المَطلَبُ الرَّابِعُ: المَآخِذُ على الكِتابِ
يُعَدُّ المُنجِدُ مِن أفْضَلِ المَعاجِمِ العَربيَّةِ تَرْتيبًا وإخْراجًا، وهو يُحاكي في ذلك أحْدَثَ المَعاجِمِ الأوروبِّيَّةِ فَنًّا
[270] يُنظر: ((المُعجَم العَربيُّ بَيْنَ الماضي والحاضر)) لعدنان الخطيب (ص:53). ، ومعَ ذلك لم يَسلَمْ مِنَ النَّقْدِ والاسْتِدراكِ، ومِن ذلك ما كتَبه الأسْتاذُ مُنيرٌ العِماديُّ في مَجلَّةِ مَجمَعِ اللُّغةِ العَربيَّةِ بدِمَشقَ، فاسْتَدرك عليه أخْطاءً؛ منها ما هو لُغويٌّ، ومنها ما هو أدَبيٌّ، ومنها ما هو دِينيٌّ، وقد وقَف بعضُ الباحِثينَ على تلك الأخْطاءِ، كما فعَل مُنيرٌ العِماديُّ في "أغْلاطِ المُنجِدِ".
وفيما يلي بعضُ تلك الأخْطاءِ:1- الحِرْصُ على إبْرازِ الدِّيانةِ النَّصْرانيَّةِ في كلِّ مَوضِعٍ، بمُناسَبةٍ وبغيرِ مُناسَبةٍ، وتَقْديمُ المَعْلوماتِ المُفصَّلةِ عنها وعن طُقوسِها وأعيادِها وكَنائِسِها، وأقْرَبُ دَليلٍ على هذا أنَّهم في مادَّةِ "بَسمَل"
[271] يُنظَر: ((المنجد)) للويس معلوف (ص: 38). قدَّموا البَسمَلةَ عند النَّصارى: "بسمِ الأبِ والابنِ والرُّوحِ القُدُسِ" على البَسمَلةِ عند المُسلِمين.
2- إهْمالُ الحَديثِ عنِ العَقيدةِ الإسْلاميَّةِ، أو إيرادُ مَعْلوماتٍ مُحرَّفةٍ أو مُشوَّهةٍ عنها.
3- تَجاهُلُ الحَديثِ النَّبويِّ الشَّريفِ، والسِّيرةِ النَّبويَّةِ العَطِرةِ؛ فلم يُشِرْ إليها ولا إلى كُتُبِها، ولم يُخصِّصْ لها أيَّ مادَّةٍ.
4- إهْمالُ الكَثيرِ مِنَ الشَّخْصيَّاتِ الإسْلاميَّةِ المُهمَّةِ، والتَّرْكيزُ على الشَّخْصيَّاتِ النَّصْرانيَّةِ والأوروبِّيَّةِ.
5- عَدَمُ الرُّجوعِ إلى المَصادِرِ الإسْلاميَّةِ الأصِيلةِ، والاعْتِمادُ على المَصادِرِ النَّصرانيَّةِ، ويَظهَرُ ذلك جَليًّا في تَعْريفِه للعِباداتِ، وأسْماءِ الأنْبياءِ والرُّسلِ وغيرِ ذلك.
6- التَّحْريفُ في بعضِ الأسْماءِ، والخَطأُ في التَّواريخِ، وتَشْويهُ الحَقائِقِ بما يَخدُمُ العَقيدةَ النَّصْرانيَّةَ.
7- وَضْعُ صُوَرٍ عَديدةٍ في القاموسِ، منها ما ذُكِر أنَّها للمَسيحِ عليه السَّلامُ وأمِّه مَريمَ، كما وُضِعتْ صُورةٌ لرَجلٍ وامْرأةٍ عارِيَين ويَبْكيان، زعَم أنَّها لآدَمَ وحوَّاءَ وهما مَطْرودانِ مِنَ الفِردَوسِ!
8- في مادَّةِ: "قرأ" اكْتَفى بأن ذكَر أنَّ "قُرآن" مَصدَرٌ لقرَأ
[272] يُنظَر: ((المنجد)) للويس معلوف (ص: 616). ، ولم يَذكُرْ شيئًا عنِ القُرآنِ الكَريمِ.
