الفَصلُ الرَّابعُ والعِشرونَ: ابنُ السِّكِّيت (ت: 243 هـ)
أبَو يُوسُف يَعْقُوبُ بن إسْحَاق، ابنُ السِّكِّيت، البَغْدَادِيُّ، المُؤَدِّبُ، النَّحْويُّ، اللُّغَويُّ، شَيْخُ العَرَبِيَّةِ.
مَوْلِدُه:وُلِد سنةَ ستٍّ وثَمانينَ ومِائةٍ.
مِن مَشَايِخِه:أبو عَمْرٍو الشَّيْبَانِي، والفَرَّاءُ، وابنُ الأعْرَابِي، والأَثْرَم، والأَصْمَعِيُّ، وأبو عُبَيْدةَ.
ومِن تَلَامِذَتِه:أبو عِكْرِمةَ الضَّبِّي، وأبو سَعِيدٍ السُّكَّرِي، ومَيْمُونُ بنُ هَارُونَ الكَاتِبُ، وعبدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إبراهيمَ، وأحمدُ بنُ فَرَح المقرئ المفسِّر.
سَبَب تَسْمِيَتِه بابنِ السِّكِّيت:السِّكِّيت لَقَبُ أبيه؛ سُمِّي بذلك؛ لأنه كان كثيرَ السُّكُوت، طويلَ الصَّمْتِ.
وكان أبوه السِّكِّيت مِن أصحابِ
الكِسَائِيِّ، وكان حَسَنَ المعرفةِ بالعَرَبِيَّةِ واللُّغَةِ والشِّعْرِ، وكان ابنُ السِّكِّيتِ يقولُ: (أنا أعلَمُ مِن أبي بالنَّحْوِ، وأبي أعْلَمُ منِّي بالشِّعْرِ واللُّغَةِ).
سَبَبُ تَعَلُّمِه النَّحْوَ:كان ابنُ السِّكِّيت يؤدِّبُ الصِّبْيانَ حتى احتاج إلى الكَسْبِ، فَأَقْبَل على تَعَلُّمِ النَّحْوِ مِن البَصْريِّين والكُوفِيِّين.
ورُوي أنَّ أباه "السِّكِّيت" حَجَّ وطَاف بالبيت، وسَعَى بين الصَّفا والمروةِ، وسأل اللهَ تعالى أن يعلِّمَ ابنَه النَّحْوَ؛ فتعلَّم النَّحْوَ واللُّغَةَ.
مَنزِلتُه ومكانتُه:كان ابنُ السِّكِّيت دَيِّنًا خَيِّرًا، حُجَّةً وإمامًا فِي النَّحْو واللُّغَة والعَرَبِيَّةِ، وكان عالِمًا بالقُرآنِ ونَحْوِ الكُوفِيِّين، ومِن أَعْلَم النَّاس باللُّغَة والشِّعْر.
وقيل: (لم يَكُن بَعْدَ ابنِ الأَعْرَابِي مِثْلُه).
عَقيدتُه:كان ابنُ السِّكِّيتِ دَيِّنًا صالحًا، يُوالي آلَ البَيتِ ويُحِبُّ عليًّا رَضِيَ اللهُ عنه، وقيل: كان يتشَيَّعُ، والمرادُ: أنَّه كان يُقَدِّمُ عَليًّا على عُثمانَ، أو: كان يَرى الحقَّ مع عليٍّ في خِلافِه مع
مُعاوِيةَ رَضِيَ اللهُ عن الجَميعِ.
وقد دفَعَه دينُه إلى أن قُتِلَ على يَدِ المتوكِّلِ؛ حيث سأله المتوكِّلُ الخليفةُ العبَّاسيُّ -وكان متحامِلًا على عليِّ بنِ أبي طالِبٍ وولَدَيه الحَسَنِ والحُسَينِ- فقال: ابناي هذانِ -المعتَزُّ والمؤَيِّدُ- خيرٌ أم الحَسَنُ والحُسَينُ؟ فقال ابنُ السِّكِّيتِ: واللهِ إنَّ قَنْبَرًا خادِمَ عليٍّ رَضِيَ اللهُ عنه خيرٌ منك ومن وَلَدَيك! فقال المتوكِّلُ: سُلُّوا لِسانَه مِن قفاه. ففَعَلوا فمات من الغَدِ، وقيل: ضَرَبوه بالسِّياطِ إلى أن مات
[187] ينظر: ((وفيات الأعيان)) لابن خلكان (6/ 395)، ((سير أعلام النبلاء)) للذهبي (12/ 18). .
