المَبحَثُ الأوَّلُ: شِبْهُ الجَزيرةِ العَربيَّةِ وصِفاتُها
تَشغَلُ جَزيرةُ العَربِ الجَنوبَ الغَربيَّ لآسيا، ويُحيطُ بها الماءُ مِن جِهاتِها الجَنوبيَّةِ والغَربيَّةِ والشَّرقيَّةِ؛ حيثُ يُطِلُّ عليها مِن الجَنوبِ المُحيطُ الهِنْديُّ، ومِن الشرْق بَحْرُ عُمانَ والخَليجُ العَربيُّ، وفي الغَرْبِ البَحْرُ الأحمَرُ، في حينِ يَحُدُّها مِن الشَّمالِ الغَربيِّ فِلَسطينُ وسُوريَّةُ، ومِن الشَّمالِ الشَّرْقيِّ العِراقُ.
وقدِ اعْتادَ الجُغرافيُّونَ على تَقْسيمِ شِبْهِ الجَزيرةِ العَربيَّةِ إلى خَمْسةِ أقْسامٍ؛ هي: تِهامةُ والحِجازُ ونَجْدٌ والعَروضُ واليَمَنُ.
تَقَعُ تِهامةُ في المِنْطَقةِ السَّاحِليَّةِ الضَّيِّقةِ المُطلَّةِ على البَحْرِ الأحمَرِ، ويُقالُ لها في الجَنوبِ: تِهامةُ اليَمَنِ، وكانَ العَربُ القُدَماءُ يُسمُّونَها الغَوْرَ لانْخِفاضِ أرْضِها، وهي أرْضٌ رَمْليَّةٌ شَديدةُ الحَرارةِ، وقد قامَتْ بها بعضُ المَرافِئِ والثُّغورِ، مِثلُ الحُدَيدةِ في اليَمَنِ، ومِثلُ جُدَّةَ ويَنبُعَ في الحِجازِ.
أمَّا الحِجازُ فهي سِلْسِلةُ جِبالِ السَّراةِ الَّتي تَفصِلُ بيْنَ تِهامةَ ونَجْدٍ، ويَقَعُ إقليمُ الحِجازِ في الجُزْءِ الغَربيِّ مِن شِبْهِ الجَزيرةِ، في شَمالِ تِهامةَ، ويَنْبسِطُ الحِجازُ شَرْقًا في هَضْبةِ نَجْدٍ الفَسيحةِ حتَّى يَصِلَ إلى بِلادِ العَروضِ. ويَشمَلُ الحِجازُ مَكَّةَ ويَثْرِبَ (المَدينةَ المُنوَّرةَ) والطَّائِفَ.
وهَضْبةُ نَجْدٍ مِنها الأجْزاءُ المُرْتفِعةُ، وهي ما يَلي الحِجازَ، وهذا يُسمَّى بالعالِيةِ، ومِنها الأجْزاءُ المُنْخفِضةُ ممَّا يَلي العِراقَ، ويُسمَّى بالسَّافِلةِ، في حينِ يُطلَقُ على الجُزءِ الشَّرْقيِّ مِنها ممَّا يَلي اليَمامةَ اسمُ الوُشومِ، ويُطلَقُ على الجُزْءِ الشَّماليِّ ممَّا يَلي جَبَلَي طيِّئٍ (أَجَأ وسلْمى) اسمُ القَصيمِ، وهو ذلك الرَّمْلُ الَّذي يَنبُتُ فيه الغَضا، فيُنسَبُ النَّجْديُّونَ له، فيُقالُ: أهْلُ الغَضا.
أمَّا العَروضُ فتَشمَلُ بِلادَ البَحْرَينِ واليَمامةَ، وقد كانَتْ قبْلَ الإسلامِ عامِرةً بالقُرى، مِثلُ الحِجْرِ وسَدوسٍ ومَنْفوحةٍ. وتَمتَدُّ البَحْرَينِ مِن البَصْرةِ إلى عُمانَ، لتَشمَلَ الآنَ الكُوَيتَ والأحْساءَ وجُزُرَ البَحْرَينِ وقَطَرَ، وهو إقليمٌ عامِرٌ تَكثُرُ فيه الآبارُ والمِياهُ، خاصَّةً في الأحْساءِ، ومِن مُدُنِه هَجَرُ والقَطيفُ.
