المَطلَبُ الثَّاني: العربيَّةُ البائدةُ
العَرَبُ البائِدةُ: همُ الَّذين انقرضوا من قبل ظهور الإسلامِ
[93] يُنظر: ((المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام)) لجواد علي (1/295). والمقصود بالعَرَبيَّةِ البائِدةِ: عَرَبيَّةُ النُّقوشِ، تلك التي اختفت لهجاتُها قَبلَ الإسلامِ، ويُقصَدُ بالعَربيَّةِ الباقيةِ: هذه اللُّغةُ التي لم نَزَلْ نَستَعملها كِتابةً وتَأليفًا وأدَبًا، والَّتي بلَغَتْنا مِن طَريقِ القُرآنِ والسُّنةِ والشِّعرِ الجاهليِّ
[94] يُنظر: ((دراسات في فقه اللغة)) لصبحي الصالح (ص: 55)، ((موت الألفاظ في العربية)) لعبد الرزاق بن فراج الصاعدي (ص:351). .
ولقد نَسَبَ المُؤَرِّخونَ أكثَرَ العَرَبِ البائِدةِ إمَّا إلى إِرَمَ وإما إلى لاوذ، واستَثنَوا قَبيلةَ جُرْهم الأُولى وألحَقوا نَسَبَها بعابِر، وأُخِذَت هذه الأسماءُ عنِ التَّوراةِ
يُنظر: ((المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام)) لجواد علي (1/297).. ولقد ورَدتْ هذه الأقوامُ باسمِ "العَرَبِ العارِبةِ" في كِتابِ
((مُقَدِّمةِ ابنِ خَلدون)) [96] يُنظر: ((تاريخ ابن خلدون)) (2/ 22-30). .
وقَدِ اعتَرَضَ "وِلفِنسون" على تَقسيمِ لهجاتِ العربية إلى لهجَتَينِ؛ واحِدةٌ في شَمالِ الجَزيرةِ العَربيَّةِ، وأُخرى في جَنوبِها، ويَرى أنَّ التَّقسيمَ الأفضَلَ يَكونُ: عَرَبيَّةً باقيةً، وعَرَبيَّةً بائِدةً
[97] يُنظر: ((دراسات في تاريخ العرب القديم)) لمحمد بيومي مهران (ص: 137)، ((شرح ثلاثية الأصول)) لصالح الفوزان (ص:245). ، وهم:
1- العَرَبيَّةُ البائِدةُ: تُطلَقُ على لهجاتِ قَبائِل منطَقةِ العلا، شَمالَ الحِجازِ على مَقرُبةٍ منَ الآراميِّينَ، وأشهرُ هذه اللَّهَجاتِ (الثَّموديَّةُ، والصَّفويَّةُ، واللِّحيانيَّةُ).
2- العَرَبُ الباقيةُ: تَكَوَّنَت منِ احتِكاكِ اللَّهَجاتِ العَربيَّةِ ببَعضِها.
إنَّ العَرَبَ البائِدةَ وُزِّعُوا بَينَ الأقوامِ الآتيةِ: عاد، وثُمود، وأميم، وجَديس، وطَميم، وعَبد ضَخمٍ، وجاسِم، وجُرْهم الأولى، والعَمالقة، وعَبيل، وحُضور، أمَّا قَومُ عادٍ فيَنحَدِرونَ من نَسلِ عادِ بن عَوصِ بنِ إرَمَ، وأمَّا قَومُ ثَمودَ فيَنحَدِرونَ من ثمودِ بن غاثِر بن إرَم، وعُرِفَت أخبارُ عادٍ وثَمودَ دون غَيرِهم نتيجة ذِكرَهم في القُرآنِ الكَريمِ.
