الفَصلُ الثَّالِثُ: مُحَمَّدٌ الأميرُ (ت: 1232هـ)
مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أحمَدَ بنِ عَبدِ القادِرِ بنِ عبدِ العزيزِ، السنباويُّ الأزهريُّ، المِصْريُّ، المالِكيُّ.
مَوْلِدُه:وُلِد سَنةَ أربَعٍ وخمسين ومِائةٍ وألف.
مِن مَشَايِخِه:حَسَن الجَبَرْتي، ويوسُفُ الحفنيُّ، وعطيَّةُ البصيرُ، ومُحَمَّدُ بنُ عَبدِ السَّلامِ النَّاصِريُّ، والنورُ السقاط، والتاودي، والبليدي.
ومن تلامذته:عبد الرحمن الجبرتي.
مَنْزِلَتُه وَمَكَانَتُه:عالمٌ بالعَربيَّةِ، مِن فُقَهاءِ المالِكيَّة، العَلَّامةُ العُمدةُ، الفاضِلُ الفهَّامةُ، المُتَفَنِّنُ في العُلومِ كُلِّها نَقْلِيِّها وعَقْلِيِّها وأدَبيِّها، إليه انتَهتِ الرِّياسةُ في العُلومِ بالدِّيارِ المِصريَّةِ، وباهَتْ مِصرُ ما سِواها بتَحقيقاتِه البَهيَّةِ، واستَنبَطَ الفُروعَ مِنَ الأصولِ، واستَخرجَ نَفائِسَ الدُّرَرِ مِن نُحورِ المَنقولِ، اشتَهرَ بالأميرِ لِأنَّ جَدَّه أحمَدَ كانت له إمرةٌ في الصَّعيدِ، وأصلُه مِنَ المَغرِبِ، وكان رَقيقَ القَلبِ لَطِيفَ المِزاجِ، وكان لِسانُه فصيحًا، وذَوقُه صَحيحًا، ونَظْمُه مَليحًا.
ومِن شِعْرِه:تخيَّلْتُ أنَّ الشَّمسَ والبَحرُ تحتَها
وقد بُسِطَتْ منها عليه بوارِقْ
مليحٌ أتى المرآةَ ينظُرُ وَجْهَه
ففي وَجْهِها من وَجْهِه الضَّوءُ دافِقْ
عَقيدتُه:كان الأميرُ أشعَرِيَّ العقيدةِ، صوفيًّا شاذِليَّ الطَّريقةِ؛ ظهر ذلك من قَولِ الجَبَرتي تلميذِه: ((وحَضَر على السَّيِّدِ البليديِّ شَرْحَ السَّعدِ على عقائِدِ النَّسَفيِّ))
[746] ينظر: ((تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار)) للجبرتي (3/ 573). ، والسَّعدُ التَّفتازانيُّ أشعَريٌّ، والعَقيدةُ النَّسَفيَّةُ موضوعةٌ على المُعتقَدِ الأشعريِّ كذلك.
وقال الجَبَرتي أيضًا: ((وتلقَّى عنه طريقَ الشَّاذليَّةِ مِن سِلسلةِ مَولاي عبدِ اللهِ الشَّريفِ))
[747] ينظر: ((تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار)) للجبرتي (3/ 574). .
ونقل ابنُ مخلوفٍ عن محمَّدٍ الأميرِ أنَّه ألَّف فَهْرَسةً حافِلةً أتى فيها على تفصيلِ روايتِه عن الأعلامِ والكُتُبِ المؤَلَّفةِ في السُّنَّةِ والفِقهِ والكَلامِ والتفسيرِ والنَّحوِ واللُّغةِ والتصَوُّفِ والقِراءاتِ، وغَيرِ ذلك مِن الفُنونِ والعُلومِ الشَّرعيَّةِ، وطُرُقِ سَنَدِها إلى مُؤَلِّفيها وأسمائِهم ووفَياتِهم، وابتَدَأَ بالمُوَطَّأِ ثمَّ أتى على الكُتُبِ المُؤَلَّفةِ في الحديثِ وغَيرِه مِن جَميعِ الفُنونِ، وخَتَمَها بكُتُبِ القَوْمِ وأحزابِهم مُسْنَدةً. وقال: ((إنَّما قَدَّمتُ ما يتعَلَّقُ بالحديثِ على التَّفسيرِ وجميعِ العُلومِ الشَّرعيَّةِ؛ لأنَّ التفسيرَ وتلك العُلومُ مُستمَدَّةٌ مِن حديثِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وأَخَّرتُ علمَ الكَلامِ على ما ذُكِرَ؛ لأنَّ التوحيدَ يُستمَدُّ مِن كَلامِ اللهِ تعالى، وأمَّا نَفْسُ فَنِّ القِراءاتِ فهو إمامُ كُلِّ حِكمةٍ وعِلمٍ؛ ولذا ابتدأْتُ به ابتداءً حقيقيًّا، وأَخَّرتُ عما ذُكِرَ كُتُبَ الصُّوفيَّةِ وطريقتَهم؛ لأنَّها الزُّبْدةُ المُقتَناةُ؛ فإنَّ الشَّريعةَ هي عِلمُ الشَّريعةِ، والعُلومُ الأوَّلِيَّةُ والمسائِلُ والمباحِثُ لفَهْمِه، والطَّريقُ هو العمَلُ به، والحقيقةُ أسرارٌ وأنوارٌ يُثمِرُها العَمَلُ، واتَّقوا اللهَ ويُعَلِّمُكم اللهُ))
[748] ينظر: ((شجرة النور الزكية في طبقات المالكية)) لابن مخلوف (1/ 521). .
