المَبحَثُ الثَّاني: أسبابُ تأليفِ المعاجِمِ وفوائِدُها
إنَّ اللُّغَويِّين قد قرَّروا أنَّ المُعجَمَ "قائمةٌ بمُفرَداتِ اللُّغةِ أو مورفيماتِها" أو بتعبيرِ بُلومْفِيلْد: "المخزونُ الكُلِّيُّ لمورفيماتِ اللُّغةِ"
[300] ((النظرية اللغوية في التراث العربي)) لمحمد عبد العزيز عبد الدايم (ص: 246). . وعرَّف إميل يعقوب المُعجَمَ أنَّه كتابٌ يضمُّ أكبَرَ عدَدٍ من مفرَداتِ اللُّغةِ مقرونةً بشَرحِها وتفسيرِ معانيها على أن تكونَ الموادُّ مرتَّبةً ترتيبًا خاصًّا، إمَّا على حروفِ الهجاءِ أو الموضوعِ
[301] ((المعاجم اللغوية العربية)) لإميل يعقوب (ص: 9). . وأمَّا المُعجَمُ الكامِلُ -عندَ عطَّارٍ- فهو الذي يضُمُّ كُلَّ كَلِمةٍ في اللُّغةِ مصحوبةً بشَرحِ معناها واشتقاقِها وطريقةِ نُطقِها وشواهِدَ تُبَيِّنُ مواضِعَ استعمالِها
[302] ((سر صناعة الإعراب)) لابن جني (1/ 49). .
فالمُعجَمُ أو القاموسُ هو كتابٌ يحتوي مجموعةً من مفرداتِ اللُّغةِ مُرَتَّبةً ترتيبًا أبجَديًّا، أو في نظامٍ آخَرَ محدَّدٍ مع شرحِ معانيها، وعادةً ما يذكُرُ المعلوماتِ الخاصَّةَ بها في اللُّغةِ نفسِها، أو في لغاتٍ أخرى؛ بالإضافةِ إلى ذلك فإنَّ القاموسَ يتعرَّضُ لطريقةِ نُطقِها، واشتقاقِها، والمترادِفاتِ والاصطِلاحاتِ، مع ذِكرِ الشَّواهِدِ التوضيحيَّةِ
[303] يُنظَر: ((دراسة معجمية: نشأتها ونظرياتها ومدارسها)) لتوفيق أوروشمان (ص: 175). .
يقولُ
ابنُ جِنِّي في مُقَدِّمةِ كتابِه ((سِرُّ صناعةِ الإعرابِ)): (اعلَمْ أنَّ (ع ج م) إنَّما وقعت في كلامِ العَرَبِ للإبهامِ والإخفاءِ، وضِدِّ البيانِ والإيضاحِ، من ذلك قولُهم: رجُلٌ أعجَمُ، امرأةٌ عَجماءُ: إذا كانا لا يُفصِحانِ ولا يُبِينانِ كلامَهما)
[304] ((سر صناعة الإعراب))، لابن جني (1/ 49). .
إنَّ حركةَ التأليفِ في المعاجِمِ بدأت انطلاقًا من رسائِلِ الموضوعاتِ، وهي رسائِلُ متوسِّطةٌ وصغيرةٌ ساهمت في نشأةِ المعاجِمِ الكبيرةِ مُساهَمةً فعَّالةً، وذلك في النِّصفِ الثَّاني من القَرنِ الثَّاني الهِجريِّ، ويُطلَقُ عليها معاجِمُ المعاني أو المعاجِمُ المُبوَّبةُ، وقد جاءت هذه الرَّسائِلُ خاصَّةً مُستقِلَّةً أو خُصِّصَت لها أبوابٌ وفصولٌ في الكتُبِ العامَّةِ، وهي عبارةٌ عن معاجِمَ بُنِيَت على المعاني والموضوعاتِ المألوفةِ، وقد تبَلْوَر المعجَمُ الذي نعرِفُه اليومَ على يدَيِ الخليلِ بنِ أحمدَ الفراهيديِّ في العينِ، وتتابَعَ بعده التأليفُ في المعاجِمِ إلى العَصرِ الحديثِ، وبدت ظاهِرةُ التقليدِ في صناعةِ المعاجِمِ جَليَّةً واضحةً إلى حدٍّ بعيدٍ، وهي أنَّ المتأخِّرين قد اعتَمَدوا على السَّابِقين والأخذِ عنهم
[305] ((المعاجم اللغوية في ضوء دراسات علم اللغة الحديث)) لمحمد أحمد أبو الفرج (ص:25). .
