الفَصلُ الثَّاني عَشَرَ: أبو سَعِيدٍ الأصْمَعِيُّ (ت: 215 هـ)
أبو سعيد عبدُ المَلِك بنُ قُرَيب -وقيل: اسمه عَاصِم، وقُرَيب لَقَبُه- بنِ عبدِ المَلِك بن عَلَيِّ بنِ أصْمَع، الأصْمَعِيُّ، البَصْريُّ، الإمامُ العلَّامةُ، النَّحْويُّ، اللُّغَويُّ، حُجَّةُ الأدَب، ولِسَانُ العَرَبِ.
مَولِدُه:وُلِد سنةَ بِضعٍ وعِشرينَ ومائةٍ.
مِن مشايخِه:عبدُ اللهِ بنُ عَوْن، وشُعْبَةُ بنُ الحَجَّاج، و
أبو عَمْرِو بنُ العَلَاء، وحَمَّادُ بنُ سَلَمَة، والخَلِيلُ بنُ أحمدَ، وسُلَيمانُ بن المُغِيرَة، وتَلَا على نَافِعِ بنِ أبي نُعَيْمٍ.
ومِن تَلامِذَتِه:أبو عُبَيدٍ القَاسِمُ بنُ سَلَّام، وأبو حاتمٍ السِّجِسْتَانِي، وأبو الفَضْلِ الرِّيَاشِي، وأحمدُ بنُ مُحَمَّد اليَزِيدِيُّ، ونَصْرُ بنُ عَلِيٍّ الجَهْضَمِيُّ.
مَنزِلتُه ومكانتُه:كان الأصْمَعِيُّ رحمه الله إمامَ زَمَانِه في اللُّغَة، بَحْرًا فيها، عالِمًا بالشِّعرِ والغَرِيبِ والأخْبَارِ والمُلَحِ، له يَدٌ غَرَّاءُ في اللُّغَةِ.
وكان حَسَنَ العِبَارَة واللَّفْظ؛ حتى قال
الشَّافعيُّ عنه: (ما عَبَّر أحَدٌ عن العَرَبِ بأحسَنَ مِن عِبَارَة الأصْمَعِي)، وكان ذا فِطْنَة، وحُضُورِ ذِهْن، وذَكَاءٍ مُتَّقِدٍ، ومَعْرِفَة واسِعَة باللُّغَة والشِّعْر والنَّوادِرِ.
من أقوالِه:- إنَّ أخوفَ ما أخافُ على طالِبِ العِلمِ إذا لم يَعرِفِ النَّحْوَ أن يدخُلَ في جملةِ قَولِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «من كَذَبَ عليَّ فليتبوَّأْ مَقعَدَه مِنَ النَّارِ
»؛ لأنَّه لم يكُنْ يَلْحَنُ، فمهْما رَوَيْتَ عنه ولحَنْتَ فيه كذبْتَ عليه.
- مَن لم يحتَمِلْ ذُلَّ التعَلُّمِ ساعةً بَقِيَ في ذُلِّ الجَهلِ أبدًا.
عَقيدتُه:كان الأصمَعيُّ ديِّنًا صاحِبَ سُنَّةٍ، قال إبراهيمُ الحَربيُّ: (كان أهلُ البَصرةِ -أهلُ العَرَبيَّةِ منهم- أصحابَ الأهواءِ، إلَّا أربعةً فإنَّهم كانوا أصحابَ سُنَّةٍ:
أبو عَمرٍو بنُ العَلاءِ، والخَليلُ بنُ أحمَدَ، ويُونُسُ بنُ حَبيبٍ، والأصمَعيُّ)
[149] ينظر: ((نزهة الألباء في طبقات الأدباء)) للأنباري (ص: 34)، ((تهذيب التهذيب)) لابن حجر (12/ 180). .
وقد أثنى
الإمامُ أحمَدُ بنُ حَنبَلٍ على الأصمَعيِّ وعلى دِينِه
[150] ينظر: ((سير أعلام النبلاء)) للذهبي (10/ 176). .
قال تِلميذُه نَصرُ بنُ عليٍّ الجَهْضميُّ: (ما رأيتُ أحدًا أشَدَّ تَمسُّكًا بالسُّنَّةِ مِن الأصْمَعيِّ، وقد رَفَعه اللهُ تعالى)
[151] ينظر: ((إكمال تهذيب الكمال)) لمغلطاي (8/ 338). .