وقد ظَهَرَت في مؤَلَّفاتِه أشعَرِيَّتُه؛ فمن ذلك شَرْحُه لقَولِ صاحِبِ المجموعِ في الفِقْهِ المالكيِّ: ((تفسيرُ الرَّحمةِ بالإنعامِ أو إرادتِه مجازًا لُغَويٌّ على الأظهَرِ المشهورِ وإن صار حقيقةً عُرفيَّةً شَرعِيَّةً. ولا عِبْرةَ بما نقَلَه (ح) في التَّشنيعِ على
الزَّمْخشريِّ في ذلك وأنَّه من الاعتِزالِ)) قال الأميرُ:
((قَولُه: ولا عِبرَة إلخ) لأنَّ الزَّمخشريَّ لم ينفَرِدْ بذلك، بل قاله غيرُه مِن أئِمَّةِ أهلِ السُّنَّةِ، وأنَّهم إنما أَوَّلُوها بذلك لدليلٍ، وهو استحالةُ المعنى الحقيقيِّ عليه تعالى؛ فلا وَجْهَ لرَبْطِه بالاعتِزالِ)) [749] ينظر: ((ضوء الشموع شرح المجموع)) لمحمد الأمير (1/ 24). .
وقال أيضًا:
((اعلَمْ أنَّ السُّنوسيَّ قال في الكُبرى: أوَّلُ ما يجِبُ على من بَلَغ أن يُعْمِلَ فِكْرَه، وفي شَرْحِها إنَّما لم أقيِّدْه بالشَّرعِ كما وَقَع في الإرشادِ وغَيرِه؛ لعَدَمِ اختِصاصِ القَيدِ بهذا الواجِبِ، بل الأحكامُ كُلُّها إنَّما ثَبَتَت عند أهلِ السُّنَّةِ بالشَّرعِ)) [750] ينظر: ((إتحاف المريد شرح جوهرة التوحيد)) للأمير (ص: 60). .
وقال: ((والمشهورُ عن
الأشعَريِّ إمامِ أهلِ السُّنَّةِ الذي بُنِيَتْ هذه المنظومةُ على مُختارِه: أنَّ المعرِفةَ أوَّلُ واجِبٍ على المُكَلَّفِ؛ لأنَّ جميعَ الواجِباتِ لا تتحَقَّقُ إلَّا بها، فاجزِمِ اعتِقادَك به واختَرْه غَيرَ مُلتَفِتٍ إلى غيرِه لأرجَحِيَّتِه))
[751] ينظر: ((إتحاف المريد شرح جوهرة التوحيد)) للأمير (ص: 73). .
مُصَنَّفَاتُه: مِن مُصَنَّفَاتِه: كتاب: ((الإكليل شرح مختَصَر خليل))، وكتاب: ((ضوء الشُّموع على شرح المجموع))، وكتاب: ((حاشية على مغني اللَّبيب لابن هشام)).
وَفَاتُه:تُوفِّي سَنةَ اثنتين وثلاثين ومائتين وألف
[752] يُنظَر: ((تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار)) للجبرتي (3/ 573)، ((شجرة النور الزكية في طبقات المالكية)) (1/ 520)، ((الأعلام)) للزركلي (7/ 71)، ((معجم المؤلفين)) لعمر كحالة (11/ 183). .