الفَصْلُ الأوَّلُ: تَعْريفُ التَّعْريبِ
التَّعْريبُ في اللُّغةِ مَصدَرُ (عَرَّبَ)؛ يُقالُ: عَرَّبَ مَنْطِقَه: أي: هَذَّبَهُ مِن اللَّحْنِ والخَطَأِ، والتَّعْريبُ: قَطْعُ سَعَفِ النَّخْلِ، فهو التَّشْذيبُ والتَّهْذيبُ
[1] يُنظر: ((الصحاح)) للجوهري (1/ 179). . والمُعرَّبُ: اسمُ مَفْعولٍ مِن التَّعْريبِ، بمَعْنى: الَّذي جُعِلَ عَرَبيًّا
[2] يُنظر: ((كشاف اصطلاحات الفنون والعلوم)) للتهانوي (2/ 1582). .
اصْطِلاحًا:عَرَّفَه الجَوْهَريُّ فقالَ: (وتَعْريبُ الاسمِ الأعْجَميِّ: أن تَتَفوَّهَ به العَربُ على مِنْهاجِها، تقولُ: عَرَّبَتْه العَرَبُ وأعْرَبَتْه)
[3] ((الصحاح)) للجوهري (1/ 179). .
وعَرَّفَه
سيبَوَيْهِ بأنَّه: ما تَكلَّمَتْ به العَرَبُ مِن الأعْجَميِّ، سَواءٌ ألْحَقوه ببِناءِ كَلامِهم أم لم يُلْحِقوه.
و
سيبَوَيْهِ يُسمِّيه (المُعْرَبَ)، ويُسمِّي التَّعْريبَ: إعْرابًا
[4] يُنظر: ((الكتاب)) لسيبَوَيْهِ (4/ 303). ، لكنَّ المَشْهورَ فيه "التَّعْريبُ"، و"المُعرَّبُ"
[5] يُنظر: ((شفاء الغليل)) لشهاب الدين الخفاجي (ص: 23). .
وعَرَّفَه
السُّيوطيُّ فقالَ: (المُعرَّبُ هو ما اسْتَعمَلَتْه العَربُ مِن الألْفاظِ المَوْضوعةِ لمَعانٍ في غيْرِ لُغتِها)
[6] ((المزهر)) للسيوطي (1/ 211). .
وعَرَّفَه الخَفاجيُّ فقالَ: (التَّعْريبُ: نَقْلُ اللَّفْظِ مِن العَجَميَّةِ إلى العَربيَّةِ، والمَشْهورُ فيه التَّعْريبُ، وسَمَّاه
سيبَوَيْهِ وغيْرُه: إعْرابًا)
[7] ((شفاء الغليل)) لشهاب الدين الخفاجي (ص: 23). .
وعَرَّفَه تَمَّام حسَّان بأنَّه (إخْضاعُ اللَّفْظِ الأجْنَبيِّ لطُرُقِ الصِّياغةِ العَربيَّةِ وللعاداتِ النُّطْقيَّةِ العَربيَّةِ)
[8] ((الأصول)) لتمام حسان (ص: 260). .
وهذه التَّعْريفاتُ ليست مُتَباينةً، ونَخلُصُ منِها إلى أنَّ التَّعْريبَ هو: نَقْلُ اللَّفْظِ الأعْجَميِّ إلى العَربيَّةِ، سَواءٌ صَقَلَتْه العَربُ على مِنْهاجِها وأوْزانِها، أم تَرَكَتْه بغيْرِ صَقْلٍ، وقد يَدخُلُه الاشْتِقاقُ
[9] يُنظر: ((المصباح المنير)) للفيومي (2/ 400)، ((اللُّغة والنحو)) لعباس حسن (ص: 220). .
تَنْبيهانِ:1- ثَمَّةَ اتِّجاهانِ في تَعْريفِ المُعرَّبِ:- اتِّجاهٌ يَتَوسَّعُ في تَعْريفِ المُعرَّبِ؛ فهو اللَّفْظُ الأعْجَميُّ الَّذي دَخَلَ العَربيَّةَ، سواءٌ غيَّرتْه العَربُ أم لم تُغيِّرْه، وهو اتِّجاهُ الخَليلِ بنِ أحْمَدَ، كما يَتَّضحُ في مُعجَمِه "العَيْنِ"، واتِّجاهُ
سيبَوَيْهِ [10] يُنظر: ((الكتاب)) لسيبَوَيْهِ (4/ 303). .
- اتِّجاهٌ يُضيِّقُ التَّعْريفَ؛ فالمُعرَّبُ هو اللَّفْظُ الأعْجَميُّ الَّذي نُقِلَ إلى العَربيَّةِ وصَقَلَتْه العَربُ على أوْزانِ كَلامِها، ويَتَّضحُ في تَعْريفِ الجَوْهَريِّ في
((الصِّحاحِ)) [11] يُنظر: ((الصحاح)) للجوهري (1/ 179). .
2- التَّعْريبُ يَتَضمَّنُ الْتِزامًا صارِمًا بالأصْواتِ العَربيَّةِ؛ فالعَربُ لا يُدخِلونَ في التَّعْريبِ أصْواتًا ليست مِن لُغتِهم البَتَةَ؛ كنَفْيِهم أصْواتَ: p, v.
والْتِزامُهم في التَّعْريبِ بظَواهِرِ التَّأليفِ والتَّجاوُرِ بيْنَ الحُروفِ أقَلُّ صَرامةً مِن الْتِزامِهم بالأصْواتِ العَربيَّةِ؛ فقدْ حافَظَتِ العَربُ على بعضِ التَّآليفِ المَمْنوعةِ عنْدَهم؛ مِثلُ: الجِصِّ. واجْتِماعُ الجيمِ والصَّادِ مَمْنوعٌ في الكَلِمةِ العَربيَّةِ.
والْتِزامُهم بالصِّيَغِ الصَّرْفيَّةِ العَربيَّةِ أقَلُّ ممَّا سَبَقَ؛ لأنَّهم -كما سَبَقَ في تَعْريفِ التَّعْريبِ- يَعمَلونَ على تَقْريبِ الكَلِمةِ المُعرَّبةِ مِن صِيَغِهم قَدْرَ الطَّاقةِ، فإن لم يُمكِنْهم ذلك أبْقَوا الكَلِمةَ على صورتِها معَ الاكْتِفاءِ بتَعْريبِ الأصْواتِ
[12] يُنظر: ((الأصول)) لتمام حسان (ص: 260). .