9- في مادَّةِ "صحف" ذكَر أنَّ المُصْحَفَ ما جُمِع مِنَ الصُّحُفِ بَيْنَ دَفَّتيِ الكِتابِ
[273] يُنظَر: ((المنجد)) للويس معلوف (ص: 417). ، ولم يَذكُرْ أنَّه صار خاصًّا بالكِتابِ فيه القُرآن.
10- اتَّهم نَبيَّ اللهِ داودَ بأنَّه قتَل قائِدَه أُوريا ليَتزوَّجَ مِنِ امْرأتِه، تَماشيًا معَ العَهْدِ القَديمِ.
11- ذكَر أنَّ هارُوتَ ومارُوتَ ساحِران فتَنا النَّاسَ بالسِّحرِ، فأخَذهما اللهُ بالنَّكالِ، وقال: إنَّ ذلك مَوجودٌ في القُرآنِ، وهذا فيه مِنَ التَّضْليلِ والتَّزْويرِ ما فيه!
12- اهتمَّ بذِكْرِ أعْيادِ النَّصارى واليَهودِ، وبَيانِها، وتَحْديدِ مَواعِيدِها، ومَظاهِرِ الاحْتِفالِ بها، في حينِ اكْتَفى بأنْ قال في عِيدِ الفِطرِ: عيدُ المُسلِمين بعد رَمضانَ، وفي عيدِ الأضْحى: يومُ النَّحْرِ.
13- في قِسْمِ الأدَبِ والعُلومِ ذكَر "الأُرْمَوِيَّ" فقال: "عبدُ المُؤمِنِ، مُوسيقيُّ البَلاطِ وأمينُ المَكتبةِ للمُعْتصِمِ، دخَل في خِدمةِ هولاكو بعد فَتْحِ بَغدادَ، تُوفِّيَ سَنةَ 1294هـ، مِن مُؤلَّفاتِه: الأدْوارُ والإيقاعُ". ثمَّ ذكَره بعدَها في صَفحةٍ أخرى فقال: "صَفيُّ الدِّينِ، عبدُ المُؤمِنِ البَغْداديُّ، مِن شُعراءِ العَربِ الَّذين اشْتَغلوا في دَرْسِ المُوسيقا، كان مِن مُغنِّيِّي ونُدماءِ الخَليفةِ المُسْتَعْصِمِ نَحْوَ 1285م، له كِتابُ:
((الرِّسالة الشَّرقيَّة في النِّسبِ التَّأليفيَّةِ)) و
((الأدْوار))، و
((في عُلومِ العَروضِ والقَوافي والبَديعِ)).
ولا يَخْفى ما في الفِقرتَين مِنَ الخَلْطِ؛ حيثُ جعَله في زَمانِ المُعْتصِمِ العبَّاسيِّ المُتوفَّى (842م)، ثمَّ ذكَر هُولاكو الَّذي هلَك سَنةَ (1265م)، وتَحديدُ وَفاةِ الأُرْمَويِّ بسَنةِ 1294م يكونُ قد بلَغ مِنَ العُمُرِ 452 سَنةً! كما أنَّه ذكَر له كِتابَ
((الرِّسالة الشَّرقيَّة))، والصَّوابُ:
((الشَّرَفيَّة)) نِسبةً للأميرِ شَرفِ الدِّينِ الجُوَيْنيِّ، وقد ظهَر ما في تَسْميتِه الغَزْوَ المَغوليَّ لبَغدادَ بالفَتْحِ!