ويمكِنُ إجمالُ هذه الفوائِدِ فيما يلي:1- العِنايةُ بفَهمِ آياتِ القُرآنِ الكَريمِ مِن خِلالِ تَفسيرِ آياتِه بمُراجَعةِ المُؤلَّفاتِ في غَريبِ القُرآنِ؛ مِن خِلالِ تَفسيرِ الألفاظِ العَربيَّةِ في القُرآنِ وتَوضيحِ مَعناها، معَ ذِكرِ الشَّواهِدِ الشِّعريَّةِ فيها.
2- تَفسيرُ الألفاظِ العَربيَّةِ الوارِدةِ في الأحاديثِ المَرويَّةِ عنِ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وعنِ الصَّحابةِ والتَّابِعين.
3- مَعرِفةُ المُرادِ بألفاظِ بعضِ الفُقَهاءِ في المُتُونِ، ورَبطُها بالتَّعريفاتِ الاصطِلاحيَّةِ عندَهم، وذلك مِن خِلالِ المُؤلَّفاتِ الخاصَّةِ بغَريبِ ألفاظِ الفُقَهاءِ.
4- فَهمُ مُفرَداتِ القَصائِدِ الشِّعريَّةِ العَربيَّةِ والقِطَعِ النَّثريَّةِ؛ لتَدوينِ اللُّغةِ العَربيَّةِ خَشيةَ ضَياعِ شيءٍ مِن مُفرَداتِها، لا سيَّما حَياةِ فُصَحائِها.
5- ضَبطُ الكَلِماتِ، ومَعرِفةُ نُطقِها الصَّحيحِ.
6- بَيانُ أصلِ الكَلِمةِ واشتِقاقاتِها وتَصريفاتِها، وجُموعِها ومَصادِرها، وتاريخِها وتَطوُّرِها، واختِلافِ استِعمالِها.
7- تَحديدُ أماكِنِ بعضِ المَواقِعِ الجُغرافيَّةِ والمُدُنِ التَّاريخيَّةِ.
8- حِفظُ كمٍّ هائِلٍ مِنَ الشَّواهِدِ الشِّعريَّةِ، مِن خِلالِ جَمعِ أشعارِ بعضِ الصَّحابةِ.
9- اكتِسابُ ثَروةٍ لُغويَّةٍ كُبرى، لا سيَّما عند تَعدُّدِ مَدلولاتِ الكَلِمةِ، واختِلافِ مَعانيها
[306] يُنظَر: ((المعاجم اللغوية وطرق ترتيبها)) لأحمد بن عبد الله الباتلي (ص: 13)، ((علم الدلالة والمعجم العربي)) لعبد القادر أبو شريفة، وحسن لافي، وداود غطاشة (ص: 114). .
ويحَدِّدُ الدُّكتورُ (رمضان عبد التَّوَّاب) وظائِفَ المُعجَمِ في أربَعِ وظائِفَ رئيسةٍ:
1- شَرحُ الكَلمةِ وبيانُ معناها أو معانيها عبرَ العُصورِ.
2- بيانُ كيفيَّةِ نُطقِ الكَلِمةِ، أي: ضَبْطُها بالشَّكلِ.
3- تحديدُ الوظيفةِ الصَّرفيَّةِ للكَلِمةِ.
4- تحديدُ مكانِ النَّبْرِ في الكَلِمةِ
[307] يُنظَر: ((فصول في فقه اللغة)) لرمضان عبد التواب (ص: 230). .
(ومهما تباينَتِ الآراءُ حَولَ المعجَمِ في درَجةِ إيفائِه بالمعنى الاجتِماعيِّ أو الدَّلاليِّ، وجَلائِه للمعنى المعجَميِّ أو قُصورِه عن ذلك؛ فإنَّ المعجَمَ يبقى من أنجَعِ الوسائِلِ القديمةِ والحديثةِ في الحفاظِ على اللُّغةِ في ماضيها، وفي حاضِرِها المتجَدِّدِ، وما يَلحَقُها من تطوُّرٍ في أثناءِ تفاعُلِها مع غيرِها من اللُّغاتِ عَبْرَ مراحِلِ عُمُرِها الاجتِماعيِّ)
[308] ((في المعجمية العربية)) عبد القادر سلَّامي (25). .