المبحث الثَّاني: صِفاتُ الحُروفِ عند المُحدَثِينَ
يَغلِبُ على طَريقةِ المُحدَثين في بَحْثِ صِفاتِ الأصْواتِ مُحاكاةُ طَريقةِ الغَربيِّين في دِراستِها، وهذا حمَلهم على اخْتِراعِ مُصْطلَحاتٍ للتَّعبيرِ عن مَفاهيمَ صَوتيَّةٍ لها في التُّراثِ العَربيِّ مُصْطلَحاتٌ راسِخةٌ مَعْروفةٌ.
الجَهْرُ والهَمْسُ عند المُحدَثين:الجَهْرُ عندَهم هو اهْتِزازُ الوَتَرَينِ الصَّوتيَّينِ عند النُّطْقِ بالصَّوتِ، والأصْواتُ المَجْهورةُ في عِلمِ الأصْواتِ الحَديثِ هي نفْسُها ما ذكَره عُلَماءُ التَّجْويدِ ما عدا ثَلاثةَ أصْواتٍ عدُّوها مَهْموسةً غيرَ مَجْهورةٍ بخِلافِ المُتقدِّمين، وهي (الهَمْزةُ والطَّاءُ والقافُ)
[419] يُنظَر: ((الأصوات اللُّغويَّة)) لإبراهيم أنيس (ص20). . وذلك ناتِجٌ عنِ اخْتِلافِ مَفْهومِ الجَهْرِ عند المُتقدِّمين والمُحدَثين، ويَفترِضُ بعضُهم فَرضيَّةَ تَطوُّرِ الطَّاءِ والقافِ عبْرَ الزَّمنِ ككلِّ لُغاتِ العالَمِ الَّتي تَتطوَّرُ أصْواتُها بمُرورِ الزَّمنِ.
الشِّدَّةُ والرَّخاوَةُ عند المُحدَثين:يُطلِقُ المُحدَثون على الشِّدَّةِ مُصْطلَحَ: (الانْفِجار)، وعلى الرَّخاوَةِ مُصْطلَحَ: (الاحْتِكاك)، والفَرْقُ الأساسيُّ بَينَ الأصْواتِ الانْفِجاريَّةِ والاحْتِكاكيَّةِ: هو تَوقُّفُ تيَّارِ الهَواءِ تَوقُّفًا تامًّا مُدَّةً مِنَ الزَّمنِ عند الأصْواتِ الانْفِجاريَّةِ، واسْتِمرارُ تَدفُّقِه وعَدَمُ انْقِطاعِه مُدَّةَ الصَّوتِ الاحْتِكاكيِّ.
والأصْواتُ الانْفِجاريَّةُ عندَهم هي: (ب ت د ط ض ك ق)، وكذلك الهَمْزةُ. وهم بذلك أخْرَجوا الجِيمَ مِنَ الأصْواتِ الانْفِجاريَّةِ، وأدْخَلوا الضَّادَ كما يُنطَقُ بها في مِصرَ
[420] يُنظَر: ((الأصوات اللُّغويَّة)) لإبراهيم أنيس (ص23). .
والأصْواتُ الاحْتِكاكيَّةُ عندَهم هي: (س ش ذ ث ظ ف ه ح خ ع غ ز ص)، وهي نفْسُها عند المُتقدِّمين لكنَّهم أخْرَجوا الضَّادَ كما سبَق. وهذا على اعْتِبارِ أنَّ الضَّادَ الَّتي وصَفها المُتقدِّمون ليست هي الضَّادَ الَّتي نَتكلَّمُها اليومَ؛ لأنَّ الضَّادَ القَديمةَ نَسبوها إلى مَوضِعٍ لا يَشترِكُ معَها فيه غيرُها، على حين أنَّ الضَّادَ الحاليَّةَ يَشترِكُ معَها في المَخرَجِ التَّاءُ والدَّالُ والطَّاءُ
[421] يُنظَر: ((علم الأصوات)) لكمال بشر (ص253). .
ووصَفوا الأصْواتَ المُتوسِّطةَ بأنَّها الَّتي يَجدُ النَّفَسُ له فيها مَنْفذًا يَتسرَّبُ منه إلى الخارِجِ على الرَّغمِ مِنِ الْتِقاءِ العُضوَين في مَخرَجِ الصَّوتِ المَنْطوقِ وانْسِدادِ المَخرَجِ. ولم يَجعَلوا منها حَرْفَ العَينِ.
