المَطلَبُ الأوَّلُ: المُعلَّقاتُ
هذا هو الاسمُ المَشْهورُ لعَدَدٍ مِن القَصائِدِ الطِّوالِ، وقد اخْتُلِفَ في عَدَدِها، وأسْمائِها، وفي أصْحابِها.
واخْتَلفوا كذلك في سَبَبِ تَسْميتِها بالمُعلَّقاتِ؛ فقيلَ: إنَّها اختيرَتْ مِن سائِرِ الشِّعْرِ فكُتِبتْ بماءِ الذَّهَبِ -ولِهذا تُسمَّى المُذَهَّباتِ- وكانَتْ تُعلَّقُ على الكَعْبةِ في مَواسِمِ الحَجِّ. وزعَمَ بعضُهم أنَّ العَربَ كانوا يَسْجُدون لها كما يَسْجُدون للأصْنامِ. وقيلَ: كانَتْ تُعلَّقُ في خَزائِنِ المُلوكِ؛ فإنَّ المَلِكَ كانَ إذا اسْتَجادَ قَصيدةً قالَ: علِّقوا هذه. وقيلَ: إنَّما سُمِّيتْ بهذا لأنَّها جَديرةٌ أن تُعَلَّقَ في الأذْهانِ، كما تُعلَّقُ القِلادةُ على الصُّدورِ. وهذا الأخيرُ هو الرَّاجِحُ، خاصَّةً إذا قلْنا: إنَّ الَّذي جَمَعَ تلك المُعلَّقاتِ هو حَمَّادٌ الرَّاوِيةُ
[107] يُنظر: ((جمهرة أشعار العرب)) لأبي زيد القرشي (ص:98)، ((العقد الفريد)) لابن عبد ربه (6/ 118)، ((العمدة)) لابن رشيق (1/96)، ((شرح المعلقات السبع)) للزوزني (ص: 9)، ((تاريخ آداب العرب)) للرافعي (3/ 121). .
وقدِ اخْتَلفَ العُلَماءُ في تَعْيينِ تلك القَصائِدِ، وعليه اخْتَلفوا في تَحْديدِ عَدَدِها وأصْحابِها، غيْرَ أنَّهم جَميعًا أجْمَعوا على خَمْسةٍ مِنها، وهي:1- مُعلَّقةُ امْرِئِ القَيْسِ، ومَطلَعُها:قِفا نَبْكِ مِن ذِكْرى حَبيبٍ ومَنزِلِ
بِسَقْطِ اللِّوَى بَيْنَ الدَّخولِ فحَوْمَلِ
2- مُعلَّقةُ زُهَيْرِ بنِ أبي سُلْمى، ومَطلَعُها:أَمِنْ أُمِّ أَوفَى دِمنَةٌ لم تَكَلَّمِ
بِحَوْمانةَ الدَّرَّاجِ فالمُتَثلَّمِ
3- مُعلَّقةُ طَرَفةَ بنِ العَبْدِ، ومَطلَعُها:لخَولَةَ أطْلالٌ ببُرقَةِ ثَهْمَدِ
تَلوحُ كباقِي الوَشْمِ في ظاهِرِ اليَدِ
4- مُعلَّقةُ عَمْرِو بنِ كُلْثومٍ، ومَطلَعُها:ألَا هُبِّي بِصَحْنِكِ فاصْبَحينا
ولا تُبْقي خُمورَ الأَنْدَرينا
5- مُعلَّقةُ لَبيدِ بنِ رَبيعةَ، ومَطلَعُها:عَفَتِ الدِّيَارُ مَحَلُّها فمُقامُها
بِمِنًى تَأبَّدَ غَوْلُها فرِجامُها
وأضافَ ابنُ عبْدِ ربِّه قَصيدتَي عَنْتَرةَ بنِ شدَّادٍ، ومَطلَعُها:هل غادَرَ الشُّعَراءُ مِن مُتَردَّمِ
أَمْ هل عَرَفْتَ الدَّارَ بَعْدَ تَوَهُّمِ
والحارِثِ بنِ حِلِّزةَ، ومَطلَعُها:آذَنَتْنا ببَيْنِها أَسْماءُ
رُبَّ ثَاوٍ يُمَلُّ مِنه الثَّواءُ
في حينِ أضافَ أبو زَيدٍ القُرَشيُّ والمُفضَّلُ الضَّبِّيُّ بَدَلًا مِنهما قَصيدتَي النَّابِغةِ الذُّبْيانيِّ، ومَطلَعُها:يا دارَ مَيَّةَ بِالعَلْياءِ فالسَّنَدِ
أَقْوَتْ وطالَ عليها سالِفُ الأَبَدِ
وقَصيدةِ الأعْشى مَيْمونِ بنِ قَيْسٍ، ومَطلَعُها:وَدِّعْ هُرَيرةَ إنَّ الرَّكْبَ مُرْتَحِلُ
وهل تُطيقُ وَداعًا أيُّها الرَّجُلُ
وجمَعَ أبو جَعْفَرٍ النَّحَّاسُ بيْنَ القَوْلَينِ، فجَعَلَ المُعلَّقاتِ تِسْعًا لا سَبْعًا؛ القَصائِدَ الخَمْسَ المُتَّفَقَ عليها، والأرْبَعةَ المُخْتلَفَ فيها.
ثُمَّ جاءَ الخَطيبُ التَّبْريزيُّ فأقَرَّ صَنيعَ أبي جَعْفَرٍ النَّحَّاسِ، وزادَ بائيَّةَ عَبيدِ بنِ الأبْرَصِ الَّتي مَطلَعُها:أَقفَرَ مِن أهْلِهِ مَلْحوبُ
فَالقُطَبِيَّاتُ فالذَّنوبُ
فالمُعلَّقاتُ عنْدَ ابنِ عبْدِ ربِّه وأبي زيدٍ والمُفَضَّلِ الضَّبِّيِّ سَبْعُ قَصائِدَ، وهي عنْدَ
أبي جَعْفَرٍ النَّحَّاسِ تِسْعٌ، وعنْدَ
الخَطيبِ التَّبْريزيِّ عَشْرٌ. وكلُّ أصْحابِ المُعلَّقاتِ جاهِليُّونَ إلَّا لَبيدًا؛ فإنَّه مُخَضرَمٌ أدْرَكَ الجاهِليَّةَ والإسلامَ، وأسْلَمَ رَضيَ اللهُ عنه
[108] يُنظر: ((العقد الفريد)) لابن عبد ربه (6/ 118)، ((جمهرة أشعار العرب)) لأبي زيد القرشي (ص: 97، 98)، ((شرح القصائد العشر)) للخطيب التبريزي (ص: 2). .