الفَصلُ السَّادِسُ والعِشرونَ: أبو عُثْمَان المَازِنِيُّ (ت: 247 هـ)
أبو عُثمانَ بَكْرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَدِي -وقيل: بَقِيَّة- بن حبيبٍ، البَصْريُّ المَازِنِي، النَّحْويُّ، اللُّغويُّ، صاحِبُ التصانيفِ.
مِن مشايخِه:أبو عُبَيدةَ مَعْمَرُ بنُ المُثَنَّى، والأَصْمَعِي، وأبو زَيْدٍ الأنصاريُّ، والأَخْفَشُ.
ومِن تَلامِذَتِه:الحَارِثُ بنُ أبي أسامةَ، وموسى بنُ سَهْلٍ الجَوْنِي، و
أبو العبَّاسِ المُبَرِّد.
مَولِدُه ونَشأتُه:وُلِد بالبَصْرةِ، وتَربَّى في بَنِي مَازِن بن شَيْبَان، فنُسِبَ إليهم.
مَنزِلتُه ومكانتُه:كان أبو عُثمانَ المَازِنِي حُجَّةً ومَرْجِعًا في النَّحْوِ واللُّغةِ، وقد انْتَهَت إليه رياسةُ مَدرسةِ البَصْرةِ في عَصْرِه، وشاع بين النَّاسِ أنَّه لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ بَعْدَ
سِيبَوَيْه أعْلَمَ بالنَّحْوِ مِن المَازِنِي، وعُرِف بقوَّةِ بيانه وأدَبِه، وأنَّه كان له الفَوزُ في المناظَرةِ والحِجَاج، فكان لا يُناظِرُ أحدًا إلَّا قطَعَه.
ورُوِي أنه جاءه يهوديُّ قد حصَّل النَّحْو، فجاء ليقرأَ عليه: "كتاب
سِيبَوَيْه"، وبَذَلَ له مِائةَ دينارٍ، فامتنع المَازِنِي وقال: (هذا الكِتَابُ يَشْتَمِل عَلَى ثَلاثِ مِائةِ آيَةٍ وَنَيِّفٍ، فَلا أُمَكِّنُ مِنْهَا ذِمِّيًّا).
ثم اتَّفَق بعد هذا أنَّ جاريةً أنْشَدَت بحَضْرَة الخليفةِ الوَاثِقِ:
أَظَلُومُ إِنَّ مُصَابَكُمْ رَجْلًا
رَدَّ السَّلَامَ تَحِيَّةً ظُلْمُ
فَاخْتَلَف مَنْ بِحَضْرَةِ الوَاثِقِ في إعْرَاب البَيْت، وهل يكون: "رَجُلًا" مَرْفُوعًا أَوْ مَنْصُوبًا، وَبِمَ نُصِب؟ وأَصَرَّت الجاريةُ على أنَّ المَازِنِي حَفَّظَهَا هَذَا هَكَذَا، فَأَرْسَلَ الخَلِيفَةُ إِلَيْهِ، فَلَمَّا مَثَلَ بَيْنَ يَدَيْهِ قَالَ: أترْفَعُ رجُلًا أمْ تَنصِبُه؟ فَقلت: بل الْوَجْهُ النصبُ يَا أَمِيرَ الْمُؤمنِينَ، فَقَالَ: وَلمَ ذَلِك؟ فَقلت: إنَّ (مُصابَكم) مصْدرٌ بِمَعْنى إصَابَتْكُم، فَأخذ اليَزيديُّ فِي مُعارضتي، فَقلتُ: هُوَ بِمَنْزِلَة قَوْلك: إنَّ ضَرْبَك زَيدًا ظُلْمُ، فـ(رجُلًا) مفعولُ (مُصابَكم) ومنصوبٌ بهِ، والدَّلِيل عَلَيْهِ أنَّ الكَلَام مُعَلَّقٌ إلى أَن تَقول: ظُلْمُ، فَيتمَّ الكَلَامُ.
فَعَوَّضَه اللَّهُ تعالى عَنِ المِائة دِينَارٍ -لَمَّا كان ترَكَهَا لله سبحانَه، ولَمْ يُمَكِّنِ الذِّمِّيَّ مِن قِرَاءَةِ الكِتَابِ؛ لِأَجْلِ ما فيه مِن القُرْآن- أَلْفَ دِينَارٍ!
عَقيدتُه:ذكَرَ أصحابُ التَّراجِمِ أنَّ المازنيَّ كان شِيعيًّا إماميًّا على مذهَبِ ابنِ مِيثَمٍ، يذهَبُ إلى مَذهَبِ الإرجاءِ
[192] ينظر: ((الدر الثمين في أسماء المصنفين)) لتاج الدين ابن الساعي (ص: 313)، ((لسان الميزان)) لابن حجر (2/ 353). .
مُصنَّفاتُه:مِن مُصَنَّفَاته: كتاب: ((ما تَلْحَنُ فيه العَامَّة))، وكتاب: ((العَرُوض))، وكتاب: ((التَّصْرِيف))، وتعود أهميَّةُ هذا الكِتَابِ الأخيرِ إلى كونِه أَوَّلَ كِتَاب يقْصُرُه صاحِبُه على عِلْم الصَّرْف؛ وذلك أنَّ النَّحْوَ قبْل هذا الكِتَاب كان مَمْزُوجًا بالصَّرْف، ولا يُفْصَل عنه بكتابٍ مُسْتَقلٍّ؛ فكِتابُ: ((التصريف)) للمَازِنِي مَظْهَرٌ وَاضِحٌ للفَصْلِ بين عِلْمَي النَّحْوِ والصَّرفِ.
وفاتُه:تُوفِّي بالبصرةِ سَنةَ سبعٍ وأربعينَ ومِائَتَينِ، أو ثمانٍ وأربعينَ، وقيل: تِسعٍ وأربعينَ
[193] يُنظَر: ((مراتب النحويين)) لأبي الطيب اللُّغَوي (ص 92)، ((طبقات النحويين واللغويين)) لمحمد بن الحسن الزُّبَيدي (ص 87)، ((درة الغواص في أوهام الخواص)) (ص 86 - 88)، ((معجم الأدباء)) لياقوت الحَمَوي (2/ 757)، ((إنباه الرواة)) للقِفْطي (1/ 281)، ((وفيات الأعيان)) لابن خلكان، ((سير أعلام النبلاء)) للذهبي (12/ 270)، ((تاريخ الإسلام)) للذهبي (5/ 1093)، ((البداية والنهاية)) لابن كثير (14/ 458)، ((البلغة في تراجم أئمة النحو واللغة)) للفيروزابادي (ص 71)، ((لسان الميزان)) لابن حجر (2/ 353)، ((بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة)) للسيوطي (1/ 463) .