المَبْحَثُ الثَّالِثُ: التَّعْريبُ على غيْرِ أوْزانِ العَربِ
اختَلَفت آراءُ المَجْمعيِّينَ حوْلَ تلك القضيَّةِ، وانقسَموا فَريقينِ:
الفريقُ الأوَّلُ: يَرى ضَرورةَ أنْ يَخضَعَ اللَّفظُ المُعرَّبُ للأوزانِ العربيَّةِ؛ منهم أحمدُ الإسكندريُّ وحُسَين والي مِن مَجمَعِ القاهرةِ، وحميل مَلائكة، مِن مَجمَعِ بَغدادَ.
الفريقُ الثَّاني: يَرى ضَرورةَ إبقاءِ اللَّفظِ الأجنبيِّ على ما هو عليه عندَ
التَّعريبِ دونَ تَغييرٍ؛ حتَّى لا يكونَ مُستغرَبًا؛ منهم الأستاذُ محمَّد شوقي؛ فقدْ دَعا إلى جَوازِ
التَّعْريبِ على غيْرِ أوْزانِ العَربِ، وبَنى دَعْوتَه على أمْرَينِ؛ هما:
1- أنَّه قد وَرَدَتْ عن العَربِ الخُلَّصِ كَلِماتٌ مُعرَّبةٌ على غيْرِ أوْزانِ الكَلِماتِ العَربيَّةِ.
2- أنَّ
سيبَوَيْهِ -وهو مِن مُتَقدِّمي النُّحاةِ- وغيْرَه مِن النُّحاةِ واللُّغويِّينَ –لا سيَّما النَّحْويِّينَ المِصْريِّينَ، كابنِ بِرِّي، وأبي حَيَّانَ، والشِّهابِ الخَفاجيِّ، والبَغْداديِّ- لا يَشْترِطونَ التَّقَيُّدَ بأوْزانِ العَربيَّةِ عنْدَ
التَّعْريبِ.
وتَبنَّى هذا الرَّأيَ أيضًا الدُّكتورُ مجيد القَيسي مِن مَجمَعِ العراقِ، ويَرى أنَّ ذلك يُحافِظُ على سَلامةِ اللُّغةِ العربيَّةِ، وأصالةِ اللُّغةِ الأجنبيَّةِ في الوقتِ نفسِه.
وقد حَسَم بعضُ المجامعِ تلك القضيَّةَ بإصدارِ قَرارٍ يَخُصُّها، دونَ أنْ تَترُكَ المجالَ لأعضائِها لِيَتصرَّفَ كلٌّ بحسَبِ رَأْيِه؛ كمَجمَعِ اللُّغةِ العربيَّةِ المصريِّ، فكان قَرارُه: (يُنطَقُ بالاسمِ المعرَّبِ على الصُّورةِ التي نَطَقَت بها العربُ)، ومنها مَجمَعُ بَغدادَ؛ حيث أصدَرَت لجنةُ اللُّغةِ العربيَّةِ قَرارَها الآتيَ: (... إحداثُ بعضِ التَّغييرِ في نُطقِ المصطلَحِ المعرَّبِ ورَسمِه لِيَتَّسِقَ مع النُّطقِ العربيِّ).
أمَّا مَجْمَعا دِمشقَ وعَمَّانَ فلم يَصدُرْ عنهما قَرارٌ بذلك، كما لم يَصدُرْ قَرارٌ بإجازةِ
التَّعريبِ؛ غيرَ أنَّه يُفهَمُ مِن كَلامِ بعضِ الأعضاءِ ما اتَّبَعَه المَجْمَعانِ في ذلك؛ حيث رأى الدُّكتورُ مَحْمود سمرةَ أنَّه لا بُدَّ مِن تَحويرِ اللَّفظِ الأجنبيِّ ليَكونَ له طَبْعٌ عربيٌّ، والدكتورُ جميل صليبا مِن مَجمَعِ دِمشقَ يَرى أنْ يُصاغَ اللَّفظُ الأجنبيُّ صِياغةً عَربيَّةً.
على أنَّه يَجِبُ المسارَعةُ بالقولِ: إنَّ تَحويرَ اللَّفظِ الأجنبيِّ، وإخضاعَه لأوزانِ العربِ؛ أمرٌّ شَقَّ تَنفيذُه على المجامِعِ العربيَّةِ؛ ومِن ثَمَّ اتَّجَهَت المجامِعُ إلى التَّساهُلِ في الأمرِ، يَتَّضِحُ ذلك في قولِ الدُّكتورِ إبراهيم مَدْكور رَئيسِ مَجمَعِ اللُّغةِ العربيَّةِ الأسبقِ: (وليْس بِلازمٍ أنْ يكونَ
التَّعريبُ على أبْنيةِ العَربِ، وعُرِّبت فِعلًا ألفاظٌ على نحْوِ ما كانت تُنطَقُ به في اللُّغةِ الأصليَّةِ، والعلمُ هو تُراثُ الإنسانيَّةِ جَمْعاَء، يَجِبُ أنْ يُفسَحَ مَجالُ التَّبادُلِ فيه، وأنْ تُيسَّرَ سُبلُه، ومِن وَسائلِ التَّيسيرِ أنْ يُسمَحَ بتَبادُلِ الألفاظِ كما تَتبادَلُ الأفكارُ والمعاني)
[336] يُنظر: مجلة مجمع اللغة العربية بالقاهرة (11/ 148). [337] يُنظر: ((التَّعْريب في القديم والحديث)) لمحمد حسن عبد العزيز (ص: 237، 238)، ((دور مجامع اللغة العربية في التعريب)) لإبراهيم الحاج يوسف (ص: 67 - 71). .