فالخِلافُ في صِفاتِ الانْفِجاريَّةِ والاحْتِكاكيَّةِ والمُتوسِّطةِ بَينَ القُدَماءِ والمُحدَثين يَدورُ حولَ ثَلاثةِ أحْرُفٍ (ج، ض، ع).
الإطْباقُ والانْفِتاحُ عند المُحدَثين:الإطْباقُ عندَهم هو: أن يَتَّخذَ اللِّسانُ عند النُّطْقِ بالصَّوتِ شَكْلًا مُقعَّرًا مُنْطبِقًا على الحَنَكِ الأعلى، ويَرجِعُ إلى الوَراءِ قَليلًا
[422] يُنظَر: ((الأصوات اللُّغويَّة)) لإبراهيم أنيس (ص62). . والانْفِتاحُ: عَدَمُ رَفعِ مُؤخَّرِ اللِّسانِ نَحْوَ الحَنَكِ الأقْصى، وتَأخُّرُه نَحْوَ الجِدارِ الخَلفيِّ للحَلْقِ عند النُّطْقِ بالصَّوتِ.
وحُروفُ الإطْباقِ عند المُتقدِّمين هي نفْسُها عند المُحدَثين، والفَرْقُ بينَهما فقط في وَصْفِ عَمليَّةِ الإطْباقِ.
الاسْتِعلاءُ والاسْتِفالُ عند المُحدَثين:أهمُّ فَرْقٍ بَينَ المُتقدِّمين والمُحدَثين في مَفْهومِ الاسْتِعلاءِ هو أنَّ المُحدَثين ضمُّوا صَوتَ الكافِ إلى حُروفِ الاسْتِعلاءِ، واسْتَخدم بعضُ المُحدَثين مُصْطلَحَ التَّفْخيمِ بدَلًا مِنَ الاسْتِعلاءِ، ومُصْطلَحَ التَّرْقيقِ بدَلًا مِنَ الاسْتِفالِ
[423] يُنظَر: ((التحليل الفيزيائي لأصوات العربية) لخضر ديلمي (ص115). .
صِفةُ الصَّفيرِ عند المُحدَثين:بعضُ المُحدَثين أخْرَج صَوتَ الصَّادِ، وأغلَبُهم كان يُسمِّي أصْواتَ الصَّفيرِ أصْواتًا احْتِكاكيَّةً
[424] يُنظَر: ((التحليل الفيزيائي لأصوات العربية)) لخضر ديلمي (ص124). .
التَّكرارُ عند المُحدَثين:يتَّفِقُ المُتقدِّمون والمُحدَثون على تَكرارِ صَوتِ الرَّاءِ، إلَّا أنَّ عُلَماءَ التَّجْويدِ يَعُدُّونه عَيبًا في نُطْقِ الرَّاءِ يَنْبغي تَجنُّبُه في قِراءةِ القُرآنِ، وعند المُحدَثين لا يَذكرونه عَيبًا.
الانْحِرافُ عند المُحدَثين:جعَل المُحدَثون صَوتَ اللَّامِ هو المَوصوفَ بالانْحِرافِ، وأنَّ الرَّاءَ لا يَنْطبِقُ عليه هذا الوَصْفُ، والضَّابِطُ أنَّ اللِّسانَ يَنْحَرِفُ عند النُّطْق به بأنْ يَعْتمِدَ طَرَفُ اللِّسانِ على المَخرَجِ فيَجْريَ الهَواءُ مِن جانِبَيه
[425] يُنظَر: ((التحليل الفيزيائي لأصوات العربية)) لخضر ديلمي (ص131). .
الاسْتِطالةُ عند المُحدَثين:المُحدَثون مِن دارِسي الأصْواتِ أهْمَلوا ذِكْرَ هذه الصِّفةِ؛ لأنَّ الضَّادَ القَديمةَ المَوصوفةَ بالاسْتِطالةِ غيرُ مُحقَّقةٍ في النُّطْقِ اليومَ؛ فإنَّ صَوتَ الضَّادِ عند عُلَماءِ التَّجْويدِ رِخوٌ، وعند المُعاصِرين يُعَدُّ شَديدًا انْفِجاريًّا
[426] يُنظَر: ((التحليل الفيزيائي لأصوات العربية)) لخضر ديلمي (ص136). .