ومنهم طَسم: من نَسْلِ طسمِ بنِ لاوذ، وأصلُ عَبد ضَخمٍ: عَبدُ ضَخمٍ من نَسْلِ لاوذ، وأمَّا العَمالِقةُ فهم أبناءُ عمليقِ بنِ لاوذ، وجاءَ منهمُ الفَراعِنةُ المِصريُّونَ، وجبابِرةُ الشَّام، وأصلُ أميمٍ: أميمِ بن لاوذ بن سام، أمَّا عبيلٌ فإنَّهم من نَسْلِ عَبيلِ بنِ عَوص بنِ إرَمَ، وأصْل جَديسٍ: جَديسُ بن غاثِر بنِ إرَمَ، وأمَّا جُرْهم الأولى فيَنحَدِرونَ من عابِر، وأولئك غَيرُ جُرْهم الثَّانيةِ الذينَ يَنتمون إلى القَحْطانيِّينَ، وأمَّا "جاسِمٌ" فهم من نَسلِ جاسِمٍ، وأمَّا حُضور فقيلٌ: إنَّهم كانوا بالرَّسِّ، وبادوا
[98] يُنظر: ((المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام)) لجواد علي (1/ 295- 296، 321 -346). .
لهجاتها: وأهمُّها ثَلاث لَهَجاتٍ: اللِّحيانيَّةُ، والصفويَّةُ، والثَّموديَّةُ
أوَّلًا: اللِّحيانيَّةُ، والتي تُنسَبُ إلى قَبائِلِ لِحْيانٍ، ويُقالُ: إنَّها كانت تَقطن شَمال الحِجازِ قَبلَ الميلادِ، وعُثِرَ على نُقوشٍ كثيرةٍ جِدًّا تَذكُرُ أسماءَ مُلوكِ قَبائِلِ لِحْيانٍ، وأغلَبُ الظَّنِّ أنَّ تاريخَها يعود إلى ما بَينَ سنةِ 200 وسَنةِ 400 قَبلَ الميلادِ، والخَطُّ الذي كُتِبَتْ به أنيقٌ، وأكثَرُ جَمالًا ورونَقًا منَ الخَطَّينِ الصَّفَويِّ والثَّموديِّ، ويُكتَبُ منَ اليَمينِ إلى الشِّمالِ.
ثانيًا: الصَّفَويَّةُ، والتي تُنسَبُ إلى منطَقةِ (الصَّفَا)، ولَكِن عُثِر على نقوشها في أماكِنَ مُختَلفةٍ في الحَرَّةِ، ويَبلُغُ تَعدادُ هذه النُّقوشِ ما يَزيدُ على ألفَيْ نَقشٍ، ولَعَلَّ تاريخَ كِتابَتِها يَعودُ إلى ما بَينَ القَرنَينِ الثَّالثِ والسَّادِسِ الميلاديَّينِ.
ثالثًا: الثَّموديَّةُ، والتي تُنسَبُ إلى قَبائِل ثَمودَ، وقد ذُكِرت في القُرآنِ الكَريمِ، ويعود تاريخُ أغلَبِ نقوشِها إلى القَرنَينِ الثَّالثِ والرَّابِعِ الميلاديِّ، ويَصل عَدَدُها ما يَقرُبُ من ألفٍ وسَبعِمِائةٍ، وهذه النُّقوشُ بها كلماتٌ في العَرَبيَّةِ أُخِذَت منَ السُّرْيانيَّةِ والعِبْريَّةِ.
وقد بلغَتنا اللَّهَجاتُ الثَّلاثة عن طَريقِ نُقوشٍ سطحية المادة وقليلة الأهمية، وإن كانت تَمتازُ بأنها أقرَبُ لَهَجاتِ العَرَبيَّةِ الفانية إلى الفُصحى، وتتفرد بأنَّ الخَطَّ الذي سُطِّرَت به كان ضِمنَ المَرحَلةِ الأولى في شهرة وتَحسُّن الخَطِّ العَرَبيِّ
[99] يُنظر: ((علم اللغة العربية)) لمحمود فهمي حجازي (ص: 218-221)، ((فقه اللغة)) لعلي عبد الواحد وافي (ص: 101)، ((دراسات في فقه اللغة)) لصبحي صالح (ص: 55-56). .