المَبحَثُ الثَّالِثُ: أوزانُ الأفعالِ والأسماءِ
حاولَ العُلَماءُ إحصاءَ صيَغِ الأسماءِ والأفعالِ مِن أجْلِ حَصرِ القَوالبِ التي تُبنى بها الألفاظُ مع تَطابُقِها مع حالِ المُخاطَبينَ، ولَكِنَّ هذه المُحاولاتِ باءت بالفَشلِ، فاستَعاضوا بحَصرِ الأشباهِ والنَّظائِرِ، وهيَ عِبارةٌ عن وصفٍ دَقيقٍ لتَعاقُبِ التَّأليفِ في الأوزانِ العَرَبيَّةِ وصيَغِها.
ومَن يقرَأْ في المُزهِر
للسُّيوطيِّ بابَ "الأشباه والنَّظائِرِ" يَقَعْ على وَصفٍ دَقيقٍ لتَعاقُبِ التَّأليفِ في أوزانِ العَرَبيَّةِ وصيَغِها؛ ففي مُستَهَلِّ هذا البابِ أخبَرَ
السُّيوطيُّ قارِئَه بأنَّه رَأى كِتابَ "ليس" لابنِ خالَويه وطالعَه قَديمًا، وانتَقى منه فوائِدَ؛ فهو إذَن قادِرٌ على أن يَذكُرَ من صيَغِ الأسماءِ والأفعالِ ما يَقضي النَّاظِرُ فيه العَجَبَ، ويَقولُ إذا وقفَ على غَرائبِه: ذلك مُنتَهى الأرَبِ
[322] يُنظر: ((المزهر)) للسيوطي (2/3). !
وأوَّلُ من حاول إحصاءَها
سِيبَوَيهِ في كِتابِه؛ إذ أورَد منَ الأسماءِ ما يُقارِبُ ثَلاثَمِائةٍ وثَمانيةً، ثُمَّ تَلتْه مَجموعةٌ منَ العُلَماءِ الأفاضِلِ، وأضافَت عليها؛ منهم: ابنُ السَّرَّاجِ الذي زادَ على ما أورَده
سِيبَوَيهِ اثنَينِ وعِشرينَ بِناءً، ثُمَّ زادَ عليه الجَرميُّ صيَغًا قَليلةً، ثُمَّ أضافَ ابنُ خالَوَيه أمثِلةً يَسيرةً، وما منهم إلَّا من تَركَ أضعافَ ما ذَكَرَ
[323] يُنظر: ((دراسات في فقه اللغة)) لصبحي صالح (ص: 330-331). .
لقد تَنَبَّه عُلَماءُ الصَّرفِ إلى أنَّ أوزانَ الأفعال يُمكِنُ ضَبطُها وحَصْرُها، وأنَّها تَتَجاوزُ بضعةً وعِشرينَ بِناءً، وهيَ التي نَعرِفُها في دِراسةِ الفِعل:
ثُلاثيًّا، ورُباعيًّا، مُجَرَّدًا ومَزيدًا.
أمَّا الأسماءُ فهيَ غَيرُ مَحصورةٍ وكَثيرةٌ، والأسماءُ التي لا زيادةَ فيها على ثَلاثةِ أُصولٍ: أصلٌ ثُلاثيٌّ، وأصلٌ رُباعيٌّ، وأصلٌ خُماسيٌّ، وأنَّ الأفعالَ التي لا زيادةَ فيها (ثُلاثيٌّ ورُباعيٌّ).
أمثِلةٌ وشَواهدُ: على جَمعِ الأسماءِ في الشَّهرِ (رَمضان): رَمضانات، أَرْمِضَة.
على جَميعِ أيَّامِ الأُسبوعِ (السَّبتِ): أسْبُت، سُبُوت، أَسْبات …
وهذه الجُموعُ خاليةٌ من أدنى الفُروقِ مُتَكَلَّفةٌ مَوضوعةٌ.
أمثِلةٌ على الصِّيَغِ العَربيَّةِ المُستَخدَمةِ:فاعَلَ/ خاصَمَ، قاتَلَ: وهيَ تَدُلُّ على المُشارَكةِ.
فِعَالةٌ/ نِجارةٌ، حِدادةٌ، زِراعةٌ: وهيَ للدَّلالةِ على الحِرفةِ.
فَعِيلٌ/ رَحِيلٌ، مَسِيرٌ: وهيَ للدَّلالةِ على السَّيرِ.
وعلى الرَّغمِ من أنَّ هناكَ مَن يُحاوِلُ أن يَحُدَّ من مَعاني الأوزانِ، إلَّا أنَّ المَجامِعَ العَربيَّةَ الحَديثةَ لَن تَأذَنَ بتَجميدِ هذه اللُّغةِ الكَريمةِ أو تَعطيلِ نَشاطِها، وإنَّ القَراراتِ التي اتُّخِذَت في مَجمَعِ القاهرةِ بشَأنِ الصِّياغةِ والاشتِقاقِ لهيَ دَليلٌ على أنَّ حاجاتِ المُجتَمَعِ لم يَستَطِعِ النُّحاةُ تَلبيتَها، فاللُّغةُ أداةٌ حَيَّةٌ في أيدي صُنَّاعِ التَّاريخِ وبُناةِ الحَياةِ، وليست عَجينةً طَيِّعةً بأيدي المُتَحَذْلقينَ
[324] يُنظر: ((دراسات في فقه اللغة)) لصبحي صالح (ص: 328: 346). .