14- وفي نفْسِ القِسْمِ أيضًا ذكَر قصَّةِ الرَّاهِبِ بَحِيرا، فضبَط اسمَه بضَمِّ الباءِ، وفَتْحِ الحاءِ "بُحَيرا" وهذا خَطَأٌ، والصَّوابُ: "بَحِيرا" بفَتْحِ الباءِ وكَسْرِ الحاءِ، وقال عنه: "راهِبٌ قيل: إنَّه كان على مَذهَبِ النَّساطِرةِ، وكان يَتعاطى النِّجامةَ والسِّحرَ، فحرَمه رَئيسُه وطرَده، فسار حتَّى وصَل إلى جَزيرةِ العَربِ، فابْتَنى له صَومعةً على طَريقِ القَوافِلِ، وكان يَدعو العُربانَ إلى التَّوحيدِ". ولا يَخْفى أنَّ هذا الكَلامَ لم يَرِدْ مِن طَريقِ رِوايةٍ مَوثوقٍ بصِحَّتِها، فضلًا عن أنَّ مَذهَبَ النَّساطِرةِ هو التَّثْليثُ، فكيف يَدعو إلى التَّوحيدِ؟!
15- ذكَر نَبيَّ اللهِ الخَضِرَ، فضبَط اسمَه "الخُضر" والصَّحيح أنَّه بفَتْحِ الخاءِ، وكَسْرِ الضَّادِ، ثمَّ قال: "إنَّه أحدُ أولياءِ المُسْلمين رفعَه القُرآنُ فوقَ الأنْبِياءِ"، وهذا باطِلٌ، وتَدْليسٌ منه وتَزْويرٌ؛ إذْ جَمْهورُ أهْلِ العِلمِ على نُبوَّتِه
[274] ينظر: ((تفسير القرطبي)) (11/ 16)، ((فتح الباري)) لابن حجر (6/ 434). .
16- وفي نفْسِ البابِ أيضًا ذكَر ابنَ رَشيقٍ، فقال: "مِن مُؤلَّفاتِه: "العُمدةُ في صِيغةِ الشِّعرِ"، وهذا خَطَأٌ، إنَّما هو "العُمدةُ في صِناعةِ الشِّعرِ ونَقْدِه"، وقال: "وُلِد في المُحمَّديَّةِ"، والصَّوابُ: "المَهديَّةِ".
17- عند ذِكْرِه أبا سُفيانَ بنَ حَرْبٍ قال: "قاد جَيشًا مِنَ الجَناحِ الكَبيرِ الَّذي زحَف لحِصارِ المَدينةِ في وَقْعةِ مُؤْتةَ، ثمَّ اعْتَزل الحَرْبَ وصالَحَ مُحمَّدًا في الحُدَيبِيَةِ، وسلَّمه مَكَّةَ". ولا يَخْفى ما فيه مِنَ التَّناقُضِ والجَهْلِ؛ فإنَّ زَحْفَ أبي سُفيانَ لحِصارِ مَكَّةَ إنَّما كان يومَ الخَنْدَقِ في السَّنةِ الخامِسةِ، في حينِ كانت مُؤتَةُ في السَّنةِ الثَّامِنةِ للهِجرةِ، كما أنَّ مُؤتَةَ مِن أطْرافِ الشَّامِ، بَيْنَها وبَيْنَ المَدينةِ نَحْوُ ألِفِ كيلو مِترٍ، كما أنَّ اعْتِزالَه الحَرْبَ إنَّما يَقصِدُ به وقتَ الفَتْحِ بعد ذلك في السَّنةِ الثامِنةِ مِنَ الهِجرةِ، ولم يَكُنْ منه اعْتِزالٌ، وإنَّما أتاهم النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بما لا قِبَلَ لهم به، فأذْعَنوا واسْتَسْلموا.
ثمَّ تَرْتيبُ صُلْحِ الحُدَيبيةِ على اعْتِزالِ تلك الحَرْبِ أمرٌ غَريبٌ؛ إذْ كانتِ الحُدَيبِيَةُ قبل ذلك بكَثيرٍ في السَّنةِ السَّادِسةِ للهِجرةِ، وقد كانت شُروطُها في مَصْلحةِ المُشْرِكين أكْثَرَ منها في مَصْلَحةِ المُسْلمين، فضلًا أنْ يَترتَّبَ عليها تَسْليمُ مَكَّةَ
[275] يُنظر: ((مجلة مجمع اللُّغة العَربيَّة بدمشق / أغلاط المنجد)) لمُنير العامدي (40/633)، ((مجلة البحوث الإسلامية)) (46/245). !