وفي كلامِه ما يدُلُّ على صِحَّةِ مُعتقَدِه، يقولُ في الرَّدِّ على
المعتزلةِ الَّذين يُنكِرون أسماءَ اللهِ تعالى لأنَّها غيرُ المسمَّى، وما غيرُ اللهِ فهو مَخلوقٌ: (إذا سَمِعتَ الرَّجلَ يقولُ: الاسمُ غيرُ المسمَّى، فاحكُمْ -أو قال: فاشهَدْ- عليه بالزَّنْدقةِ)
[152] ينظر: ((شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة)) للالكائي (2/ 237). .
وقَدِمت امرأةُ الجَهْمِ بنِ صَفوانَ، فقال رجُلٌ عندها: اللهُ على عَرشِه، فقالت: مَحدودٌ على مَحدودٍ! فقال الأصمعيُّ: (هي كافرةٌ بتلك المَقالةِ)
[153] ينظر: ((العلو للعلي الغفار)) للذهبي (ص: 159). ، فقضى بكفرها لإنكارها استواءَ اللهِ تعالى على عرشه.
وقال أبو المظَفَّرِ الإسْفِرايِينيُّ: (وكذلك لم يكُنْ في أئِمَّةِ الأدَبِ أحَدٌ إلَّا وله إنكارٌ على أهلِ
البِدعةِ شَديدٌ، وبُعْدٌ مِن بِدَعِهم بعيدٌ، مِثْلُ: الخَليلِ بنِ أحمَدَ، ويُونُسَ بنِ حَبيبٍ، و
سِيبَوَيهِ، والأخفَشِ، و
الزَّجَّاجِ، و
المُبَرِّدِ، وأبي حاتِمٍ السِّجِسْتانيِّ، و
ابنِ دُرَيدٍ، والأزهَريِّ، و
ابنِ فارِسٍ، والفارابيِّ، وكذلك مَن كان مِن أئمَّةِ النَّحْوِ واللُّغةِ، مِثْلُ:
الكِسائيِّ، والفَرَّاءِ، والأصمَعيِّ، وأبي زَيدٍ الأنصاريِّ، وأبي عُبَيدةَ، وأبي عَمرٍو الشَّيبانيِّ، و
أبي عُبَيدٍ القاسِمِ بنِ سَلامٍ. وما منهم أحَدٌ إلَّا وله في تصانيفِه تَعَصُّبٌ لأهلِ السُّنَّةِ والجَماعةِ، وردٌّ على أهلِ الإلحادِ و
البِدعةِ)
[154] ينظر: ((التبصير في الدين وتمييز الفرقة الناجية عن الفرق الهالكين)) للإسفراييني (ص: 188). .
مُصنَّفاتُه:صَنَّف الأصْمَعِيُّ كُتُبًا أكثَرُها مُخْتَصَرَات، وقد فُقِد جُلُّها، ومنها: كتابُ ((الهمزة))، وكتابُ ((المقصور والممدود))، وكتابُ ((الصِّفات)).
وفاتُه:تُوفِّي رحمه الله بالبَصرةِ سَنةَ خَمسَ عَشْرةَ ومائَتَينِ، وقيل: ثلاثَ عَشْرةَ ومائَتَينِ، وقيل: سِتَّ عَشْرةَ ومائَتَينِ، وقيل: أربعٍ وعِشرينَ ومِائَتَينِ، وقيل: خمسٍ وعشرينَ ومِائَتَينِ
[155] يُنظَر: ((أخبار النحويين البصريين)) للسيرافي (ص 46)، ((طبقات النحويين واللغويين)) لمحمد بن الحسن الزُّبَيدي (ص 167)، ((نزهة الألباء في طبقات الأدباء)) لكمال الدين الأنباري (ص 90)، ((إنباه الرواة على أنباه النحاة)) للقِفْطي (2/ 197)، ((سير أعلام النبلاء)) للذهبي (10/ 175)، ((الوافي بالوفيات)) للصفدي (19/ 126)، ((البلغة في تراجم أئمة النحو واللغة)) للفيروزابادي (ص 188)، ((بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة)) للسيوطي (2/ 112). .