تم اعتماد المنهجية من الجمعية الفقهية السعودية
برئاسة الشيخ الدكتور سعد بن تركي الخثلان
أستاذ الفقه بجامعة الإمام محمد بن سعود
عضو هيئة كبار العلماء (سابقاً)
تُعَدُّ الرِّوايةُ أحَدَ الفُنونِ النَّثْريَّةِ الَّتي تعتَمِدُ على الحِكاياتِ والقِصَصِ وسَردِ وحِكايةِ الحوادِثِ والأعمالِ، وهي في هذا تتَّفِقُ مع القِصَّةِ القَصيرةِ، وتتَّفِقُ معها أيضًا في تركيبِها من عناصِرِ: الحَدَثِ، والشَّخْصِيَّاتِ، والبِناءِ، والزَّمانِ والمكانِ، والسَّرْدِ والحِوارِ والوَصْفِ، والفِكْرةِ. إلَّا أنَّها تختَلِفُ عن القِصَّةِ القصيرةِ في الحَجْمِ وطريقةِ العِلاجِ والتَّناوُلِ للأحداثِ، كما ذكَرْنا؛ فالرِّوايةُ لا بُدَّ فيها من تَوطِئةٍ ومُقَدِّمةٍ تُمَهِّدُ للقارِئِ الظُّروفَ الَّتي جرت فيها الأحداثُ الَّتي تتضَمَّنُها الرِّوايةُ، كما أنَّ الرَّاويَ يَهتَمُّ بالتفاصيلِ جِدًّا، ويحرِصُ على بيانِ كُلِّ الأمورِ الفَرعيَّةِ والهامِشيَّةِ، ويَستعينُ على ذلك بعُنصُرِ الوَصْفِ الَّذي يَصِفُ ما جرى في دقيقةٍ في عِدَّةِ صَفَحاتٍ. وهذا بخِلافِ القِصَّةِ القَصيرةِ الَّتي تعتَمِدُ على الإيجازِ والاختِصارِ والتَّركيزِ على الشَّخْصيَّاتِ والأحداثِ الرَّئيسةِ. وتتَّسِمُ الرِّوايةُ بعِدَّةِ خواصَّ، وهي: 1- الإيضاحُ: وهو أن يُوطِّئَ الكاتِبُ في صَدرِ روايتِه للأحداثِ ويُمهِّدَ لها، فيَذكُرَ الظُّروفَ الَّتي دفعت بهذه الأحداثِ. 2- التَّسَلْسُلُ والاطِّرادُ: وهو الصِّفةُ العامَّةُ الَّتي تَخضَعُ لها الرِّوايةُ، بحَيثُ يَشعُرُ القارِئُ دائِمًا أنَّه مَسوقٌ إلى غايةٍ يترَقَّبُها، وكُلُّ فَصلٍ مِنَ الرِّوايةِ يُعِدُّ لِما يتلوه مِنَ الفُصولِ، حتَّى تتوالى الأحداثُ وتنتهيَ إلى الغايةِ المقصودةِ. 3- الإيجازُ: وهو حَذْفُ حَشْوِ الكَلامِ وما لا قيمةَ له في النَّصِّ، وذلك لا يعني الاختِصارَ وأن تكونَ الرِّوايةُ كالقِصَّةِ القَصيرةِ؛ إذ الإطنابُ والوَصْفُ ونَحْوُ ذلك ضَروريٌّ في الرِّوايةِ، وليس مِنَ الحَشْوِ. 4- الإمكانُ: وهو أن تكونَ الأحداثُ حَصَلت بالفِعْلِ أو لم تحصُلْ، ولكِنْ مِنَ المحتَمَلِ جِدًّا أن تحصُلَ لكلِّ واحِدٍ مِنَ النَّاسِ، وهذا ما يُرَشِّحُها للقَبولِ عِنْدَ السَّامِعينَ والقارئينَ. 5- التَّلطيفُ: وهو أن يعتَمِدَ المؤلِّفُ على الانتِقالِ مِن حالٍ إلى حالٍ، فيأخُذَ بمجامِعِ القُلوبِ والعُقولِ؛ فإنَّ النَّفْسَ قد جُلِبَت على محبَّةِ التَّحَوُّلِ من حالٍ إلى حالٍ. 6- أن تكونَ الرِّوايةُ ذاتَ مَغزًى: غَيرَ أنَّه لا بُدَّ في المَغْزى أن يكونَ مفهومًا مِنَ الأحداثِ بشَكلٍ غَيرِ مبُاشِرٍ، وإلَّا كانت الرِّوايةُ أشبَهَ ما يكونُ بالخُطْبةِ والعِظةِ. 7- مُراعاةُ تنَوُّعِ الأُسلوبِ باختِلافِ طبيعةِ الشَّخْصيَّةِ: فلُغةُ الرِّجالِ تختَلِفُ عن لُغةِ النِّساءِ، وكُلُّ طَبقةٍ مِنَ المجتَمَعِ لها مُستوًى مِنَ الكَلامِ. 8- تنوُّعُ الأُسلوبِ بَيْنَ السَّردِ والوَصْفِ والحِوارِ: فلا يجوزُ أن يعتَمِدَ على السَّردِ فحَسْبُ، ولا يجوزُ للمُؤلِّفِ أن يُظهِرَ رأيَه في أمرٍ ما عن طَريقِ السَّردِ، وإنَّما له أن يُنطِقَ إحَدى الشَّخْصيَّاتِ بما يُريدُ. 9- مِن مَظاهِرِ الأُسلوبِ القَصَصيِّ المبالَغةُ أحيانًا للتَّنبيهِ إلى النُّقَطِ الهامَّةِ والمفاجَأةِ، وذلك حينَ تتحَقَّقُ النَّتائِجُ قَبْلَ أوانِها لطارئٍ مِنَ الطَّوارئِ، والرَّمزُ حينما يكتفي بأوَّلِ الحادثةِ أو الإشارةِ إليها، ثُمَّ يترُكُ للخَيالِ مجالَ التَّصويرِ والإتمامِ. 10- يدخُلُ عُنصُرُ الحُبِّ في الرِّواياتِ والقِصَصِ -ولو ثانويًّا- لقُوَّتِه، وسُلْطانِه العامِّ على النُّفوسِ، ولأنَّه في الغالِبِ سِمةُ الشَّبابِ المحبوبِ، ولكُلِّ إنسانٍ فيه مُشاركةٌ، على أنَّه قد ينفَرِدُ بالقِصَّةِ، فيكونُ مَوضوعَها [172] يُنظر: ((جواهر الأدب في أدبيات وإنشاء لغة العرب)) للهاشمي (1/ 401)، ((الأسلوب)) لأحمد الشايب (ص: 109). .