ويَشهَدُ لهذا أنَّه ذكَرَ في كُتبِه
أبا بَكرٍ وعُمرَ وعُثمانَ، وتَرضَّى عليهم، ولم يَذكُرْهم بسُوءٍ خِلافًا للرَّوافضِ.
وكان لابنِ السِّكِّيت شِعْرٌ جَيِّدٌ؛ منه قولُه:إذَا اشْتَمَلَتْ عَلَى اليَأْسِ القُلُوبُ
وَضَاقَ لِمَا بِهَا الصَّدْرُ الرَّحِيبُ
وَأَوْطَأتِ المَكَارِهُ وَاسْتَقَرَّتْ
وَأَرْسَتْ فِي أَمَاكِنِهَا الخُطُوبُ
وَلَمْ تَرَ لانْكِشَافِ الضُّرِّ وَجْهًا
وَلا أَغْنَى بِحِيلَتِهِ الأَرْيبُ
أَتَاكَ عَلَى قُنُوطٍ مِنْكَ غَوْثٌ
يَمُنُّ بِهِ اللَّطِيفُ المُسْتَجِيبُ
وَكُلُّ الحَادِثَاتِ إِذَا تَنَاهَتْ
فَمَوْصُولٌ بِهَا فَرَجٌ قَرِيبُ
وقَولُه:ومِنَ النَّاسِ مَنْ يُحِبُّكَ حُبًّا
ظَاهِرَ الوُدِّ لَيْسَ بالتَّقْصيرِ
فَإِذَا ما سَألتَهُ عُشْرَ فَلْسٍ
ألْحَقَ الحُبَّ باللَّطِيفِ الخَبِيرِ
مُصنَّفاتُه:مِن مُصَنَّفَاتِه: كتاب: ((إصلاح المَنطِقِ)) -وهو كتاب نَفِيس مَشْكُور فِي اللُّغَة، قال فيه
المُبرِّد: (ما رأيتُ للبغداديِّينَ كتابًا أحسَنَ منه)-، وكتاب: ((تفسير دواوين الشعراء))، وكتاب: ((مختَصَر في النَّحْو))، وكتاب: ((الألفاظ))، وكتاب: ((الأضداد))، وكتاب: ((الأمثال))، وكتاب: ((شَرْح شِعْرِ الأخطل))، وكتاب: ((تفسير شعر أبي نُوَاس))، وكتاب: ((شرح شعر الأعشى))، وكتاب: ((شَرْح شِعْرِ زُهَير))، وكتاب: ((شرح شِعر عُمرَ بن أبي ربيعة))، وكتاب: ((شرح المعَلَّقات))، وغير ذلك.
وفاتُه:تُوفِّي سَنةَ ثلاثٍ وأربعينَ ومِائَتَينِ، وقيل: أربعٍ وأربعينَ ومِائَتَينِ، وقيل: سِتٍّ وأربعينَ ومِائَتَينِ
[188] يُنظَر: ((طبقات النحويين واللغويين)) لمحمد بن الحسن الزُّبَيدي (ص 202)، ((تاريخ بغداد)) للخطيب البغدادي (16/ 397)، ((نزهة الألباء في طبقات الأدباء)) لكمال الدين الأنباري (ص 138)، ((معجم الأدباء)) لياقوت الحَمَوي (6/ 2840)، ((إنباه الرواة على أنباه النحاة)) للقِفْطي (4/ 56)، ((وفيات الأعيان)) لابن خَلِّكان (6/ 395)، ((سير أعلام النبلاء)) للذهبي (12/ 16)، ((البلغة في تراجم أئمة النحو واللغة)) للفيروزابادي (ص 319)، ((بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة)) للسيوطي (2/ 349)، ((الأعلام)) للزِّرِكْلي (8/ 195). .