلْ.