المَطلَبُ الرَّابِعُ: جَمْهَرةُ أشْعارِ العَربِ
نُسِبَتْ الجَمْهَرةُ إلى أبي زيدٍ مُحمَّدِ بنِ أبي الخَطَّابِ القُرَشيِّ، اخْتَلفَ المُؤَرِّخونَ في تَحْديدِ سَنةِ وَفاتِه والعَصْرِ الَّذي عاشَ فيه؛ حيثُ نَصَّ
الزِّرِكْليُّ والبابانيُّ البَغْداديُّ على أنَّه تُوفِّيَ سَنةَ (170ه)
[111] يُنظر: ((الأعلام)) للزركلي (6/ 114)، ((إيضاح المكنون)) للباباني (3/ 368). ، في حينِ رجَّحَ آخَرونَ أنَّه عاشَ في أواخِرِ القَرْنِ الثَّالِثِ الهِجريِّ أو أوائِلِ القَرْنِ الرَّابِعِ؛ وذلِك أنَّ بيْنَه وبيْنَ رُواةِ القَرْنِ الثَّاني جيلَينِ أو ثَلاثةً، كما يَتَّضِحُ مِن مُقدِّمتِه لكِتابِه وما نقَلَه عنِ الرُّواةِ؛ فالوَسائِطُ بيْنَه وبيْنَهم في السَّنَدِ غيْرُ بَعيدةٍ، وقد ذَكَرَه ابنُ رَشيقٍ المُتَوفَّى سَنةَ 463هـ في كِتابِه العُمْدة
ينظر: ((العمدة)) لابن رشيق (1/60)..
وتَحْتوي الجَمْهَرةُ على نَماذِجَ جيِّدةٍ لشُعَراءِ العَصْرِ الجاهِليِّ والإسلاميِّ، صَدَّرَها صاحِبُها بمُقدِّمةٍ أوْرَدَ فيها بعضَ الأحْكامِ النَّقْديَّةِ، وشيئًا مِن أخْبارِ كِبارِ الشُّعَراءِ في الجاهِليَّةِ؛ كزُهَيْرٍ، والنَّابِغةِ، ولَبيدٍ، والأعْشى، وعَمْرِو بنِ كُلْثومٍ.
وقد زلَّتْ قَدَمُ أبي زيدٍ حينَ نسَبَ الشِّعْرَ إلى آدَمَ عليه السَّلامُ وإلى العَمالِقةِ، كما صدَّقَ زَعْمَ أنَّ الشَّياطينَ تُوحي الشِّعْرَ إلى الشُّعَراءِ، وأنَّ لكُلِّ شاعِرٍ قَرينًا مِن
الجِنِّ.
وقد قسَّمَ القُرَشيُّ جَمْهَرتَه أقْسامًا سَبْعةً، كلُّ قِسْمٍ مِنها يَتَضمَّنُ بعضَ القَصائِدِ، ويَحمِلُ اسمًا خاصًّا:القَسْمُ الأوَّلُ: المُعلَّقاتُ: ويَتَضمَّنُ المُعلَّقاتِ السَّبْعَ الَّتي اعْتَبرَها، وهي قَصائِدُ كُلٍّ مِن: امْرِئِ القَيْسِ وزُهَيْرٍ، والنَّابِغةِ والأعْشى، ولَبيدٍ وعَنْتَرةَ.
القَسْمُ الثَّاني: المُجَمْهَراتُ: ومَعناها المُحْكَمةُ السَّبْكِ، نِسبةً إلى وَصْفِ النَّاقةِ القَويَّةِ بالمُجَمْهَرةِ
[113] يُنظر: ((الجيم)) لأبي عمرو الشيباني (1/ 116)، ((تهذيب اللغة)) للأزهري (6/ 272). ، ويَشْتمِلُ هذا القِسْمُ على قَصائِدَ لعَبيدِ بنِ الأبْرَصِ، وعَديِّ بنِ زيدٍ، وبِشْرِ بنِ أبي خازِمٍ، وأُمَيَّةَ بنِ أبي الصَّلْتِ، وخِداشِ بنِ زُهَيْرٍ، والنَّمِرِ بنِ تَوْلَبٍ.
القِسْمُ الثَّالِثُ: المُنْتَقَياتُ: وهي قَصائِدُ انْتَقاها للمُسَيَّبِ بنِ عَلَسٍ، والمُرَقِّشِ الأصْغَرِ، والمُتَلَمِّسِ، وعُرْوةَ بنِ الوَرْدِ، والمُهَلْهِلِ بنِ رَبيعةَ، ودُرَيْدِ بنِ الصِّمَّةِ، والمُتَنَحِّلِ بنِ عُوَيْمِرٍ الهُذَليِّ.