أمَّا اليَمَنُ فهي الجُزْءُ الجَنوبيُّ كلُّه مِن شِبْهِ الجَزيرةِ العَربيَّةِ، فيَشمَلُ حَضْرَمَوْتَ والمَهْرةَ والشِّحْرَ، وقد يُطلَقُ على الزَّاوِيةِ الجَنوبيَّةِ الغَرْبيَّةِ فحَسْبُ، وهو الإطْلاقُ المَشْهورُ الآنَ. وتَتألَّفُ اليَمَنُ مِن أقْسامٍ طَبيعيَّةٍ ثَلاثةٍ: ساحِلٌ ضَيِّقٌ خِصْبٌ هو تِهامةُ اليَمَنِ، وجِبالٌ مُوازِيةٌ للسَّاحِلِ هي امْتِدادُ سِلْسِلةِ جِبالِ السَّراةِ، ثُمَّ هَضْبةٌ تُفْضي إلى نَجْدٍ ورِمالِ الرَّبعِ الخالي. وبها كَثيرٌ مِنَ الأوْديةِ والسُّهولِ والثِّمارِ والزُّروعِ بفَضْلِ أمْطارِ الرِّياحِ المَوْسميَّةِ الغَزيرةِ، وقد وصَفَها القُرآنُ الكَريمُ بأنَّها:
جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ [سبأ: الألْفِ الثَّاني قبْلَ الميلادِ إلى أوائِلِ القَرْنِ السَّادِسِ الميلاديِّ. ومِن أشْهَرِ مُدُنِ اليَمَنِ: زَبيدٌ وظَفارِ وصَنْعاءُ وعَدَنُ ونَجْرانُ [54] يُنظر: ((معجم البلدان)) لياقوت الحموي (2/ 137)، ((الروض المعطار في خبر الأقطار)) لأبي عبد الله الحميري (ص: 164). . ]ومُناخُ شِبْهِ الجَزيرةِ في الجُملةِ شَديدُ الحَرارةِ، وتَهُبُّ في الصَّيفِ رِياحُ السَّمومِ في نَجْدٍ، الَّتي تَشْوي الوُجوهَ، كما تَهُبُّ كذلك الرِّياحُ الشَّرْقيَّةُ الَّتي تُسمَّى الصَّبا، وهي رِياحٌ لَطيفةٌ أَكْثَرَ الشُّعَراءُ مِن ذِكْرِها، أمَّا رِياحُ الشَّمالِ فبارِدةٌ، وتَتَحوَّلُ في الشَّرْقِ إلى صَقيعٍ بعض الأحْيانِ. وتَقِلُّ الأمْطارُ في عامَّةِ الجَزيرةِ، اللَّهُمَّ إلَّا في الجَنوبِ؛ حيثُ تَهطِلُ الأمْطارُ المَوْسِميَّةُ في الصَّيْفِ، كما تَهطِلُ الأمْطارُ معَ الرِّياحِ الغَرْبيَّةِ في الشَّمالِ الغَربيِّ شِتاءً، وكَثيرًا ما تَتَحوَّلُ الأمْطارُ إلى سُيولٍ جارِفةٍ في اليَمَنِ وشَماليَّ الحِجازِ، في حينِ تَندُرُ الأمْطارُ في وَسَطِ الجَزيرةِ العَربيَّةِ؛ ولِهذا سمَّاها الشُّعَراءُ غَيْثًا وحَيًا، ودَعَوْا بنُزولِها على دِيارِ أحبَّائِهم وقُبورِ مَوْتاهم، كما عرَفَ العَربيُّ القَديمُ التَّرحُّلَ والحَياةَ غيْرَ المُستقِرَّةِ بَحْثًا عن أماكِنِ نُزولِ المَطَرِ ورَعْيِ العُشْبِ والكَلَأِ.
وفي الجَنوبِ والشَّرْقِ وقُرى الحِجازِ واليَمامةِ تَكثُرُ الزُّروعُ والثِّمارُ وتَتَناثَرُ بعضُ الفَواكِهِ، وقدِ اشْتَهرتِ اليَمَنُ وما والاها قَديمًا بأشْجارِ اللُّبانِ والطِّيبِ والبَخورِ، كما اشْتَهرَتْ حَديثًا بأشْجارِ البُنِّ، وتَشتَهِرُ الطَّائِفُ بالعِنَبِ والرُّمَّان.
والنَّخْلُ أهمُّ الأشْجارِ في الجَزيرةِ كلِّها، ويَتَردَّدُ على ألسِنةِ شُعَراءِ نَجْدٍ ذِكْرُ طائِفةٍ مِن الأزْهارِ على رَأسِها العَرارُ والخُزامى، وطائِفةٍ مِن الأشْجارِ على رَأسِها: الغَضا والأَثْلُ والأَرْطى والسِّدْرُ (الطَّلْح) والحَنْظَلُ، والضَّالُ والسَّلَمُ.
أمَّا الحَيَواناتُ فقدْ وصَفَ شُعَراؤُهم كَثيرًا مِنَ الحَيَواناتِ الَّتي رأَوْها وعايَشوها، سواءٌ كانَتْ أليفةً؛ كالخَيْلِ والإبِلِ والغَنَمِ والبَقَرِ والحُمُرِ الأهْليَّةِ والكِلابِ، أو وَحْشيَّةً؛ كالأسَدِ والضَّبُعِ والذِّئبِ والفَهْدِ والنَّمِرِ وحِمارِ الوَحْشِ، وكذلك الظِّباءُ والزَّرافيُّ. وكذلك صَوَّروا الطُّيورَ الجارِحةَ، مِثْلُ الصَّقْرِ والحِدَأةِ والنَّسْرِ والغُرابِ، كما أَكْثَروا مِن ذِكْرِ الجَرادِ والنَّحْلِ والقَطا، والزَّواحِفِ؛ كالثُّعْبانِ والعَقْربِ والوَرَلِ والضَّبِّ
[55] يُنظر: ((تاريخ الأدب العربي)) لشوقي ضيف (1/17). .