القِسْمُ الرَّابِعُ: المُذهَّباتُ: ضَمَّنَه قَصائِدَ لحَسَّانَ بنِ ثابِتٍ، وعبْدِ اللهِ بنِ رَواحةَ، ومالِكِ بنِ العَجْلانِ، وقَيْسِ بنِ الخَطيمِ، وأُحَيْحةَ بنِ الجُلاحِ، وأبي قَيْسِ بنِ الأَسْلَتِ، وعَمْرِو بنِ امْرِئِ القَيْسِ.
القِسْمُ الخامِسُ: المَراثي: جاءَ فيه بسَبْعِ قَصائِدَ جيِّدةٍ مِن المَراثي المَشْهورةِ،
مِثلُ عَيْنيَّةِ أبي ذُؤَيبٍ الهُذَليِّ المَشْهورةِ، وصَدْرُها:أَمِنَ المَنونِ ورَيْبِها تَتَوجَّعُ؟
والدَّهْرُ ليسَ بمُعْتِبٍ مَن يَجزَعُ
ويائِيَّةِ مالِكِ بنِ الرَّيْبِ الَّتي رَثى بها نفْسَه، وصَدْرُها:ألَا ليتَ شِعْري هلْ أَبيتَنَّ لَيْلةً
بِجَنْبِ الغَضا أُزْجي القِلاصَ النَّواجيا
وعَيْنيَّةِ مُتَمِّمِ بنِ نُوَيْرةَ، ومَطلَعُها:لَعَمْري، وما دَهْري بِتَأبينِ مالِكٍ
ولا جَزِعًا مِمَّا أَصابَ، فأَوْجَعا
وقَصيدةٍ لِذي جَدَنٍ الحِمْيَريِّ، ومَطلَعُها:لِكلِّ جَنبٍ اجْتَنى مُضطجَعْ
وَالمَوْتُ لا يَنفَعُ مِنهُ الجَزَعْ
وأخرى لمُحمَّدِ بنِ كَعْبٍ الغَنَويِّ رثى فيها أخاه، ومَطلَعُها:تَقولُ ابنةُ العَبْسيِّ قَدْ شِبْتَ بَعْدَنا
وكُلُّ امْرِئٍ بَعْدَ الشَّبابِ يَشيبُ
ومَرْثيَّةٍ لأعْشى باهِلةَ في أخيه، وصَدْرُها:إنِّي أتَتْني لِسانٌ ما أُسَرُّ بِها
مِن عَلْوُ لَا عَجَبٌ فيها ولا سَخَرُ
ثُمَّ مَرْثيَّةٍ لأبي زُبَيْدٍ الطَّائيِّ في أخيه الجُلاحِ، ومَطلَعُها:إنَّ طُولَ الحَياةِ غيْرُ سُعودِ
وضلالٌ تَأْميلُ طُولِ الخُلودِ
القِسْمُ السَّادِسُ: المَشوباتُ: وهي الَّتي شابَها الكُفْرُ معَ الإسلامِ؛ مِثلُ رائيَّةِ النَّابِغةِ الجَعْديِّ، ولاميَّةِ
كَعْبِ بنِ زُهَيْرٍ المَشْهورةِ بالبُرْدةِ، ولاميَّةِ القطاميِّ، ولاميَّةِ الحُطَيْئةِ، وقَصيدةٍ زاييَّةٍ للشَّمَّاخِ، ورائيَّةٍ لعَمْرِو بنِ أحْمَرَ، ونونيَّةٍ لتَميمِ بنِ مُقْبِلٍ العامِريِّ.
القِسْمُ السَّابِعُ والأخيرُ: المَلْحَماتُ: أيِ الَّتي تَلاحَمَتْ أجْزاؤُها. ويَتَضمَّنُ سَبْعَ قَصائِدَ مَشْهورةٍ لسَبْعةٍ مِن الفُحولِ؛ هُمْ:
الفَرَزْدَقُ و
جَريرٌ والأخْطَلُ، والرَّاعي، وذو الرُّمَّةِ، والكُمَيْتُ، والطِّرِمَّاحُ بنُ حَكيمٍ
[114] ينظر: ((تاريخ الأدب العربي)) لشوقي ضيف (1/178). .